الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
اليمن..فساد تخطيط الطرق
الساعة 19:17 (الرأي برس-أمين مهيوب)



هندسة الطرق من خلال اختيارها ودراستها وتصميمها في اليمن هي في وضع سيء في جميع المراحل.

 

ربما تكون اليمن البلد الوحيد الذي تتعثر فيه معظم مشاريع الطرق الذي يتم إقرارها. وتعثر أي مشروع طريق يعني إعادة تنفيذه من جديد وتكرار الصرف من الخزينة العامة.

 

ومن المعروف انه يتم اختيار تنفيذ أي طريق غالبا عن طريق طلب شخصي من أي شيخ او ضابط او وزير .مما يعني ان الطريق لا يستفيد منه سوى الذي طلب تنفيذه ولا يوجد أي خطة لاختيار الطرق حسب الأولويات، وفي حالات كثيرة يطلب الذي يتوسط لتنفيذ الطريق رشوة من المقاول لأنه وفر له عمل بدون مناقصة ولا يهمه أن ينفذ المشروع ام لا فالمهم الحصول على الرشوة.

 

ونشطت في السنوات الأخيرة ما يسمى بتجارة التصاميم بحيث يتم تكليف أشخاص محددين بعمل تصاميم لمشاريع وهمية ليس لها موازنة في الخزينة العامة.
ويأخذون أموال بدون مقابل وهي تصاميم لا ترقى لمستوى المعارف الهندسية المعروفة. فإذا تم تنفيذ

 

المشروع فانه يتم إعادة التصاميم وصرف قيمتها مجدداً, فمثلا: مشروع طريق العبر-الوديعة، و مشروع ارحب- حزم الجوف، تم دفع مبلغ 200 مليون ريال مقابل تصاميم لهذين المشروعين بدون أي تدقيق او مراجعة.

 

وعند تنفيذ مشروع طريق أرحب- حزم الجوف تم عمل تصاميم جديدة بمبالغ جديدة ومع ذلك فشل المشروع بسبب هذه التصاميم. أما مشروع العبر- الوديعة فقد دفعت الدولة اكثر من 30 مليون ريال مقابل التصاميم وظهر الاستهتار جليا عند اعداد هذه التصاميم حيث لم يحصل أي اعمال مسح ميدانية مما ادى الى ظهور كميات وهمية قيمتها تقارب 50 مليون ريال.

 

وقد تعثر المشروع ودفعت مبالغ كبيرة للمقاول مقابل كميات وهمية .ثم قامت دولة قطر باستكمال المشروع على نفقتها بتصاميم جديدة وكميات صحيحة. إذن لماذا تم دفع مبلغ 100 مليون ريال من خزينة الدولة ابتلعتها الصحراء اذا كانت دولة قطر ستنفذ المشروع على نفقتها. وما هذا التخطيط يا وزارة التخطيط؟.

 

وهناك تصاميم سيئة كثيرة غير قابلة للتنفيذ. أبرزها مشروع طريق عمران-صنعاء-عدن ومشاريع عيد الوحدة السابع عشر التي نفذت في محافظة اب، حيث إن مشاريع محافظة اب جرفتها السيول بعد شهر من تنفيذها وكأنها كراتين وليست خرسانة إسفلتية بسبب التصاميم السيئة وضعف الإشراف، وكل هذا بسبب انعدام اللوائح والقوانين وانعدام المواصفات وعدم وجود لوائح للحفاظ على الأموال العامة وصيانتها .

 

حيث أن مشاريع محافظة اب كلفت الدولة كما قيل حينها 85 مليار ريال، ومع ذلك لم يتم الاستفادة من هذه الأخطاء للمشاريع اللاحقة التي تعثر معظمها بعد ان كلفت الدولة المليارات. وبالعودة إلى مشروع طريق عمران-عدن فكلفة تصاميمه ودراساته السيئة بلغت اثنين مليار ريال.

 

والمشروع طوله حوالي 450 كيلومتر ومكون من أربع مقاطع، المقطع الأول: مقطع عمران-صنعاء فقد تم إلغاء تنفيذه بسبب قيام الحكومة بتوسعة الطريق الحالية. إذاً لماذا تم عمل تصميم لهذا الجزء مادام قد تم عمل توسعة الطريق الحالية وما هذا التخطيط الغريب والتساهل في صرف الأموال العامة.

 

والمقطع الثاني: من صنعاء إلى بيت الكوماني تم إلغاؤه أيضاً بسبب وعورة المناطق الجبلية والتضاريس المرتفعة التي سيمر منها الطريق, بالإضافة إلى الاعتراضات المتوقعة للأهالي على تنفيذ الطريق في أراضيهم وكانت الحكومة قد تحصلت على تمويل بمبلغ 340 مليون دولار من السعودية لتنفيذ هذا المقطع ووافق مجلس النواب على التمويل.

 

والسؤال لماذا لم يتم التنفيذ مادام التمويل موجود و التصاميم حسب المواصفات العالمية كما قيل حينها لأنه يعلمون ان التصاميم ليست عالمية. وكلفت الكثير بدون أي داع. اما المقطع الثالث الممتد من بيت الكوباني إلى تعز، فقد تم إلغاؤه بسبب عدم إمكانية إنشاء إنفاق تحوي ملايين الأمتار المكعبة من الحفريات مما سيؤثر على البيئة وتشريد آلاف الناس.

 

اذا لماذا لم يتم اخذ الاعتبار لهذه العوامل عند إعداد التصاميم العالمية .والمقطع الرابع من تعز إلى عدن.

 

هناك نية لتنفيذ هذا الجزء لأسباب سياسية على اعتبار ان هذا الطريق سيقوي الوحدة اليمنية ولكن المشروع سيفشل لان هذا النوع من الطرق العريضة لا يصلح تنفيذه في المناطق الزراعية والجبلية والوديان، وتكلفته باهظة جدا ويحتاج الى تعويضات هائلة لملاك الأراضي.

 

وينفذ هذا النوع من الطرق العريضة في المناطق الصحراوية والساحلية لان معظم الأراضي هي أملاك الدولة وتنفيذها سهل ولا تحتاج الى أنفاق وجسور .ولا يتم عمل أنفاق بعرض 40 متر في أي دوله من دول العالم وهناك كارثة قادمة اذا تم عمل تصاميم من عمران الى صعده للأسباب المذكورة أعلاه لأنها ستكون مجرد تصاميم فقط غير قابلة للتنفيذ وصرف أموال من الخزينة العامة بدون أي فائدة .

 

وانا انصح بتوسعة الطريق الحالية بين تعز وعدن بدلا من إنشاء طريق جديدة. فالوحدة اليمنية ستتقوى بالمساواة والتنمية والعدل وليس بالمشاريع الوهمية.

 

إن ما دفعني لكتابة هذا المقال هو اطلاعي على تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة بخصوص طريق عمران عدن. ومما جاء فيه اغرب من الخيال حيث ان الحكومة اعتمدت نفقات تشغيل لهذا المشروع اعتبارا من عام 2009 م وحتى نهاية 2013 م. بمبلغ إجمالي بلغ 500 مليون ريال خلال هذه الفترة صرفت كلها مقابل مكافآت ومواصلات وسفريات واستشارات وأعمال إضافية كذلك والمشروع غير موجود إلا على الورق فقط.

 

بالإضافة إلى قيمة التصاميم البالغة 2 مليار ذهبت أدراج الرياح. وهناك دلائل لا تحصى انه لم يتم أي أعمال مساحية ميدانية بل تم تجهيز التصاميم مكتبياً عن طريق الخرائط المتوفرة من الأنترنت. والجدوى الاقتصادية للمشروع لا تزيد عما هو متوفر من الطريق الحالية.

 

إن الذين صمموا هذا الطريق الذي يخترق الجبال والوديان والسهول هو طريق بساط الريح ولا يحتاج إلى تصاميم هندسية بل يحتاج إلى مخرج سينمائي.. وادعو الله العظيم أن يولي على اليمنيين أخيارهم ويبعد عنهم أشرارهم..
 

 

"أخبار اليوم" الاقتصادي

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص