- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- اعتبروه أحد أفضل الأطباء.. يمنيون يشيدون بالدكتور المصري هشام إبراهيم (تفاصيل)
- عقوبات أمريكية على شركة سورية تموّل الحوثيين من إيرادات بيع النفط الإيراني
- دورات طائفية باشراف إيران للوكلاء الحوثيون الجدد!
- محلات عبدالغني علي الحروي تعزز تواجدها في السوق العالمي بالتعاون مع شركة هاير
- الحوثيون في إب يسجلون في مدارسهم طفل الصحفي القادري المخفي لديهم بإسم غير إسم أبوه
- علي سالم الصيفي ودورة في تمويل داخلية الحوثيين و الاستحواذ على 200 مليار ريال سنوياً
- إتحاد الإعلاميين اليمنيين يدين توعد قيادي حوثي بتصفية الصحفي فتحي بن لزرق
- بيان ترحيب من منصة (p.t.o.c) بفرض عقوبات امريكية على قيادات حوثية متورطة في جرائم منظمة وتهريب الاسلحة
- منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C) تصدر تقريرها الجديد «الكيانات المالية السرية للحوثيين»
- إسرائيل تدعو السفن التجارية المتجهة لميناء الحديدة بتحويل مسارها نحو ميناء عدن
حافلة قديمة متوسطة الحجم مكتوب على نوافذها الزجاجية من الأمام والخلف (حافلة الجمهورية ) لا يملك صاحبها غيرها كمصدر دخل و حيد على نفقة أسرته المكونة من خمسة أولاد وزوجة مصابة بمرض الربو ..
وقف ( عامل الفرزة *) كعادته يصيح بأعلى صوته ، إب ، ذمار ، صنعاء ، إب ، ذمار ، صنعاء ، إب ، ذمار ، صنعاء ..
العامل ذو البشرة السمراء والذي ينتمي إلى فصيلة المهمشين في اليمن كان عمره لم يتجاوز السادسة عشر ربيعاً بعد ، إلا إن ثيابه الرثه وفقره المدقع تجعل منظره أكبر عمراً مما هو عليه الآن ..
كانت الشمس متوسطة كبد السماء ورياح تموز الموسمية محملة بالغبار تضرب كل شيء أمامها بقوة ، والأرض قاحلة وعاطشة جداً ، لعدم نزول المطر لبضعة من الأسابيع الماضية على الأقل ، وزحمة المارة وصخب المركبات وعوادمها الدخانية في السوق تدعو لضجر و الذي بدى ظاهراً للعيان على وجوه الناس المتجهمة ..
يجلس السائق خلف مقعد القيادة بوجهه الشاحب ورأسه الأصلع ، يمضغُ بقايا من ( أغصان القات* ) البائتة منتظراً إكمال العدد من الركاب المسافرين ..
يوالي العامل الصغير صياحه المعتاد ، باقي نفر ، باقي نفر . إب ، ذمار ، صنعاء ، إب ، ذمار ، صنعاء .
× -- كم الأُجرة إلى مدينة إب يا بُني ؟ سأل رجلٌ عجوز ومعه حفيده المريض بحُمى الضنك ؟
+ -- إصعد ياحاج من( جيز *) مآدفعوا الناس تدفع ،ردِ عليه العامل الصغير بقلة أدب ، قال العجوز لا أملك غير هذه النقود وأخرج من جيب معطفه القديم مجموعة من الأوراق النقدية المهترئة ذات الفئات المتعددة ، تفحصها عامل ( الفرزة ) واحدة تلو أخرى وهو ينظر الى الرجل العجوز بنظرة إحتقار وتعجب ، وصرخ في وجه لا تكن بخيلاً يا حاج هذا المبلغ قليل جداً ، تبقى عليك أجرة الصبي الذي يرافقك أيضاً ، أقسم الرجل بالله إنه لايستطيع دفع الأجرة كاملةً ، وإنه أستدان هذا المبلغ من بعض جيرانه ..
يصرخ السائق متبجحاً بأعلى صوته ياحاج البترول معدوم من الأسواق وكلفة ( الدبة *) البترول بعشرة ألاف ريال .
أستعطف الرجل المسن السائق بكل شفقة وتوسل إليه بأن يسامحه عن بقية المبلغ ، وأمام إصرار السائق وتعنده بعدم إستطاعته أن يتجاوز عن بقية المبلغ ، تدخل هنا بعض من ركاب الحافلة وقالوا نحن نفرق بقية المبلغ ، وبالفعل فقد فرق بعضهم تعاوناً مع الرجل المُسن وحفيده المريض بينما رفض البعض الآخر أن يدفع ..
كان في المقعد الأمامي للحافلة طالبان في السنةِ الأولى بجامعة ذمار ، قعد الحاج وحفيده المريض إلى جوارهما وهو يلهج بالدعاء لهما ولكل الحاضرين ..
وفي المقعد الوسط رجل أربعيني وزوجته وثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين العاشرة والخامسة ، كانوا قاصدي الذهاب إلي صنعاء لغرض إستخراج جوازات السفر .
بينما في المقعد الأخير من الحافلة ، يقعد جندي جريح مبتور قدمه اليُمنى من أثر لغم أرضي أصيب به في إحدى الجبهات كان هو الآخر يقصد السفر الى صنعاء لمراجعة راتبه المتوقف من هيئة جرحى الحرب منذُ بضعة أشهر ، وإلي جواره شاب عشريني وأمه المصابة بمرض سرطان الثدي يقصدان مستشفى مكافحة السرطان في العاصمة صنعاء للعلاج الكيميائي ..
ويقعد إلى جوار السائق رجلان إحداهما شارف على الخمسين من عمره ، بينما الآخر أقل منه بقليل يحملان في يد كل منهما كيس ملئ بأدوات النجارة والكهرباء لغرض البحث عن فرصة عمل في العاصمة صنعاء أيضاً ...
أنطلقت الحافلة تشق الغبار والأتربة والزحام من منطقة تقع خارج مدينة تعز ، الجميع يسودهم الصمت والتجهم. وكأن على رؤسهم الطير ، بعد أن قطعت السيارة ميلاً ونصف فقط أوقفهم رجل بزي نصف عسكري مدجج بالسلاح لا يبدُ من ملامحه بأنه خاض أي دورات عسكرية حقيقية .
ومد يده إلى السائق الذي سارع بدوره ودس فيها بضعة من الأوراق النقدية من فئة المئة الريال ..
ومن ثما أستأنف السير على طريق مكسرة و ملئية بالمزيد من الحفر والمطبات الترابية لبضعة أميال فقط ..
توقفت الحافلة عند نقطة تفتيش ، تكدست العديد من الشاحنات الكبيرة والسيارات في طابورٍ طويل للغاية ، وبعد ساعة كاملة وصل السائق إلى محاذات النقطة العسكرية .
كانوا بضعة رجال بعضهم يرتدى الملابس العسكرية المتسخة والملئية بالعرق والرمل ، بينما البعض الآخر بملابسهم الشعبية وشعر رؤسهم المنفوشة التي توحي بعدم غسلها لأيام طويلة ربما ، إلا إن ما يميز الرجال جميعهم ملامحهم العابسة و المتجهمة
** إلى أين ؟ سأل العسكري سائق الحافلة
-- إلى صنعاء ياسيدي ..
ألقى نظرة الى داخل الحافلة بعينين حادتين لا تخلوان من نية تضمر المزيد من الشر ، وقال بلهجة إستفزازية مافي دواعش هنا ؟ ويقصد بكلامه إذا كان هناك من ينتمي إلى خلية داعش الإرهابية ..
رد السائق بلهجة تقطر إحتراماً شديد لا لا ياسيدي الكريم جميعهم مواطنون صالحون في خدمة السيد حفظه الله ..
تنفس الصعداء سائق الحافلة بعد أن سمح له العسكري بالعبور وتمتم في سره اللعنة عليكم جميعاً ....
وعلى بعد بضعة أميال أخرى كانت الفاجعة الكبرى ، وكانت النهاية المأسوية لحافلة الجمهورية وركابها المساكين ..
تجمع الناس حول بقايا الحافلة المحروقة وختلف الجمهور الكبير الذي هرع بعد الإنفجار بنصف ساعة ..
قال أحدهم ثِمة طيران كان يحلق بالجو وشاهده بأم عينيه حينما أطلق صاروخاً على الحافلة ، وقال بعضهم بل هي قذيفة جأت من قبل معسكر خالد ربما سقطت بالخطاء هنا ..
وكثر الهرج حول الحادثة المأسوية التي لم ينجُ أحداً من الركاب المسافرين منها ..
وعند نشرة أخبار التاسعة أعلنت القنوات الفضائية الرسمية بأن الجيش قد تمكن من إستهداف حافلة تقلُ عدداً من الإرهابيين الخطرين ..
-----------------------------------
الهامش .
الفرزة : المكان الذي تجتمع فيه سيارات الأجرة
العامل: الشخص الذي ينادي على الركاب وجلبهم
القات : شجرة يمضغ غصونها معظم الشعب اليمني
جيز : لفظة متداولة باليمن وتعني مثل
الدبة : إسطوانة سعتها عشرون لتراً
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر