السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
حراك ولد الشيخ على وقع إعلان صنعاء... ماذا بعد؟
الساعة 18:57 (الرأي برس - عربي )

كلما قال اليمنيون "عساها تنجلي"، قالت الأيام "هذا مبتداها". أكثر من مرة يشعر اليمنيون أنهم اقتربوا من السلام بعد ظهور بوادر سياسية معبرة عن ذلك، إلا أنه سرعان ما يتحول السلام إلى سراب ووهم، بعد اصطدامه بتقلب المواقف وتصلبها. فعلى مدى عامين تتبادل الأطراف السياسية الأدوار في صناعة العقبات والعراقيل، الأمر الذي جعل من كل مبادرة سلام جديدة تتحول إلى جولة أخرى من الخذلان من جهة، وإلى جولة تصعيد من جهة أخرى، إلى جانب ذلك عدم إظهار الأطراف السياسية اليمنية قدراً من المسؤولية الوطنية، والتي يفترض أن يضعوها نصب أعينهم، خصوصاً بعد ما وصلت الأمور في البلاد إلى أعلى درجات الانهيار، وعلى كل المستويات.
مؤخراً كانت مبادرة وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، إلى جانبها خارطة السلام الأممية المقدمة من المبعوث الأممي، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، نقطتان هامتان في انطلاق مفاوضات سلام، رافقهما تأييد إقليمي ودولي واسع النطاق، ومع ذلك لم تتكلل الجهود بالنجاح رغم الضغوطات الدولية الكبرى من قبل المجتمع الدولي.


الأطراف السياسية وافقت في بداية الأمر، ولكنها سرعان ما تراجعت معبرة عن رفضها، ليتضح في نهاية المطاف أن القبول ما هو إلا ورقة لامتصاص غضب المجتمع الدولي، أوالإقليمي، الذي تارة يبدو مهتماً بالشأن اليمني، وتارة أخرى يجد نفسه منشغلاً بملفات أخرى، فتذهب كل الضغوطات والجهود مع الرياح، رياح الأحداث في المنطقة، ولعل الانتخابات الأمريكية شاهد على ذلك، فعلى إثرها تغيرت موجة الجهود وذهبت تدريجياً نحو الاختفاء نتيجة الانشغال وتغير الخارطة السياسية الأمريكية والدولية برمتها. طوال فترة الانتخابات الأمريكية، سكت المبعوث الدولي، وسكتت معه كل النوافذ الدولية، المحركة للسلام في اليمن، ليعود كيري إلى الواجهة، ولكن من زاوية ضعيفة وركيكة، قاربت الحركات المسرحية، أكثر منها التحرك الدبلوماسي. تخلل قرار تشكيل حكومة الانقاذ سلسلة قرارات بإرجاء الإعلان


اليوم عاد المبعوث الدولي إلى الواجهة، وبدأ جولة جديدة من المباحثات شملت كلاً من مسقط، والرياض، قبل وصوله عدن، موضحاً أن الاتفاق لن يطول زمنه هذه المرة ولن يتجاوز عشرة أيام في مسألة التحضير له. مؤشرات الجولة السياسية الجديدة لولد الشيخ أحمد لم تكن باعثة على الاطمئنان، حيث إنها لم تحمل أي جديد يجعل أمر تقارب الأطراف السياسية ممكناً، ففي الوقت الذي كان يفترض أن يلتقي فيه ولد الشيخ الرئيس عبدربه منصور هادي المبعوث الدولي في الرياض، ترك هادي الرياض هو وحكومته، وتوجهوا نحو عدن، في خطوة اعتبرت أنها تصعيدية وتهرب من مباحثات السلام الأممية، ومع ذلك أكدت الحكومة اليمنية أنه بالإمكان أن يقابل هذا المبعوث الدولي الرئيس هادي في عدن، مع أن هادي وحكومته أعلنوا بأن هدف زيارتهم يأتي في إطار التصعيد العسكري وحسم المعركة في تعز. كانت هذه الخطوة أولى خطوات التعقيد والتعثر، ولنجد من ثم ولد الشيخ يلاحق هادي، ويصل إلى عدن، حيث جرى لقاء لم تخرج عنه في غير إطار التصريحات المستهلكة، سوى الحديث عن تسليم الرئيس هادي ولدَ الشيخ رد حكومته "وتفنيدها" لخارطة الطريق الدولية، وبما يهدف إلى "تصحيح المسار وإنجاح مساعي السلام وفقاً للمرجعيات المحددة"، وعبارتا "التفنيد" و"تصحيح المسار" واضحتان لجهة التأكيد على المراوحة في المربع الأول، وتشبث فريق الشرعية برفض المبادرة. مع ذلك، لم يجد ولد الشيخ حرجاً في تكرار تفاؤله والتعليق بالقول للصحفيين "لمست أنا شخصياً من فخامة الرئيس الكثيرَ من الايجابية"، دون الاشارة إلى أي عنصر يدل على هذا التحول الايجابي في المواقف المعروفة.


وفي الوقت الذي كان يتوقع فيه البعض احتواء هذه الخطوة وإعادة الشرعية إلى مربع التفاوض، جاءت خطوة جماعة "أنصار الله" وحليفهم "المؤتمر الشعبي العام" في صنعاء، والمتمثلة بإعلان حكومة، معززة للتعقيد، ليقابل التصعيد تصعيد والتعقيد آخر، ما قطع الطريق أمام ولد الشيخ لإحداث أي اختراق في جدار الأزمة.


خطوة قال البعض إنها تأتي في إطار تصعيدي واضح. في حين هناك من ذهب إلى القول إن إعلان حكومة في صنعاء أمر سينعكس إيجاباً على موقف الشرعية، وعلى إثره ستخف الضغوط الدولية على الرئيس هادي وحكومته، التي يمارس عليها ضغوط دولية واسعة النطاق للقبول بتقديم تنازلات وفقاً للخارطة الأممية الأخيرة.


ومن جهة نظر البعض، فإن هناك جانبين من خلالهما يمكن تفسير أبعاد هذا التطور وأبعاد الانعكاسات على مسار العملية التفاوضية. الجانب الأول أن الإعلان عن تشكيل حكومة من قبل قطبي صنعاء وحلفائهما، في الوقت الذي استأنف فيه ولد الشيخ حراكه، يفضي إلى نسف العملية التفاوضية من قبل طرف صنعاء، وقطع الطريق أمام الحلول السياسية. 


أما الجانب الثاني، فإن هذا الاعلان ربما يأتي من باب تعزيز موقف طرف صنعاء التفاوضي، ورمي آخر ورقة لديه، وهي الاعلان عن تشكيل حكومة بدون دولة ولا موارد. وتشير مصادر سياسية إلى أن الأسماء التي تضمنتها التشكيلة الوزارية التي هي في الأساس "ضرب من ضروب الوهم" و"مجرد مناصب مثلها مثل حكومة الشباب أو برلمان الشباب"، إلا أن تلك الأسماء تدل على جغرافية الصراع واختزاله في مناطق معينة، دائماً ما تكون ضحية لصراع نخب المركز التي لا تزال تتفادى أن يصل إلى جغرافية المركز.


وفي وقت اعتبرت فيه حكومة الرئيس هادي أن إعلان حكومة صنعاء "مولود ميت"، متوعدة بمحاسبة كل من شارك في هذا الإعلان، يذهب الطرف الآخر إلى القول إن "حكومة الانقاذ الوطني" تعد واحدة من الأشكال القانونية المعترف بها في مواثيق الأمم المتحدة، إذ يسمح الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة بتشكيل "حكومة انقاذ وطني" في الدول التي تعاني من الاضطرابات السياسية والحروب، في حين أن القوانين الدولية تدعم هذا الشكل من الحكومات لضروراته في تدارك أي أزمات وطنية، ولتعزيز حال السلم والأمن للدول المجاورة خاصة، والسلم والأمن الدولي بصورة عامة، معتبرين بتفاؤل تلك الخطوة "ضوءاً في نهاية النفق".


من الناحية السياسية، تكمن أهمية قرار إعلان تشكيل حكومة الانقاذ في نظر طرف صنعاء ومؤيديه في كونه جاء ليقطع الطريق تماماً على ترتيبات سياسية كان الرئيس عبد ربه منصور هادي وفريق حكومة الرياض شرعوا بتنفيذها خلال الأسابيع الماضية، وتتعلق بترتيبات البدء بالعمل بنظام أقاليم الدولة الاتحادية، في إطار الخطة التي حاول تحالف طرفا السعودية والامارات، المدعوم أمريكياً وبريطانياً، الدفع بهادي وحكومة الرياض لإنجازها، في مسعى لإنتاج واقع سياسي جديد على الأرض يعيد خلط الأوراق، بعدما أفضت المشاورات الدولية إلى خارطة طريق قلصت من فرص بقاء هادي وفريق الرياض في أي تسويات قادمة.


وعلى مدى أسابيع، تشير مصادر سياسية في صنعاء إلى أنه تخلل قرار تشكيل حكومة الانقاذ سلسلة قرارات بإرجاء الإعلان، نتيجة ضغوط دولية على صلة بمشاورات الحل السياسي الذي تقوده الأمم المتحدة، بعدما فعلت دول تحالف السعودية والامارات ومعها واشنطن ولندن فعلها من أجل إطالة أمد "الفراغ الحكومي" في مقابل استمرارها الاعتراف والتعامل مع فريق حكومة الرياض التي ظلت تتصدر المشهد السياسي اليمني خارجياً طوال الفترة الماضية، وسط تقلبات عاصفة.


ويعتبر سياسيون مؤيدون لقرار صنعاء أن اليمنيين طووا بهذا القرار حقبة ضبابية استمرت لأكثر من عامين، بعدما ظلت إدارة القائمين بالأعمال تدير شؤون الدولة بصفة مؤقتة طوال الفترة الماضية، في ظل صعوبات وعراقيل داخلية وخارجية كثيرة حالت دون "تنظيم العمل الحكومي".


وما بين هذا الرأي والرأي المقابل، تبدو اليمن أمام فصل آخر من التعقيدات والعراقيل التي توقع كثيرون أنها ستعمل على تطويل أمد الحرب، خصوصاً وأن اليمن لم يعد يحتمل المزيد من التوتر والتصعيد. والخلاصة أن المشهد اليمني يكتنفه الغموض، بما في ذلك غموض المواقف الدولية والإقليمية، إزاء التطورات في البلاد، والتي دخلت منعطفاً أكثر تعقيداً، بدأ يتشكل من خلال تسخين غير مسبوق للجبهات، حيث يجري استئناف عمليات التحشيد، على وقع التطورات السياسية.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً