الجمعة 20 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
دكاكين الطب البديل... «رزق الهبل على المجانين»
الساعة 14:20 (الرأي برس - عربي )

يعاني القطاع الصحي في اليمن من تردي الخدمات في ظل الحرب، التي تسببت بتوقف 65% من المرافق الصحية، ونقص شديد في الأدوية والأجهزة والمعدات الطبية في المرافق المتبقية، بحسب تقرير حديث لمنظمة الصحة العالمية، تحدث عن اضطرار أكثر من 1900 مرفق صحي من أصل 3507 مرافق إلى إيقاف خدماتها كلياً أو جزئياً، ما أدى إلى حرمان الآلاف من الحصول على الخدمات الصحية الأساسية. واقع الحال هذا دفع بالكثير من اليمنيين إلى التوجه إلى الطب البديل لتتحول دكاكين العلاج بالأعشاب والكي بالنار وإخراج الجن والعفاريت إلى محج للبسطاء، خصوصاً في الأرياف حيث الجهل وتقديس الخرافة واستلاب عقول المرضى ونقودهم.


النصب الأخضر
أكثر من 7 إذاعات محلية في العاصمة صنعاء تبث إعلانات ليل نهار لأطباء الأعشاب بصورة مخادعة للبسطاء، وبدون وازع من ضمير، مع غياب الرقابة في ظل انفلات الأوضاع. كما تُخصّص لهم ساعات إذاعية مدفوعة الأجر، ليمارسوا النصب والاحتيال على الريفيين والمحرومين من التعليم. محمد عبد السلام الظمين، جليل محمد عبد السلام الظمين، لطف محمد عبد السلام الظمين، نبيل محمد عبد السلام الظمين، عبد الحميد الظمين، محمد عبد الحميد الظمين، جميعهم أطباء أعشاب ومن أسرة واحدة، يمارسون المهنة في دكاكين للعلاج بـ«العشب الأخضر» في صنعاء وكثير من المحافظات اليمنية. يحذرون في الإذاعات من المتطفلين على المهنة، ويبيعون الأعشاب كعلاج لكل الأمراض المستعصية بما فيها السرطان وأمراض القلب والجلطات والعقم.


في سيرة المؤسس محمد عبد السلام الظمين أنه ورث المهنة من آبائه وأجداده، لكن المذيع اللبناني في إذاعة «يمن fm»، ماجد يزبك، يقول إن «الظمين حاصل على الدكتوراه العليا في الطب البديل من القاهرة، وحائز على شهاده الزمالة الفخرية للاتحاد الأوروبي، وحائز على شهادة الجودة العالمية ودرع الآيزو لمرتين متتاليتين».


في المقابل، يؤكد الناشط الحقوقي، أيمن معزب، لـ«العربي»، أن «محمد عبد السلام الظمين لا يحمل أي مؤهل»، وأن «الدكتوراه العليا وزمالة الإتحاد الأوروبي تبعثان على الضحك والبكاء».

ويضيف: «ليس محمد عبد السلام الظمين وحده من يحمل سيرة ذاتية مزورة، فمحمد عبد الحميد الظمين هو الآخر يقدم نفسه في الإذاعات انه حاصل على شهادة جامعة The World». ويتساءل الناشط معزب: «أين هي هذه الجامعة؟». ويختم بقوله: «تخلصنا من تهريج وكذب الشيخ عبد المجيد الزنداني وحصوله على براءة الإختراع في علاج الإيدز، ليطلع لنا النصب الأخضر لآل الظمين».


علاج الكوليرا!
لا يتحرج القائمون على الإذاعات المحلية عن الترويج للطب البديل، رغم معرفتهم بأن الأعشاب لا تجلب من غابات الأمازون، ولا هضبة التيبت وأدغال أفريقيا كما يرددون في الفواصل الإعلانية. لقد صارت هذه الإعلانات المصدر الرئيسي لتمويل الإذاعات التي انتعشت مؤخراً كدكاكين العلاج بالأعشاب. ومع تفشي وباء الكوليرا في اليمن، أطل طبيب الأعشاب، محمد عبد السلام الظمين، من إذاعة «يمن fm»، ليقول للمستمعين بأن لديه علاجاً لـ«الكوليرا»، ولا حاجة للتوجّه إلى المستشفيات وشراء الأدوية. وهو ما اعتبره أطباء تضليلاً متعمّداً يستهدف حياة المرضى خصوصاً القاطنين في مناطق نائية.


الطبيب في مستشفى السلام بمحافظة عمران، محمد الماخذي، قال، لـ«العربي»، إن «تأخر المريض عن التوجه إلى المستشفى لأخذ الأدوية الخاصة بالكوليرا ستكون نتيجته الموت»، وأضاف: «مثل هذه الرسائل تجعل المريض يعتقد أنه سيتعافى مع مرور الوقت في حال تناول هذه الوصفات، مشيراً إلى أن أكثر من يُخدع هم سكان المناطق النائية الذين يصعب عليهم الوصول إلى المستشفيات».

وحذر من أنّ التعاطي مع مثل هذه الوصفات قد يؤدي إلى الموت، باعتبار أنّ بعض الأعشاب المستخدمة سامة، أو تساهم في تأخر المريض في الحصول على الأدوية اللازمة.


خلطة كارثية
في مركز «العشب الأخضر» بدار سلم في العاصمة صنعاء، تتزاحم براويز أكثر من 150 شهادة تقديرية لمحمد عبد السلام الظمين، أغلبها موقعة بخط واحد ومنحت من مؤسسات ومراكز يصعب على الكثير من المرضى البسطاء التحقق من صحتها. كذلك تزين مدخل المركز شهادات تقديرية من شخصيات يصعب الوصول إليها، وبعضها صار في عداد الموتى، كعبد الكريم الإرياني، عبد العزيز عبد الغني، علي عبد الله صالح، محمد عبد الله صالح، أحمد عبد الله الحجري، عبد القادر هلال... والقائمة تطول. تتفاوت أسعار العلاج بين الـ 5 و 50 ألف ريال. شد وجذب بين طبيب الأعشاب والمريض بشأن ثمن العشب، ومن أكثر في الجدل يدفع ما بحوزته من نقود ويمين مغلظ بأنه لا يملك سواها.


الدكتور مجاهد النجار، أخصائي أمراض باطنية، يقول لـ«العربي»: «كثير ممن يمارسون هذه المهنة يقومون بخلط الأعشاب بدواء كيميائي يحمل اسم steroid، وهو دواء مهدئ للتخفيف من آلام كثير من الأمراض، ويشعر معه المريض بأن حالته تحسنت رغم أن له أعراضاً جانبية، وتنتكس حالته الصحية بعد ساعات من تعاطيه». ويؤكد النجار أن الكثير من الأعشاب في مراكز الطب البديل يتم خلطها بأدوية من الصيدليات وتباع كعلاج بآلاف الريالات، رغم تبعاتها الكارثية.


السيدة أصالة
في العام 2012م، ظهرت في أحد الأرياف بمحافظة تعز طفلة تدعى أصالة، لا يتجاوز عمرها 13 عاماً. تحول منزلها إلى مقصد للمرضى من جميع محافظات اليمن الذين تعاملوا معها كمعجزة. لم تكن تستقبل أحداً، وإنما تتخاطب مع المرضى من النافذة، فيما هم يصطفون طوابير أمام المنزل، وإذا غربت الشمس ينام الكثير من المرضى في العراء وتحت أشجار الطلح انتظاراً لدورهم في اليوم التالي. أحد الأصحاء ذهب برفقة مريض إليها ليكتشف أن والدها يتخفى بجوارها ويتولى كتابة العلاج بالإعشاب ويمد بها إليها، وكل ما لدى الطفلة «المعجزة» أنها تجيد الحفظ وترديد ما يتم تلقينها، وكما يقول المثل «رزق الهبل على المجانين». مع اندلاع الحرب في محافظة تعز مطلع العام 2015م، نزحت الطفلة أصالة مع أسرتها إلى مديرية باجل بمحافظة الحديدة، لتمارس «العلاج» بالطريقة نفسها، وفي مطلع العام الحالي (2017م) انتقلت إلى مديرية شفر بمحافظة حجة، وتبعها المرضى طوابير. لقد صارت تدعى السيدة أصالة وتملك فلة فاخرة، ويملك طبيب الأعشاب، محمد عبد السلام الظمين، منزلاً في دار سلم بصنعاء، يطل على شارعين وبجواره مسجد الظمين ومركز العشب الأخضر وحراسة مشددة في البوابات، كما لو أنه قصر رئاسي.


زمن الخرافة
في تسعينيات القرن الماضي، ظهر الشيخ السلفي محمد الإمام في مدينة معبر بذمار، وفي مسجده بدأ بعلاج المرضى بالقرآن الكريم، وانتشرت في عموم اليمن أشرطة كاستات لما قيل حينها حواراته مع الجن الذين يتلبسون بالمرضى. بعدها افتتح الشيخ عبد المجيد الزنداني جامعة «الإيمان»، وبجانب التدريس كان يقوم مع هيئة التدريس في الجامعه بممارسة مهنة الطب بالإعشاب وإخراج الجن بالقرآن والرقية الشرعية. فتحت محلات بديكورات مكلفة تتبع الزنداني والكثير من مشائخ السلفية و«الإصلاح» جميعها تبيع الأعشاب والعسل وخلطة العريس لمن يعانون من الضعف أو العجز الجنسي، وكذا ماء زمزم وكل ما أنبتته الأرض دواء لكل داء. إستهوت المهنة تلاميذ المراكز السلفية وجامعة «الإيمان» الذين لم يجد الكثير منهم وظائف في القطاع العام أوالخاص، ففتحوا دكاكين في طول اليمن وعرضها للعلاج بالقرآن والأعشاب، وليس بمقدور أي جهة الإعتراض عليهم، ففي ذلك عداء لدين الله وهم مشائخ علم لحومهم مسمومة!
سادت الخرافة وتحولت أساطير الجن والعفاريت وأم الصبيان إلى قناعات لدى العامة الذين يرون في خطباء ووعاظ السلفية و«الإصلاح» أطباء لكل الأمراض، ويرون في الطبيب النفسي مجنوناً بحاجة إلى علاج.


أصيبت عجوز بحالة نفسية جراء قصف الطيران لمنزلها في مديرية ريدة بمحافظة عمران، وبعد أشهر من المرض ذهب بها أبناؤها إلى أحد خريجي جامعة «الإيمان» والذي يمارس العلاج بالقرآن، لإخراج الأرواح الشريرة. أمسك بيديه على عنقها وبدأ يتلوا القرآن ويطلب من الجني مغادرة جسد العجوز. لم يخرج الجني، ولكن خرجت روحها من جسدها وهو لايزال ممسكاً بعنقها. واليوم، تلميذ الشيخ الزنداني لا يزال في السجن المركزي بعمران ينتظر عقوبة الإعدام لقتله العجوز و«يا مخارج الأخجف إذا ودف».


قناعة راسخة
ألصقت أعمال السحر في شمال الشمال بالطائفة اليهودية، وبسبب ذلك عانت من العزلة وتعرض الكثير من أبنائها للمضايقات، بل والقتل كما في حادثة مقتل اليهودي ماشا بن يعيش عام 2008م على يد أحد المسلمين في مدينة ريدة بعمران. وخلال العامين الماضيين، رحل يهود اليمن إلى إسرائيل ولم يتبق في عمران سوى سعيد الناعطي، الذي يعمل إسكافياً، وتخلص من «زناره» بقص خصلات الشعر المتدلية على خديه كدلالة على يهوديته. لكن دكاكين علاج السحر لا تزال تكتظ بالمرضى.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً