- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- اعتبروه أحد أفضل الأطباء.. يمنيون يشيدون بالدكتور المصري هشام إبراهيم (تفاصيل)
- عقوبات أمريكية على شركة سورية تموّل الحوثيين من إيرادات بيع النفط الإيراني
- دورات طائفية باشراف إيران للوكلاء الحوثيون الجدد!
- محلات عبدالغني علي الحروي تعزز تواجدها في السوق العالمي بالتعاون مع شركة هاير
- الحوثيون في إب يسجلون في مدارسهم طفل الصحفي القادري المخفي لديهم بإسم غير إسم أبوه
- علي سالم الصيفي ودورة في تمويل داخلية الحوثيين و الاستحواذ على 200 مليار ريال سنوياً
- إتحاد الإعلاميين اليمنيين يدين توعد قيادي حوثي بتصفية الصحفي فتحي بن لزرق
- بيان ترحيب من منصة (p.t.o.c) بفرض عقوبات امريكية على قيادات حوثية متورطة في جرائم منظمة وتهريب الاسلحة
- منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C) تصدر تقريرها الجديد «الكيانات المالية السرية للحوثيين»
- إسرائيل تدعو السفن التجارية المتجهة لميناء الحديدة بتحويل مسارها نحو ميناء عدن
في الجزء الأول من حديثه لـــــ " الرأي برس"، حول ( العالم العربي والثقب الأسود.. الفساد السياسي)، كان خلص البروفيسور سيف العسلي إلى القول بأن أن الصراع القائم والممتد عبر التاريخ، بين الأنظمة القائمة والحركات المتمردة، سواءً كانت قومية أو إسلامية أو قبلية أو طائفية إلخ....، وغير ذلك إنما يدور حول من يحق له أن يحكم، وليس كيف يحكم، ولذلك فهي متفقة من ناحية ومختلفة من ناحية أخرى، متفقة على الشر ومختلفة على الخير، فالكل يقتل ولا يبالي من أجل السلطة، والكل يقصي ولا يبالي من أجل السلطة، والكل يكذب ويضلل ولا يبالي من أجل السلطة.
فقد غدت أصبحت السلطة هي الغاية والوسيلة معاً، فلا قيمة لسلطة يكون هذا الفصيل هو صاحبها فقط، فيما لا قيمة لشعب أمام هذا الفصيل المسيطر عليهم بطريقة حكمه المنتفية لمواصفات الحكم والحاكم، والجميع شعارهم واحد وهو " لتبقى السلطة ويموت الشعب"، وذلك معناه أن السلطة – لدى كل فريق منهم هي: الله وهي الرسول وهي القرآن وهي الحق والحياة والعدل وهي كل شيء، فمن أجلها فليموت الشعب وتدمر البلدان ويبقى الحاكم.
حتى أنه صار لا ضير بأن يكفر الناس بالله، ولكن من غير المسموح أن يكفر الناس بالحاكم أو بولي الأمر، فمن أجل هذه السلطة الفاسدة تختفي وتصادر الحريات وتقمع من أجل الحاكم، ومن أجلها يكون الذل كرامة والفقر غناء، ومن أجلها تكون الظلمات نور والحقارة شهامة والغباء علم، والظلم عدالة والعار شرف.
فإن حضر الحاكم مهما كان فالأمة بخير، وإن غاب الحاكم فالأمة كافرة ولا تستحق البقاء ويجب إبادتها عن بكرة أبيها، لأنها – أي الأمة، آمنت بالله وحده وأسلمت له، وهذا في عرف الفصيل الموالي للحاكم، جرم بل وأي جرم، إنه جرم تستحق الأمة عليه التنكيل والقتل والإبادة الجماعية، فكيف لها أن تؤمن بالله وحده، هذا كفر بالحاكم فالإيمان لا يجب إلا أن يكون بالحاكم والا سواه.
وهذا التصور عن السلطة والحاكم، هو الذي عٌمق بقوة النفوذ والأتباع المنتفعين، ليلوث كل مفاصل المجتمع، وهو الذي أفرز الظواهر السياسية التي نشاهده ونعيشها اليوم، فالخلاف بين كل فصائل العمل السياسي وغيرهم، سواءً كانت إسلامية أو قومية أو قبلية أو طائفية أو غيرها، تتمحور حول كيف وما الذي يحصل عليه الحاكم كيفما كان، فمن قائل إنه يجب أن يكون اهل البيت، ومن قائل إنه يجب أن يكون من أمثال صلاح الدين، ومن قائل إنه يجب أن يكون أو كما يتخيل أو قرأ في قصائد شعر المتنبي أو غيره.
القرآن لم يأمر بالحكم لبشر
وفي الجزء الثاني من حديثه لـــ"الرأي برس" حول الثقب الأسود، يورد البروفيسور العسلي، جملة من الحقائق التي تكذب الحكم تحت مظلة الادعاء بأنه تنفيذاً لأوامر الله، ويبدأ ذلك من القرآن الكريم، فيقول إن القرآن ينزه ويبرئ الله من كل تقولات وادعاءات القائلين بانهم يحكمون لتنفيذ اوامر الله وشريعته، ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة النحل (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)، وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون (91 )، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ(92)، وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُون)، (93) – من الآية 90إلى 93.
فمن خلال التدبر في هذه الآيات، فإن كل ذي لب قويم، لا يقر بعد ذلك إلا ببهتان ادعاء وتقول القائلين إنهم يحكمون بأمر الله، فلا قيام لأمور الناس إلا بالعدل، ولا عدل إلا بسياسة رشيدة، والله سبحانه وتعالى أوضح في سورة الإسراء كيف يتحقق العدل، قال جل في علاه ( ولاَّ تَجْعَل مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَّخْذُولاً(22)، وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا (23)، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ( 24)، رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا( 25)، وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا(26)ِ إن الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا( 27)، وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا) (28)، – الآية من 22 إلى 28.
وحسب العسلي: هل هؤلاء الذين يدعون أنهم يطبقون أمر الله، يستشعرون هذه القيم، أو يضعونها نصب أعينهم أو يحافظون عليها، بعيدين كل البعد عن الحق، بل إن الأدهى والآمر من ذلك، هو أننا إذا قومنا سياسة الغرب، أو حتى السياسة الإسرائيلية، قد نجد أنها أقرب إلى هذه القيم من ساسة العرب وحكامهم، من ثم ندعي أننا أتباع القرآن والاسلام واتباع الله، فكيف نكون كذلك ونحن لم نعمل بهذه القيم التي نجدها في القرآن ونقرأها.
وأضاف فهل فينا من يستطيع أو في من يدعون بهتاناً أنهم يحكمون بأمر الله وينفذون أوامره، أننا وأن نقر ويقرون بخلاف هذه الأوامر تماماً، أقول بالنسبة للعامة هناك فيهم من يستطع الإقرار بكذب وتدليس الحاكم الذي صار يقتل باسم الله، أما الفصيل المدلس فلا يملك من الشجاعة ما يكفي للإقرار بذلك، وعليه يمكن القول بأننا أصبحنا وبني اسرائيل في السابق سواء، فما أعاب عليهم ذلك إلا لكونهم يعملون بظلالهم، ولكنهم يكابرون مثل حال من يبررون قيامهم بالقتل والتنكيل و... إلخ، بتنفيذ أوامر الله، يقول الله تعالى في سورة البقرة ﴿وَإِذ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ(83) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ(84) ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ(85) أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ(86)﴾- الآية من 83 إلى 86، أليس هذا أكبر دليل على أننا نخالف أمور الله لكي ندير أمورنا بسياسة فاسدة تضمن بقاء الفاسد والجاحد بشرع الله.
وحد تأكيد العسلي: الله سبحانه وتعالى أوضح لنا معالم الهداية لكننا ظللنا الطريق، فقد تجاهلنا ما بينه القرآن كاملاً، واصبحنا تقاتل ونتجادل حول من يحق له الحكم هل هو علي أو أبو بكر أو يزيد أو سواه، وكلٍ يدعي أن الله أوصى بالحكم لشخص دون أخر.. وعليه نقول هاتوا برهانكم إن كنتم صادقون، وأين من القرآن ما يدل على خصوصية آل البيت في التفرد بالحكم وأحقيتهم بالولاية.
ويضيف نقول هاتوا من القرآن ما يدل على عصمة آل البيت أو الصحابة، بالطبع لا يوجد ولكن المكابرة تجعلهم يصرون على الاستمرار في غيهم، والسبب أن القرآن لم يرد ما يؤكد على عصمة آل البيت أو الصحابة أو حتى الأنبياء وذلك لأنهم بشر.
وكما يفيد البروفيسور العسلي: في المقابل أوصى الله ونصح البشر باتباع القيم الرشيدة والعدل والقسط في التعامل والسياسة والأمور الدينية والدنيوية، كما ورد في الآيات التي وردت سلفاً من سورة البقرة، ولذلك فإن الحق أحق أن يتبع، وهذا الحق تؤيده بديهيات الواقع الإنساني وخصوصيات التعامل البشري والتطور الدنيوي وضرورات الحياة القائمة على العدل والسياسة الرشيدة، وايضاً القرآن يؤيد ذلك صراحة، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الآنفال {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُواْ أُوْلَـئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن ولايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ* وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَآءُ بَعْضٍ إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ* وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ* وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَـئِكَ مِنكُمْ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} الآيات من (72ـ75)، وليس في ذلك إلا مثال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، في المدينة وتعامله الواضح والبين الذي لا يقبل التأويل، فلم يصير حاكم المدينة ولا ملكها ولا قيصرها ولا ..... إلخ، بل إنه رفض أن يعامل كمعاملة الملوك والقياصرة، وعاش كواحد من عامة المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم، إلا ما أختصه الله به من الرسالة.
ويجزم العسلي بأنه ولذلك فما من مجال للمجادلة على أن سلوكه صلى الله عليه وسلم، لم يكن إلا امتثال لما أورده في القرآن الكريم في مجال الحكم واختيار الحاكم، كما أنه ما من مجال للمجادلة في محاولة تأويل ما كان عليه رسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، بأنه مبطن أو سواه، فقد كان واضحاً ولا يحتاج إلى تأويل مريض، وصحيفة المدينة، هي خير دليل لقطع الطريق أمام كل الآفاكين والمدلسين والكذابين.
ويتساءل البروفيسور العسلي: فكيف نترك ما كان عليه رسول الله عليه أزكى الصلاة والتسليم في امتثاله للقرآن، وما قاله رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى، كيف لنا أن نتجاهل ذلك ونذر عليه التراب، ونأتي لنسمع كلام شخص يطلق عليه عالم أو فقيه دين أو مدعٍ للعلم والزهد والتقوى وهو يعتدي على قدسية القرآن، ويقدم نفسه أو الحاكم الظالم الذي يجود عليه بسخاء العطاء، على رسول الله صلى عليه، وسلم، بل ويتجاوز ذلك إلى تقديم رغبات الحكام على القرآن، أليس ذلك هو حكم الأهواء الإنسانية المريضة، وأليس ذلك الكفر بعينه – أقصد هنا الكفر بالقرآن، وهنا نستدل بآيات تدل على عكس المرادف تماماً، قال تعالى في سورة المائدة (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ). الآية من 42 إلى 45.
ويضيف في مواصلتنا لمعرض حديثنا حول القفز على القرآن وكلام رسول الله إلى تقديم وتحكيم رغبات البشر الظالمة والمريضة الممزوجة بالأهواء المريضة والانتقام، نقول إن ما نسمع ونعيش من قفز على القرآن في مجال الحكم والحاكم إلى تمجيد كلام البشر والفتوى بأولويته وأحقية تقديمه على القرآن، نقول إنه حكم الأهواء والأنفس المريضة، التي تصادر حق الإنسان في أن يختار الحاكم الذي سيتولى إدارة الحكم، وحق الإنسان في أن يتبع القرآن في تحديد مواصفات الحاكم ونوع الحكم العدل الذي يضمن أن يعيش في ظله الجميع بأمن وأمان وتراحم وتعاون وعمل يرضي الله ولا يغضبه، وحكم الأهواء هذا هو الظلم بعينه والكفر بالقرآن بعينه، فكيف يقبل عاقل أو ذي لب بذلك.
وحد قول العسلي أما حكم الله فهو الحكم الحق والعدل، وحكم الله هو أن يختار الإنسان دينه وحكامه بنفسه برضا وتراضي وعدل ودون إكراه، حتى أن الله سبحانه وتعالى قال في محكم تنزيله " لا إكراه في الدين"، فكيف يقفز أصحاب والأهواء المريضة على هذا الحكم الخالص لله، ويفرضون بقوة الإكراه على عامة الناس قبول حكامهم بالقوة والإكراه ويمنعون عنهم أن يحددون مواصفات حكامهم الأسوياء ويختارونهم دون إكراه، ضمن إطار قاعدة الرضا والتراضي والإلزام والالتزام، أليس هذا إلغاء للقرآن يا من لا تعقلون ولا تدبرون القرآن.
ويشير إلى أن الأهم من هذا هو أن أصحاب الأهواء والمنافع والأحقاد المريضة، يدعون أنهم يعملون بموجب ما أقره القرآن، وهم في الأصل يلغون وجود القرآن ولا يقرون إلا بما يناسب أهواءهم وأطماعهم وأحقادهم وغلهم الدفين والمريض، فقدموا رغباتهم على القرآن والذي جاء فيه الأمر واضح للإنسان في أن يختار حكامه.. قال تعالى في سورة النور (لَقَدْ أَنْزَلْنَا آَيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47)، ولذلك لم يعد هناك مجال بعد قوله تعالى بصريح الكلم العظيم، للمجادلة في أحقية الإنسان في اختيار من يحكمه وكيف يكون.
والقول بأن الله حدد أو زكى من يحكم من البشر، يخالف صريح القرآن ومن ادعى ذلك فقد عطل أوامر القرآن ومصائر الناس، في اتباع اسس السياسة الرشيدة التي تقوم على القسط والعدل والرضا والتراضي والاختيار والإلزام والالتزام، وإن كان المدعين غير ذلك يؤمنون بالقرآن، فلنحتكم إلى القرآن وإن كانوا لا يحتكمون إلا لهواهم فنحن لن نحتكم إلا للقرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين ويديه ولا من خلفه.
براءة السنة
وفيما يتعلق بالسنة وبراءتها من أي ادعاء قال العسلي: إن كانوا يجارون ذلك حسب زعمهم بالاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم – أي السنة، نقول لهم إنكم كاذبون وتدعون الكذب والافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما كان لرسول الله أن يخالف القرآن الكريم، وقد أخذ من الله ميثاقه، وقال سمعنا وأطعنا، ويؤيد هذا القرآن، قال الله تعالى في سورة البقرة ( آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (285) لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) أواخر سورة البقرة.
ويضيف عليه لم يكن الدخول بالإسلام، إلا من خلال أن يقول الإنسان سمعت وأطعت كتاب الله، يقول الله تعالى في سورة المائدة (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (11) الآيات من 7 إلى 11، ولم ليكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليخالف أمر القرآن والمؤمنون معه، وهكذا لم يكن رسول ليخالف أمر الله له، يقول الله تعالى في سورة الشورى (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) الآية، (15) ، وما جاء في الآية فقد طبقه رسول الله ونفذه حرفياً وعمل به، فلم يدعو قريش لأن يأمروه أو يقلدوه الحكم أو أن يكون حاكماً عليهم، وقد عرضت عليه قريش الملك والجاه والمال ولكنه رفض، كما أنه لم يطلب من الأنصار أن يأمروه عليهم، بل هم من أصر وألح عليه وأمروه عليهم، فلم يكن ليحكم إلا بما جاء في القرآن ولا يخالفه قيد أنملة، لأنه الحق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه...
وحسب العسلي: كما انه رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يحارب من أجل السلطة أو الحكم، ولم يعتدي على الأقوام من حوله أو خارج الجزيرة العربية، بل نفذ أمر القرآن في الدعوة إلى الله وحده لا شريك له، حتى في المواقع التي شارك فيها مع المسلمين في الحرب ضد قريش التي سعرت ضدهم الحرب، فكانت محاربته في الغزوات التي شارك فيها – بدر، أحد وغزوة الأحزاب، ليست إلا دفاعاً عن النفس، مع أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، قاموا بأكثر من 70 بعثة للدعوة إلى الله وتوحيده، حتى أنه صلى الله عليه وسلم، لم يخاطب الملوك والأمراء بصفته حاكماً بل بصفته رسول الله إلى البشرية جمعاء، تنفيذاً لما جاء وأمره به القرآن، وخاطب ملوك وقياصرة وأكاسرة وأمراء ذلك العصر بصفاتهم، وألقابهم السياسية ودعاهم إلى الإسلام وتوحيد الله، ولم يدعوهم إلى الخضوع لا له ولا للعرب ولا للمسلمين، بل دعاهم إلى الإسلام واتباع القرآن.
ووفقاً للعسلي: إذاً فالإسلام لم يأتي من أجل الحكم ولا من أجل الحرب، وإنماء جاء من أجل الهداية والسلام والتعايش، وقد تفوق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالأخلاق القرآنية الفاضلة التي اكتسبوها من الإسلام، فقد كانت مكة أشر البلية قبل الإسلام، وجاء الإسلام وحولهم إلى خير البرية، يقول الله تعالى في سورة الجمعة (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (2) وَآَخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (4) – الآيات من 2إلى 4، إذاً فالقرآن هو الذي غير ورفع العرب من شر البلية إلى خير البرية، بالأخلاق الفاضلة والحسنة وليس الحرب، وهو الذي كفيل بأن يرفعنا من هذا السقوط المريع، بعد أن نسبوا كل شيء إلى الله والرسول كذباً وزوراً، قال تعالى في سورة الجمعة (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) الآية (5)، ولذلك فمن يدعو إلى التشييع وإلى طاعة الصحابة والاقتداء بالخلفاء الراشدين ويترك القرآن، فهو كمثل الحمار يحمل أسفار، لأن الرسول والصحابة من بعده لم يتبعوا إلا القرآن وإلا لما كانوا مسلمين.
................
تنويه يلي الجزء الثالث والأخير من الثقب الأسود تباعاً.
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر