الجمعة 20 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
معادلة مأرب في الصراع اليمني.. نهاية الحرب أم بداية مرحلة جديدة؟
الخريطة قبل أن يسيطر الحوثيون على مديريتي الجوبة والجبل
الساعة 18:28 (الرأي برس- نون بوست)

لم تكترث الحكومة اليمنية لتحذيرات الباحثين والمراقبين السياسيين والعسكريين خلال السنوات الثلاثة الأخيرة من مغبة الانصياع للدعوات الأممية لوقف الحرب والدخول في حوار سياسي، وسط رفض الحوثيين لكل تلك الدعوات والضغوط.

كانت تلك التحذيرات التي أطلقها الباحثون السياسيون نتيجة اطلاعهم على العقيدة الحوثية وأسس تكوينها وأهدافها منذ أن فكرت إيران بإدخال مذهبها الإثنى عشري وصبغه بالمذهب الزيدي، ومن ثم الحروب الست التي خاضتها الجماعة مع الدولة اليمنية ومرورًا بالاتفاقيات التي أبرمتها الدولة معها ودخولها في تحالف مع المكونات السياسة في 2011، ومن ثم مشاركتها في الحوار الوطني اليمني واجتياحها صنعاء وإبرام اتفاق آخر مع الدولة اليمنية في 2014 سمي باتفاق السلم والشراكة.

جماعة الحوثي أوجدتها إيران في اليمن لهدف واحد، إذ تعتبر إيران أن اليمن من بلاد الأطراف، وتكوينه المجتمعي القبلي المحارب، سيساهم كثيرًا في تنفيذ خططها لخلخلة الخليج العربي ابتداءً بالنظام السعودي، وتحويله إلى نظام أشبه بالنظام الإيراني.

ركزت إيران على اليمن لإطلاله على الممر الملاحي الدولي، وموقعه الإستراتيجي الذي يمكنها من خلاله أن تتنقل بكل أريحة بين آسيا وإفريقيا، إضافة لأن تكون مؤثرةً في حركة التجارة العالمية، وذلك من الناحية الإستراتيجية، أما من الناحية العسكرية، فهي تعتبر أرض اليمن خصبة لإنتاج مقاتلين قبليين أشداء للاستعداد للمرحلة الحاسمة والقضاء على النظام في المملكة العربية السعودية.

وحينما كان هناك تحرك يمني بدعم من التحالف العربي، بهدف تحرير كل الأراضي اليمنية من الحوثيين في أواخر 2018، تحركت إيران بكل قوة (دبلوماسيًا) لوقف تلك الحرب والدعوة إلى السلام، ودفعت الحوثيين للقبول بذلك بهدف إعادة لملمة صفوهم وشتاتهم، والتخطيط لمرحلة عسكرية أخرى تجبر المجتمع الدولي على الاعتراف بمن يسيطر على الأرض.

حينما أعلنت الأمم المتحدة عن حوار بين الحكومة اليمنية بحضور مندوبين عن التحالف العربي كداعم للحوار السياسي، ومندوبي إيران لضمان نجاح فيما يعرف بعدها "اتفاق ستوكهولم"، وفقًا للخطط التي رسمتها طهران، بدأت المؤشرات توحي أن أمرًا يدبر، رغم التحذيرات التي أطلقناها حينها من مسودة الاتفاق القاتلة.

ضغط المجتمع الدولي على الحكومة اليمنية والتحالف العربي، وخلال ذلك كان خبراء إيرانيون داخل العاصمة صنعاء يرسمون الخطط الإستراتيجية والتكتيكية، لتغيير معادلة الحرب، ومن ثم نشر المذهب الإثنى عشري في اليمن، وإجبار السكان المحليين والمسؤولين على حضور مثل تلك الدورات.

في تلك الدورات يتحدث لبنانيون يعتقد أنهم من "حزب الله"، بنوع من الحماسة البالغة والمؤثرة والتشجيعية، أن الشعب اليمني أنصار رسول الله، وأن مكة المكرمة والمدينة التي ينام فيها جثمانه الطاهر يدوسها الأمريكان والإسرائيليون، ولا بد على الأنصار أن ينصروه، ولهذا أطلقوا على الحوثيين أنصار الله، وهذه محددات التعبئة العامة والتوجيه المعنوي.

في الغرف المظلمة، أعدت قيادات من الحرس الثوري الإيراني، وعلى رأسهم عبد الرضا شهلائي والقيادي في حزب الله اللبناني هيثم علي طبطبائي، وآخرين لم تكشف المصادر أسماءهم، خطة اقتحام المديريات اليمنية وخصوصًا تلك التي تحتوي على قبائل مشهود لها بالكفاءة القتالية وذات الكثافة السكانية، فبدأت بحجور، ومن ثم بردمان بمحافظة البيضاء، ومن ثم عادت إلى بعض قبائل عمران، ثم الجوف، وعادت مرة أخرى إلى محافظة البيضاء، دون أن تتحرك الحكومة اليمنية لإنقاذ أي قبيلة كان الحوثي يقاتلها.

الهدف من ذلك، توسيع السيطرة الحوثية والتغرير بغالبية شباب تلك القبائل ومن ثم إجبارهم على القتال معهم، لمواجهة قبيلة أخرى، وهكذا عندما تسيطر على قبيلة تجمع شبابها وتعمل على تسليحهم وتقودهم إلى جبهات القتال.

يحدث ذلك بعلم الحكومة اليمنية، ورغم التحذيرات التي أطلقها الجميع لم تتحرك الحكومة اليمنية، ولو لإغاثة من استغاثوا بها، بل تركتهم لقمة سائغة للحوثي.

ارتكب الحوثي الجرائم الإرهابية، ووسع سيطرته، ورغم ذلك أيضًا، لم تتحرك الحكومة اليمنية أو على أقل تقدير تضع خطوطًا حمراء أمام الحوثيين أو للضغط الدولي عليهم، لا سيما أنها تحظى بدعم عسكري وسياسي دولي غير محدود لم تستطع الحكومة اليمنية استغلاله.

ونتيجة لعدم قدرتها على التحرك أو لتجاهلها ما يحدث، طرأت خلال الفترة الأخيرة دعوات دولية، (أن الأحداث على الأرض ونتائجها تحتم على المجتمع الدولي أن يتعامل معه)، كانت تلك إشارة دبلوماسية ورسائل مشفرة من المبعوث الأمريكي إلى اليمن تيموثي ليندركينح، وألحقها السفير البريطاني السابق إلى اليمن مايكل آرون، أن الشرعية لمن يسيطر على الأرض.

الحرب على مأرب
لم تع الحكومة ذلك، ولم تتحرك على الأرض، لأن المجتمع الدولي يريد أن ينهي الحرب في اليمن، بأي طريقة وإن كان على حساب الشعب اليمني والمنطقة العربية، في المقابل فهمها الحوثيون وشنوا هجومًا كاسحًا على محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز التي تتكون من 14 مديريةً.

بينما يشن الحوثيون هجماتهم، توقفت الحكومة اليمنية عن استعادة المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، وانسحبت القوات الحكومية من مناطق عدة، وتركت القبائل وحدها تدافع عن أرضها، وهو ما مكن الحوثيين من تكثيف الهجوم وإسقاط العديد من مديريات محافظة مأرب وسط دعوات أممية لوقف الحرب في اليمن!

الغريب في الأمر أن محافظة مأرب أصبحت ملجأ كبيرًا للنازحين اليمنيين الفارين من الحوثيين إضافة إلى سكانها الأصليين، بما يزيد على 5 ملايين شخص يقطن فيها، معرضين للإبادة الجماعية من الحوثيين، دون أن تتحرك الأمم المتحدة كما تحركت في 2018 حينما اقتربت القوات المشتركة من تحرير محافظة الحديدة بشكل كامل.

وهذا يعود سببه لحالة الجمود السياسي والعقم الدبلوماسي لدى الحكومة اليمنية، التي تحولت من حكومة شرعية إلى ما يشبه المنظمات الحقوقية المطالبة بالسلام، دون أن تتحرك لإنقاذ شعبها، وهو ما يعني أنها أصبحت أكبر عائق أمام الانتصار اليمني والعربي على الحوثيين وداعميهم إيران.

عمليات إرهابية
خلال شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول ارتكب الحوثيون أكثر 15 عملية إرهابية في مديريات ومدينة محافظة مأرب، راح ضحيتها تقريبًا 450 شخصًا غالبيتهم من النساء والأطفال، لكن الحكومة لم تحرك ساكنًا لإنقاذ شعبها، مكتفية بتغريدات وزير الإعلام اليمني على تويتر.

تغريدات وزير الإعلام اليمني، وتحركات وزير الخارجية أحمد عوض بن مبارك، ومطالبته وزراء خارجية الدول التي يلتقي بها الضغط على الحوثيين لوقف الحرب، أظهرت الحكومة بموقف العاجز والضعيف، بل وأظهرت أيضًا عدم قدرتها على الاستمرار، وبدأ الصوت الدولي يرتفع بأهمية تغيير إستراتيجية دعوات السلام بما تتواكب مع أرض الواقع، أي إنهاء دور الشرعية لصالح الحوثيين.

ومع الموقف الدولي المنزعج من ضعف الحكومة وعدم قدرتها على حسم المعركة، إضافة إلى التغريدات المتواصلة من وزير الإعلام اليمني وضعف أداء الإعلام التابع للتحالف العربي بشكل كامل، تشجع الحوثيون أكثر على التقدم نحو مأرب، وبجرأة أكثر، مستخدمين أعنف الهجمات وارتكاب أبشع الجرائم الإرهابية بحق أبناء المناطق التي يدخولنها.

مأرب في متناول الحوثيين
بعد أن سيطر الحوثيون على مديريات (الجوبة والعبدية وجبل مراد)، أصبحت مأرب في متناول الحوثيين وسقوطها أصبح مسألة وقت، والمثير أن ذلك يأتي وسط تحركات أمريكية ودولية للضغط على التحالف العربي والحكومة اليمنية لوقف الحرب، دون أن يكون هناك تحرُّك وضغط من المجتمع الدولي على الحوثيين، وعدم تعريض أكثر من 5 ملايين لاجئ في المحافظة للخطر.

لم يتبق من مأرب إلا مديريتين، وهي الوادي التي تحتوي على آبار النفط والغاز، ومركز المدينة مأرب حيث المجمع الحكومي ومقر وزارة الدفاع اليمنية، وهو ما يعني أن مأرب أصبحت في متناول يد الحوثي.

واضح أن ما يحدث في مأرب، هو بموافقة أمريكية بهدف إرضاء الحوثيين من أجل القبول بإنهاء الحرب، خصوصًا في ظل العجز والفشل الحكومي في توفير الخدمات والسيطرة على الانهيار الاقتصادي في المناطق المحررة.

لكن مجرد اقتضام الحوثيين لـ3 مديريات من محافظة شبوة، لا يشير إلى أنهم سيكتفون بمأرب، ولن يقبلوا أي مبادرات دولية بهدف وقف الحرب، لأنهم سيكونون منتشيين بالنصر، وسيعدون العدة لمحافظة شبوة، ومن ثم محافظة حضرموت، وبعد ذلك سيتوقفون هناك ويعودون إلى الضالع وأبين، ومن ثم تعز والساحل الغربي، وآخرها عدن التي ستنهار بمجرد انهيار المحافظات المحيطة بها.

مطالبة برحيل التحالف
رغم ما يحدث، ارتفعت خلال الفترة الأخيرة دعوات للتحالف العربي بمغادرة اليمن، وهذه الدعوات جاءت من نشطاء حزب الإصلاح اليمني، وهو توقيت خطير، لا يفترض أن يتم فيه النداء بمثل ذلك بقدر ما يتطلب الدعوات لتوحيد الصف اليمني.

التحالف بدوره، انسحب من شبوة (جنوب شرق) وهي المحافظة المتوقع أن تكون التالية في خطط الحوثيين الهجومية، ما يثير العديد من علامات الاستفهام عن توقيت تلك الانسحابات.

لكن من خلال الوقائع التي حدثت خلال الفترة الماضية، من تكثيف التحالف العربي لغاراته على الحوثيين، وسط قتال قبلي، واختفاء القوات الحكومية، إضافة لسيطرة الحوثيين على ثلاث مديريات في محافظة شبوة اليمنية دون مقاومة من السلطات المحلية، فإنه من الواضح أن هناك جولةً من الحرب قادمة ستكون هي الفاصلة.

ويبدو أن متغيرات جديدة ستطرأ على المشهد السياسي والعسكري اليمني، خصوصًا أن هناك اتهامات كبيرةً من التحالف العربي أو القبائل اليمنية لحزب الإصلاح المسيطر على القرار السياسي والعسكري بالفشل في إدارة استعادة الدولة، من شأن هذه المتغيرات أن تنهي الحرب في اليمن بعملية عسكرية سريعة ومباغتة.

بلا شك سيسيطر الحوثي على مأرب، وسيتمدد نحو الجنوب الشرقي لليمن، ما يشير إلى أن متغيرات جديدة سيشهدها التحالف العربي، والإطاحة بمن تسبب بالهزيمة في الشوط الأول من الحرب الذي اقترب من النهاية، وفي انتظار الشوط الثاني.

الكاتب: محمود الطاهر
عن نون بوست 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً