الخميس 21 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
العاقل: تهريب النفط جارٍ بحماية قادة الألوية العسكرية
الساعة 19:32 (الرأي برس - عربي )

دائماً ما تؤدي الحروب إلى ازدهار مهن وأعمال غير قانونية، يستثمر أصحابها في الأزمة لزيادة ثرواتهم على حساب الحق العام. هذا ما يشهده اليمن اليوم على غير صعيد، بفعل الصراع المستمر منذ أكثر من عام ونصف العام. ولعل من أكثر من وجوه "التجارة" التي شهدت ازدهاراً خلال الحرب تهريب النفط، الذي كان متجذراً أصلاً في الموانئ اليمنية، بحماية قادة عسكريين وشخصيات سياسية. عن عمليات التهريب هذه، خصوصاً التي تتم في شبوة وحضرموت، يتحدث إلى  أستاذ الجغرافيا الطبيعية المشارك في كلية التربية في صبر، الدكتور حسين مثنى العاقل، متناولاً كذلك التطورات الميدانية والسياسية في اليمن عموماً والجنوب خصوصاً، ومستشرفاً مآلات الصراع العاصف بهذا البلد.


هل تعتقد أن الحرب الدائرة في اليمن اليوم خاضعة لعوامل سياسية أم مذهبية وطائفية أم اقتصادية؟ 
نعم كل المعطيات السياسية تؤكد على أن الدوافع الحقيقية للحرب العبثية في اليمن كانت وما زالت خاضعة لرغبات وأهواء مراكز القوى المذهبية المعروفة بالمذهب الزيدي، وتحت أهداف مناطقية تحاول أن تستعيد ماضي هيمنتها على حكم اليمن لنشر ثقافاتها الدينية المتطرفة، وذلك بهدف استرداد نظام حكم الإمامة وفقاً لعقيدتهم الإثني عشرية، وبموجب هذه الأفكار فإن الحركة الحوثية تُعدّ حركة دينية ذات تنظيم عقائدي/ سياسي. فقد اعتقد زعماء الحركة الحوثية بأن تحالفهم القبلي والعسكري مع نظام المخلوع علي عبد الله صالح سيمكنهم من بسط نفوذهم بالقوة على أراضي المذهب الشافعي في محافظات اليمن الأسفل (إب- تعز- البيضاء- والحديدة)، وإحكام هيمنتهم الإحتلالية لأراضي محافظات الجنوب (عدن- لحج- الضالع- أبين- شبوة- حضرموت- المهرة- وسقطرى).

ومن المعلوم أن مثل هذه الحروب العدوانية ليس لها من دوافع سوى تحقيق الأطماع المذهبية والطائفية للحركة الحوثية وتحالفاتها الداخلية والخارجية، وبالتالي هيمنتها السياسية والإقتصادية على محافظات الجنوب وإعادة تقسيم مراكز النفوذ والمصالح لاستمرار نهب ثروات شعب الجنوب البرية والبحرية، التي استطاع المتنفذون والمستبدون في نظام سلطة صنعاء خلال 22 عاماً من نهبهم المتواصل لثروات الجنوب النفطية والغاز المسال وخامات الذهب والثروة السمكية والزراعية، وبيع الأراضي والعقارات السكنية والتجارية والمرافق العامة والمؤسسات الإنتاجية والخدماتية وغيرها، من جمع الأموال الضخمة والغنائم الطائلة، فتحول شيوخ القبائل ورجال الدين وضباط الجيش وقطاع واسع من محترفي النهب والفساد إلى رجال مال وأعمال وأصحاب توكيلات تجارية عالمية، ولهم استثمارات عقارية في مختلف بلدان العالم.


ذكرت في العام 2013 أنه تحت رمال أرض الجنوب يوجد أكبر بئر نفطي في العالم، لكن حديثك ذلك لم يلق رواجاً ولم تؤكده أي مراكز بحثية أخرى. لماذا برأيك؟
في يوم 8 يناير 2013م، نشرت القناة الفضائية (سكاي نيوز Sky News) الأمريكية ذلك الخبر المثير "عن اكتشاف أكبر بئر نفطي في العالم في اليمن"، وكان محتواه "تدخلت واشنطن مع سلطات اليمن لعدم كشف السر الكبير عن وجود أكبر بئر نفط في العالم تحت أرض اليمن، حيث توازي هذا البئر آبار النفط في السعودية وجزء من العراق وقد وضعت واشنطن ثقلها لإخفاء الخبر". وبحكم اهتمامي ومتابعاتي للنشاط المحموم للشركات النفطية العالمية في عملية الإستكشافات واسعة النطاق في المحافظات الجنوبية، خصوصاً وأن شركة هنت الأمريكية Hunt Oil Company التي حصلت على حق الإمتياز في استثمار النفط والغاز في قطاع 18 مأرب الجوف عام 1981، وأعلنت اكتشافها لهذا المورد الإقتصادي الهام هناك وبدأ إنتاجها في عام 1984م، في عام 2005 أعلنت انسحابها بعد أن استنزفت الإحتياطي النفطي في هذا القطاع. وكانت قد حصلت على امتيازات جديدة في عدة قطاعات في محافظتي شبوة وحضرموت، وعلى وجه التحديد قطاع 5 وادي جنة وقطاع 20 رملة السبعتين وغيرها، وهذه القطاعات النفطية هي التي كانت شركة هنت تتطلع قبل الوحدة للحصول على حق الإمتياز فيها، وقد سارعت بالفعل بعد الوحدة للحصول على ما أرادت! ولو كانت تلك البئر النفطية كما أشيع في ذلك الخبر تقع في محافظة مأرب أو الجوف لما تخلت شركة هنت عن استثماراتها فيها. 


وبعد تحليل ذلك الخبر وتقصي حقيقته وأبعاده السياسية والإقتصادية، فقد وجدت فيه مدخلاً مناسباً لمناقشة هذا الموضوع بالتفصيل، مستنداً على جملة من الأدلة والبراهين العلمية والجيولوجية والجيوفيزيائية، مدعومة بالخرائط والصور، حيث ضمنتها في كتاب الجزء الثاني الموسوم (قضية شعب الجنوب - وحقائق نهب واستنزاف ثروات شعب الجنوب - جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) النفطية والغازية، من قبل متنفذي الإحتلال اليمني، وقد تم إصدار هذا الكتاب في المركز العربي لخدمات الصحافة والنشر "مجد" في القاهرة عام 2014م، وإلى يومنا هذا ما زالت أكثر من 800 نسخة يحتفظ بها أحد الأصدقاء الأعزاء في العاصمة المصرية القاهرة، وذلك نتيجة منع نظام الإحتلال اليمني توزيعها، وأيضاً ظروف الغزو الحوثي والحروب التي شهدها الجنوب من عدم إمكانية إيصالها إلى عدن، ويتوقع شحنها على طيران اليمنية في الأسبوع القادم حسب توجيهات المناضل القدير اللواء عيدروس الزبيدي محافظ العاصمة عدن. وقد استعرضت في هذا الكتاب تحت عنوان (حقائق وجود أكبر بئر نفطي في العالم تحت رمال جنوب الربع الخالي)، ويمكن الإستدلال على ذلك من الخريطة الجيولوجية المرفقة، التي تبين بوضوح حجم الأحواض الرسوبية ومكامن النفط الخام والغاز الطبيعي، وامتداداتها في المحافظات الجنوبية، ومصدر الخريطة وزارة النفط والمعادن في الجمهورية اليمنية، وفيها تظهر ثلاثة أحواض معظمها تقع في أراضي محافظات شبوة وحضرموت والمهرة، مع امتداد محدود داخل أراضي محافظتي مأرب والجوف. فإذا كان الهدف من نشر ذلك الخبر من قبل القناة الأمريكية "سكاي نيوز" له مقاصد سياسية واقتصادية نزيهة، لكانت ذكرت الموقع المكاني الذي تقع فيه تلك البئر وفي أي محافظة، إلا أن الوقائع التي استندنا عليها بحسب اجتهادنا البحثي المتواضع تعطينا إمكانية الإحتمال بأن البئر تقع في الجزء الجنوبي لصحراء الربع الخالي. وعلى الرغم من نشر معظم فصول الكتاب في حلقات ببعض الصحف المحلية والمواقع الإكترونية في فترة الإحتلال اليمني للجنوب 2013م، إلا أننا لم نلتمس اعتراضاً علمياً من أي جهة رسمية حكومية كانت أم من قبل مراكز بحثية متخصصة تؤكد أو تنفي تلك المعلومات والحقائق التي استدليت عليها. وبالتالي يجب التأكيد على أن صحة الخبر من عدمه يطلب مزيداً من البحث والدراسة من قبل الباحثين والجهات المعنية بذلك، ولا أدعي أبداً أن ما اجتهدت فيه من بحث علمي حول المخزون النفطي والغاز الطبيعي المنهوب من محافظتي شبوة وحضرموت ليس قابلاً للدحض أو التصحيح في حال الكشف عن حقائق علمية أخرى مستقبلاً. 


لو عدنا للوراء، من هي الجهات التي كانت تتقاسم ثروات الجنوب النفطية بعد حرب صيف 94؟ وكيف يتم تهريبه في الماضي والحاضر؟
الإجابة عن هذا السؤال الهام ومحاول تحديد الجهات التي تقاسمت ثروات شعب الجنوب النفطية بعد جريمة حرب 94م تحتاج منا صفحات كثيرة لعرض مجريات الأحداث السياسية والعسكرية التي شهدتها فترة الثمانينيات من القرن الماضي وبداية التسعينات، بين النظامين السياسيين المتناقضين في نظام السلطة القبلية بالجمهورية العربية اليمنية بزعامة المخلوع علي عبد الله صالح، ونظام دولة الجنوب المدنية برئاسة علي سالم البيض، حيث تسارعت مجريات الأحداث بصورة مثيرة في عمليات تحقيق الوحدة اليمنية، فقد كان الهدف الخفي والمبطن من قبول نظام صنعاء حينذاك بالوحدة هو مخطط سياسي واقتصادي رسمت خيوطه في بغداد وعمان مع صنعاء، فاندفع نظام صنعاء بقوة وبصورة مباغتة وغير متوقعة، وذلك بالنزول المفاجئ إلى عدن يوم 21 مايو 1990م، بهدف وضع قيادة الجنوب في مأزق سياسي وجماهيري وعدم إعطائها الفرصة المناسبة لتبادل الرأي بين هيئاتها السياسية والتشريعية والقضائية، بعكس خصوصية نظام صنعاء الذي كان علي عبد الله صالح هو صاحب القرار الأول، لذلك اضطرت القيادة في الجنوب إلى القبول بالأمر الواقع ليتم الإعلان عن الوحدة الإندماجية في 22 مايو 1990م. وأقولها للأمانة، من خلال معايشتي لتلك الأحداث ومتابعتي لمستجداتها المتلاحقة، بأن الهدف الخفي لنظام صنعاء من الوحدة هو هدف مرسوم سلفاً، يتلخص بنوايا احتواء النظام الديمقراطي في الجنوب أولاً، وثانياً تحقيق مأرب الأطماع الخاصة للنظام القبلي والعسكري في صنعاء بالإستيلاء على المخزون النفطي، الذي تأكد لهم من خلال الدراسات الجيولوجية، التي أجرتها شركة هنت الأمريكية Hunt Oil Company في قطاع 18 بمحافظتي مأرب الجوف عام 1984م، وأظهرت تلك الخرائط بأن عمق المخزون الإحتياطي الحقيقي لخام النفط والغاز يقع في أراضي محافظة شبوة، تحت رمال صحراء جنوب الربع الخالي ورملة السبعتين، بينما كمية المخزون الإحتياطي المكتشف في مأرب/ الجوف سوف ينضب بعد سنوات محدودة، في حالة زيادة الإنتاج في عام 1989م من 78000 برميل إلى 200000 برميل يومياً. 

 

العاقل: هناك جنوبيون قبلوا أن يمارسوا أساليب الهيمنة والبسط
وبصورة عامة، تتابعت الأحداث وتفاقمت الخلافات، وعندما شعرت مراكز القوى في صنعاء بقوة تحالفاتها القبلية والدينية والعسكرية، وتمكنها من احتواء نظام دولة الجنوب حسب المخطط المرسوم، أعلنت الحرب لاحتلال أراضي محافظات الجنوب في 27 أبريل 1994م، وتمكنت من اجتياح الجنوب واستباحة ممتلكاته والبسط العسكري على موارده وثرواته، ومن حينها وقبل أن تجف دماء الضحايا الأبرياء وتهدأ النفوس، سارعت الشركات النفطية متعددة الجنسية للحصول على عقود الإمتيازات للإستثمار في مجال النفط والغاز، وتحت مزاعم تعويض المتحالفين مع الرئيس علي عبد الله صالح لما قدموه للمجهود الحربي أثناء احتلالهم للجنوب، فقد كان يمنح زعماء القبائل ورجال الدين وكبار القادة العسكريين توجهاته بمنحهم تراخيص حق إبرام اتفاقيات الحماية مع الشركات النفطية العالمية المتنافسة على القطاعات النفطية، وبفعل ذلك قُسمت مساحة أراضي محافظات الجنوب البالغة حوالي 338000 كيلو متر مربع إلى حوالي 105 قطاعات نفطية، والجدول الآتي يبين صحة هذه الممارسات غير المشروعة.


أما فيما يتعلق بالجزء الثاني من سؤالكم حول ظاهرة تهريب ثروات النفط الجنوبي في الماضي والحاضر؛ فعمليات التهريب معروفة للرأي العام المحلي والإقليمي والدولي، منذ أن تمت السيطرة والهيمنة بقوة النفوذ القبلي والعسكري على آبار حقول إنتاج خام النفط والغاز الطبيعي في محافظتي شبوة وحضرموت عام 1994م، وما زالت إلى اليوم وحتى هذه اللحظات، ولا يحتاج الأمر منا إلى إثبات أو تأكيد، وعلى من يشك في مصداقية ذلك فما عليه إلا أن يتوجه إلى ميناءي بلحاف م/ شبوة والضبة (الشحر) في م/ حضرموت، ليشاهد بأم عينه شبكة الأنابيب لنقل خام النفط والغاز من مناطق الإنتاج في وادي المسيلة قطاع 14، ومن حقول قطاع 5 بوادي جنة، وقطاع 4 عياد الغرب والشرق، وقطاع العقلة م/ شبوة، وكيف تتم عمليات الشحن بالبواخر العملاقة للتصدير، بالإضافة إلى عمليات التهريب واسعة النطاق بواسطة عربات الصهاريج الكبيرة، إلى موانئ بحرية خاصة ومنافذ برية متعددة، وكل هذه العمليات الإجرامية تمارس في وضح النهار، وتحت حماية قادة الألوية العسكرية المرابطة بترساناتها القتالية في محافظتي حضرموت وشبوة وحول موانئ التصدير البحرية والطرقات البرية. 

 


كم يقدر عدد براميل النفط التي كانت تصدر من الجنوب قبل الحرب الأخيرة وبعدها؟ ولماذا ظلت المناطق المحيطة بالآبار النفطية آمنة رغم ضراوة الحرب؟
من المعلوم حسب الإعترافات الرسمية من قبل وزارة النفط والمعادن بالجمهورية اليمنية بأن عدد القطاعات المنتجة لخام النفط هي: 13 قطاعاً نفطياً حتى النصف الثاني من عام 2007م، وتقدر كمية الإنتاج من هذه القطاعات بحوالي 828000 برميل يومياً، والجدول الآتي يوضح عدد القطاعات ومساحة كل قطاع وعدد الحقول والآبار المنتجة وسنوات الإنتاج وكمية الإنتاج والشركة النفطية العلمية العاملة فيها.


وفيما يتعلق بكمية إنتاج النفط من القطاعات المبينة في الجدول فيتم تقاسمها بين الشركات العاملة وزعماء القبائل ورموز النظام السياسي بصنعاء، وفق حصص متفق عليها، مقابل ضرائب محدودة تورد إلى خزينة الدولة. لكن كمية الإنتاج الحقيقي من خام النفط والغاز كان وما زال تكتنفه السرية والتعتيم حتى يومنا هذا، على الرغم من المحاولات المتعددة والتصريحات المختلفة للرئيس المخلوع، علي عبد الله صالح، التي كان يرددها في خطاباته، زاعماً أن كميات إنتاج النفط تتناقص ويوشك على النضوب، بهدف تضليل الرأي العام، حتى لا يتساءل الباحثون والمهتمون وعامة الشعب عن كمية الإنتاج وكيف يتم إنفاق عائداته المالية، مع أنهم كانوا يشيرون إلى أن 70% من موازنة الدولة تعتمد على ما يتم تصديره من النفط والغاز المسال. ونتيجة هذا السلوك التضليلي والتعتيم الرسمي، فقد تضاربت الإجتهادات وتباينت التقديرات حول كمية الإنتاج الحقيقي من خام النفط المنتج من حقول القطاعات في محافظات الجنوب، وهناك توقعات يؤكدها عدد من الباحثين والمطلعين على خفايا وأسرار نظام سلطة النهب والفساد اليمني، بأن الإنتاج من خام النفط يتراوح ما بين مليون إلى مليون وست مئة ألف برميل يومياً.


لذلك، فقد حرصت مراكز القوى المتنفذة في صنعاء والمتعاقدة بتوكيلاتها الإستثمارية مع الشركات النفطية متعددة الجنسيات، على أن تظل مناطق إنتاج النفط والغاز (حضرموت وشبوة) بمنأى عن أطماع الغزو الحوثي لمحافظات الجنوب، ومن غير المستبعد أن يكون هناك اتفاق بين مراكز القوى الإنقلابية الحوعفاشية بصنعاء، على تعزيز قدراتها العسكرية بأكثر من 14 لواء عسكرياً متعددة المهام والتخصصات لحماية آبار النفط الإنتاجية والإستكشافية في محافظتي شبوة وحضرموت. وهذا ما أكدته الأحداث والوقائع السياسية والعسكرية بعد مغامرة غزوهم العدواني مرة أخرة في نهاية مارس 2015م لاحتلال العاصمة عدن، وإحكام سيطرتهم على محافظات الجنوب الثائرة والرافضة لوجود الإحتلال، حيث اندفعت جيوشهم العسكرية وحملاتهم القبلية تحت مبررات ومزاعم كاذبة وغير مقبولة، لمحاربة عناصر الإرهاب المتمثلة بالقاعدة وداعش، والتي هي من صناعة وإنتاج نظام صنعاء خلال سنوات احتلاله واستباحته لأرض الجنوب عام 1994م. 


ما صحة الحديث عن تهريب شحنات نفطية من حضرموت وشبوة إلى الشمال؟
طالما وجيوش ألوية الحليلي في حضرموت والمقدشي في مأرب وهشام الأحمر في شبوة، فمن المؤكد أن يقوموا بعمليات تهريب النفط والغاز لإمداد جيوش الحوثي وقوات عفاش، وهذا ما تناقلته العديد من وسائل الإعلام المختلفة بما فيها الوكالات الدولية، وتعرضت بفعل ذلك العديد من الناقلات لقصف وتدمير طيران دول التحالف العربي.


لكن ثمة من يحمل "التحالف" مسؤولية استمرار تهريب النفط في الجنوب، ما رأيك؟
لا علم لي بذلك. وفي رأيي الشخصي أن دول التحالف العربي لا يمكن لها أن تسمح بتهريب النفط للإنقلابين، طالما وهي تحكم سيطرتها على سيادة الأجواء اليمنية، وترصد وتراقب الطرق والمنافذ البرية.


يتحدث جنوبيون دائماً عن ما يسمونه "مناطق البسط"، ماهي هذه المناطق؟ وما الذي تبقى منها؟
في حقيقة الأمر أن الإجابة على سؤالكم هذا تُعد أمراً صعباً ومعقداً. وذلك لما تعرضت له الممتلكات العامة لدولة الجنوب (ج . ي . د . ش)، وبصفة خاصة الأراضي وعقارات الدولة ومرافقها ومؤسساتها المدنية الإقتصادية والإنتاجية والخدماتية وغيرها، من أعمال البسط والإستيلاء والإستحواذ من قبل كبار المتنفذين وجحافل الموالين لنظام سلطة الإحتلال اليمني. وبحسب اجتهادنا لمعرفة أسرار هذا الملف الشائك، فقد تداخلت عمليات البسط بالقوة والبناء العشوائي، وعمليات البيع غير المشروع، وتشابكت مزاعم التوكيلات والإدعاءات الباطلة والمشروعة. وجميعنا يدرك مخاطر هذه القنابل الموقوتة وعواقبها، إذا لم يتوقف الطامعون والمزورون للملفات والوثائق المزيفة لعمليات البيع والشراء، وأن تسارع السلطات التنفيذية في محافظات عدن ولحج وأبين إلى اتخاذ الإجراءات العملية والحاسمة لمنع التصرف بأراضي وعقارات الدولة، إلى أن تستقر الأوضاع السياسية والإجتماعية بمشيئة الله قريباً، فيتم إصدار قانون رسمي يشرع عمليات استعادة الممتلكات العامة وتنظيم حقوق الإستفادة منها، علماً أن المساحة الإجمالية للأراضي التي تم البسط عليها من قبل المتنفذين خلال السنوات 94 – 2006م، تقدر بحوالي 424.000 كيلو متر مربع من مساحة محافظة عدن ولحج. ونأمل من أبناء شعبنا الجنوبي وقيادة المقاومة الجنوبية والجهات المعنية في السلطة المحلية بالمحافظات الجنوبية المحررة، أن يولوا قضية الأراضي وعقارات الدولة الجنوبية الحرص كل الحرص على ضرورة وضع الحلول والمعالجات القانونية لهذه المشكلة الخطيرة والمعقدة.

 


دائماً ما يبرز اسم التاجر العيسي كمصدر للأزمات في الجنوب، هل هو فعلاً متورط في قضايا فساد أم أن ما يثار حوله مجرد شائعات لا أكثر؟
هناك لوبي كبير ورموز كثيرة من الجنوبيين الفاسدين الذين قبلوا عن أنفسهم في ظل نظام الإحتلال اليمني، أن يمارسوا أساليب الهيمنة والبسط والإستحواذ على الممتلكات العامة، وما زالوا للأسف بعد تحرير العاصمة عدن يمارسون هذه الأساليب غير المقبولة، ومنهم وعلى رأسهم تاجر الأزمات المتنفذ أحمد صالح العيسي، وذلك بدعم وحماية وزراء الشرعية اليمنية المقيمين في قصر معاشيق وفنادق الرياض.


من الذي سيحسم الحرب؟ وما هو مصير الجنوب في أي تسوية سياسية مستقبلاً؟
ما زال المشهد السياسي والعسكري في المنطقة يكتنفه الغموض، ومجريات الأحداث الإقليمية والدولية تتسارع بصورة مثيرة، إلى درجة صارت المتغيرات السياسية من حولنا تجعلنا في حالة من حيرة الإستنتاج والتأمل لما سيترتب عليها من تحولات، قد تفرضها خرائط الطريق الدولية ومشاريع التسويات الفاشلة، خصوصاً وأنها كما يبدو ما زالت تتجاهل الجوهر الحقيقي والأساسي لأسباب ودوافع الأزمة السياسية في اليمن. وحتى وإن حاولت بعض الأطراف الإقليمية والدولية أن تفرض أجندتها السياسية بقوة الهيمنة والنفوذ أو بدبلوماسية المصالح الإحتكارية والإستبدادية، دونما إدراك واستيعاب حقيقي وموضوعي لأهداف قضية شعب الجنوب التحررية ومطالبه السياسية العادلة والمشروعة والمتمثلة في استعادة دولته المستقلة كاملة السيادة، فمن المؤكد أن كل محاولات التسويات في اليمن وفي المنطقة، سيكون مصيرها الفشل المحتوم حاضراً ومستقبلاً. 


الإنقسامات الحالية في الحراك، من يتحمل مسؤوليتها؟ وكيف بالإمكان تجاوزها؟
في اعتقادي أن التباينات السياسية وليس الإنقسامات كما جاء في سؤالك، هي ظاهرة مجتمعية صحية وطبيعية، ولكنها بحكم التركة الثقيلة وأساليب الثقافة القبلية المتخلفة، التي حرص نظام الإحتلال اليمني على فرضها على مجتمعنا المدني الجنوبي، تبدو لمن يجهل هذه الأسباب بأنها انقسامات، بينما هي ظاهرة مشهودة في كل المجتمعات الحية بالعالم، ومنها مجتمعنا الجنوبي، ونتوقع بفضل مستوى الوعي الحضاري لمكوناته وهيئاته السياسية سيتمكن من تجاوزها، والإرتقاء بتطلعاته التحررية إلى تجسيد قيم ومبادئ روح التصالح والتسامح، والتعايش والتآلف واحترام الرأي والرأي الآخر، وستثبت الأيام القادمة مدى صحة هذا التوقع بمشيئة الله تعالى.


فشل السلطات المحلية في إدارة المحافظات الجنوبية، ألم يشكل عاملاً أفقد الخارج الثقة في قدرة الجنوبيين على إدارة شؤونهم وترتيب أوضاعهم؟
لا يا صديقي. لم ولن تفشل السلطات المحلية في محافظات الجنوب المحررة كما ذكرت، ولكنها بعزيمتها ومعنويات مناضلي شعبنا ومقاومته الباسلة، قد حققت نجاحات أمنية واضحة وملموسة، واستطاعت بدعم ومساندة الأشقاء في دول التحالف العربي تأسيس مداميك الدولة الجنوبية. وأقولها بكل وضوح وشفافية، بأن بعض وزراء الحكومة الشرعية اليمنية، ومراكز قوى الفساد التجارية اليمنية والجنوبية معاً، هي، كما أثبتت وقائع الأيام المنصرمة، من تفتعل الأزمات الإقتصادية والخدماتية في محافظة عدن منذ تحريرها في يوليو 2015م، ودليلنا على صحة ذلك حالة الإستقرار الكبير والمفاجئ للطاقة الكهربائية وتوافر المشتقات النفطية، بعد سيطرة لوبي الفساد العسكري والتجاري على مؤسسات القطاعات النفطية. وكما يعرف الرأي العام الجنوبي بأن من يقف وراء هذه الأزمات هم شخصيات متنفذة كبيرة من المحسوبين سياسياً على نظام الإحتلال سابقاً، وحالياً على الرئيس الشرعي عبد ربه منصور هادي، ويتعمدون ممارسة هذا السلوك غير المسؤول بحكم نفوذهم الحكومي، بهدف إفشال الجهود العملية المبذولة لقيادة السلطة المحلية في محافظتي عدن ولحج. 
ومع ذلك نأمل أن يرفع هؤلاء أيديهم ويكفوا عن أطماعهم الذاتية، وأن يسخروا إمكانياتهم المالية والتجارية والإقتصادية لخدمة مواطني شعبهم المنهك من ويلات الحروب الدموية والتدميرية، وأن يكونوا مصدراً ومثالاً مشجعاً ونزيهاً لرجال المال والأعمال في مشروعية الإستثمار الواعي والهادف لتطوير وتحسين البنية الإقتصادية في محافظة عدن بصفة خاصة ومحافظات الجنوب بصفة عامة.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص