السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
كيف تهاوى الاقتصاد اليمني؟!
الساعة 02:08 (الرأي برس/ ملف خاص_ نبيل الشرعبي)


"الاقتصاد اليمني ليس بخير"، بهذه العبارة يجمع العالم على وصف حالة اقتصاد اليمن، في ظل المتغيرات التي تنهش، هذا البلد وتزداد حدة مع تنامي ذروة الصراع وتمدده، وفي المقابل اتساع مساحة الفقر والبطالة، ونزوح الاستثمارات خصوصاً الأجنبية بشقيها الإقليمي والدولي.
أضف إلى ذلك تخلي شركات النفط الأجنبية، عن أداء وظائفها في اليمن، جراء الانفلات الأمني، وزيادة المخاطر حد تأكيد عدد منها، غادرت البلاد دون سابق إنذار لتزيد من حدة معاناة الاقتصاد اليمني..

التخلي على اليمن
ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، تقريراَ مطولاً، قالت فيه إن شركات النفط الأجنبية الكبرى العاملة في اليمن، بدأت بالتخلي عن هذا البلد المنهك بالصراعات، جراء الاضطرابات السياسية التي وجهت ضربة قوية لصناعة النفط في البلاد، مما اضطرها للتخلي عن آبار النفط المنتجة، وإجلاء موظفيها بسبب وصول المتمردون الحوثيون للسلطة، حد ما نشرت الصحيفة.

ولفت التقرير إلى أن شركة "أوكسيدنتال بتروليوم كورب"، ومقرها "هيوستون"، والتي ظلت تعمل في اليمن منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، أخلت موظفيها خارج البلاد في يناير الماضي.
وفي المقابل برر مسؤولون تنفيذيون ويمنيون، ذلك الإجلاء باقتحام المجمع الواقع في قلب العاصمة اليمنية- منطقة حدة، وتتخذ منه الشركات النفطية العاملة في اليمن، مقراً لها، بررت ذلك الإجلاء باقتحام المجمع من قبل مسلحين.
ووفق إفادة الشركة تشديد المسلحين، والذين يتبعون جماعة الحوثي المسلحة، قبضتهم على المجمع والسلطة هناك، وجراء تلك السيطرة، أضحى غير ممكن للشركات النفطية مزاولة أعمالها، خاصة وأن جماعة الحوثي تكن عداءً كبيراً لبلدانها.
ولم تكن الشركة الأميركية "أوكسيدنتال بتروليوم كورب" هي الوحيدة التي أوقفت أعمالها، بل كان مسؤولون تنفيذيون، في شركات آخرى قد سبقوا الشركة الأميركية، في إعلان توقيف أعمالها ورحيلها عن اليمن.
 وكان في مقدمتها الشركة النرويجية "DNO AS A"، ومجموعة "دوف إنريجي دبي" وشركة "نكسن"، التي تملكها شركة الصين كنوك المحدودة، وكل هذه الشركات انتقلت للتخلي عن حقوقها في حقول إنتاج النفط في اليمن، والتي كانت تنتج آلاف البراميل من الخام يوميا.
ولم يقف الحال عند الشركات السالفة الذكر، وإنما تجاوزها ليمتد إلى شركة الطاقة النمساوية "OMV AG"، التي تنتج نحو 22 ألف برميل يومياً، والتي أجلت معظم موظفيها الأجانب وقلصت أنشطتها في اليمن، وفق تقرير صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.

تعليق المساعدات
ولم يتوقف عند الشركات النفطية، بل تجاوزها إلى البنك الدولي، والذي هو الآخر أغلق مكتبه في صنعاء موقتاً في 18 فبراير الماضي، كإجراء احترازي نتيجة التغيّر السريع في الأوضاع الأمنية .
وأرسل البنك خطاباً إلى الطرف اليمني، يفيد فيه اضطراره إلى تعليق صرف الدعم المالي لبرامجه إلى الجهات الحكومية المعنية، وكانت هذه المراجعة بدأت مطلع شباط "فبراير" الماضي، وانتهت إلى أن الوضع في اليمن تدهور إلى درجة لا يستطيع معها إدارة مشاريعه بفاعلية.
ولفت البنك الدولي إلى أن هذا القرار استند إلى التراجع الخطير في قدرة موظّفيه على التواصل والتنسيق مع نظرائهم في الحكومة، وعدم قدرتهم على الوصول إلى مواقع مشاريع كثيرة، ما حال دون إجراء رقابة ائتمانية وإدارية كاملة عليها .
وسيخسر اليمن مساهمات البنك الدولي الداعمة لاقتصاده، وفقًا لـ «مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي»، حوالي مليار دولار، كان سيقدمها البنك الدولي لليمن على صيغة مشاريع.

توقف الاستثمارات
 وأعتبر مركز الإعلام الاقتصاديً، قرار المؤسسة تعليق عملياتها «يزيد التدهور الاقتصادي بفعل الصراع السياسي في البلد»، والذي يزداد حدة مع تقدم الوقت.
وطالب المركز القوى السياسية بـ الإسراع في إيجاد حل سياسي للأزمة، وعودة مؤسسات الدولة الرسمية إلى عملها، نظرًا إلى الانكماش الاقتصادي وتوقف الاستثمارات وإفلاس عدد من المشاريع الصغيرة والمتوسطة وزيادة معدل البطالة .
وتوقّع المركز أن يسجل الاقتصاد اليمني نمو سلبي يتجاوز -12 في المئة خلال العام الحالي، مشيراً إلى أن خطورة تعليق البنك الدولي عملياته في اليمن، لا تتمثّل في توقف المنح التي يقدمها فقط، بل أيضاً لدوره الفاعل في التنسيق بين الدول المانحة، وتأثير قراره على سمعة اليمن على المديين المتوسط والطويل .
وكان قد قدّم البنك الدولي 40 مليون دولار على شكل منح لليمن خلال العام الماضي، وبلغت قيمة ما صُرف من المساعدات التي تعهّدها في مؤتمر المانحين عام 2012، نحو 158 مليون دولار من أصل المبلغ الإجمالي البالغ 400 مليون دولار .
أيضاً كان البنك الدولي أعلن عن تعهدات إضافية لليمن، خلال العامين الماضيين بقيمة 269 مليون دولار، صُرف منها 27 مليوناً فقط حتى الآن.
وكان البنك الدولي قد موّل خلال العامين الماضين 17 مشروعاً بما نسبته 7 في المئة من المشاريع الإجمالية التي يتولى تمويلها المانحون.
وتتوزّع مشاريع المانحين على قطاعات الحكم الرشيد وبناء الدولة بنسبة 55 في المئة، تليها الحاجات الإنسانية الطارئة 34 في المئة، ثم شبكة الأمان والحماية الاجتماعية 24 في المئة، والصحة 17 في المئة، والمياه 16، والكهرباء 13 في المئة. 

كارثة يصعب السيطرة عليها
ويحذر اقتصاديون يمنيون من كارثة إنسانية يصعب السيطرة عليها جراء استمرار التدهور الخطير الذي يشهده الاقتصاد اليمني والركود المخيف لحركة النشاط التجاري .
ويشهد الاقتصاد اليمني، وفق خبراء الاقتصاد، منذ سيطرة مليشيات الحوثي على مؤسسات الدولة في العاصمة وانقلابها على العملية السياسية، تدهورا خطيرا وانهيارا مخيفا يضع البلاد أمام كارثة إنسانية  يصعب السيطرة عليها مستقبلا .
ولفتوا إلى أن حركة النشاط الاقتصادي لاسيما العاصمة، انخفض انخفاضا كبيرا، جراء توقف كثير من المشروعات الاستثمارية وهروب عدد من الشركات والمؤسسات الأجنبية.
وكذلك هروب رؤوس الأموال المحلية إلى خارج اليمن وهناك قلقاً عاماً ينتاب المستثمرين ورجال المال والأعمال جراء تدهور الوضع السياسي وممارسات وانتهاكات مليشيات الحوثي.

مؤشر خطير
وفي مؤشر خطير أكد البنك المركزي اليمني في أحدث تقرير له أن احتياطي النقد الأجنبي اليمني يغطي لم يعد فقط غير5 أشهر من واردات السلع والخدمات.
وأظهر تقرير المركزي تراجعاً في احتياطي النقد الأجنبي في اليمن نحو ستة في المئة خلال كانون الثاني (يناير) الماضي، إلى 4.383 بليون دولار بالمقارنة مع 4.665 بليون في كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، فيما بلغ الاحتياطي نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي نحو 5.230 بليون دولار.
وقال التقرير ان احتياطي النقد الأجنبي، واصل تراجعه للشهر السادس على التوالي، نتيجة استمرار نمو فاتورة استيراد المشتقات النفطية لتغطية عجز الاستهلاك المحلي، وفاتورة استيراد المواد الغذائية الأساسية.
وأشار التقرير إلى أن فاتورة استيراد المواد الغذائية الأساسية بلغت 282.3 مليون دولار كانون الثاني (يناير) الماضي، واستوردت الحكومة اليمنية في 2014 عبر المصرف المركزي، كميات كبيرة من المشتقات النفطية والمواد الغذائية الأساسية من الخارج، لتغطية عجز الإنتاج المحلي والبالغ قيمتها 2.655 بليون دولار.
وتتضمن الاحتياطات قرضاً قيمته بليون دولار قدمته السعودية إلى اليمن في العام 2012، وفي المقابل المعروض النقدي انخفض نهاية كانون الثاني (يناير) 56 بليون ريـال ليصل إلى 3.049 تريليون ريـال من 3.106 تريليون في نهاية كانون الأول (ديسمبر) الماضي، وذلك مقابل3.054 تريليون ريال نهاية كانون الأول " يناير" من العام الماضي.

طارد للاستثمار
وقال الخبير الاقتصادي ورئيس مركز الشفافية والعمل د/ سعيد عبد المؤمن ان اليمن دخلت في منعطف اقتصادي خطير نتيجة عوامل متعددة اهمها ان المصدر الرئيس  للدولة تراجع بشكل كبير جداً.
وأضاف الدكتور عبدالمؤمن بأن اليمن اضطرت لاستيراد مشتقات نفطية بقيمة مائة واحد وسبعون مليون دولار اي بأكثر من ثلاثة اضعاف ما تم تصديره من النفط الخام خلال ذات الفترة.
وأشار الى ان أخر تقرير للبنك المركزي اليمني اكد ان اليمن صدرت في شهر يناير فقط بـ سبعة واربعين مليون دولار بينما كان ايرادات النفط في ديسمبر 2014 ثلاثة وتسعون مليون دولار.
ولفت الدكتور عبدالمؤمن إلى ان اليمن اصبح بلداً طارداً للاستثمار ودخل في وضع اقتصادي سيئ، فعدد من الشركات النفطية غادرت اليمن والبعض تستعد للمغادرة والاستثمارات المحلية بدأت تغادر اليمن بشكل كبير ورجال المال والاعمال غير قادرين على استرجاع المديونية من السوق نتيجة الركود الحاصل .
وحسب الدكتور عبدالمؤمن منذ أن سيطر الحوثي على السلطة بتاريخ 21 سبتمبر حيث غادر قرابة 100 مستثمر سعودي اليمن بسبب ما قالوا إنه عدم استقرار الأوضاع الامنية في البلاد.

رحيل 4مليارات دولار
وخسر اليمن استثمارات لرجال اعمال سعوديون بقيمة بلغت 4 مليارات دولار، وهو رقم مهول ومن الصعب تعويضه بالنسبة لبلد فقير.
وكان قد تم الكشف مسبقاً توقف أكثر من 100 مشروع استثماري سعودي في اليمن بحجم استثمارات يصل إلى 4 مليارات دولار، نتيجة لسلسلة الأحداث الأخيرة وحالة الانفلات الأمني التي سادت أرجاء البلاد.
وقال رئيس مركز الشفافية الدكتور سعيد عبد المؤمن في حديث  لـ " العربية الحدث " ان الاحتياطي النقدي لن يغطي اكثر من ثلاثة اشهر وليس كما جاء في تقرير البنك المركزي بأن الاحتياطي النقدي سيغطي احتياجات اليمن لمدة خمسة اشهر، وأن التجار سيحاولون شراء الدولار من السوق لتوفير الاحتياجات الأساسية مما يؤدي إلى انهيار لسعر العملة وهو ما لا يحبذه الجميع لان البلاد تعيش حالة ركود اقتصادي.
وحذر رجال أعمال وتجار من استمرار الأزمة التي يعيشها اليمن على أعمالهم التجارية التي تعرضت لخسائر تقدر بملايين الدولارات، مع توقف مشاريع استثمارية ضخمة ووصول عدد من الشركات إلى مرحلة الإفلاس، فضلا عن الركود الذي يعم مختلف القطاعات الاقتصادية في البلاد.

ناقوس الخطر
وعلى الطرف الآخر دقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة " اليونيسيف " ناقوس الخطر من المخاطر المترتبة على استمرار تفاقم الأزمة السياسية وتدهور الوضع الأمني والاقتصادي الراهن في اليمن مما يعيق قدرة الحكومة على تقديم الخدمات الصحية والتعليمية ويشكل خطراً على السكان في مختلف أنحاء اليمن وعلى الأطفال بشكل خاص.
وأفاد ممثل اليونيسيف في اليمن جوليان هارنس خلال مؤتمر صحفي في المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف: "أن الوضع الاقتصادي في اليمن أصبح على حافة الخطر إذ يصل عدد من يعانون من الفقر ومن هم تحت خط الفقر قرابة 60 في المائة من عدد سكان البلاد".
وقال هارنس: "إن التقدم الذي كان قد تم إحرازه بالتعاون بين الحكومة اليمنية والمنظمات العاملة في المجال الإنساني وبخاصة في مجال التعليم وإعداد التلاميذ ممن يلتحقون بالمرحلة الابتدائية والذي كان مخططا أن يصل إلى نحو 70 في المائة ممن هم في سن التعليم الابتدائي أصبح مهدداً بالضياع" .
ولفت إلى أن سوء التغذية بين الأطفال في اليمن يصل إلى حوالي 900 ألف طفل إضافة إلى 210 ألف آخرين يعانون من سوء التغذية الحاد وسيزيد العدد إذا استمرت الأوضاع الحالية في اليمن"، مؤكداً أن أنشطة اليونسيف في اليمن متواصلة على الرغم من تفاقم الأزمة السياسية هناك.
وأشار تقرير لمركز الأبحاث اليمني للاقتصاد والتطور الاجتماعي إلى ارتفاع عدد العاطلين بالنسبة للفئة العمرية بين 30 و64 عاما إلى أكثر من 64% .

مؤشرات تعبر عن واقع مؤلم
وقال الدكتور محمد فرحان ـ أستاذ الاقتصاد بجامعة تعز  من المؤلم القول ان المؤشرات الاقتصادية تعبر عن واقع ومستقبل قاتم تساهم التعقيدات السياسية الحالية في قتامتها وهو ما يتطلب من الجميع دون استثناء الاتفاق على اجراءات عملية للحد من آثارها السلبية والتعاون الصادق مع الخبراء والمتخصصين في إيجاد رؤى وحلول عملية مرحلية واستراتيجية لتخفيف حجم المشكلة وآثارها الحالية والمستقبلية.
وأشار فرحان في حديث لـ " الصحوة "  إلى ان المشكلة الاقتصادية التي نعاني منها في اليمن اليوم ليست وليدة اللحظة وإنما هي نتيجة لسلسلة من الأخطاء المتراكمة التي أسهمت وللأسف جميع القوى السياسية في تعقيدها والوصول بها إلى مرحلة مستعصية من الحل.
أضاف فرحان " بالرغم من أن انشطة التمويل من قبل المانحين في الفترة الأخيرة أضحت في حدود ضيقة، إلا أنه لا شك في ان لهروب مؤسسات رأس المال الوطني وكذلك الاجنبي نتيجة للأحداث السياسية التي تمر بها البلاد تعميق للمشكلة التي يعاني منها الاقتصاد في الوقت الحالي. 
وحسب فرحان سيكون لذلك تأثيره المباشر على سلسلة من المتغيرات الاقتصادية المترابطة مع بعضها البعض كمتغير الاستثمار الكلي، والبطالة وميزان المدفوعات، والقوة الشرائية للعملة، وأسعار صرف الريال مقابل النقد الاجنبي؛ وهو ما سينعكس تأثيره على واقع المجتمع بازدياد مؤشرات الفقر في أوساطه.

الخروج من المأزق
وطالب الدكتور محمد فرحان بسرعة الخروج من المأزق السياسي الذي اسهمت كافة القوى وبنسب متفاوتة في إيصال المجتمع اليه من خلال التوافق على رؤية سياسية لإدارة المرحلة الانتقالية والخروج منها وبحيث تضمن تلك الرؤية التزام تلك القوى الجاد بالابتعاد عن كل ما من شأنه الاسهام في تعميق أبعاد المشكلة الاقتصادية القائمة.
وشدد على ضرورة تشكيل لجنة اقتصادية فنية محايدة وتتمتع بالاستقلالية وسلطة الرقابة، مهمتها وضع الحلول العاجلة للمشكلة القائمة في صورة مصفوفة مزمنة تلتزم الجهات المعنية وفي مقدمتها البنك المركزي ووزارة المالية بتنفيذها بعيدا عن المناكفات والضغوط الحزبية.
وبحيث تتولى اللجنة سلطة الرقابة على التنفيذ واستشعار القطاع الخاص الوطني لمسئولياته في ضرورة عدم الاسهام بحالة التدهور التي يعاني منها الاقتصاد والتعاون الجاد من قبل المجتمع الدولي والمانحين في تنفيذ مصفوفة الحلول المعالجات اللازمة لإنقاذ الاقتصاد من الانهيار مالم فإن الوضع سيزداد سوأً..

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً