الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
ما أزالُ حافياً - عبدالمجيد التركي
الساعة 14:39 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)

 

أفزعُ كلَّما تذكَّرتُ أنني سأموت.. 
فأتمنى لو كنتُ قِطَّاً لأعيش سبع حيوات..
لكني أفزع مرة أخرى
عندما أدركُ أنني لا أمتلك شجاعة القطِّ لأموت سبع مرات..

****

أحزانٌ تبعثرها السنين جزافاً.. 
كيف يتَّسعُ لها قلبٌ في حجم تفاحة!!

****

أيها الموت: 
ما أزال حافياً بانتظار الإشارة لدخول واديك المقدس..
سوف تأتي وقد سَحَبْتَ أعصابي كلَّها.. لتجدني مُسترخياً كالغراء،
لكن.. لا أظن أن قبراً واحداً سيتَّسع لي ولغروري..

****

أدري أنك لا تملكُ وقتك..
لذلك أنت مستعجلٌ- دوماً- كالبارود..
تقطع العِرْق وترحل... غير مُكترثٍ إن ساحَ دمه أم لا !!
فجدولكَ مليءٌ بالمواعيد،
إلى حدِّ أنكَ لا تجدُ وقتاً لتعقيم يديكَ بين قتيلٍ وآخر!!

****

عاملني كذبيحة..
وتفنَّن في ذبحي كما تشاء،
وحدَّ شفرتكَ أمامي..
لكن....
لا تذبحني أمام أمِّي كي لا تموت مرَّتين.

****

بإمكانك أن ترسل لي رسالة عبر صندوق بريدي
الذي لم أسدد اشتراكه حتى اللحظة..
ضع في المظروف طلقةً..
قنبلةً..
حبلَ مشنقة..
ذبحةً صدريةً..
فشلاً كلوياً..
انفلونزا الطيور..
لا فرق.. فكلها تحمل رائحتك ونكهتك،
ولستَ مضطراً لشراء طوابع بريدية
لأن الجواب يُعرف من عنوانه..

****

أصبح يوم الجمعة نابضاً في تقويم عمري المكتظِّ بالسَّكَرات.. 
هذا اليوم يُلغِّم مسجدنا بالرياحين التي تملأ أنوفنا برائحة الخوف المجَّاني،
إنها رائحة لا يدرك فحواها إلاَّ الموتى أمثالي..

****

للرياحين خاصيتان..
إحداهما تعطير كفني
والأخرى تفتح في دمي مظلَّة الرعب..
لأنها الرائحة التي سترافقني حتى آخر حرفٍ من سورة «يس»،
التي سيملأها المشيِّعون بالأخطاء النحوية على قبري
وهم يدخنون السجائر،
ويتبادلون التحايا والأسئلة حول القاعة التي سيتم فيها العزاء
ليملأوها بمحاسني!!

****

أخبرني عن ابني الذي مرَّ على غيابه تسع عشرة طعنة..
عرفتُ من ملامحه أنكَ قد صَعَقْتَهُ بكهربائكَ
التي لا تشوبها الانقطاعات،
حينما أيقَظَتـْني برودتـُه من نومي وهو بجانبي كدجاجةٍ مجمَّدة!!
تجمَّد فيه كلُّ شيء عدا ابتسامته..
كنتُ أقبِّله بحرارةٍ شديدةٍ
تكفي لإعادة روحه إلى جسده المتصلِّب كشراييني المكتظة بأعقاب السجائر التي أطفئها في قلبي..

****

أنا مُمتنٌّ لك أيها الموت
لأنكَ لم توقظني لأشاهدكَ وأنتَ تلوِي عنقَه الصغير بيديكَ القاسيتين..
وكنتُ سأمتنُّ أكثر لو أخذتني معه،
كي لا يعيش يتيماً في قبره..
لكنك تركتني سجين ضحكته الطليقة التي تسري في دمي كسمكة..
من يومها.. لم أعد أصدِّق أن جنَّة الأطفال منازلهم.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص