الأحد 10 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الاثنين 4 نوفمبر 2024
الزوجات وقود العنف في اليمن
الساعة 14:25 (الرأي برس_ المشاهد)

ظلت الثلاثينية ذكرى تقاوم ضرب زوجها المستمر لها بالبكاء، فهي لا تملك سوى دموعها، وقدرة على تحمل المعاناة، بعد أن فقدت أباها وأمها، ولا تعرف إلى أين تذهب إذا ما فكرت ترك بيت زوجها.

ذكرى التي تعمل في قطاع خاص، أمضت ثلاث سنوات من الزواج، لم يمض الكثير من الوقت، حتى تحول زوجها إلى وحش مفترس، بعد أن كان هادئاً في البداية، ولا يعرف لغة العنف معها أبداً، كما تقول لـ”المشاهد”، مضيفة أن زوجها يضربها إلى درجة تعرضها للإغماء، إذا رفضت إعطاءه راتبها الذي تتقاضاه من عملها، أو إذا تأخرت في إعداد الطعام.
وتتابع ذكرى بعد تنهدها بحرقة: “لدي طفلة عمرها سنتان، وللأسف أنا يتيمة الأم والأب، وليس لدي أقارب سوى أبناء أخي المتوفى، لكنهم صغار السن”.
وتعرّف الجمعية العامة للأمم المتحدة، العنف، بأنه اعتداء ضد المرأة مبني على أساس الجنس، والذي يتسبب بإحداث إيذاء أو ألم جسدي جنسي أو نفسي للمرأة، ويشمل أيضاً التهديد بهذا الاعتداء أو الضغط أو الحرمان التعسفي للحريات سواء حدث في إطار الحياة العامة أو الخاصة.

العنف في سنوات الحرب

العنف ضد المرأة في اليمن سجل طويل، وحكاية بلا نهاية، نتيجة لعدم الإبلاغ عن تلك الحالات، كونه بنظر الكثير شأناً خاصاً وأسرياً، ففي المجتمع اليمني تسود الثقافة الذكورية التي ترى في الرجل السيد المهيمن والمسيطر على المرأة يفعل بها ما يشاء، وعليها أن تصمت.
وأشار تقرير لمنظمة أوكسفام إلى أن 56% من النساء اليمنيات المتزوجات يتعرضن للعنف الجسدي من أزواجهن.
وخلال سنوات الحرب زادت وتيرة العنف تجاه المرأة بشكل لافت للنظر، حيث أفاد صندوق الأمم المتحدة للسكان (unfpa)، بالإبلاغ عن 10 آلاف قضية عنف ضد النساء في اليمن خلال عام العام 2016. وبيّن أن قضايا العنف تشمل حالات اغتصاب وعنف منزلي وزواج قاصرات وزواج بالإكراه وإيذاء بدني وجسدي ونفسي، والعديد من أشكال العنف الأخرى ضد النساء والفتيات.
وأفاد الصندوق أنه زادت حالات العنف القائم على النوع الاجتماعي في اليمن بأكثر من 63%، في العامين الماضيين من الحرب.
الرجل الذي يمارس العنف ضد زوجته إنسان مريض نفسياً، وضعيف الشخصية، بحسب تأكيد الأخصائية النفسية ومسؤولة الخط الساخن للاستشارات النفسية بمكتب اتحاد نساء اليمن، زينب الأسدي، التي قالت لـ”المشاهد”: “جذور العنف لدى الرجل تمتد لمرحلة الطفولة، حيث قد يكون هو نفسه تعرض لعنف أسري، أو شاهد والدته تتعرض للعنف من قبل والده، فتولد لديه عنف تدريجي مارسه عند الكبر على أقرب الناس إليه، كرد فعل لما عاناه سابقاًً”.
ولا يوجد نص قانوني خاص بضرب الزوج لزوجته، ولكن قانون الجرائم والعقوبات شدد على احترام وحفظ كرامة المرأة من أي اعتداء، حيث نصت المادة 41 فقرة 5 من القانون اليمني، فيما يجب على الزوج لزوجته عدم الإضرار بها مادياً أو معنوياً، والمقصود بالإضرار المادي الضرب المبرح، أما الإضرار المعنوي فهو السب والشتم ومناداتها بالألفاظ الجارحة، بحسب المحامية لبنى القدسي، التي أوضحت لـ”المشاهد” أن ضرب الرجل لزوجته يعد جريمة عنف.
وتقول القدسي إن مسودة مشروع قانون بشأن مناهضة العنف ضد النساء والفتيات، أعدتها بعض منظمات المجتمع المدني، وتمت مراجعتها مع المختصين، وتطرقت إلى العنف الأسري، ومنه ضرب الزوج لزوجته، ولكن للأسف توقف العمل بها نتيجة الحرب في اليمن، مضيفة أنه يجوز للمرأة التي نزل بها ضرر من معاملة زوجها كأن يكون يضربها مثلاً، أن تلجأ إلى القاضي، وتطلب الطلاق لضرر نزل بها، وللقاضي أن يحكم بالطلاق.

الأطفال يدفعون الثمن

وعن نتائج العنف على الأطفال، توضح الأسدي أن “الأطفال وحدهم، يدفعون فاتورة العنف الأسري بين الزوجين، فالطفل الذي يرى أمه تضرب وتهان من قبل والده، تتولد لديه حالة من القلق والفزع والخوف، ما يجعله شارد الذهن قليل التركيز كثير الحركة، لا يشعر بالأمان داخل البيت، فيبدأ بالبحث عنه خارجه، ومن ثم ينتج الفشل الدراسي، وقد يتطور للهروب من المدرسة أو من المنزل. إذن، فالأمان شرط أساسي داخل الأسرة، أما العنف بين الزوجين فيولد العنف لدى الأطفال، وهكذا تصبح مشكلة العنف متأصلة من جيل لآخر”.
وتختم الأسدي نصيحتها للزوجات بقولها: “أنصح كل زوجة تتعرض للعنف الجسدي من زوجها لأول مرة، بألا تصمت، وأن تبلغ أهلها، وتهدده في حال تكرار فعلته أنها ستشكوه للشرطة، فردة فعل الزوجة للمرة الأولى مهمة، حيث إنها تحدد للرجل إما التوقف عن ذلك أو التمادي فيه”.
وتقول ذكرى: “ابنتي الصغيرة تشاهده وهو يضربني، ما سبب لها عقدة منه، راودتني فكرة الانتحار، ولولا خوفي على طفلتي لفعلتها”.

إقرأ أيضاً  اسرار اقالة بن دغر، تضع الحكومة الجديدة أمام تحديات كبيرة
الدين ضد العنف

وتعد ظاهرة ضرب الزوجات من الظواهر المنتشرة في العالم أجمع، ولا تقتصر على مجتمع معين، وتشكل صورة من صور العنف القائم على النوع الاجتماعي.
منظمة الصحة العالمية التابعة لهيئة الأمم المتحدة، ذكرت أن 66.6% من نساء العالم يتعرضن للأذى في بيوتهن، منهن 61% في المدن الكبرى.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية سجلت الإحصائيات الرسمية أن 79% من الرجال يضربون زوجاتهم ضرباً يؤدي إلى عاهة. أما في فرنسا فهناك مليونا امرأة يتعرضن للضرب كل سنة. وفي بريطانيا تفيد التقارير أن 77% من الأزواج يضربون زوجاتهم بدون سبب.
و%35 من المصريات المتزوجات تعرضن للضرب من قبل أزواجهن على الأقل مرة واحدة منذ زواجهن، وأن الحمل لا يحمي المرأة من هذا العنف. وقد اعتمد هذا البحث على 7 آلاف زوجة في الريف والحضر، وتبين من البحث أن المرأة الريفية تتعرض للضرب أكثر من المرأة الحضرية.
العلاقة بين الزوجين أساسها الود والرحمة والسكينة، لا الضّرب والعنف والقسوة، بحسب الشيخ محمد العيدروس، المحاضر بدار المصطفى للدراسات الإسلامية بتريم، مشيراً إلى أن الله تعالى حرم على الناس التعدّي والظُّلم، فكيف الحال إنْ كان بين زوجين بينهما علاقةٌ مقدّسة، فضرب الزّوجة بلا وجه حق يُعدّ اعتداء وأذية وظلماً لها، لأنّ من حقّها أن تُعامل بالمعروف والحسنى.
ويتابع الشيخ العيدروس لـ”المشاهد”: “إن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أمرنا بالإحسان إلى النساء، وقال: “خيركم خيركم لأهله”، وحين جاءته امرأة تشكو زوجها لأنه ضربها ضرباً شديداً، أنكر ذلك وقال: “يظل أحدكم يضرب امرأته ضرب العبد، ثم يظل يعانقها ولا يستحي”، وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: “لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضى منها آخر”..”.
ويضيف الشيخ العيدروس نصيحته للأزواج بأن يقتدوا بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فإنه لم يضرب امرأة قط، بل عالج كل أموره بالحلم والحكمة، ولهذا كان بيته من أفضل البيوت وأكرمها.

الحضانة للأم المطلقة ما لم تتزوج

وتقول الأسدي: “عندما يضرب الرجل زوجته فإنه بذلك يهدم جسور الحب والتفاهم بينه وبين زوجته، ويصبح بنظرها شخصاً عدوانياً يصعب العيش معه، وهناك أسباب عديدة تدفع المرأة للسكوت على إهانتها وضربها، منها الجهل بحقوقها وخوفها من الزوج أو من الطلاق وتهديدها بحرمانها من أطفالها”، وهو ما تخشاه ذكرى عند تفكيرها بالطلاق كما تقول، مضيفة: “عندما كنت أطلب الطلاق كان يهددني بحرماني من طفلتي نهائياً، ولم يكن لي سوى الدعاء إلى الله بأن يصبرني على حالي، ولكن لم أعد أحتمل أكثر، فقد طفح الكيل، وهنا تذكرت نصيحة إحدى جاراتي لي بالقدوم إلى مكتب اتحاد نساء اليمن بأمانة العاصمة، لعرض مشكلتي وأخذ النصح والمشورة، فلديهم قسم للاستشارات النفسية والقانونية لمثل هكذا حالات.
المحامية لبنى تطمئن ذكرى ومن على شاكلتها بعدم الخوف من الطلاق في حالة وجود الأطفال، بالقول: “القانون أعطى الحق في الحضانة للأم ما لم تتزوج بعد وقوع الطلاق لا قدر الله”.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص