الجمعة 22 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
مقالة تحليلية | بعد قطع العلاقات مع قطر... الخليج واليمن إلى أين؟
الساعة 20:39 (الرأي برس - عربي )

نشرت صحيفة «الجزيرة» السعودية، يوم الإثنين الواقع في 29 مايو الجاري، مقالاً، لأحد كتابها (سعد العجيبان)، بعنوان: «الاضطراب يحيط بدولة كبرت فصارت قناة»، هاجم فيه دولة قطر بشدة، ضمن أزمة إعلامية سياسية دبلوماسية مستعرة منذ أسابيع بين الدوحة والرياض. أُتخمت المقالة بكمية وفيرة من التهم الموجهة ضد قطر وحكامها، حيث تقول المقالة في إحدى فقراتها: «سياسة قطر ظلت ولعقود مثيرة للجدل، فمن تبنيها عبر قناة (الجزيرة) السياسة التحريضية وإثارة الرأي العام وزعزعة استقرار دول الجوار والمنطقة، اتجهت الدوحة لتنمية علاقاتها مع الجماعات المتطرفة بغية بسط نفوذها في المنطقة بشكل أو بآخر، فضربت الدوحة بعرض الحائط المصير المشترك مع شقيقاتها دول مجلس التعاون والدول العربية الأخرى في المنطقة، وتنوعت أوجه الدعم القطرية للجماعات المتطرفة في كل من العراق وأفغانستان وسوريا وليبيا وتغذية التوتر في تونس واليمن، فضلاً عن امتداد (أذرعها) لزرع الفتن داخل دول الخليج العربي لتمضي بذلك بالاحتفاظ بعلاقات مميزة مع تلك الجماعات والمنظمات المصنفة إقليمياً ودولياً كجماعات إرهابية».


هذا نموذج يجلي عمق الأزمة الخليجية التي دخلت يوم الإثنين، الواقع في 5 يونيو، منعطفاً شديد الخطورة، ستحاول هذه المقالة تسليط الضوء عليه ولو بشكل خاطف. وبالعودة إلى العبارة الواردة في الصحيفة أعلاه وغيرها من التناولات السعودية بهذا الشأن نقول: حسناً، فإن كانت قطر فعلاً بكل هذا التوحش، وتحمل كل هذا السلوك العدواني التدميري تجاه الشعوب الأخرى ناهيك عن شعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي الذي هي عضو فيه، فلم طال الصمت الخليجي على هذا السلوك القطري، ولم يتم كشفه إلا بعد أن تم تداول تصريح لأمير قطر، تميم بن حمد، قبل أيام، برغم ما يحمله هذا السلوك القطري من خطورة على دول المجلس والمنطقة ككل، طبعاً على افتراض صحة كل ما يقال ضد قطر؟


ثم ماذا لو لم يصدر عن الأمير تميم ذلك التصريح الذي نُشر في موقع وكالة الأنباء القطرية (قنا)، يوم الثلاثاء الواقع في 23 مايو، والذي أدلى به بمناسبة تخرج دفعة من المجندين، قبل أن تتحلل الوكالة من الخبر وتزعم أن موقعها تعرض لاختراق الإلكتروني؟ فهل كانت ستصمت هذه الدول عن سلوك قطر الإرهابي إلى ما لا نهاية؟ وهل نفهم من هذا أن الدول الخليجية تشترط على قطر ألا تخرج عن المسار السياسي الخليجي مقابل صمتها عن الدعم القطري للجماعات الإرهابية برغم ما تمثله من خطر ماحق على الجميع؟ هل هذا يعني أن تظل الدول الخليجية راضية عما تفعله الدوحة من تدمير وزرع للفتن في المنطقة وفي الخليج تحديداً، مقابل أن يكون الثمن بقاء قطر بعيدة عن مغازلة طهران، خصوصاً أن العلاقات بين البلدين (قطر والسعودية) ازدادت تأزماً بعد الإتصال الهاتفي الذي أجراه الأمير تميم بالرئيس الإيراني روحاني، وهي المكالمة التي استغل فيها الأمير شهر رمضان ليهنئ روحاني بنجاحه بالانتخابات الرئاسية التي فاز فيها مؤخراً، وهي من دون شك مكالمة أراد منها تميم أن تكون «نكاية» بالرياض أكثر منها تهنئة لطهران؟


من شأن الأزمة الخليجية أن تغير من سير العمليات العسكرية والسياسية في اليمن

فكيف - وهذا هو الأهم - لو تمت المصالحة بين الطرفين - قطر والسعودية -، ونجحت وساطة دولة الكويت في رأب هذا الصدع الذي تسعى لاحتوائه كما نجحت في وساطات سابقة في أزمات مشابهة بين الدولتين، كانت أخطرها معركة الخفوس الحدودية التي أوقعت عدداً من القتلى بين صفوف جنودهما عام 92م؟ هل هذا يعني أن يظل السلوك القطري الداعم للإرهاب على ما هو عليه مقابل أن تكف الدوحة عن الحديث عن أي تقارب مع ايران، ويظل الصمت السعودي كما هو عليه وفق منطق: هذه بتلك؟ فهل المسألة على خطورتها يمكن أن تنتهي بتسوية على قاعدة: صفحة جديدة وما فات مات، ويستمر الوضع بعد الأزمة كما كان عليه قبلها؟


إن تم هذا السيناريو على هذا النحو، وهو متوقع أيضاً من واقع تجارب أزمات مماثلة نشبت بين الطرفين، فهذا يعني بالضرورة أن السعودية وكل أعضاء مجلس التعاون الخليجي يعلمون أن بينهم دولة داعمة للإرهاب، تسعى إلى تدمير المنطقة والخليج تحديداً، وفقاً لما يقوله الإعلام الخليجي نفسه، ناهيك عن الإعلام المصري واليمني والسوري وغيرها من وسائل الإعلام في المنطقة كلها، ومع ذلك صامتون حياله، مما يعني أيضاً أن هؤلاء شركاء في دعم الإرهاب وإن بدرجات متفاوتة وطرق مختلفة أدناها الصمت، تصب كلها في النهاية في الشراكة المباشرة أو غير المباشرة في دعم الإرهاب، أو في أحسن الأحوال غض الطرف عن جرائمه.


نقول هذا على افتراض صحة ما قيل ويقال في وسائل الإعلام الخليجية، وبالذات السعودية والإماراتية عن دور قطر في دعم الإرهاب بالمنطقة العربية، مع أننا نعلم أن ليس كل ما قيل ويقال صحيحاً، بل فيه كثير من المبالغة والتهويل من باب النكاية والتشنيع، مع علمنا في المقابل بدور قطر الخطير تجاه شعوب المنطقة، وتعمدها تقديم الدعم المالي والسياسي والإعلامي لعدد من الجماعات الإرهابية التي تعلن صراحة نهجها المتطرف في كثير من مناطق الشرق الأوسط في سورية واليمن ومصر والعراق وليبيا وأفغانستان وغيرها من المناطق الملتهبة، فيكفي أن نشاهد قناة «الجزيرة» حتى نقطع الشك باليقين بالدور القطري الداعم لهذه الجماعات الإرهابية.
ولكن الأحداث الدراماتيكية السياسية التي شهدها يوم أمس، والتي أعلنت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر واليمن فيها قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة، أدخلت المنطقة في منعطف حاد من التوتر. ولنأخذ النقطة الأكثر تأثيراً في الشأن اليمني، وهي قرار «التحالف العربي» بقيادة السعودية، والذي يخوض حربه في اليمن منذ مطلع 2015م، القاضي بطرد قطر من عضويته، وهذا من شأنه أن يغير من سير العمليات العسكرية والسياسية في اليمن بحكم العلاقة والتأثير القوي الذي تتمتع به قطر لدى أكبر الأطراف السياسية والعسكرية اليمنية، وهو حزب «الإصلاح»، الذراع «الإخواني» في اليمن، وبالتالي ففتور هذه الحرب وترهلها إن لم نقل توقفها قد يكون أمراً متوقعاً؛ فقطر لن ترفع يدها ببساطة عن اليمن على الأقل خلال الأشهر القليلة المقبلة، برغم شدة الخناق الذي يلتف حول عنقها اليوم، دون أن تجد لها عوناً ولا ظهيراً، فأذرعها المالية والإعلامية والتأثير الفكري لحركة «الإخوان» ضاربة بجذورها في اليمن.


خلاصة القول: إن الأزمة الخليجية وهي تنحو هذا المنحى الوعر، ستكون على موعد مع تطورات يصعب التنبؤ بخواتيمها، وبالذات في الشأن اليمني المضطرب أصلاً. وغداً، ستبدي لنا الأيام ما كنا نجهله من أغوار وحنادس الليل الخليجي البهيم، بل والعربي الدامس كله.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص