الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
قلق متزايد على مستقبل اليمن من شبح الجفاف ؟؟
الساعة 15:21 (الرأي برس- ملف خاص/ نبيل الشرعبي)

كيف مر اليوم العالمي للمياه في اليمن هذا العام؟ سؤال هام يفرض نفسه في ظل المتغيرات الحاصلة، وتوسع دائرة الصراعات، وفي وقت يكاد ينشغل فيه الجميع بالحديث عن حرب أهلية ستعم اليمن، إذا ما استمرت الصراعات الجارية قائمة في التمدد، يشعل فتيلها المصالح، وتبعات الثأر السياسي والعقائدي. 
فيما هناك نُذر كارثة أخرى، يدق ناقوس خطرها منذ أمد بعيد في الأفق، مهدداً مستقبل ومصير اليمن، وكل يوم تزداد خطورة هذه الكارثة حدة، حتى باتت تمثل قلقاً كبيراً لصانعي السياسات العالمية.
لا أحد يجهل الحروب التي اشتعلت في اكثر من مكان في اليمن، على منابع وآبار للمياه، وخلفت عشرات القتلى والجرحى، وما زال شبح الخلاف يقظ وإن كان تحت الرماد..!!!

حروب المياه
إنها كارثة –حروب، المياه التي تلوح في الأفق، وتنشر مخاوف جمة على حاضر ومستقبل اليمن، هذا البلد والذي يعد واحد من أكثر أربع دول في العالم، يعاني من شح المياه.
وعلى المستوى الإقليمي، يعد اليمن الأفقر من حيث الموارد بين الدول العربية، التي تواجه أزمة مياه خانقة، فموارد المياه العذبة تتضاءل، بسبب الضخ المفرط من المياه الجوفية. 
ويتزايد الطلب على المياه في اليمن، بفعل الاستهلاك المرتفع للفرد، والاستخدام المفرط وسوء إدارة الموارد المائية والنمو السكاني السريع (حيث تضاعف عدد السكان منذ العام 1990 (من 11 إلى 24 مليونا)، ويتوقع أن يتضاعف إلى 48 مليونا بحلول العام 2037.
وتقع اليمن في أسفل سلم الدول الواقعة تحت خط الفقر المائي، إذ يحصل المواطن اليمني على حوالى 140 متراً مكعباً من المياه سنوياً فقط، بينما المتوسط العالمي للفرد يصل إلى 7500 ‏متر مكعب، وخط الفقر المائي يعد 1000 ‏متر مكعب. وكالمعتاد تحتفل اليمن مع دول العالم أجمع، كل عام في الــ22من مارس، باليوم العالمي للمياه.
وفي المقابل الاستهلاك يفوق التعويض وتتمثل المشكلة الرئيسة في اليمن في أن الاستهلاك يفوق التعويض فهي تستهلك 3 مليارات متر مكعب سنوياً والتعويض لا يتجاوز ملياري مكعب، أي أن هناك مليار متر مكعب من المياه عجزا سنويا مما يعني أن الخطر يتفاقم سنوياً.
ومن المحتمل أن يوصلنا الاستهلاك الجائر للمياه في اليمن، إلى نقطة الصفر واعتماد اليمن في مياه الشرب على المخزون الجوفي بكارثة ويقودها للسير في طريق الخطر، وسحب الاحتياطي من المياه الجوفية يؤثر على الاستقرار والتنمية بشكل عام.

إيجاد استراتيجية وطنية
وتشدد الوكالات الدولية على ضرورة وجود استراتيجية محلية ودولية للحفاظ على المياه، وتقديم حلول تتمثل في الاستفادة من مياه الأمطار ومياه الصرف الصحي والتقليل من استنزاف المياه وآلية التعامل مع أسلوب الري في مجال الزراعة في اليمن. 
ويحذر خبراء محليون ودوليون من خطورة تدهور الوضع المائي في اليمن ونتائجها التي قد تهدد الأمن القومي والاستقرار المعيشي، وتأتي التحذيرات المتتالية للخبراء والمهتمين بشأن أزمة الوضع المائي الحادة في البلاد على خلفية تصنيف اليمن ضمن قائمة الأربع الدول الأشد فقراً في الموارد المائية على مستوى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا والعالم.
وبحسب دراسة يمنية، نصيب الفرد في اليمن من المياه الصالحة للشرب، هو الأدنى في العالم، حيث يقدّر بحوالي 120 ‏مترا مكعبا سنوياً، بينما نجد المتوسط العالمي للفرد يصل إلى 7500 ‏متر مكعب وخط الفقر المائي يعد 1000 متر مكعب، ونصيب الفرد هذا في اليمن من المياه المتاحة، سيتضاءل مستقبلاً ليبلغ 65 ‏مترا مكعبا لكل فرد سنوياً بحلول العام 2025.
 وقدّرت تقارير دولية أن حوالي 4.5 مليون طفل يمني، يعيشون في منازل لا يتوفر فيها مصدر مياه محسن، وحسب تقارير للبنك الدولي، اليمن يواجه تحديات مائية باعتباره مناخا شبه جاف، إذ يصل معدل استهلاك الفرد من المياه في العام 135 مترا مكعبا، وهو من اقل المعدلات في العالم.
ويلفت البنك الدولي إلى أن كمية المياه المتجددة في اليمن تبلغ فقط حوالى 2.5 مليار متر مكعب سنوياً، بينما تبلغ كمية المياه المتجددة في منطقة الشرق الأوسط حوالى 348,3 مليار متر مكعب سنوياً، وفي بقية أقطار العالم تبلغ كمية المياه المتجددة 40637 مليار متر مكعب سنوياً تقريباً.
وفي المقابل نسبة المياه المسحوبة من المياه المتجددة في اليمن تبلغ ما نسبته 136 في المائة وتبلغ نسبة المياه المسحوبة من المياه في منطقة الشرق الأوسط حوالى 51 في المائة أما في بقية أقطار العالم فلا تزيد نسبة المياه المسحوبة عن 8 في المائة من كمية المياه المتجددة.
ويبلغ نصيب الفرد اليمني من المياه المتجددة مع ما يخص نظرائه على المستوى الإقليمي والعالمي 1,7 في المائة من نصيب الفرد على المستوى العالمي ونسبة 10,4 في المائة على المستوى الإقليمي.

تناقص حصة الفرد
وفي ظل الزيادة الكبيرة في عدد سكان اليمن فإن حصة الفرد اليمني المتدنية أصلاً ستتناقص باستمرار تزايد عدد السكان، وتبلغ كمية الاستخدامات المختلفة للمياه حوالى 3,6 مليار متر مكعب سنوياً يستخدم منها ما نسبته 93 في المائة للزراعة ري القات، ويستأثر بأكثر من 800 مليون متر مكعب من المياه سنوياً.
فيما يستخدم نحو 7 في المائة للاستخدام البيئي والصناعي الأمر الذي يحدث فجوة عجز بين كمية المياه المتجددة وكمية المياه المستخدمة تقدر بحوالي مليار متر مكعب في السنة.
وخلصت دراسة يمنية إلى القول بأن أسباب تدهور موارد المياه في اليمن، تتمثل في الاستنزاف الحاد لمصادر المياه الجوفية، والتي تعد المصدر الأساس للحصول على المياه، إذ توفر ما نسبته 90 في المائة من احتياجات البلاد.
وأشارت الدراسة إلى أن المشكلة تتضاعف، بسبب أن 40 في المائة من المياه الجوفية المستخرجة، تذهب لري زراعة القات، التي تستأثر بأكثر من 800 مليون متر مكعب من المياه سنويا.
إذ زيادة الطلب على القات وارتفاع معدلات استهلاكه خلال العقود الخمسة الأخيرة، والفوائد المادية المجزية التي يحققها، أدت إلى عزوف المزارعين اليمنيين عن زراعة محاصيل نقدية مهمة كالبن والعنب والحبوب والتركيز على زراعة القات الذي تتوسع زراعته على حساب المزروعات الاخرى.
وبفعل النمو السكاني الهائل (حيث ازداد عدد سكان اليمن بنسبة 150في المائة خلال الفترة من عام 1994 حتى عام 2013 ليصل إلى 24 مليون نسمة)، ازدادت التوقعات باندلاع ما يسمى "بحروب المياه.

80بالمائة من النزاعات
ووفقاً لتقديرات توصل إليها بعض الباحثين في اليمن، فإن ما يتراوح بين 70 في المئة و80 في المئة من النزاعات في المناطق الريفية تتعلق بمشاكل تخص الحصول على المياه.
وتفاقمت حدة التوترات في هذا البلد الذي يتسم بأقل قدر من الموارد المائية المتوافرة في العالم، جراء النمو السكاني والإدارة غير المرضية للموارد المائية، وممارسات الحفر غير المشروعة، فضلاً عن توافد اللاجئين من الصومال.
وأشارت دراسات البنك الدولي إلى أن مدنا يمنية كثيرة في مقدمتها العاصمة صنعاء مهددة بالعطش خلال أقل من عقدين إذا لم تتخذ التدابير اللازمة لتأمين مصادر مياه جديدة.
وخلال الأعوام القليلة الماضية بدأ الناس يعانون من ندرة المياه في العديد من المحافظات والتي أضحت أيضا مهددة بالجفاف، وفي مقدمتها لحج، عمران، تعز، البيضاء، وحجة، إذ تشهد أشد أزمة مياه، وقد أثرت سلباً على حياة سكانها ودفعت ببعضهم إلى ترك منازلهم والهجرة إلى مناطق أخرى بحثاً عن الماء.
ووفق تقديرات دولية فإن العاصمة صنعاء ستكون في طريقها لتكون أول مدينة في العالم تفتقر إلى إمدادات مياه مستدامة، بسبب عدد السكان المتزايد فيها والذي يقارب 3 ملايين نسمة، والتوسع العمراني الذي تشهده العاصمة.
وفي العاصمة صنعاء لا يحصل معظم السكان تقريبا على كميات كافية من المياه من مشروع المياه العام الذي يصل إلى المنازل مرة كل عشرة أيام، مما يضطرهم إلى شراء المياه من الخزانات المحمولة بالحافلات والمعروفة باللهجة المحلية "بالوايتات" والمنتشرة حول المدينة لسد احتياجاتهم اليومية.
وتجلب "وايتات" المياه من الآبار المحفورة عشوائياً في حوض صنعاء، أما بعض العائلات فتدفع أطفالها لإحضار المياه من المساجد والآبار القريبة من منازلهم، كما أن هذه الآبار العشوائية التي تهدد حوض صنعاء هي أيضا مهددة بالجفاف جراء استخدامها الجائر في ري أشجار القات.
ووفقاً لما قاله الدكتور مدير إدارة الموارد المائية المشتركة في منظمة التعاون الفني الألماني في اليمن، "جيرهارد ليشتنثلر"، يوجد حوالي 13500 بئر عشوائية في حوض صنعاء، وقد حفرت خصيصاً لري أشجار القات التي تستهلك تقريباً 80-90 بالمائة من المياه وهي حصة الأسد تقريباً.
وفي المقابل مؤسسة المياه والصرف الصحي لا تملك سوى 125 بئرا في حوض صنعاء ثلثها محفور بعمق 1000م لإمداد الناس بالمياه، وهو ما جعل سكان المناطق العمرانية الحديثة والتي تبعد عن وسط المدينة لا تصل إليهم إمدادات مياه المشروع وإنما يعتمدون على مياه "الوايتات" للتزويد بالمياه.

عاصمة بدون مياه
وحسب بعض الدراسات من المتوقع أن تصبح العاصمة صنعاء بدون مياه في ظل الاستنزاف الجائر والمهول لمياهنا بحلول العام 2025م. ـ يبلغ مستوى الهبوط السنوي في مناسيب المياه في الكثير من الآبار ما بين 3-6 أمتار في السنة بحسب بعض الدراسات من المتوقع هبوط كمية النصيب السنوي للفرد الواحد من المياه في بلادنا إلى 65 متراً مكعباً بحلول العام 2025.
وتتعدد مشاكل المياه في اليمن، ففي محافظة عمران سكان ريف هذه المحافظة تكاد تكون معاناتهم أكثر من سكان المدن، بسبب شح المياه الشديد، ونقص الخدمات العامة، فالناس في المناطق الريفية لا يجدون الماء الكافي لاحتياجاتهم اليومية، والبعض يقضي حاجته في العراء ليوفر الماء لاستخدامات أخرى.
وذاك الوضع في محافظة عمران، أجبر مزارعي القات على سقي أشجارهم بمياه "الوايتات" التي يتفاوت ثمنها من 1500إلى 10000 ريال " للوايت" الواحد، وبعضهم تفهم مشكلة قلة المياه واستنزاف الآبار وأقلع عن زراعة القات، والحفر العشوائي للآبار.
وحسب احصاءات رسمية يبلغ عدد الآبار الارتوازية في محافظة عمران ما يقارب 3000 بئر، يتم نقل مياهها إلى مزارع القات البعيدة، وهذا يمثل سبب رئيس لتفاقم مشكلة مياه عمران، ونضوب الموارد المائية وانخفاض منسوب مياه الأمطار الذي يقدر بـ250مم مقارنة بـ1000مم في مدينة إب.
ويحذر خبراء من استنزاف مياه حوض عمران وسرعة استهلاك المياه الجوفية، وكانت منظمة التعاون الفني الألماني، حذرت من أن "حوض عمران يمر بمرحلة حرجة وقد جفت بعض المناطق بسبب نقل الماء من منطقه إلى أخرى"، كما حذرت من الاستهلاك الكبير للمياه.
وحثت المنظمة سكان المنطقة على إيقاف الحفر العشوائي للآبار ومنع زراعة القات في المنطقة للحفاظ على ما تبقى من المياه في حوض عمران، مبينة أن القات يستهلك 60 في المائة من المياه بينما يستهلك الاستخدام المنزلي للمياه 5 في المائة فقط وباقي النسبة لري المحاصيل الأخرى.

الأقدم من نوعها
أما مشكلة المياه في تعز ولحج فهي الأقدم من نوعها في البلاد حيث كانت قد بدأت المشكلة مطلع التسعينيات في مدينة تعز ومطلع السبعينيات في ريفها، أما الآن فالمشكلة قد تحولت من سيئ إلى أسوأ.
وحد تأكيد جهات رسمية وسكان محليون في تعز، أصبحت المشكلة غير محتملة؛ لأن إمدادات مشروع المياه يصل إليهم يوم واحد فقط في الشهر أو كل أربعين يوما، وفي هذا اليوم يقوم الناس بتعبئة خزانات المياه المتواجدة على أسطح منازلهم وأيضا جميع الأوعية المتوفرة في مطابخهم ودورات مياههم.
ولكن - للأسف - فهذه الخزانات والأوعية لا تكفي حاجاتهم طوال الشهر؛ لأن بعضهم قد يستهلكه في أسبوع والبعض الآخر في أسبوعين، وبعد ذلك يلجأون لشراء "الوايتات"، وشراءها مكلف جداً وقد تشكل عبئا ثقيلا على ذوي الدخل المحدود، الذين يتقاضون رواتب زهيدة لا تكفي لإعالة أطفالهم.
وتزداد المعاناة في ريف تعز حيث أزمة المياه هي الأشد من نوعها والمعاناة أقسى بالنسبة للفتيات والنساء اللاتي اعتدن على جلب المياه بأنفسهن من الآبار البعيدة وقيعان الوديان.
ويرجع المسئولون في محافظة تعز، تفاقم شحة المياه إلى عديد من الأسباب، تقف وراء استنزاف المياه في تعز، وأهمها زيادة عدد السكان والتوسع العمراني الذي تشهده المحافظة مع محدودية مصادر المياه فيها.
ومدينة تعز تعتمد على ثلاث أحواض مائية هي: "الحيمة- وادي الضباب، والحوبان"، وتزود المدينة بـ17000 متر مكعب يوميا، فيما الاحتياج اليومي للسكان من المياه 56000 متر مكعب، وهذا يعني نقص 26000 متر مكعب من الاحتياج.

إجهاض المشروع
وبالوقوف على الكارثة التي تحدق بتعز، فرغم الوعود التي أطلقتها الحكومات السابقة منذ 2006 بقرب حل مشكلة المياه بتعز بعد تبرع الأمير سلطان بمبلغ 250 مليون دولار لعمل محطة تحلية في المخا.
إلا أن الوضع لا يزال في مكانه، وقالت السلطة المحلية في تصريحات سابقة إن الحكومة حصلت على وعود مؤكدة من قبل المانحين لدعم المشروع بالإضافة إلى دعم مؤسسة الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود للمشروع والمقررة بـ212 مليون دولار أمريكي.
أضف إلى ما سبق أن التعديلات المباغتة لتطوير المشروع ومده من مدينة المخا إلى مدينة إب أجهضت كل ما كان جاهزاً للتنفيذ, حيث بات المشروع بعد تلك التعديلات بحاجة إلى مبلغ (500) مليون دولار, ما يعني رحلة عناء جديدة للبحث عن تمويل للمشروع من المانحين.
وفي حال تم المشروع فان الدراسات المتوافرة تشير إلى أن الطاقة الإنتاجية للمشروع تقدر مبدئياً ب(50) ألف متر مكعب يومياً، وستصل مستقبلاً إلى (100) ألف متر مكعب كحد أقصى, وأن معدل استهلاك الفرد سيرتفع من (30) لترا في اليوم إلى (60) لترا بعد إدخال مشروع تحليت البحر بالنسبة لمشتركي المؤسسة, مع الأخذ بعين الاعتبار أن خدمات المؤسسة لم تتجاوز (70في المائة) من سكان المدينة.
وهناك مؤشرات تقول انه في العام (2018)، لن يغطي مشروع التحلية الاحتياج المطلوب للسكان في مدينة تعز وإب لوحدهما, حيث سيصبح عدد السكان بناء على مؤشرات النمو السكاني المرتفعة في تعز (446و941و1) نسمة مع إضافة مديرية التعزية.
وبما أن الهدف أن يحصل الفرد على (60) لترا يومياً على الأقل فإننا سوف نحتاج إلى (69) ألف متر مكعب يومياً أي ما يعادل ثلثي الطاقة الإنتاجية بعد ثلاث سنوات فقط من بدء عمل المشروع.
وإذا افترضنا أن سكان مدينة إب نصف سكان مدينة تعز نكتشف أن المشروع سيغطي المدينتين لمدة ثلاث سنوات فقط من بدء تشغيل المشروع, هذا مع استبعاد الاحتياجات الصناعية وغيرها والاقتصار على الاحتياجات المنزلية فقط تاريخ المشكلة وتعود تاريخ مشكلة شح المياه في تعز إلى بداية الثمانينات.

حوض تعز 
وتقول بعض المصادر إن حوض تعز المائي تعرض للجفاف في تلك الفترة بسبب الاستنزاف الجائر للمياه وقلة التعويض لكن المشكلة لم تصل إلى المستوى الذي وصلت إليه اليوم فقد أصبح الماء سلعة نفيسة تفنى من أجلها الأرواح كم حصل في الحرب الدائرة بين قراضة والمرزوح في صبر والتي راح ضحيتها في الأشهر السابقة ما يقارب 20 شخص.
وللتأكيد نقول صحيح أن اليمن ككل تعاني من مشكلة الجفاف وتعد من أقل 4 دول على مستوى العالم في نصيب الفرد من الماء والذي لا يتعدى 135 متر مكعب في العام وهو من أقل المستويات في حين تعرف منظمة الصحة العالمية الفقر الشديد للمياه بأنه ألف متر مكعب من المياه.
إلا أن تعز لا تحصل حتى على هذا الرقم ونصيب الفرد من المياه لا يتعدى 20 متر مكعب حسب أخر الإحصائيات، ورغم تعاقب الحكومات اليمنية وتعاقب المحافظين على تعز إلا أن هذه المشكلة لم تجد لها حل رغم الوعود المتكررة التي تظل أشبه بالسراب الخادع.

الأكثر معاناة
أيضاً محافظة لحج هي الأخرى، تعاني من ندرة المياه خاصة في المناطق القريبة من محافظة تعز حيث المنسوب السنوي لهطول الأمطار هو فقط 50 م، وتعتبر الأكثر معاناة من قلة المياه في اليمن.
وفي إحدى مناطق هذه المحافظة، وتسمى منطقة "القبيطة"، وهي أكثر مديرية متأثرة بأزمة المياه في المنطقة، شرع بعض الأهالي في هذه المديرية بالهجرة منذ فترة، وتركوا منازلهم بعد أن بدأ الجفاف يهددهم، ومن ترك منزله لا يستطيع حتى العودة إليه ليقضي الإجازة الصيفية، بسبب مشكلة المياه.
وتفيد دراسات رسمية أن مشكلة استنزاف المياه في منطقة "القبيطة"، بدأت في الثمانينيات عندما كان الناس يعتمدون على مياه الآبار والصهاريج وخزانات المياه التي تحصد وتجمع من مياه الأمطار كمصدر لمياه الشرب والاستخدامات المنزلية الأخرى.
وكان قبل فترة قصيرة، سكان هذه المنطقة، يجلبون الماء من المناطق البعيدة حيث تتوفر الآبار بكثرة، مستخدمين الحمير والسيارات والمشي على الأقدام في أسوأ الحالات، ولكن بعد جفاف هذه الآبار بدأوا يذهبون إلى آبار أبعد بالاعتماد على السيارات أو الشاحنات والتي تكلفهم نقود أكثر، فثمن الجالون الواحد يساوي 100 ريال يمني.
والجفاف في هذه المنطقة وغيرها من المناطق، أثر سلباً على الثروة الحيوانية، مما أدى إلى انتشار الفقر بين السكان المحليين، ويشدد البنك الدولي على ضرورة إيلاء مشكلة المياه في اليمن، أهمية ضمن أجندته وبرامجه التي ينفذها في اليمن.

مصدر وحيد
وتعد الأمطار المصدر الوحيد للمياه المتجددة في اليمن، حيث يتراوح متوسط الهطول المطري بين 50مم في المناطق الصحراوية، -الشمال والشمال الشرقي والسواحل الجنوبية، ويرتفع إلى ما يزيد عن 600 مم في السنة في المرتفعات الوسطى والغربية.
لكن رغم الكمية الكبيرة والمقدرة بـ 60 مليار متر مكعب في السنة، إلا أن ما يزيد عن 65 في المائة من هذه الكمية تعتبر أمطاراً غير فعالة ولا يحدث منها جريان سطحي أو تغذية جوفية.
وتشكل مياه السيول والغيول عبر جريان الأودية أو العيون ما يسمى بالمياه السطحية المتجددة والمقدرة 2.1 مليار متر مكعب في السنة وهو ما يمثل 10 في المائة من أجمالي الأمطار الفعالة، ويقدر التسرب من الأمطار بــ 4.5 في المائة وهو ما يسهم في تغذية الخزانات المائية التي تعتبر المصدر الأول لمياه الشرب والاستعمالات المنزلية والصناعية.
وتعتبر اليمن من البلدان شحيحة المياه بسبب موقعها الجغرافي حيث تقع ضمن البلدان شبه القاحلة ويتراوح معدل سقوط الأمطار منها بين 50 ملم سنوياً في الشريط الساحلي إلى (00 5- 800 ملم) في المرتفعات الجبلية إلى أقل من 50 ملم في المناطق الشرقية تتراوح كمية الأمطار السنوية ما بين(67.11 مليار متر مكعب إلى 93 مليار متر مكعب)، في السنة.
وتستحوذ المنحدرات الغربية والجنوبية الغربية والهضاب العليا على النسبة الأكبر من هذه الأمطار ثم تقل الأمطار تدريجياً بالاتجاه الشرقي والشمالي الشرقي وحتى ظهور المناخ الصحراوي على أطراف الربع الخالي وتبلغ نسبة هطول الأمطار إلى كمية التبخر حوالى 0.03 الى 0.25 وهو ما يميز المناخ القاحل إلى الجاف.
وتبلغ كمية هذه المياه حوالي 10 مليارات متر مكعب في حوض المسيلة، 205 مليارات متر مكعب في حوض تهامة وتتوزع البقية من الاحتياطي الجوفي على بقية المناطق.
وتبلغ كمية السحب من المياه الاحتياطية في حوض تهامة حوالي 1.5 مليار متر مكعب سنوياً عن طريق 55 ألف بئر ارتوازية يتم سحبها من المياه الاحتياطية، ويتم ضخ 3400 مليون متر مكعب منها، ومعظمها يذهب للنشاط الزراعي إذ يستهلك 90في المائة من هذه الكمية و8في المائة تذهب للقطاع المنزلي و2في المائة للقطاع الصناعي.
ويمثل هذا الحجم من المياه المستخرجة، من مياه حوض تهامة ما يفوق معدل التغذية الجوفية بمقدار 900 مليون متر مكعب؛ ما تسبب في حصول انخفاض متزايد في منسوب المياه الجوفية.
 ويصل مستوى هذا الانخفاض في بعض الأحواض ما بين 2-6 أمتار سنوياً وقد تفاقم هذا الوضع مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات من القرن العشرين عندما بدأت أعمال حفر الآبار العميقة تتزايد بصورة كبيرة وبدأت مرحلة استنزاف كبيرة للمياه الجوفية عندما وجد المزارعون أن هناك مردوداً سريعاً لاستخدام هذه المياه في الزراعة.

لا تتعدى 2بالمائة
ويبلغ نصيب الفرد الواحد من المياه سنوياً في اليمن حوالى «130» مترا مكعبا، وهذه القيمة لا تتعدى 2في المائة من المتوسط العالمي و 15في المائة من معدل نصيب الفرد في الوطن العربي والشرق الأوسط من المياه المتاحة سنوياً، ويبلغ إجمالي استخدام المياه للأغراض المختلفة سنوياً حوالى «3500 مليون)» متر مكعب. 
فيما يبلغ إجمالي الموارد المائية المتجددة القابلة للاستغلال سنوياً حوالي «2500 مليون» متر مكعب، أي أقل من إجمالي المياه المستخدمة بـ «1000 مليون» متر مكعب، ويستهلك النشاط الزراعي في اليمن ما نسبته 93في المائة من إجمالي كمية المياه الجوفية المستهلكة، ويستحوذ القات على حوالي «65في المائة» من إجمالي كمية المياه المستخدمة في الزراعة.
ويبلغ عدد الآبار في اليمن حسب بعض الدراسات أكثر من «100.000» بئر، حفر معظمها بصورة غير شرعية ولغرض الزراعة وخاصة زراعة شجرة القات، ففي حوض صنعاء فقط يبلغ عدد الآبار المحفورة حوالى «13400» بئر، وفي منطقة بني حشيش فقط يبلغ عدد الآبار بها نحو «5000» بئر أي بكثافة «20» بئراً لكل كيلو متر مربع.. 

حلول وتساؤل
ويقول البنك الدولي إن قضية المياه ذات أولوية في اليمن، مما يستدعي معالجتها بشكل كامل، وتأمين أفضل إدارة مستقبلية لها، عبر نظام اللامركزية، والعمل لوقت طويل لإنجازها.
وللعلم يمر اليوم العالمي للمياه في اليمن سنوياً، ويذهب الجميع إلى الحديث عن مشكلة تهدد الحاضر والمستقبل، ويتكرر الحديث والتحذير من هذه المشكلة في كل عام وبنفس الوتيرة.
ويتم في المقابل وضع حلول على الورق، ولا ينفذ منها شيء، فيا ترى إلى أين ستجر هذه المشكلة البلد، في ظل عجز رسمي عن إيجاد حلول فعلية، تحد من تناميها مع تقدم الوقت، وتعاظم مخاطرها من وقت إلى آخر...
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل ستكون الحرب القادمة في اليمن، حرب على المياه، والتي باتت تهدد حاضر ومستقبل عدد من المدن وفي مقدمتها العاصمة اليمنية والتي ستكون أول عاصمة في العالم مهددة بالجفاف!!!! 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص