السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
سلطة الخذلان!
الساعة 18:47 (الرأي برس - عربي )

تدخل أزمة الرواتب شهرها الرابع دون أن يتمكن موظفو الدولة في العديد من القطاعات من تحصيل مستحقاتهم. سلطة عدن الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي كانت قد كررت مراراً ولا زالت تؤكد التزامها صرف الرواتب، بلا أي تطمينات أو ضمانات أو بوادر تنفيذ؛ وسلطة صنعاء تلزم الصمت إلا ما ندر، مع استمرار تأكيد التزامها أيضاً بحل الأزمة. وما بين السلطتين، سلطة ثالثة غاب حضورها، سلطة شعبية يفترض أنها تمثل الصوت الحقيقي للموظفين، والذي لا ينبغي أن يغيب أو يختفي، باعتبارها سلطة منتخبة تستمد شرعيتها من هؤلاء الموظفين، بما لا تستطيع أي من السلطتين المتنازعتين إنكاره... إنها سلطة النقابات والإتحادات العمالية التي ظلت تلتزم الصمت وتهدي منتسبيها الخذلان والمزيد من الحيرة فوق حيرتهم وتضاعف ما لديهم من قلق.

 

قلق اليوم التالي
بعد أن أمضى الموظفون في العاصمة صنعاء أشهراً في الترقب والإنتظار، يمنون النفس مساء كل يوم بأن الغد ستصرف رواتبهم، دون أن يسفر صباح اليوم التالي عن تحقق أي من تلك الأمنيات، ما يزال هؤلاء يظهرون قدراً عالياً من التمسك بالأمل، الذي بدا أنهم غير قادرين على التنازل عنه خوفاً من التعايش مع فكرة انقطاع الراتب. هكذا يقرأ الدكتور عبد الرحيم المشرقي، الذي يعمل في إحدى مستشفيات أمانة العاصمة، حالة الإنتظار في ظل شح المعلومات التي يحتاجها الموظفون عن مصير رواتبهم، والتي لم تتكفل أي من السلطتين في صنعاء أو عدن بتزويدهم بها، في حين غاب الصوت المعبر عن شريحة الموظفين في مختلف قطاعات الدولة، من نقابات واتحادات عمالية، في تقديم أي تفسير يطمئن الموظفين أو يجيب تساؤلاتهم القلقة. 
 
غياب أدى إلى ازدهار الإشاعات "التي يجري تداولها على وسائل التواصل الإجتماعي عن موعد الصرف، وجميعها تذهب إلى أن الرواتب ستصرف في الغد الذي طال انتظاره ولم يأت"، يقول المشرقي، لافتاً إلى أن "النقابات اختفت من الساحة، وغاب أي دور لها باعتبارها المعنية بمتابعة حقوق الموظفين، حيث لم نسمع عن دور لهذه النقابات، ولم يصدر عن أي منها أي بلاغ صحافي أو بيان يشرح دورها".
 
أحمد ناجي، الموظف في وزارة التربية والتعليم، يرى، بدوره، أن "النقابات خذلت منتسبيها في كافة القطاعات، ولم يُلمس لها أي دور في متابعة رواتب الموظفين التي لم تصرف للشهر الثالث على التوالي في بعض الجهات، وللشهر الرابع في بعض الجهات الأخرى، في وقت ازدادت فيه معاناة الموظفين وتدهورت أوضاعهم المعيشية إلى درجة لا تطاق وعجز الكثير منهم عن توفير أبسط المتطلبات الضرورية أو الوفاء بأي التزامات، وغرقوا بالديون وتوقفت البقالات عن تزويدهم بأي احتياجات، ورغم كل ذلك بقي الصمت مخيماً على هذه النقابات التي كان ينتظر منها القيام بالكثير من المسؤوليات في العمل على متابعة المعنيين بصرف رواتب الموظفين، وممارسة الضغط المطلوب".
 
ويعتبر ناجي أنه "لا يمكن بأي حال من الأحوال تبرير حالة الصمت هذه والخذلان، ولا يوجد ما يبررها، لأنه مهما كانت الظروف التي تمر بها البلد التي تعيش واقع الحروب الداخلية والعدوان، ذلك لا يعني التنازل عن رواتب الموظفين والسكوت على عدم صرفها، حيث من المفترض أن يكون للنقابات دور واضح في متابعة المعنيين وإطلاع منتسبيها على حقيقة الوضع وطبيعة المعالجات التي يجب أن تتبع لضمان استمرار عملية صرف الرواتب، وتحديد مواقفها من كل ذلك ومخاطبة منتسبيها بحقيقة ماتقوم به في هذا الشأن، لكنها بالحقيقة لم تقم بأي جهود، وبقيت تتفرج بصمت على معاناة الموظفين دون إبداء أي موقف أو محاولة إسهام في تقديم الحلول". غاب الصوت المعبر عن شريحة الموظفين في مختلف قطاعات الدولة
 
حتى مع إعلان "المجلس السياسي" في صنعاء البدء بصرف نصف راتب للموظفين بشكل تدريجي، لم يبرز لأي من تلك النقابات دور يذكر، ولم يسمع لها أي موقف بخصوص عملية الصرف وآليتها والجهات التي ستتولاها والمدة الزمنية التي ستستغرقها. في هذا الصدد، يبدي عبد الباقي الفهيدي، الموظف في وزارة المالية، استغرابه لـ"خذلان النقابات لموظفي الدولة كل هذا الوقت، وغيابها التام في هذه الظروف، حيث كان من المفترض أن تقوم بالكثير مما يجب فعله، وكان ينبغي أن تكون لديها الإجابات الكافية لكل هذه التساؤلات".
 
ويرى الفهيدي أن إصدار الإتحاد العام لنقابات عمال الجمهورية بياناً مطالباً بضرورة صرف رواتب الموظفي، وتنفيذ نقابة هيئة التدريس في جامعة صنعاء وقفات احتجاجية، "خطوات تأخرت كثيراً وغير كافية"، معتبراً أن "الإتحاد العام لنقابات عمال الجمهورية خذل الجميع، وما صدر عنه من بيان متأخر كثيراً لا يعد بالكافي، حيث كان يتطلب الأمر منه فعل الكثير، وأن يكون حاضراً على مدى كل هذه الفترة في المتابعة والضغط على المعنين في سلطة صنعاء وعدن في سرعة صرف الرواتب، واتخاذ الحلول المناسبة، والضغط على أطراف الصراع لتجنيب رواتب الناس ويلات الصراع، والإتفاق علي عدم الإتخاذ منها وسيلة للضغط، والإتفاق على آلية تبقي البنك المركزي خارج دائرة الصراع، والضغط على هذه الأطراف للإتزام بما عليها من واجبات بهذا الخصوص، وبقاء الإتحاد فاعلاً من أجل ضمان ذلك، وهو ما لم يحدث من الإتحاد الذي برهن على فشله الذريع وعجزه عن فعل أي شيء". ويزيد أن "الإكتفاء بإصدار بيان في هذا الوقت المتأخر يؤكد أن الإتحاد في حالة موت حقيقي ولا يمكن الرهان عليه"، موضحاً أن "مطالبتنا للإتحاد والنقابات لا تعني أننا نريد منها اتخاذ الخطوات التصعيدية بقدر ما نطالبها بأن تكون فاعلة وجزء من الحل"، حاثاً "المعنيين على اتخاذ ما يلزم من معالجات".
 
ما الذي تقوله النقابات؟
يبدي مسؤولون نقابيون استغرابهم من طرح الأسئلة المتصلة بأزمة الرواتب عليهم، وكأنها خارج نطاق اهتماماتهم ولا تقع ضمن صلاحياته. أحدهم لا يملك إلا الإنتظار لما سيأتي في قادم الأيام، معبراً عن ذلك بقولة "ما بدي بدينا عليه"؛ أما وقد بدا الوضع كارثياً فلا يظهر أن لديه الإستعداد لمواجهته. آخر رد على اتصال "العربي" بالإعتذار، لكونه "مشغولاً باجتماع هام في العاشره ليلاً"، طالباً الإتصال به في اليوم التالي، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اللحظة امتنع عن الرد عن اتصالات "العربي" المتكررة، وفشلت جميع المحاولات للوصول إليه، فيما وجد نائبه اعتذاراً سهلاً بأنه "ليس مخولاً بالحديث لوسائل الإعلام"، وأن "رئيس النقابة وحده من يمتلك حق الحديث حول مثل هذا الموضوع". 
 
في المقابل، تمكنت نقابات أخرى من تطويق أزمة تأخر الرواتب ومساعدة منتسبيها على تجاوز المعاناة. نموذج من ذلك النقابة العامة للكهرباء والطاقة، التي دأبت على نشر بلاغات توضح فيها مآلات جهودها في متابعة رواتب الموظفين وخطوات الصرف ومواعيده؛ علماً أن قطاع الكهرباء هو من أكثر القطاعات تضرراً جراء الحرب، فالمؤسسة العامة للكهرباء فقدت إيراداتها كلياً، وتعرضت للإفلاس بعد عدم تمكنها من تحصيل إيرادتها لدى المستهلكين من فواتير الكهرباء، وتعرض العديد من منشآتها والمنظومة الكهربائية من محطات وأبراج وأعمدة وخطوط نقل ومحولات للدمار، وتوقف أكبر منتج للطاقة الكهربائية عن العمل، وعدم تمكن الفرق الهندسية من إصلاح الأضرار.
 
على الرغم من ذلك، تمكن موظفو المؤسسة، على سبيل المثال، من استلام رواتب أغسطس وسبتمبر وأكتوبر، في وقت كان فيه موظفو الدولة في جهات كثيرة أخرى ينتظرون رواتب يوليو. فكيف تمكنت النقابة من حفظ الحد الأدنى من حقوق منتسبيها؟ يجيب ذلك بسام الصلوي، رئيس النقابة العامة للكهرباء، لافتاً، في تصريح لـ"العربي"، إلى "(أننا) في النقابة تحملنا مسؤوليتنا بالشراكة مع قيادة المؤسسة ووزارة الكهرباء، واتخذنا معالجات هامة وتدابير ضرورية في الإستمرار بصرف الرواتب، وفي كل شهر وجدنا الصعوبات والعراقيل، ولم نلجأ إلى تحميل المؤسسة لأننا ندرك أنه ليس أسهل من فعل ذلك، لكننا انتقلنا لنكون جزءاً أساسياً من الحل، وعملنا على الدوام على اتخاذ كل ما يلزم من أجل استمرار عملية الصرف، دون التخلي عن واجباتنا وتحميل الآخرين المسؤولية". ويشدد الصلوي على ضرورة "أن لا تتخلى النقابات عن دورها تجاه خدمة قضايا المهنة ومنتسبيها مهما كانت الظروف والتعقيدات التي تعترضها، وفي بلد تعيش حرب داخلية عاصفة وعدواناً خارجياً فإن دور النقابات يزداد أهمية وإلحاحاً أكثر منه في الظروف الطبيعية".
 
بدوره، يؤكد رئيس النقابة العامة للمهن الطبية، الدكتور حسين السراجي، أن نقابته "لم تتخل عن واجباتها يوماً في خدمة منتسبيها"، معتبراً، في حديث إلى "العربي"، أن "أزمة الراتب تعود إلى رغبة العدوان السعودي في حصار الشعب وتجويعه بقصد الإذلال وخلق الفوضى وتحقيق ما عجزت عن تحقيقه من خلال الحرب"، مضيفاً أن "الحصار المفروض على الشعب اليمني واللجوء إلى استخدام الحرب الإقتصادية بقصد كسر إرادة الشعب المظلوم والصامد ستفشل". ويرى السراجي أن "خطوة نقل البنك المركزي أدت إلى المزيد من التعقيدات، وبروز مشكلة الصعوبة في توفير وصرف الراتب، كون هذه الخطوة أدت إلى توقف الكثير من إيرادات البنك المركزي، وامتناع العديد من فروع البنك عن توريد الإيرادات للبنك".
 
وأشار إلى "أننا في النقابة العامة للمهن الطبية نتابع التطورات، وفي الوقت ذاته نحث المجلس السياسي على اتخاذ المعالجات السريعة لإفشال هذا المخطط، والعمل سريعاً على الخروج من هذه الأزمة، وصرف رواتب الموظفين، لأن ذلك أمر غير قابل للتأخير ولا يمكن احتماله، ونحن بدورنا لن نتوقف عن هذه المتابعة للمعنيين حتى يتم صرف الرواتب والعمل على ضمان اتخاذ المعالجات الدائمة لهذه المشكلة التي تؤرق بالنا، ولن تتردد النقابة في اتخاذ كل ما يلزم لأجل ذلك".
 
دور يبدأ من الآن 
من جانبه، يلفت رئيس دائرة العلاقات الخارجية في الإتحاد العام لنقابات عمال الجمهورية، بسام الصلوي، إلى "(أننا) حرصنا على عدم الإنجرار لاتخاذ خطوات أكثر حدة حرصاً منا على عدم تأجيج الوضع الذي لا يحتمل المزيد من التأزيم الذي لا يخدم أحداً، كنا إلى حد ما راضين عن تجنيب الإقتصاد وإبقائه خارج دائرة الصراع، أما وقد قررت الأطراف الزج به في أتون هذه المعركة، عليها أن تتحمل مسؤولياتها في هذا الجانب، كلاً بالقدر الذي يقع عليه من مسؤولية، وعلى الطرف الذي قرر نقل البنك المركزي تحمل مسؤوليته والوفاء بوعوده بصرف رواتب جميع موظفي الدولة، كما أن على الطرف الذي يرفض هذه الخطوة ولا زال يجمع التبرعات لحملة دعم المركزي أيضاً تحمل مسؤولياته في دفع الرواتب أو عليه تقديم الإيضاحات المطلوبة بهذا الشأن"، متابعاً أن "على هذه الأطراف أن تجد حلاً ينهي أزمة الراتب، وعدم جعل الراتب خاضعاً للإبتزاز والمساومات، الناس تواجه خطر مجاعة حقيقية لن تبقي ولن تذر، عليهم أن تدرك حجم الكارثة التي يضعون البلد بها".
 
ويؤكد الصلوي أن "الإتحاد لن يقف متفرجاً، وصبرنا بدأ ينفذ، لأن الوضع لم يعد يحتمل، ولا يوجد وقت كاف للإنتظار إن لم يكن الحل الآن، وعلى أطراف الصراع الوفاء بالتزاماتها دون تسويف، ونحن بالإتحاد سوف نضغط لتفي بالتزاماتها، ولدينا وسائلنا لضمان ذلك".
 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً