الجمعة 22 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
السياسة على طريقة "الطيور المهاجرة"
الساعة 21:44 (الرأي برس - عربي )

لكل مرحلة سياسية ظروفها التاريخية، ولكل مرحلة سياسية رجال، إلا في اليمن؛ هم أنفسهم. لم يتغيروا؛ وحدها المواقف السياسية تتبدّل بتبدّل المصالح.


ولأن العمل السياسي في هذا البلد قائم على المصالح، يحدث أن تنام مؤتمرياً وتغدو إخوانياً. ويحدث أن تتنقل بين صفوف "الشرعية" و"أنصار الله" وفريق صالح. وهذا ما رصد أخيراً بوفرة في هذه البلاد، خصوصاً منذ التحول الذي دخل فيه اليمن عام 2011، مع ثورة الشباب الشعبية السلمية؛ بدأت الانضمامات إلى صفوف الثوار من الذين كانوا في النظام أو خارج هذا المربع، وصاروا يعرفون لاحقاً بجماعة "حيا بهم".


الحرب، كانت محطة أخرى لمواقف مماثلة، باتت محل تذمر وتندر، في الوقت نفسه.
في السابق، كانت ساحة الثورة مربع هذا التنقل، وخلال عامين من الحرب والصراع كانت الرياض وعدن قبلتين لكثير من السياسيين الذين يرون أن مصلحتهم هناك. كثير من هؤلاء تم تعيينهم سواء كوزراء في الحكومة أو سفراء أو ملحقين دبلوماسيين وثقافيين، وغيرها من الوظائف التي يوزعها عبد ربه منصور هادي بمناسبة وبلا مناسبة.


أخيراً، كان فصيل من حزب "اتحاد القوى الشعبية" قد أعلن انضمامه إلى فريق "الشرعية"، وتوجه نحو عدن، بعد أن ترك صنعاء خلفه، مع سيل من الانتقاد والهجوم من قبل مناصري "أنصار الله" و"المؤتمر الشعبي العام" الذين اعتبروا الأمر مخالفاً لقيم ومبادئ المصلحة الوطنية والمصلحة العامة، وأن الأمر بحد ذاته "خيانة وعمالة وبيع وشراء".
هذا المشهد تكرّر مع عبد العزيز بن حبتور

"العربي" تواصل مع هذا الفريق وطرح عليه الأمر، فبرر الفريق الذي انضم إلى "الشرعية" تحوله بأنه لم يكن بقاؤه في صنعاء في السابق تأييداً لما جرى هناك، وأن ذهابه إلى عدن لا يعتبر انفصالاً عن الحزب والتحاقاً بـ"الشرعية"، مشيراً إلى أنه مؤيد لـ"الشرعية" منذ البداية.
وفي الوقت الذي تحدثت فيه معلومات عن وصول الشيخ والعضو البرلماني والقيادي البارز في "المؤتمر الشعبي العام"، إلى الرياض، نفت مصادر مقربة من الشيخ ياسر العواضي، لـ"العربي"، صحة الأمر. إلا أن المصادر أكدت أن هناك خلافاً بين العواضي وبين رئيس "المؤتمر الشعبي العام"، وأنه منذ فترة غادر الرجل صنعاء إلى منطقته في البيضاء، مفضلاً البقاء فيها، وأنه هناك من يتوقع أن ينضم الشيخ العواضي إلى جماعة "الشرعية".


ولعل الموقف الذي لفت انتباه الكثيرين، هو مغادرة أحمد عبيد بن دغر صنعاء، في فترة كان يرأس فيها الأخير اجتماعات لـ"المؤتمر الشعبي"، قبل أن يتركها ويذهب إلى الرياض، ليكون رئيساً لحكومة هادي حتى اليوم. بن دغر الذي ظل متمسكاً بموقفه في فترة الثورة الشباب الشعبية، وظل صامداً مع "المؤتمر"، لم يكن متوقعاً منه أن يتخذ هكذا خطوة.


ويقول الكاتب الصحافي، نبيل الصوفي، مهاجماً بن دغر: "ما زلت أتذكر بن دغر قبل هروبه من صنعاء بساعات، وأتذكر وجهه وهو يتحدث بطريقة غريبة، مبتسماً بطريقة عجيبة، مثل فتاة تخبئ على أمها فرحها بالخاطب الذي عادها تتمنع عليه".


ويقول الصوفي بنبرة استياء: "الكل جلس في بيته وخرج عادي. إلا بن دغر جلس يدعي أنه ضد الحرب حتى آخر ساعة كان موجوداً في صنعاء ويرأس اجتماعات المؤتمر".


وفي المقابل، هذا المشهد تكرّر مع عبد العزيز بن حبتور الذي كان مع الرئيس عبد ربه منصور هادي في عدن، والذي ترك عدن وعاد إلى صنعاء، ومن ثم كلف بتشكيل حكومة الإنقاذ، الأمر الذي جعل البعض في الوسط السياسي يشن هجومه عليه وعلى كثيرين ممن حذوا حذوه.


يقول الكاتب الصحافي، ورئيس تحرير صحيفة "الأولى"، محمد عايش، معلقاً على هذا الأمر: "من الانطباع الأول يبدو بن حبتور كما لو كان الأخ غير البيولوجي لبن دغر، فكلاهما من ذلك النوع الذي يحتفظ في جيبه دائماً بتذكرةٍ من اتجاهين: ذهاب وإياب. من صالح إلى هادي ومن هادي إلى صالح ومن صالح إلى هادي، وهكذا. ومع ذلك، وبالتأكيد، يظل محسوباً لمن رفض العدوان السعودي موقفه مقابل من أيد العدوان وانخرط فيه وصار جزءاً منه، فليسوا سواء على كل حال".


لقد أصبح اليمن ساحة للصراع الداخلي والخارجي. وأصبحت حسابات أطراف الصراع مربكة بشكل كبير. فبين مصالح داخلية لمؤسسات رسمية ممثلة في رئاسة الجمهورية اليمنية والجيش اليمني إلى مؤسسات غير رسمية، كالقوى السياسية والأحزاب، والمعبرة عن مصالح وأفكار مختلفة، إلى التنظيمات والجماعات العقدية المسلحة، ومصالح خارجية في الإقليم.


المحلل السياسي خالد بقلان، في حديثه إلى ، يقول: "خارطة التحالف السياسية في اليمن تظل محكومة بمصالح مشتركة نعزوها لعوامل عديدة؛ إحداها العصبية والتقوقع في قوالب جيوسياسية ذات خلفيات فكرية ترتكز على أحقية الحكم واحتكار السلطة، وكنتيجة طبيعية لأي تمرد، والقفز على مشروعية السلطة، والشرعية الدستورية، والإجماع الوطني، التي أتى انقلاب 21 سبتمبر 2014 لتبديدها، فإن الشرعية تظل أساساً قانونياً وخياراً لمن فقد مصالحه، لسنا هنا بصدد الحكم على النوايا كي نستقرئ الانضمام للشرعية، لكننا من خلال الانتماء يمكننا إدراك الهدف منها".


نفت مصادر مقربة من الشيخ العواضي شائعات تبدل موقفه

أما الكاتب الصحافي سام الغباري، فيرى أن "الشرعية ليست شخصاً، ولهذا يعتقد البعض من السياسيين أو الاعلاميين أن الانضمام إلى الشرعية يعني الايمان بكل تصرفات الرئيس، وهذا خطأ".
ويتابع الغباري حديثه إلى "للعربي": "الوصول للشرعية يعني الإيمان بالضرورة بالدولة كمؤسسات، وليس بالأفراد، ولكن في هذه اللحظة الفارقة ينبغي على الناضجين أن يوالوا الرئيس هادي وإن كان لا يروق لهم، فبه تنعقد الشرعية، الأمر معقد، ومركب، فالمؤسسات تدار من أشخاص، وحين تتداعى المؤسسات وتتعرض للحرب والتمرد، وجب أن نقف مع الأشخاص حتى استعادة المؤسسة لوضعها الطبيعي، وبخصوص الانضمامات فهذا أمر طبيعي، فلا يجوز أن نحاكم أشخاصاً أو قوى بعد أن هربت الدولة وتركتهم لجماعة الحوثي".


من جهته، يعتبر الناشط السياسي محمد المقبلي، أن "السياسة في اليمن براجماتية بامتياز، وفي اليمن عرفت الظاهرة بظاهرة "الطيور المهاجرة سياسياً"، وهي تلك الشخصيات التي تنتقل من معسكر سياسي إلى معسكر، ومن جهة إلى جهة، ومن اليسار إلى اليمين، ومن اليمين إلى اليسار، من السلطة إلى المعارضة، ومن المعارضة إلى السلطة، بحسب تفكير كل شخص، والأمر هنا له علاقة بالحسابات السياسية أكثر من أي شيء، هناك من يرى أن صالح انتهى سياسياً بمجرد انطلاق ثورة الشباب السلمية، وبالتالي التحق بها، والفريق الثاني انتقل من معسكر صالح بعد الانقلاب، ولهذا تظل البراجماتية السياسية في اليمن حاضرة أكثر من أي شيء آخر وهي ما يتحكم بالمسار السياسي في السلم والحرب".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص