الخميس 21 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
عيدروس النقيب: دول "التحالف" تتعامل بحذر مع القضية الجنوبية
الساعة 21:54

في حوار خاصّ مع "العربي"، يرى الباحث والكاتب الجنوبي، الدكتور عيدروس النقيب، أن الأزمة في البلاد، عامّة، تقف أمام حائط مسدود. وفي الجنوب فإن النقيب يعترف بأن مقترحه لحلّ القضية الجنوبية عبر إقامة دولة فدرالية من إقليمين، لم يعد قابلاً للحياة، في ظلّ رفض القوى الشمالية لهذه الرؤية. ويعتقد أن الوضع المأزوم، قد يدفع إلى الإيمان بالخيار العسكري، كحلّ وحيد لحسم مسار الأزمة والخروج منها.


ما بين "لعنة التقاسم" و"عجز الشرعية"، كيف توصّف المشهد السياسي اليمني، بدءاً من إعلان "المجلس السياسي" في صنعاء، وانتهاءً بحكومة بن حبتور؟ 
في "لعنة التقاسم"، كنت قد تناولت هذه القضية في مقالة سابقة لي أثناء مشاورات الكويت، قلت فيها إن "لعنة التقاسم هي اللغم القابل للتفجير في طريق كلّ تسوية يراهن اليمنيّون الخروج بها من مشاورات الكويت أو أيّ مشاورات قادمة". واعتقادي هذا قائم على أساس ما أفرزته تجربة حكومة التوافق، حيث أن التوافق لم يكن سوى محطّة استراحة ووسيلة لممارسة الكيد السياسي بين الأطراف المتقاسمة، وبدلاً من تحويل التوافق إلى وسيلة لبناء الثقة، يحوّل أحد الطرفين، أقصد المخلوع وأنصاره، حصّته في السلطة إلى أداة للتآمر على الطرف الآخر. ونعلم جميعاً أن انقلاب 21 سبتمبر لم يكن سوى ثمرة طبيعية من ثمار "التقاسم"، الذي أنتجته المبادرة الخليجية. وعن ما أسميته بـ"عجز الشرعية"، في ظنّي أن المشكلة مركّبة، فهي ليست فقط ناتجة من نقص في الكفاءة والدهاء السياسيّين، بل ربّما تكون هذه الجزئية الأقلّ أهمّية في صناعة الأحداث.


أعتقد أن هناك سببين رئيسيّين لعدم تمكّن الشرعية من تحقيق نجاحات ملموسة في تغيير ميزان القوى لصالح إسقاط مشروع التحالف الإنقلابي. هذان السببان هما: وجود بيئة حاضنة للطرف الإنقلابي في محافظات الشمال، فالكلّ يعلم أن معظم مقاتلي هذا التحالف هم من أبناء مناطق شمال الشمال، وهي الخزّان البشري الذي يميل معظم سكّانها إلى العنف ويعتمدون القوّة في تدبير حياتهم، ومعظمهم غير ميّالين للعمل المنتج ولا للتعاطي مع العلاقات المدنية، ويقدّسون زعاماتهم السياسية والقبلية والرموز المذهبية بالحقّ نادراً وبالباطل غالباً. هذه المناطق مهما قدّم الرئيس هادي وأنصاره وحكومته من براهين على شرعيّتهم وكفاءتهم وحتّى حبّهم للوطن، فكلّ هذا لا يرقى إلى درجة نداء من شيخ قبلي أو زعيم ديني أو قائد سياسي من أبناء مناطقهم، مثل علي عبد الله صالح أو عبد الملك الحوثي. ومن يواجهون المشروع الإنقلابي في محافظات الشمال هم إمّا أنصار علي محسن وأولاد الشيخ الأحمر وهم قلّة، أو أبناء تعز ومأرب والجوف والبيضاء بسبب عدم الولاء المذهبي والقبلي لقادة المشروع الإنقلابي، رغم وجود أنصار كثر للحوثيّين وعلي صالح في هذه المناطق، وهؤلاء الأنصار هم من يعيقون تقدّم المقاومة في محافظات مثل تعز والبيضاء، وكذا كراهية سكّان هذه المحافظات لإيران والزيدوية السياسية، وهم في كلّ الأحوال ليسوا أغلبية سكّان محافظات الشمال. أمّا السبب الثاني فهو فشل السلطة الشرعية في إثبات قدرتها على إدارة المناطق المحرّرة، بل وتردّي الأوضاع الخدمية والأمنية في المناطق التي حرّرها المواطنون وسلّموها للسلطة الشرعية، فعجزت عن إعادتها ولو حتّى إلى ما قبل العدوان، حيث تنعدم الكهرباء والمياه ويتضاعف التلوّث البيئي بسبب طفح المجاري وتراكم القمامة، وما تزال الأوضاع الأمنية متدهورة، كي لا نتحدّث عن إعادة الإعمار وتعويض المتضرّرين من العدوان.


في هذا السياق، للأسف الشديد يسود اعتقاد عند الكثيرين من مستشاري الرئيس هادي بأن أيّ إعمار في مناطق الجنوب وتمكين جهاز الدولة من الحضور وتثبيت الأوضاع سيصبّ في صالح الرغبة في الإنفصال، التي تنامت بفعل السياسات الظالمة تجاه الجنوب على مدى عقدين، وكأن عقاب الجنوبيّين وحرمانهم من الخدمات والمتطلّبات الضرورية وحتّى تخلّي السلطة عن واجباتها الأساسية هو ما سيزيد حبّ الجنوبيّين للوحدة. هذه الفكرة الخرقاء ما تزال تسيطر على الكثيرين ممّن يساهمون في صناعة القرار لدى السلطة الشرعية.


كيف تنظر كجنوبي، للمشهد السياسي في اليمن، بعد فشل مفاوضات الكويت، وتلاشي فرص الحل، ووصول الأطراف إلى طريق مسدود؟ 
أعتقد أن تعبير "الطريق المسدود" هو الأكثر قدرة على اختزال المشهد، فالطرف الانقلابي للأسف الشديد لا يمتلك أجندة سياسية وكل ما يهمّه هو الرهان على حسم الأمور عن طريق الحرب والحرب فقط، ولقد لاحظنا التقلّبات المتعدّدة التي أظهرها ممثّلوهم في المشاورات وفي الموقف من مختلف المبادرات المطروحة، كما إن السلطة "الشرعية" لم يعد لديها ما تقدّم من تنازلات، بعد أن سايرت هؤلاء إلى أبعد من باب منزلهم كما يقول المثل الشعبي، وباعتقادي أنه مهما قدّمت الشرعية من تنازلات لهؤلاء فلن يقبلوا إلا بالحلّ الذي يضمن بقاءهم مسيطرين على كافّة مفاصل صناعة القرار في البلد، وعموماً في نظري أنه لم يعد القرار يمنياً، بل لقد انتقل إلى أطراف أخرى خارج اليمن، ولكي نقنع الطرف الانقلابي بأي حلّ ينبغي أن نتيقن أن إيران لن تعترض عليه، وبمعنى آخر على الأطراف الدولية أن تضغط على إيران بدلاً من الضغط على وكلاء إيران الذين هم مجرّد منفّذين لما يمليه عليهم علي خامينئي وقاسم سيلماني.


أمّا الخيار الآخر، أقولها بأسف فأنا ممن يكرهون الحروب وما تنتجه من مآسي، أقول إنه ما من بديل سوى حسم الأمور على الأرض من خلال ضرب كلّ القدرات العسكرية للطرف الانقلابي، مع خوض حرب إعلامية مهنية ومتفوّقة على هؤلاء لتخفيف التأييد الذي يكتسبونه من خلال التعبئة والتضليل والتزييف والادعاءات الخرافية التي يروّجونها بين أنصارهم ويجدون من يصدّقهم بكلّ أسف، مستخدمين العصبية المذهبية والقبلية ومستغلّين الجهل وضعف المعرفة لدى قاعدتهم الشعبية.


أنت وصفت جون كيري بالرجل غير الموثوق به، ففي أي سياق تضع خطّة وزير الخارجية الأميركي لإنهاء الحرب في اليمن؟ وهل تعتقد أن "شيطان التفاصيل" سيطلّ برأسه من جديد لإفشال أي فرص للسلام؟ 
حتّى الآن لم يعرف أحد ما هو مضمون مبادرة كيري، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن كيري مغادر سدّة السلطة خلال ثلاثة أشهر لأدركنا أن المطروح هو مجرّد أفكار عمومية لم تتلخّص بعد في رؤية واضحة، ويتكهّن الكثيرون أن الأمريكان لا يفكّرون بالأزمة اليمنية إلا ويضعون نصب أعينهم مصير صديقهم القديم علي عبد الله صالح، فهناك احتمال أن يطالب الأمريكيون بالخروج الآمن لصالح وأولاده، وهو ما كانت قد كفلته له المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، لكن الرجل فضّل استغلال الحصانة التي حصل عليها مجّاناً للعبث بالبلاد في محاولة للعودة إلى سدّة الحكم من باب الثورة على حكومة الوفاق الوطني والتحالف مع ألدّ أعداء الثورة اليمنية وألدّ أعدائه حتّى إلى ما قبل 4 سنوات.
لا أتصوّر أن أي قوّة تمتلك وسيلة تقنع الانقلابيين بالتراجع عن مشروعهم إلا بعد هزيمتهم العسكرية الساحقة، وما عدا ذلك سيظلّون يبتزّون الجميع بما نهبوا من أسلحة وما سرقوا من أموال الشعب، أمّا شيطان التفاصيل فهو يعتمد على ما هو المشروع الذي يمكن مناقشة تفاصيله، وهنا أشير إلى أن الخلاف ما يزال عند العنوان الرئيسي، فما بالنا عندما ندخل في تفاصيل هذا العنوان، فلك أن تتخيل عدد الشياطين التي ستطلّ من بين تجاعيده.


في حال وصول الأطراف المتنازعة إلى تسوية سياسية، كما تشير المعطيات، ماذا سيكون موقفكم في الحراك الجنوبي؟
أوّلاً، أشير إلى أنني أتحدّث بصفتي الشخصية كمفكّر وباحث في الشأن السياسي وكناشط سياسي بطبيعة الحال لكنني لا أنتمي إلى أي من مكوّنات الحراك السلمي، ولا أتبوّأ ولا أرغب أن أتبوّأ أي موقع قيادي في المكوّنات الحراكية القائمة وإن كنت أعلن تأييدي المطلق لكلّ المناضلين من أجل انتصار القضية الجنوبية، وحلّها حلاً عادلاً.


ثانياً، في حالة الوصول إلى توافق سياسي بين الشرعية والانقلاب -واحتمال حصول هذا ضئيلة في ظلّ توازن القوى الراهن- فإن موقف الجنوبيين يجب أن يتوقّف على ماذا تقدّم هذه التسوية من حلّ لقضية الجنوب، فإذا ما تضمّنت أية تسوية ما يشير إلى احترام حقّ الجنوب والجنوبيين في تقرير مصيرهم فإن على الجنوبيين أن يتعاملوا بإيجابية مع مثل هذه التسوية، لكنني لا آمل كثيراً على إمكانية حصول مثل هذا. أمّا في حالة أية تسوية قائمة على الموقف الراهن من الجنوب وهو موقف شركاء حرب 1994م حتّى مهما قال متبنّوه من مدائح ومجاملات عن الجنوب وقضيته، فإن هذا لا يقول شيئاً للجنوب والجنوبيين وهو لا يعني سوى تكريس نتائج حرب 1994م لكن بوسائل ناعمة، بعد أن فشلت الحرب الثانية في فرض وتكريس نتائج تلك الحرب اللعينة بوسائل القوّة المسلّحة.


لا يزال الحديث يدور حول إعادة إحياء مشروع الأقاليم الذي أقرّه مؤتمر الحوار الوطني، ويبدو أن ثمّة خطوات عمليّاتية باتّجاه تكريس هذا المشروع، هل ترون أن الأمور تأخذ منحى الأقلمة فعلاً؟ وأي موقف ستتّخذونه حيال ذلك؟
أكرّر مرة أخرى أنني لست في موقع المساهمة في صناعة القرار الذي يعبر عن موقف سياسي لطرف سياسي معين، لكن بالنسبة لموضوع الأقاليم فقد عبّرت عن رأيي فيها منذ وقت مبكر وقبل الثورة الشبابية السلمية، وكنت شخصياً من بين الذين تقدموا وعبر هيئات "اللقاء المشترك" عندما كان لا يزال قائماً، بمقترح لحلّ القضية الجنوبية من خلال تبني نظام الدولة الاتّحادية بإقليمين، وفقاً لحدود عام 1990م، لكن تطوّرات الأحداث بيّنت أن مراكز القوى في الشمال، التي انقسمت خلال ثورة 2011م، لا تنظر إلى الجنوب إلا على أنه غنيمة حرب، ولذلك حتّى نظام الإقليمين هم يرفضونه بشدّة، وقد لاحظنا كيف تحالف المختلفون في مؤتمر الحوار ووقفوا ضدّ الرؤية التي تحدّثت عن الإقليمين، ونسوا حروبهم وحملاتهم ضدّ بعضهم، وحتّى نظام الستّة أقاليم هم يرفضونه، لكن جناح الشرعية يقبل به على مضض للاستفادة من الدعم الإقليمي والدولي الذي يحظى به الرئيس هادي، بيد إن ما بعد الانقلاب بيّن لنا معطى آخر هو استحالة بقاء اليمن دولة موحّدة ولو حتّى بإقليمين فيدراليين، وفي ظنّي أن المسألة لا تكمن في أن أحد الطرفين أفضل من الآخر أو أقبح منه، بل إنها تكمن في التباينات الثقافية والتربوية والإرث التاريخي والظروف الاقتصادية والاجتماعية، والهوياتية بين الشمال والجنوب، وأي وحدة تقوم على الإكراه ستؤول إلى الفشل حتّى وإن امتدّت قروناً من الزمن.


برأيك، ما هي مقوّمات النجاح الخاصّة بالدعوة التي أطلقها محافظ عدن، اللواء عيدروس الزبيدي، بخصوص تشكيل كيان سياسي جنوبي وعقد مؤتمر جنوبي جامع؟
ما تبنّاه الأخ الكريم اللواء عيدروس الزبيدي في الدعوة لقيام كيان سياسي جنوبي أمر ليس بجديد، فقد كتبت عشرات المقالات والبيانات وبذلت عشرات المحاولات التي تدعو إلى قيام إطار سياسي شامل يلمّ شمل الجنوبيين ويعبّر عنهم أمام الأشقاء والأصدقاء، لكن الجديد هذه المرّة أن الدعوة أتت من قيادي في المقاومة ومسؤول في السلطة الشرعية اكتسب سمعته من دوره البارز في المساهمة في قيادة مواجهة الغزو وسحق جحافله.


المقوّمات الموضوعية لبناء كيان سياسي جنوبي قائمة وتتمثّل في هزيمة الغزاة، وتحرير الأرض والالتفاف الجماهيري الواسع حول فكرة بناء هذا الكيان، وأهمّية وجود وعاء سياسي يستوعب الطاقات الجنوبية وينظّمها ويحدّد مجالات نشاطها، لكن العامل الذاتي هو جوهر المشكلة، والمقصود هنا ليس غياب العامل الذاتي، بل غياب ما يبرز هذا العامل الذاتي إلى حيوية الفعل والحسم، وأقصد هنا غياب الإرادة الموحّدة، تغليب الذاتية على ما هو وطني وتغليب الخاصّ على العامّ، والأنانية السياسية، بالإضافة إلى العشوائية السياسية والحماس الموسمي وغياب البرنامج السياسي الذي يوحّد الجميع ويقدّم القضية الجنوبية للعالم بعدالتها ومشروعيتها وأحقّيتها بالحلّ اللائق بمضامينها الوطنية والسياسية والإنسانية والأخلاقية والحقوقية.


مقوّمات نجاح قيام كيان سياسي موحّد يجب أن تأتي من خلال إدراك الأثر المدمّر للتفكك والتشظي السياسي الذي يعاني منه الجنوب وأهمّية توحيد الطاقات الجنوبية وإعادة تنظيمها لإحداث تغيير في ميزان القوى على الأرض وفي نظري أن أهم مقوّمات نجاح هذا المشروع تتمثّل في:
1- نبذ خلافات الماضي والتحرّر النهائي من آثارها ومن ثمّ وضع أعين السياسيين على المستقبل وترك الماضي وراء ظهورهم وعدم الالتفات له إلا لأخذ العبرة وتعلّم الدروس.
2- تقديم التنازلات المتبادلة بين أطراف العمل السياسي الجنوبي.
3- تعلّم ثقافة التعايش والقبول بالاختلاف، وثقافة البحث عن القواسم المشتركة، ومن ثمّ بناء التحالفات السياسية.


أنت تتّفق مع فكرة أن "قيام كيان سياسي جنوبي هو حقّ مشروع للجنوبيين، لكن ما شكل هذا الكيان وما طبيعته وما آليات عمله؟
أعتقد أن أفضل السبل أمام الجنوبيين هو قيام جبهة وطنية عريضة تجمع كل الفرقاء حول القواسم المشتركة التي يعلنها الجميع، مع حقّ كلّ مكوّن فيه حقّ التميز الفكري والاحتفاظ بحقّه في التعبير عنه نفسه تنظيمياً وفكرياً وسياسيا في إطار ائتلاف المختلفين، أو اختلاف المتّحدين.


هناك من يتحدّث عن مجلس حكم جنوبي، وأتصوّر أن مثل هذا الشكل ليس مناسباً في هذه اللحظة، وأسوأ ما فيه أن يكون محاكاةً لما أقدم عليه الانقلابيون في صنعاء والذي فسّره الكثيرون بأنه إقرار مبطّن بعودة الشطرين إلى وضعهما، لكن الجنوب اليوم بحاجة إلى شكل آخر للعمل السياسي الجماهيري الميداني وليس مجلس حكم.


كما إن هناك من يدعو لدمج كلّ المكوّنات السياسية القائمة لتشكيل حزب سياسي جنوبي واحد، لكنني أتصوّر أن قيام شكل اندماجي توحيدي لكلّ الحركة السياسية أمرٌ قد لا يكتب له النجاح، لسبب تعدّد الأفكار وتباين التوجّهات وتنوّع الميول (داخل هذا الاتّحاد الاندماجي المفترض)، وما تجربة مجلس قيادة الثورة، المشكّل عام 2008م، عنا ببعيدة، كما إن أي عمل اندماجي سيكون مقدّمة لنظام أحادي يتناقض مع متطلّبات الديمقراطية والتعدّدية وحرّية التعبير والانتماء السياسي والفكري.


أراك تلحّ في الكثير من كتاباتك على الدعوة إلى قيام جبهة وطنية جنوبية عريضة، هلا فسرت لنا مضمون هذه الجبهة؟ ولماذا هذا الإلحاح؟
تقوم فلسفة الجبهة الوطنية العريضة على مبدأ أساسي بسيط لكنه مهمّ للغاية، وهو مبدأ القواسم المشتركة، وهي تقريباً مجموعة من العناوين التي تتّفق عليها كلّ المكونات الجنوبية، وخصوصاً ما يتعلّق بحقّ الشعب الجنوبي في تقرير مصيره واختيار طريقه المستقبلي بما في ذلك حقّه في استعادة دولته بحدود العام 1990م، وتجارب الجبهات الوطنية ليست بجديدة ولا هي بدعة جنوبية، بل هناك الكثير من التجارب الناجحة، مثل التجربة التشيلية في مواجهة نظام بينوشية، وتجربة منظّمة التحرير الفلسطينية، كما التجربة البلغارية إبّان مواجهة الفاشية خلال أربعينات القرن الماضي، نحن لدينا مساحة وفرص أكثر لنجاح التجربة، التي هي ليست اندماجاً كلّياً لكنها بالتأكيد تلغي القطيعة بين القوى السياسية وتحفظ حقّ كلّ منها في التميز التنظيمي والفكري والبرامجي. 


وكنا في "مركز شمسان للدراسات والإعلام" قد قدّمنا مبادرة دعونا فيها إلى قيام "التحالف الوطني الجنوبي" تتضمّن مجموعة من المبادئ التي يمكن أن يجمع عليها كلّ الفرقاء السياسيين الجنوبين، و في تناولة سابقة لي حول هذا الموضوع كنت قد أشرت إلى أن أمام الجنوبيين خيارين: إمّا بناء تنظيم سياسي جديد يضاف إلى عشرات الأسماء الموجودة على الساحة، وفي هذه الحالة فإن نجاحه مرهون بمدى ما سيقدّمه من جديد، وربما بالدعم الخارجي إلى حدّ ما، أو إنه سيظلّ رقماً إضافياً فوق عشرات الأسماء التي كثر عددها وقلّ فعل الكثير منها، وإمّا قيام عمل تحالفي عريض على قرار ما تضمّنه مشروع مركز شمسان المشار إليه أعلاه.


هل يمكن إعطاء القارئ الكريم فكرة موجزة عن محتوى مبادرة مركز شمسان هذه والتي تداولتها بعض الصفحات والمجموعات على موقع "فيسبوك" وتطبيق "واتسآب"؟ 
المبادرة تنطلق من فكرة لملمة جهود الجنوبيين ورصّ صفوفهم، وتوحيد طاقاتهم من أجل ردم الهوّة بين القوى السياسية الجنوبية، واستيعاب هذه الطاقات المفكّكة في وعاء سياسي واحد، من خلال ما أسميناه "مشروع اتّفاق مبادئ لقيام التحالف الوطني الجنوبي"، وتتكوّن المبادرة من مقدّمة وستّة بنود رئيسية أهمّها أهداف التحالف، البناء التنظيمي للتحالف، وسائل عمله، ميادين عمله والمهمّات الانتقالية وبعض الأحكام الانتقالية، و يمكن لمن يشاؤون الحصول على النسخة كاملة من المبادرة على صفحة "مركز شمسان للدراسات والإعلام" على "فيسبوك".


ما هو تعليقك على التصريحات الأخيرة لدولة الرئيس حيدر أبوبكر العطاس بقناة "الغد المشرق"؟ هل تعتقد أنها أتت متناقضة كما يصفها البعض؟ أم أنها تكتيك سياسي كما يرى آخرون؟ 
دولة المهندس الرئيس حيدر العطاس شخصية سياسية مخضرمة، عركتها التجارب وتعلّم الكثير من الدروس وفنون التعاطي السياسي مع القضايا الساخنة والباردة معاً، ما أنا مقتنع به إنه مع حقّ الجنوب في استعادة دولته وبناء كيانه المستقلّ، وما عدا ذلك يظلّ نوعاً من التفاصيل والتكتيكات المشروعة.


هل أنت متفائلون بخطوة نقل البنك المركزي إلى عدن؟ وما رأيك بربط البعض لنقل المركزي باحتمال عودة الأعمال الإرهابية؟
نقل البنك المركزي إلى عدن خطوة كان يفترض أن تتمّ مباشرة بمجرّد إعلان عدن عاصمة، فالبنك المركزي لأي دولة هو القلب الذي يضخّ الدم في الأجهزة والأنسجة والأعضاء، لكن يبدو أن عوامل فنّية وأمنية هي من أخّر هذه الخطوة.


إن نقل البنك إلى عدن بقدر ما يمثّل انتصاراً للسلطة الشرعية وللمناطق المحرّرة، ولعدن نفسها بقدر ما يضيف مسؤوليات مضاعفة على الحكومة وعلى سلطات المحافظة، لأنه يضع الحكومة أمام تحدّيات كثيرة، أهمّها إنعاش الحياة الاقتصادية المعطّلة ومنح الناس حقوقهم، من مرتّبات شهرية، بعد أن تأخّرت لأكثر من ثلاثة أشهر في بعض المحافظات، فضلاً عن تفعيل الدورة النقدية على النحو الذي يرفع وظيفة البنك من مجرّد مخزن للنقود إلى أداة مركزية في كلّ العمليات الاقتصادية في البلاد.


لا أتصوّر أن هناك علاقة مباشرة بين نقل البنك وتنامي العمليات الإرهابية إلا من زاوية أن الطرف الانقلابي بالتعاون مع الجماعات الإرهابية، يمكن أن يحاول القيام بأعمال انتقامية لمحاولة البرهان على عدم أهلية عدن لتكون عاصمة، وزعزعة الأوضاع كي لا تعرف عدن أي استقرار وهذه العمليات كانت وما زالت موجودة حتّى قبل نقل البنك إلى عدن، لكن التحدّي الكبير القائم أمام القائمين على البنك المركزي هو كيفية إعادة النهوض بدور هذه المؤسّسة الخطيرة في تدوير عجلة الاقتصاد وضخّ الدم في عروق العملية الاقتصادية برمّتها، وهذا يتوقّف على إعادة تشغيل الكتلة النقدية ومضاعفتها من خلال النهوض بالاقتصاد في المناطق المحرّرة بجميع ميادينه، وليس فقط تدبير مرتّبات الموظّفين الحكوميين.


برأيك، لماذا تأخّرت معركة دخول صنعاء، وكيف تشخّصون حالة المراوحة بجبهات تعز ومأرب وبقية جبهات الشمال بشكل عام؟ 
معركة تحرير صنعاء مرتبطة بتوازن القوى على الأرض، فما يزال الخزّان البشري يمدّ التحالف الانقلابي بعشرات الآلاف من المقاتلين، رغم ما يخسرونه من عشرات القتلى كلّ يوم، كما يمتلك الانقلابيون ترسانة أسلحة ما تزال قادرة على خوض الحرب البرّية والمواجهات الميدانية رغم الخسائر الكبيرة التي مني بها في مجال الأسلحة الثقيلة والهجومية.


مرّة أخرى، نقول إن حسم المعركة لصالح السلطة "الشرعية" يتطلّب بناء تحالف عريض يستبعد أصحاب التاريخ الملوّث، ومن تلطّخت أيديهم بالدماء وبالمال الحرام، لأنك لا يمكن أن تدّعي مواجهة الفساد بفاسدين ولا يمكن أن تواجه الظلم بالظالمين، ولا العدوان بالعدوانيين.


وباستثناء محافظات الجنوب التي طرد منها الانقلابيون شرّ طردة، فإن مأرب وربما الجوف قد تكونان المحافظتين الشماليتين الوحيدتين اللتين واجهتا المشروع "الحوفاشي" بجهد أبنائهما وفشل المتحوّثون من أبنائهما في خدمة الحوثيين الأصليين، أمّا تعز فهي ليست ضحية الحوثيين بل ضحية المتحوّثين من أبنائها الذين بدوا أكثر وفاء لمشروع الحوافش من أتباع الحوثي، وهذا بسبب تجارة بعض أتباع صالح ورهائنه بدماء أبناء تعز وأرواحهم.


وصفت بإحدى مقالاتك الحالة اليمنية بأنها حالة متماهية مع الإرهاب، فهل تعتقد أن الانقلابيين والمتطرّفين في اليمن وجهان لعملة واحدة فعلاً؟
لا أتذكّر أين ورد تعبير التماهي مع الإرهاب، ربما تقصد ما ذكرته عدّة مرات أن الانقلابيين والإرهابيين يكملون بعضهما. في هذا السياق لا يراودني أدنى شكّ بأن كلّ العمليات الإرهابية التي تشهدها المناطق المحرّرة، وحتّى تلك التي كانت تتم منذ سنة وأكثر في مناطق سيطرة التحالف الانقلابي وآخرها التفجير في قاعة العزاء في صنعاء يوم 8/10 من هذا العام، والتي تبرّأ منها التحالف العربي واستنكرها، إن هذه العمليات لا تتم أي منها إلا بالتنسيق بين طرفي التخطيط والتنفيذ، فالتخطيط يتم في مطابخ صناعة القرار الاستخباراتي والأمني للتحالف الانقلابي، أمّا التنفيذ فهو يعتمد على من يكلّف بالقيام بالمهمّة، وهؤلاء غالباً من الشباب الذين جرى استقطابهم منذ زمن في إطار الإعداد لما يجري هذه الأيام، ولا يفوتنا التذكير بالأيّام الأولى لسقوط أبين بيد من سمّوا "أنصار الشريعة" في مايو من العام 2011م، عندما ذابت الفيالق الجاثمة على نفس المواطنين في أبين والبالغ عددها عشرات الآلاف كما يذوب فصّ الملح في الماء، لتسلّم محافظة أبين لحوالي مائتين من الشباب المسلّحين في مسرحية مشينة كشفت حجم تورّط سلطات علي عبدالله صالح، الذي هو اليوم زعيم الانقلاب، في التنسيق مع الجماعات الإرهابية وتبادل الخدمات معها، واستثمارها للانتقام من خصومه السياسيين ومن المواطنين بشكل عامّ.


ما دامت دول التحالف العربية والسلطة الشرعية ما تزال تتعامل بحذر وتردّد مع القضية الجنوبية كما تقول، فعلى ماذا يعوّل الجنوبيون لاستعادة دولتهم؟ 
من المؤسف أن الكثير من الأوساط المهمّة في دول التحالف الداعم للشرعية ما تزال تتعامل فعلاً بحذر شديد مع القضية الجنوبية، فباستثناء عدد محدود من المحلّلين السياسيين من بلدان دول التحالف لم نسمع كلمة إيجابية تبعث رسالة ثقة واطمئنان للجنوبيين بالإقرار بعدالة قضيتهم، ولا نقول بالإقرار بحقّهم التاريخي المشروع في استعادة دولتهم، وفي ظنّي هذا ناجم عن عدّة عوامل، أهمّها وقوع الكثيرين من صانعي القرار في هذه البلدان تحت التأثير "المزيف" لقداسة "الوحدة اليمنية" ونحن نستمع دائماً ما تتضمّنه البيانات الصادرة عن مؤسّسات دول مجلس التعاون الخليجي من تأكيد على دعم استقرار ووحدة اليمن، فربط الاستقرار بالوحدة هو ربط اصطناعي، لأن الوحدة القائمة هي وحدة غير عادلة ولا يمكن أن يكتب لها الصمود والبقاء على قيد الحياة مهما استخدم القائمون عليها من وسائل التغذية الاصطناعية، وكنت ذات مرّة قد أشرت عبر إحدى القنوات الفضائية إلى أن اليمن لا يمكن أن يكون موحّداً ومستقرّاً في آن واحد، لأن الوحدة القائمة اليوم نقيض للاستقرار والاستقرار نقيض لهذه الوحدة، فإمّا الوحدة وإمّا الاستقرار، والسبب الثاني هو ضعف أداء الطبقة السياسية الجنوبية التي لم تستطع اختراق الحواجز الحائلة بينها وبين صنّاع القرار السياسي في البلدان الشقيقة، أمّا السببب الثالث فهو وهمي، ويتعلّق بخوف بعض البلدان من تكرار تجربة السبعينات والثمانينات في جنوب اليمن، وفي هذا السياق يفترض أن يطمئن الأشقاء في بلدان مجلس التعاون وفي البلدان العربية والإسلامية عموماً بأن ظروف الحرب الباردة قد زالت وزال معها كلّ ما أنتجته، وإن الجنوب لن يكون إلا جزءاً فعّالاً وإيجابياً من محيطه العربي، ويمكن أن يقدّم نموذجاً ممتازاً في التعايش والتفاعل الإيجابي مع الأشقّاء، فهو يتّكئ على تاريخ غير قصير من التراث السياسي والمدني والقانوني والاقتصادي وإذا ما لاقى الدعم المساندة فسيصب هذا في مصلحة المشتركات المتعدّدة بين دولة الجنوب القادمة والدول الشقيقة والصديقة.


في اعتقادي أن الموقف المتردّد من القضية الجنوبية لن يستمرّ طويلاً، فمعطيات سير الأحداث تبرهن للجميع أن قليلاً من المساندة المعنوية والمادّية للجنوب كفيلة بتحويل الجنوب إلى عضو فاعل في المنظومة العربية والإسلامية المحيطة به، وهذا طبعاً لا يعفي الجنوبيين من مضاعفة تحسين أداء نخبهم السياسية والفكرية، وتقديم المزيد من البراهين على قدرتهم على بناء مشروع جديد قابل للديمومة والنماء والاستقرار.


برأيك، ما هو المستقبل السياسي للرئيس هادي؟ وكيف تقيّم أداء الحكومة اليمنية الشرعية التي عادت مؤخّراً إلى عدن؟ وهل ما زالت هذه الحكومة "غريبة عن تربتها" وهي عاجزة عن تقديم العلاج الشافي للمواطنين بالمناطق "المحرّرة"؟
سؤالك ذو شقّين: الأوّل ويتعلّق بالرئيس هادي، وفي هذا السياق أشير إلى أن الرئيس هادي ما يزال رئيساً شرعياً للجمهورية اليمنية إلى أن ينتخب بديلاً عنه، وما جرى من انقلاب ضدّه وضدّ حكومته كان الهدف منها إبعاد الرجل من المشهد والاستيلاء على السلطة بالقوّة عندما لاحظ الانقلابيون أن مشروع الدستور الذي نجم عن الحوار الوطني على وشك العرض للاستفتاء، ووجدوا أنهم لن يكونوا -بموجب هذا الدستور الذي لي عليه الكثير من الملاحظات- إلا جزءاً متكافئاً مع بقية القوى السياسية، والرئيس هادي لن يظلّ رئيساً أبدياً، سواء كسب الحرب على الانقلابيين أم لم يكسبها.
أمّا بالنسبة للحكومة، ففي نظري أن أمامها تحدّيات كبيرة وضخمة لا أستطيع أن أجزم بأنها يمكن أن تفي ببعضها أو كلّها، على إن أهمّ التحدّيات أمامها اليوم يتمثّل في تطبيع الحياة السياسية والاقتصادية والخدمية والمعيشية للمناطق التي تديرها، وللعاصمة عدن على وجه الخصوص، وأتصوّر أن الكثير من المطبّات والعوائق تحول دون الوفاء بالتزامات الحكومة تجاه المواطنين أوّلاً، وتجاه المجتمع الإقليمي والدولي ثانياً، فما تزال الخدمات في عدن والمناطق المحيطة بها تذهب إلى الأسوأ، وما يزال الأمن عرضة للاختراق رغم النجاحات التي شهدتها الفترة الأخيرة، وما تزال الحياة المعيشية للمواطنين أسوأ بكثير مما كانت عليه قبل الغزو وحتّى بعد التحرير، وما يزال الآلاف من المنتظرين للتجنيد من رجال المقاومة يشتغلون كمتطوّعين وينفقون على أنفسهم من مداخيل أسرهم المحدودة والمعدومة أحياناً، وهو ما يولّد بيئة منعشة للفساد والعبث، هذا ناهيك عن غياب برنامج إعادة إعمار واضح المعالم يمكن أن يشكّل ضمانة للحفاظ على النصر الذي حقّقته "المقاومة الجنوبية" وأبطالها وأبطال القوّات المسلّحة الذين ساهموا في التصدّي للغزو والانقلاب.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص