الخميس 21 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
محمد عبد السلام منصور: عالقون بين الجهل الداخلي والخبث الخارجي
الساعة 19:47 (الرأي برس - عربي )

المفكر محمد عبد السلام منصور، شخصية مخضرمة عاصرت أحداثاً وخطوباً مرت على اليمن منذ عهد الإمام يحيى حميد الدين حتى يومنا هذا. مارس السياسة وكان ثائراً منذ نعومة أظافره، وقدّم لليمن الكثير من العطاءات من خلال المناصب التي تقلدها في مختلف المجالات، فقد كان قاضياً وخبيراً في القانون وقيادياً عسكرياً خاض حروباً وتحديات أمنية شتى، كما أن له بصمات ناجحة يتذكرها كل يمني في عدد من الوظائف الإدارية في الدولة، ولم يتغيب الثائر منصور عن المشهد الثقافي، فقد رفد المكتبة العربية بعشرات المؤلفات الشعرية والنقدية التي أبدع فيها، ومن خلالها أعاد للثقافة اليمنية رونقها. يتحدث محمد عبد السلام منصور في حوار معه عن القضية اليمنية بأبعادها التاريخية والقانونية والاجتماعية والثقافية كافة، وربطها بالخبرات التي اكتسبها خلال خمسين عاماً مرت على اليمن.


محمد عبد السلام منصور الإنسان، الثائر، السياسي، القاضي، رجل القانون، القيادي العسكري، الإداري الناجح، الشاعر والمثقف... من أين نبدأ هذا الحوار؟
نبدأ من الانسان.


حدثنا عن محمد عبد السلام منصور الإنسان؟
الحقيقة إنني أرجع إلى أصول تمسح اليمن بكاملها، فأجدادي الأُول من حضرموت من الهجرين، بلاد امرؤ القيس، ويقال إن نسبنا يعود إليه، وقد هاجر جدي الخامس إلى ذمار، ومكث فيها هو وأسرتي منذ 200 سنة، ثم غادر والدي اإلى بني الحارث (بلاد ميسون بنت بحتل)، وهي زوجة معاوية بن أبي سفيان، وتزوج من هناك ثم ذهب مع زوجته الحارثية إلى منطقة حوث، فولدت أنا في حوث، ودخلت إلى صنعاء وأنا في سن السادسة، ودرست فيها وفي عمران.


كنت ثائراً، واعتقلت وأنت طفل بسبب خروجك في مظاهرة ضد الامام، وبعدها عاصرت كل الثورات التي تعاقبت على اليمن، برأيك من هو الثائر الحقيقي اليوم؟
الثائر الحقيقي اليوم هو الذي يرفض التخلف والظلم وعدم المساواة ويرفض السلالية ويرفض المناطقية والطائفية والمذهبية ويعمل عملاً ثائراً من أجل إشاعة العدل والمساواة والديمقراطية والتنمية، لتجاوز هذا التخلف الذي نعيشه في ثقافتنا واقتصادنا وكل مجالات حياتنا، الثائر الذي يحرض الجماهير على كل ما فيه خير وقرب من الانسانية وبعيداً عن النزعات البدوية والقبلية والتعصب والنزعة إلى الإضرار بالآخر وعدم القبول به.


عاصرت كل رؤساء اليمن عقب ثورة سبتمبر، من هو أفضل رئيس حكم شمال اليمن؟
أنا ولدت في أيام الامام يحيى وعشت حتى مات الامام أحمد وابنه البدر الذي عاش في السلطة أسبوعاً فقط، وخلال فترة دراستي في المدرسة بدأت تتكون لدي رؤية قومية نتيجة لسماعي "صوت العرب"، وكان هناك برنامج عن الجنوب اليمني كنت متابعاً له متابعة متلهفة، كما أنني كنت متأثراً بالثورة المصرية التي دعت للقومية العربية، وما أتت ثورة 26 سبتمبر إلا وقد استطعت أن أقيم سلوك رؤساء الجمهورية، ابتداءً من الرئيس السلال وانتهاءً بعبد ربه منصورهادي. ومن وجهة نظري إن الرئيس الشعبوي الذي كان يدعو إلى القومية لا باعتبارها نسقاً قومياً وإنما بكونها مفاهيم وأهدافاً وخططاً عمل من أجل النهوض بالأقطار العربية وتوحيدها، ابتداءً من الوحدة الاقتصادية إلى الاتحاد السياسي. من كان يقرب من هذه الأهداف من الرؤساء أنا اعتبرته هو الرئيس الأفضل، وهو الرئيس السلال. 


لك إسهامات في تأسيس كلية الشرطة بصنعاء، ولك باع طويل في بناء الأجهزة الأمنية، ماهو تقييمك لأداء الأجهزة الأمنية في ضوء ما تشهده اليمن من فوضى عارمة؟
بعد تخرجي اختاروني مدرساً في كلية الشرطة، وكنا ندرس الطلاب المبادىء القومية، وكان كل عمل ضباطنا في هذا الاتجاه، فكان أداؤهم وطنياً نزيهاً، أما الآن فحين تقاسم السياسيون الرؤى المتخلفة، فمنهم من صار يؤمن بالقبلية، ومنهم من يؤمن بالطائفية، فتقاسمت الأحزاب الدينية رؤى الناس، وأصبحت المصالح الشخصية هي القائمة، فساد الأجهزة الأمنية... ولهذا السبب أخل بالأمن وسادت الفوضى وكانت الحرب. 


كنت من القضاة القلائل الذين أصدروا أحكاماً لصالح المواطنين ضد جهات حكومية، برأيك ما هي كلمة السر لإصلاح القضاء في اليمن؟
هذا يعود إلى الرؤية القضائية السابقة المستندة إلى الرؤية الفقهية التي تلخص العلاقة بين القاضي والحاكم. فالفقه يقول للقضاة إن أمير المؤمنين هو الحاكم، هو الامام الخليفة، هو الولي... وما القاضي إلا وكيل عنه، فهو يعمل كما يأمره الحاكم. أما في الفترة التي أعقبت ثورة سبتمبر لم يكن هناك حاكم ولا أمير، ولا شخص يسيطر على القضاء، فسلطة القضاء كانت مستقلة تستطيع أنت كقاض أن تحكم بالقبض على الحاكم الأول ومحاكمته وإدانته إذا خرج عن الدستور، عن نظام البلد والقوانين. وفي عهد الرئيس صالح جاءت بعثة من المانحين الأوروبيين إلى اليمن لتقييم القضاء والأجهزة المتعلقة به، وكنت مستشارهم المحلي، وكانوا يحدثونني أن مشكلة القضاء في اليمن نابعة من أن رئيس الدولة آنذاك، وهو صالح، هو ذاته رئيس مجلس القضاء الأعلى، فقلت لهم المسألة ليست نزع القضاء من يد صالح، لأن المسألة هي ثقافة سابقة، وقلت لهم إن صالح سوف يأتي برئيس آخر لمجلس القضاء الأعلى، يعمل ما لا يجرؤ الرئيس عمله، لأنه سيأمره من وراء ستار، وسيجعله هو الذي يعمل هذه المظالم وليس الحاكم الأول، وبالفعل تم ذلك، ولم يتطور القضاء على الإطلاق، وفي رأيي أن لا إصلاح للقضاء إلا باستقرار مواد الدستور وشيوع الديموقراطية واحترام السلطات الثلاث، أو السلطة الرابعة، والعمل على إيجاد تنمية فكرية واجتماعية.


أنت درست، ودرست القانون في دول عربية وأوروبية، برأيك كخبير قانوني: ما هي المعوقات التي تحول دون تطبيق القانون في اليمن؟
القانون هو عبارة عن تعبير عن الثقافة المجتمعية، وهو البنية العليا للعلاقات الاجتماعية السائدة، وهو أيضاً تعبير عن علاقات مطلوبة لنتجاوز بها العلاقات السائدة. القوانين في اليمن لا تقل جودة عن القوانين الموجودة في العالم، لكن اليمنيين لا ينفذنوها بسبب الغلبة في السلطة، الحاكم لم يأت عن طريق الديمقراطية بل بالغلبة، ومن يتحدث عن وجود ديمقراطية في العهود السابقة مخطىء، لأنها كانت فترة الديمقراطية السطحية والمفتعلة التي لم تكن معبرة عن إرادة الجماهير، لهذا السبب ظل الحاكم ممسكاً بكل أجهزة الدولة، ويصدر قوانين لا تطبق ويتجاوزها كيفما يشاء.


لك إسهامات كبيرة في تطوير شركة الخطوط الجوية اليمنية، وكنت مديراً تنفيذياً فيها لفترة طويلة... ما سبب انهيار "اليمنية" اليوم؟
عقب دراستي القانون الجوي عدت إلى اليمن، وعملت في الخطوط الجوية اليمنية حينما أقصيت لديها على أساس سياسي، وعندما توليت إدارة الشركة أوضحت للرئيس السابق، علي عبد الله صالح، أن "اليمنية" لا بد أن تضاهي شركات الخطوط الجوية العالمية كـ"اللوفتاهنزا" و"الكي أل أم" وغيرها، لأن "اليمنية" لا تطير في اليمن فقط، وإنما تطير إلى بلدان أوروبية وأخرى عالمية، ويجب أن تتنافس مع تلك الشركات الكبرى، وفي ذلك الوقت كانت المملكة العربية السعودية تملك 49 % من أسهم الشركة، واتفقت أنا وممثليهم، وكذا بقية أعضاء مجلس الإدارة على تخصيص مبلغ 12 مليون دولار للتدريب في السنة، وقد تدرب في تلك الفترة آلاف اليمنيين على التخصصات المتصلة بعمل الشركة. دربنا طيارين ومهندسين وفنيين وإداريين، وحينما بدأت تنهار الأمور في البلد ترك معظم الطيارين "اليمنية"، وعملوا في الخليج وبعض الدول الأوروبية، وصارت اليمنية فارغة من تلك الكوادر، بسبب استشراء الفساد فيها، والبحث عن الولاءات لرئيس الشركة.


لستم بعيدين عن الحرب الطاحنة التي يعاني منها اليمن، يقول البعض: لماذا لعب النخب في اليمن دور المتفرجين؟
لسنا متفرجين، أتى إلي المناضل محمد عبد الله الفسيل، وقال لا بد أن يتدخل العقلاء، وجمعنا من عقلاء اليمن وعلى رأسهم الدكتورعبد العزيز المقالح، ومحمد المفلحي، والكابتن يافعي، وراشد محمد ثابت، وأسسنا اللجنة الشعبية للتوفيق بين المكونات السياسية وعملنا ميثاقاً وطنياً وقع عليه ممثلو المكونات السياسية، اعترفوا فيه أن الحرب القائمة اليوم هي حرب مصالح وسياسة، وليست حرباً مذهبية دينية، وقابلنا عبد الملك الحوثي وعلي عبد الله صالح واليدومي والأنسي، وكل قيادات الأحزاب السياسية، ولم نيأس، وما زلنا نجتمع للبحث عن حلول عملية للخروج من الحرب العبثية التي خطط لها الخارج واستجاب لها الداخل.


لكن من الذي سيستجيب لكم بعد هذا الجرح والخراب والدمار؟
على النخب أن تجعل من الداخل المتكأ من خلال إقناع أطراف الصراع المسلح بأن لا يستجيبوا لتخطيط الخارج، وسنستطيع أن نتجاوز المحنة، صحيح أننا عجزنا عن لملمة الشعب لأن الشعب قد انقسم، لا سيما أن الفقر قد زاد وأصبح الناس يبحثون عن لقمة العيش بأي طريقة كانت، فالجهل الداخلي والخبث الخارجي هو الذي أعجزنا.


ننتقل في هذا الحوار إلى محمد عبد السلام الشاعر، لك مؤلفات شعرية كثيرة، أشهرها: الهزيم الأخير من الوقت، وتجليات حي بن يقطان، وتراتيل يمنية... يقول عدد من الشعراء العرب  إن شعرك يميل إلى الصوفية؟ هل هذا صحيح؟
عندي كتاب "إيقاعات على خطى النفري"، وهذا النفري هو من أوائل الصوفيين قبل أن تكون الصوفية دروشة، وهناك رؤى لدى الصوفية مفادها أن الانسان يجب أن يجاهد نفسه ويجب أن يشف حتى يستطيع أن يعذب الجسد وتصفو الروح وتكون فيها شفافية حتى يرى الله، ثم يحل في الله، فرؤيتي أنا لم أذهب إلى الصوفية إلا بمقدار رؤيتي إلى ما يجب أن تكون إليه الصوفية، وهي أن الله ليس خارج الإنسان، فالله داخل الإنسان، وهناك أحاديث تقول إنه ليس هناك مكان يتسع لله إلا قلب المؤمن، وفي القرآن يقال "ونفخنا فيه من روحنا"، ففينا روح الله النفخة، جزء منا هو من التراب من هذه الأرض والجزء الآخر منا إلهي ملائكي، فرؤيتي أنه لا تجاهد الجسد، أعطه حقه وابحث عن الله فيك، ثم اخرج إلى الناس بصفات الله حتى تصلحهم ولكي يكون هذا عمل الصوفي وفلسفتي في الصوفية هي هذه.


مؤخراً صدر لك كتاب تحدثت فيه عن رؤيتك الخاصة للابداع، هل الإبداع إلهام أو مكتسب؟
نعم الكتاب الذي ذكرته في سؤالك هو صادر عن مجلة "الرافد" في الشارقة، أما ما يخص الجانب الآخر من سؤالك؛ في رأيي أن الإبداع مكتسب، ويحتاج إلى جهد، فليس هناك شيطان في الشعر، وليس هناك إلهام من الخارج.


في منتصف سبتمبر احتفل العالم باليوم العالمي للغة العربية، أنتم الأمين العام المساعد للمجمع اللغوي في اليمن، ما هي الجهود التي بذلتموها في سبيل الحفاظ والارتقاء باللغة العربية؟
لي كتابات في اللغة العربية قلت فيها إن التخلف كما يقول الناس ليس الانصراف عن الفصحى إلى العامية، أو إلى اللهجات، لأن العرب كان لديهم لهجات مختلفة، التخلف في اللغة العربية سببه عدم وجود الإنتاج، الإنتاج الفكري والتكنولوجي، لذا العرب لا يسمون، نحن نتلقى إنتاجاً مسمى، إذاً هنا يكمن التخلف، وهناك تخلف آخر في التعليم الأساسي كُله، يتمثل في طريقة وتوقيت تدريس اللغة العربية، فمن المفترض أن يُدرس الطلاب القراءة والكتابة في المراحل الأساسية، وأن يُدرس النحو والصرف في المرحل الثانوية، فقد أثبتت الألسنية أن الأداء اللغوي هو أداء جسدي وليس فكرياً، لأن الطفل ينظر إلى شفتي والديه ويقلدهم، دون أن يفكر، فتكون اللغة من هذا التقليد البيولوجي الجسدي.
وعندي مقالات علمية في تفصيح العامية وتعميم الفصحى، وفي رأيي أن اللغة المتوسطة التي تنشر في الصحافة وتبث في القنوات الإذاعية والتلفزيونية، سواء في المشرق أو المغرب العربي، هي التي ستحافظ على العربية، لأنها تتطور تلقائياً دون تخطيط لهذا التطور.


دائماً تتحدث أنه لا بد أن يكون الشاعر صاحب قضية، ما هي القضية التي تحملها؟
قضيتي هي قضية الوطن لإخراجه من الظلم الواقع عليه ومحاربة الجهل والخزعبلات والأوهام، لأنه للأسف ما زال لدينا اليوم من يؤمن بالتنجيم وبالسحر وبالدبور.


شاركت في اختيار عدد من الشعراء الشباب في برامج تلفزيونية، حدثنا عن تجربتك في هذا المجال؟
حقيقة أردنا من خلال تلك البرامج التلفزيونية، والتي كانت تعرض على شاشة التلفزيون اليمني، أن ندخل الصورة الحديثة إلى الشعر الحميني الشعبي، لأن الهدف من الشعر هو النهضة والتقدم في الثقافة والذهنية اليمنية، وكان كثير من الشعراء الشباب الشعبيين كانوا يكتبون شعراً نبطياً، وكان يحز في نفسي أن يتركوا طريقة الشعر الحميني الفائقة الجمال، والتي تتجاوز الموشحات الأندلوسية إلى الطريقة الخليجية البدوية.


مارست الصحافة وكنت مسؤولاً عن صفحة نوافذ الثقافية، حدثنا عن رؤيتك لواقع الصحافة اليمنية؟
أردت من خلال "نوافذ" أن أكتب خطاباً أدبياً اجتماعياً تنموياً ذا بعد استراتيجي، وحينما أراد كل حزب أن تكون نوافذ معبرة عن لسانه توقفت عن العمل فيها، وانصرفت للكتابة الخاصة في الشعر، وللأسف أقول إن واقع الصحافة المتخصصة في الشؤون الثقافية في اليمن، والصحافة بشكل عام، سيء جداً نتيجة الانقسام السياسي.


متى ستبدأ بكتابة سيرتك الذاتية؟
مخطط أن أبدأ بكتابتها في بداية العام الجديد 1/1/2017.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص