السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
مصيدة المنصات الرقمية: طرفا النزاع في اليمن يلتقون على قتل فرسان الميديا
الساعة 22:14 (الرأي برس -المشاهد )


اليمن قُتل عمر باطويل، اعتقل عبد القادر الجنيد، عذّب وليد الشمري، هُدّدت سمية علي وهجّر عباس الضالعي عن وطنه. لم يكن الخراب والاحتراب، الجوع والكوليرا أسباب ما حصل لهؤلاء؛ بل منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

نشطاء التواصل الاجتماعي في مرمى النار من الحديدة غرباً إلى المهرة شرقاً، على رغم اختلاف مشاربهم؛ أكانوا متعاطفين مع التحالف العربي أم مع جماعة أنصار الله أم ضدهما، مستقلين أم معارضين. الجميع سواسية. الطبقة الاقتصادية لا تشفع والمعتقد الديني لا يُنجّي.

 

–عمر باطويل

قطف القتل عمر باطويل قبل أن يكمل عامه السابع عشر. قُتل هذا الفتى من دون أن يحقّق حلم أمه المكلومة بدراسة إدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية. كان الابن الأوسط بين ثلاثة لعائلة تهتم بالشعر والثقافة. والده شاعر نبطي انهار لحظة سمع خبر مصرع نجله في أبريل/ نيسان 2016 وشاهد صوره والدماء تُلطخ وجهه وثقوب الرصاص في صدره تسيل منها الدماء. هكذا قضى عمر المولع بعلم النفس والفروسية، المهتم بالأديان والناقد للتعصب الديني والإرهاب على صفحته في “فيسبوك”.

وعندما حمل أمجد عبد الرحمن لواء مقارعة فكر “السلفيين” عقب مقتل صديقه عمر، واجه هذا الشاب اليمني المصير ذاته، في ما بدا وكأنه جريمة مزدوجة في أوقات متباعدة.

بعد اتهامه بالإلحاد من “جماعة فرسان الدين” – ذات الخلفية السلفية – تلقّى عمر تهديدات بالقتل عبر “فيسبوك”، وبشكل مباشر أيضاً. تقول شقيقته زينة: “عمر كان جالساً في المنزل. واستدرجه إيهاب الهمامي”، ليأتي خبر مصرعه بعد ساعات في شارع التسعين في المنصورة بعدن.

 

إيهاب الهمامي من “جماعة فرسان الدين” السلفية، بحسب حمزة صديق عمر. يقول: “برّر المتهم الهمامي مقتل عمر، وفرح به وكأنه إنجاز شخصي”. ويرى أن التنظيمات السلفية أصبحت جهادية أكثر من دعوية: “برأيهم عمر ملحد إذاً يستحق القتل”. يضيف حمزة: “السلطة والناس يهلّلون على فعل القتل ويمهّدون الطريق له (القاتل) لارتكاب جنايته”.

ينتقد حمزة بخلفيته الإلحادية دور الحكومة الشرعية وقادة الأجهزة الأمنية لعدم توفيرهم الحماية للنشطاء من أصحاب الأفكار المختلفة. “الدولة لا تهتم بهذا الشأن، ولو اهتمت ترى (التهديدات) صواباً، لك أن تتخيل أننا معزولون من أي جهة تحمينا”.

الأجهزة الأمنية ألقت القبض على الهمامي البالغ من العمر 26 سنة كمتهم وحيد في مقتل باطويل. ولا يزال الهمامي موقوفاً على ذمّة القضية من دون محاكمة منذ نيسان 2016.

 

تنفي أسرة الهمامي صلة نجلها بمقتل باطويل وتدعّي بأنهما يرتبطان بعلاقة صداقة أخوية، وتدلّل على ذلك بأن الهمامي كان آخر المتصلين بالقتيل.

وفي مارس/ آذار 2018، دعت أسرة الهمامي على صفحتها على (الفيسبوك) إلى وقفة احتجاجية تضامنية مع ابنها أمام المجمع القضائي في خور مكسر، لرفع الظلم عنه، وفق قولها.

 

لم يصمت أمجد عبد الرحمن صديق عمر. حاول هذا الشاب مواصلة خطى رفيقه؛ لكنه سقط قبل أن يكمل عمر عامه الأول في القبر. توقع أمجد دنوّ أجله فكتب منشوراً على “فيسبوك”: “في هذا الوطن ليس لنا حق الاختيار إلا بين الموت الساقط من الأعلى، والموت الزاحف من الأسفل”.

أمجد الذي كان يصعد صوب عامه العشرين بخطى واثقة، كان يدرس الحقوق في جامعة عدن، ويرأس نادي الناصية الثقافي في عين المدينة. وكان يعمل في مكتبة خالد بن الوليد وينشط على موقع “فيسبوك” في انتقاد الجماعات السلفية والتطرف والإرهاب. كما كان يدعو إلى العلمنة.

 

وجّه أمجد نقده إلى رجل الدين السلفي هاني بن بريك قائد قوات الحزام الأمني. لم تتوقف كتابات أمجد على صفحته على “فيسبوك” عن بريك الذي أصبح وزيراً للدولة في الحكومة الشرعية برئاسة أحمد بن داغر. إذ انتقد عدم قراءته سورة الفاتحة في اجتماع مجلس الوزراء على قتلى عملية انتحارية، متهماً إياه بالتطرف. بعد أن عزله الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، أصبح بريك نائباً لرئيس هيئة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعومة من دولة الإمارات. واستمر أمجد في نقده.

 

في 24 يناير/ كانون الثاني 2017 كتب عبد الرحمن منشوراً “فيسبوك” يناقش خطب مسجد الحمد في منطقة كريتر بعدن. وفي اليوم ذاته، اعتقله رجال مسلحون في منزله، ثم احتجزوه في معسكر اللواء 20 التابع للواء الحزام العسكري. وأطلقوا سراحه بعد 24 ساعة على اعتقاله. أخبر عبد الرحمن عائلته أنّ معتقليه حرموه من النوم وعذّبوه بعد أن اتهموه بالإلحاد، بحسب تقرير الخبراء الذي وُضع وفق قرار مجلس الأمن الدولي.

m

بعدها بأيام، وصلت عبد الرحمن رسالة تهديد على (الواتس آب) من رقم سعودي: “ورب محمد ومن نفسي بيده، إذا بتغلط أي غلطة حتى لو كانت صغيرة بحق الدين أو بحقنا سوف تكون هدفنا دون مبرر، ومن أصحابك نفسهم هم اللي بيطرفوك لنا”.

 

لم تكن تلك الرسالة أول تهديد لعبد الرحمن. إذ جاء مجهولون إلى المكتبة التي يعمل فيها وهدّدوه، بحسب والده الذي ينفي توجيه ابنه انتقادات للدين أو للقرآن. ويقول: “كان مهتماً بالقضايا المدنية وقضايا العلمانية والثقافة. كتاباته مش مستفزّة حتى من باب التأويل”.

قبل مقتله بنحو عام، حمّل عبد الرحمن الجماعات المتشدّدة في عدن مسؤولية أي مكروه قد يحدث له. وكتب ذلك على “فيسبوك”:

 

في منتصف مايو/ أيار 2017، دخل ملثم إلى مقهى انترنت في منطقة الشيخ عثمان بعدن وأطلق أربعة أعيرة نارية صوب عبد الرحمن، فأرداه.

منع اللواء العسكري 20 التابع لقوات الحزام الأمني أسرة عبد الرحمن من الصلاة عليه وتشييعه ودفنه في مسقط رأسه كريتر، بحسب ما أكده المحامي والحقوقي عبد الرحمن برمان عبر اتصال هاتفي معه. وهذا ما أكده تقرير مجلس الأمن.

يتهم برمان اللواء العسكري 20 باغتيال عبد الرحمن: “لم يعد هناك شك، الذي اتهمه بالإلحاد هو الذي اغتاله، ومنع تشييع جثمانه ودفنه في المقابر”.

رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي عيدروس الزبيدي قدّم التعزية لعائلة عبد الرحمن عبر صفحته (الفيسبوكية) وتعهد بالقصاص له، على غرار توعده حينما قتل عمر باطويل قبل سنة: “نعاهد أسرتك وأهالي عدن المسالمين أن نقتص من قاتليك، ونثأر للسلام والأمن من يد الإرهاب الغادرة”. وكانت تعليقات عبد الرحمن تستهدف هاني بن بريك نائب عيدروس، كما ينضوي اللواء 20 تحت مظلّة المجلس الانتقالي الجنوبي.

لكنّ تعهد عيدروس لم يتحقّق في المرتين، فلا يزال قتلة عمر وعبد الرحمن أحراراً، بحسب والد الأخير. والأسوأ أن ضحيتي الغلو وعائلتيهما تعرضوا للإساءة والاضطهاد من الجهّات ذاتها المسؤولة عن حفظ الأمن وتحقيق العدالة.

يفيد تقرير خبراء مجلس الأمن بأن الإساءات المرتكبة من المعسكر 20 لا تزال من دون حل ملائم في غياب تحقيقات قضائية.

طرحنا سؤالاً إلى هادي بن بريك المسؤول عن قوات الحزام الأمنية في حينه- المنضوية تحت اللواء العسكري 20- عن اتهام قواته بمقتل عبد الرحمن، وعدم فتح تحقيق جاد، يفضي إلى القبض على الجناة، إلا أنه لم يرد.

 

 

عباس الضالعى .

هذا ليس التهديد الأول والأخير لعباس الضالعي ردّاً على كتاباته في مواقع التواصل الاجتماعي، مذ وصلت رياح ما يسمّى الربيع العربي إلى اليمن عام 2011. “فيسبوك” و”تويتر” وسيلتا الضالعي للتعبير عن غضبه تجاه الأوضاع السياسية والاقتصادية. إذ ينتقد على جدرانهما السياسيين عسى أن يعود وطنه سعيداً.

يقضي هذا الشاب جلّ نهاره خلف شاشة حاسوبه. كان يظنّ أن مواقع التواصل الاجتماعي جاءت لمصلحة الصحافيين والناشطين، لتشكّل صدمة كبيرة للفاسدين. في مطلع 2012 نشر على مواقع التواصل الاجتماعي وثائق رسمية يدعّي أنها تكشف قضايا فساد لمسؤول كبير نهب أراضٍ ثمنها خمسة ملايين ريال يمني (24 ألف دولار). بعد أشهر تحوّل ادعاؤه إلى حقيقة. حوكم المتهم وصدر بحقه قرار قضائي يقضي باسترجاع الأراضي.

على أن فرحة عباس بهذه النتيجة سرعان ما تبخرت، وخاب ظنّه. إذ توالت عليه التهديدات بقطع لسانه ويديه. اختطف على يد أفراد من الحرس الجمهوري، وتعرض ابنه لثلاث محاولات اختطاف. يقول: “ندفع الضريبة للأسف ولا توجد جهات تحمينا”.

أصبح رأسه المطلوب قاسماً مشتركاً للخصوم السياسيين. ما إن نشر رسماً كاريكاتورياً للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، ينتقد سقوط محافظة عمران بيد جماعة أنصار الله، ومحاصرتهم لصنعاء، تلقى الضالعي اتصالاً هاتفياً من جلال هادي نجل الرئيس مهدداً: “باجي أسحلك أمام أسرتك”.

لجأ الناشط الرقمي إلى النائب العام شاكياً ابن الرئيس، لعلّه يشعر وأسرته بالأمان. أيام وتحولت القضية إلى وزارة الداخلية لتنام في أدراجها منذ آواخر 2014 إلى الآن. هذا المآل أفقد الشاكي الأمل في تحقيق العدالة، وبات مقتنعاً بأن “ابن الرئيس ما بتحاكم”.

أراد الضالعي من نشر الكاريكاتور توصيل فكرة ما حدث “أن عبد ربه منصور هادي كان جسراً للحوثي للعبور إلى صنعاء، وتسليم الدولة، لكنهم لا يريدون أن ننشر أي شيء”.

أرسل معد التحقيق في نهاية كانون الثاني الماضي سؤالاً مكتوباً إلى جلال هادي عن واقعة تهديده الضالعي، إلا أنه لم يجب.

في خندق مقابل، تلقّى الضالعي تهديداً بـ “التصفية” من المشرف السابق لجماعة أنصار الله المعروفة “بالحوثيين” في ذمار أبو عادل الطاووس. جاء ذلك خلال مؤتمر صحفي أمام كاميرات التلفزة، أعقبه اقتحام تسعة منازل لأقربائه وتفتيشها بهدف البحث عنه، وفق سردية.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص