الجمعة 20 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
مأساة سليمان: أن تُفقدك الحرب نعمة العقل
الساعة 20:54 (الرأي برس - عربي )

بدأت مأساة الطفل سليمان أحمد سليمان منذ أكثر من خمس سنوات مضت. تحديداً، عام 2011 الذي اندلعت فيه الحرب على تنظيم «القاعدة» في هذه المحافظة. كل تلك السنوات مرّت ولم تنتهِ مأساة أبين وأبنائها، كما لم تنتهِ معاناة الطفل الذي كان حينها عمره خمس سنوات. لم يكن يعرف معنى الحرب، لكن خوفه من أزيز الرصاص ودوي المدافع وانفجارات الصواريخ التي اختلطت أصواتها بصراخ والدته وأخوته، أدّى إلى تثاقل لسانه وبروز صعوبة في النطق لديه، لتتطور حالته سوءً بعد ذلك، حتى أصبح عاجزاً عن الكلام، فيما تأثر عقله سلباً، وأصبح في حالة من اللاوعي لا يدرك معها الأشياء، وكأنه مسه الجنون!


سليمان اليوم بلغ عمره 11 سنة وحالته لم تتحسن بعد. تنظر إليه وهو يتحرك ويقفز ببراءة الأطفال، يفتر ثغره عن ضحكة عريضة ترى من خلالها أسنانه البيضاء كبياض قلبه ووجهه البشوش الرضي. يحاول أن يتكلم معك عندما تحاور، ويريد أن يعبر ويخرج ما بداخله، ولكنه لا يستطيع.


منزل من القش والأشجار
من حركاته التي يقوم بها تدرك أنه ما زال طفلاً في سنواته الأولى، وليس في الحادية عشرة. تتسارع إلى ذهنك التساؤلات: هل أُصيب سليمان بالتخلف العقلي متأثراً بأصوات الإنفجارات والقذائف القريبة من منزله والتي أرهبته؟ أم أنه فقد عقله تماماً؟ وهل ثمة علاج لهذه الحالة التي وصل إليها؟ ومَن سيتكفل بعلاج هذا الطفل الذي يعيش في كنف أسرة فقيرة تعتمد على تربية الأغنام كمصدر رزق وحيد، ولا يملك ربها وظيفة ولا منزلاً يحمي أطفاله من حر الشمس وبرد الشتاء؟
والد سليمان حاول طرق العديد من الأبواب لعلاج ابنه دون جدوى

إذ إن منزل الأسرة لا يعدو كونه هيكلاً مصنوعاً من القش والأشجار، كما أن أحد جدرانه تلاشى بفعل عوامل التعرية، وتسلقت على هيكله القمامة ومخلفات الأغنام. ذلك فقط هو ما يستر هذه العائلة الفقيرة من جهة الطريق العام، في قريتهم الواقعة أعلى منطقة القرنعة، في الجهة الشرقية من الكود.


رحلة علاج فاشلة
تلك هي حالة والد الطفل سليمان، الذي حاول طرق العديد من الأبواب لعلاج ابنه، بما في ذلك المنظمات الإنسانية. يقول أحمد سليمان،  لقد «جاء إلينا العديدون، وسجلوا اسم ابني وغادروا ولم نرهم بعدها، لم أتحمل منظر طفلي ومعاناته، فدبرت مبلغاً من المال وأخذته إلى عدن وحاولت علاجه في إحدى العيادات الخاصة عند طبيب مختص في المخ والأعصاب، وعملنا الأشعة والفحوصات والأجهزة المطلوبة، وأعطانا الطبيب دواء وأخذناه له ولم يتحسن، ويفترض علينا العودة، ولكن كما تعلم، فإن العلاج في العيادات والمستشفيات الخاصة مكلف للغاية والمواصلات كذلك، فلم أستطع مواصلة رحلة علاجه لأن ظروفي لا تسمح». وأضاف: «كما ترى حالنا ومعيشتنا، فوكلت وفوضت أمري لله». صمت لثوان قبل أن تفيض عيناه بالدموع حرقة وألماً على ما يعانيه طفله وعجزه عن علاجه.


وللقصة بقية
يوضح والد الطفل أكثر قصة المعاناة الحقيقية لطفله، فيقول إن «معاناة فلذة كبدي بدأت بعد أن انفجر بالقرب منا صاروخ سبب لنا جمعياً حالة من الهلع والخوف، صغاراً وكباراً، وسليمان كان أكثر واحد تأثر، ولم يتكلم يومها، وفي المساء أُصيب بحمى شديدة، يبدو أنها هي التي أثرت على دماغه، ومنذ ذلك الوقت لم ينطق، لأنه فقد القدرة على الكلام، وأصبح مثل المجنون، وتنتابه بين فترة وأخرى حالة من التشنج الجسدي، ويعود لحالته الطبيعية، وعلى هذه الحالة منذ أكثر من خمس سنوات، وأملنا في الله كبير في أن يلتفت إليه أصحاب القلوب الرحيمة، فنحن ما بيدنا حيلة ولا نملك المال لعلاجه في المستشفيات الخاصة».


بدأت معاناة الطفل سليمان ولكنها لم تنته، حيث ساهمت الحرب في تدهور حالته، إضافة إلى وضع أسرته. الكل هنا ضحايا، لكن سليمان يبقى شاهداً على مدى البؤس والحرمان الذي أصاب شريحة واسعة من أبناء أبين منذ شيوع الفوضى في مناطقها، بعد تحولها إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الأطراف المتصارعة منذ اندلاع الثورة الشبابية في صنعاء، وحتى اليوم.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً