السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
حسين المحضار... شاعر العشاق الملهِم الملهَم
الساعة 19:44 (الرأي برس - عربي )

"دموع العشاق"، "إبتسامات العشاق"، "أشجان العشاق"، و"حنين العشاق"، أربعة دواوين شعرية للشاعر الغنائي الكبير، حسين أبو بكر المحضار (1930–2000)، الذي تحيي الفعاليات الثقافية في حضرموت الذكرى الـ17 لرحيله هذه الأيام في مسقط رأسه بمدينة الشحر الساحلية. الشاعر الذي رحل عن عمر ناهز السبعين عاماً أنجز تجربة فنية وإبداعية، لطالما توقف عندها النقاد والفنانون، كونها تعد تجربة استثنائية لشاعر شعبي استثنائي، تميز بقريحة شعرية فذة، ومهارات فنية وإبداعية، ليس على مستوى شعرية النص وجماليات الصورة فحسب، بل على مستوى الألحان والإيقاعات والنص الغنائي الذي استطاع المحضار التطوير والتجديد فيه، من خلال أسلوبه السهل الممتنع الذي حدا بالكثير من الفنانين اليمنيين والعرب إلى التهافت على قصائده.


وبالرغم من عدم دراسته للموسيقى، إلا أنه أجاد فن التلحين من خلال السماع، إذ كان يقوم بتلحين جميع نصوصه الغنائية بأعواد الكبريت التي دأب على مداعبتها بين أصابعه، مترنماً بالألحان، فكانت لديه بمثابة "العصا الموسيقية" لقائد الأوركسترا. أوركسترا يمنية رائدة باللهجة الحضرمية، كان المحضار صاحب امتيازها على مستوى الوطن العربي. فمن "دموع العشاق" العام 1966م، إلى "ابتساماتها" في العام 1978م، فـ"أشجان العشاق" و"حنينهم" العام 1999م، مجموعة شعرية حوت في طياتها أجمل الكلم وأعذب الألحان، بدءاً من "سر حبي" و"نار حبك" و"باشل حبك" و"شلنا يا بو جناحين" و"يا حمل الأثقال"، وغيرها من الأغنيات التي حفظها وترنم بها المواطن العربي من الخليج إلى المحيط، بصوت سفير الأغنية اليمنية الفنان الكبير، أبو بكر سالم بلفقيه، الذي شكل تعاونه الفني مع المحضار ثنائية إبداعية فريدة ومميزة، علاوة على عربية أخرى، كمحمد عبده ، وطلال مداح، عبد الله الرويشد، وراغب علامة، وأسماء المنور، وعبدالمجيد عبد الله، وعبد الرب إدريس وغيرهم. وفي ذكرى رحيل الشاعر الغنائي الكبير، حسين أبو بكر المحضار، طرح "العربي" على مجموعة من النخب الثقافية في حضرموت عدة تساؤلات حول التجربة الفنية والإبداعية للشاعر المحضار.


إستثنائي
يرى د. عبد القادر باعيسى، أستاذ الأدب الجاهلي في جامعة حضرموت، أن المحضار كان شاعراً استثنائياً، استطاع من خلال تشكيله الإبداعي التأثير في المتلقي، من حيث اعتماده على جودة التصوير في القصيدة ورهافة التعبير والربط بينهما بإبداع دلالي واضح. ويقول باعيسى: "نعم كان شاعراً استثنائياً لمعاناة إبداعية كان يعاشرها من حيث اتصاله الخاص بالمكان - الوطن - والشخصيات المتعددة معشوقة وغير معشوقة، وبذاخة إمكاناته في الإبداع الشعري بين هذين القطبين الكبيرين: الناس والوطن. كما كان شاعرا مُلهِماً ومُلهَماً، ويمكن معرفة ذلك من خلال تشكيله الإبداعي الخاص واستحضاره سريعاً وبعمق، ومن ثم انطلاقه بتأثير إلى المتلقي وتطويره الشكل الفني للشعر العامي الحضرمي من حيث اعتماده على جودة التصوير في القصيدة ورهافة التعبير والربط بينهما بإبداع دلالي واضح".


ويضيف باعيسى أن "المحضار موجود فينا بالرغم عنا ولم يفقد اعتباره بعد، وإنما يمكن إبراز وجوده فينا بصورة أكبر من خلال القراءات الواسعة والمعمقة لشعره لا من خلال إقامة المظاهر الإحتفالية في ذكرى وفاته أو ولادته، فهذه تأخذ طابعاً إعلامياً ولا تؤثر كثيراً في منحى الثقافة، فالمهم دراسة أشعاره وألحانه وما فيهما من رصانة وتجديد في إطار الشعر العامي الحضرمي"، لافتاً، في سياق الحديث عن الدراسات الأكاديمية لشعر المحضار، إلى أن "الجامعات العربية كلها تقريباً منذ أن تأسست جامعة القاهرة في مطلع القرن الماضي وهي لا تلقي بالاً للأدب الشعبي، حتى لا يؤثر على الأدب الفصيح الذي كانت الجامعات العربية وما زالت تتبناه في إطار رسالتها العامة في الحفاظ على اللغة العربية، ولكن لا بأس من فتح معاهد أو كليات أكاديمية خاصة ومستقلة تهتم بدراسة الأدب العامي، فهذه مسألة مهمة".


النص المحضاري تجمع النخب الثقافية في حضرموت على "استثنائية" المحضار
وفي السياق، يعتقد أستاذ الأدب الحديث في جامعة حضرموت، د. سعيد الجريري، أن "المحضار شاعر استثنائي بين سابقيه ومجايليه، استطاع أن يتجاوز تجارب أساتذته الشعريين، بما أضفاه على الأغنية الحضرمية خاصة بنائياً ورمزياً، حتى كان له متنه الشعري المميز الذي كثيراً ما يلف تياره سنابيق الشعراء، في بحر شعريته العالية. ولأنه استثنائي فقد شكل هوية فنية لما أسميه النص المحضاري ذا الخصائص الأسلوبية الدالة عليه. هو ملهِم وملهَم في آن معاً، لكنه يمثل تحدياً شعرياً مهماً". وحول كيفية رد الإعتبار للمحضار، يؤكد الجريري أن "اعتباره لم يسلب حتى نقول بإعادته، لكني أرى اعتبارية المحضار في التنمية الجمالية للمجتمع، بإنشاء المراكز أو المعاهد الفنية والموسيقية التي ترفد الحركة الفنية بطاقات مؤهلة علمياً، تستطيع مغادرة لحظة الفن المرتجل أوالعفوي إن جاز التعبير".


وللجريري وجهة نظر مغايرة في جانب الدراسة الأكاديمية للأدب الشعبي، إذ يعزو ذلك إلى وجود تصور ينتقص من أهمية الأدب الشعبي وقيمته، "بالرغم من أنه أقرب إلى تكوين الذات الجمعية ثقافياً ونفسياً، فالعامية ليست درجة أدنى في الأهمية والفاعلية، فهي اللغة الأم وليست العربية الفصيحة المحدودة الإستعمال والتأثير في تكوين الذات الجمعية. وإذا كانت بعض الجامعات وجامعة حضرموت لا تجيز إلى الآن موضوعات في الأدب الشعبي لنيل درجة علمية فهذا مؤسس على ذلك التصور الذي يرى في العامية هامشاً غير معترف به بموازاة متن العربية الفصيحة. وبذلك يخسر الدرس الجامعي كثيراً، ليس في مجال الأدب فقط، وإنما في مجالات أخرى كعلم الإجتماع والنفس والتاريخ مثلاً". ويشدد على "ضرورة إنشاء قسم خاص بالأدب والثقافة الشعبية في كلية الآداب - وقد قدمنا تصوراً عند تأسيس كلية الآداب لكنه لم يعتمد للأسف - لما لذلك من أهمية، وليس ذلك فقط، فالعامية الحضرمية بتنوعها جغرافياً ينبغي درسها بمناهج علمية، ولن يكون ذلك إلا إذا تم التخفف من ضغط المؤثرات الأيديولوجية والتصورات النمطية حول اللغة والثقافة، وفق خلفية فكرية حرة"، مشيراً إلى أن "هناك فاعلية لرؤى تقليدية تحد من قراءة الأدب الشعبي، فأتمنى أن يكون للجامعة دور في تأسيس وعي جديد بالظواهر الأدبية بعيداً عن التمييز بين العامية والفصيحة، فهما لغتان متجاورتان، وللأولى أثر أعمق جدير بالدرس وليس التجاهل".


الشاعر العملاق
بدوره، يعتبر الباحث، هشام الرباكي، أن المحضار "شاعر عملاق، شعراً وصياغة وبناء للقصيدة وتنوعاً في الأسلوب النصي وتميزاً في اللحن والإيقاع، واستثنائي في اختيار الموضوعات (غزلاً، عشقاً، رثاءً، مدحاً، وفخراً) برمزية جذابة وتجانس لفظي بديع وتورية مجازية جميلة". ويتابع الرباكي أنه "إذا كان المتنبي قد شغل الناس بشعره كما وصف ذلك ابن رشيق في عمدته، فإن المحضار قد شغل الناس بأشعاره لقدرته الأسلوبية في اختيار اللفظ الذي يحتمل أكثر من معنى وتوصيف، لذا فهو شاعر استثنائي بكل المقاييس، شاعر ملهم يقول الشعر عن فطرة وموهبة بصورة تلقائية وسهلة، وبهذا الأسلوب المحضاري المتميز ألهم غيره باقتفاء أثره في الساحة الشعرية الشعبية في مختلف ألوان الشعرية الحضرمية كشعر الغناء والدان والشرح. فقد كان المحضار ملهماً للشعراء في المساجلات الشعرية وشعر الدان خصوصاً، كان يختار الوزن والموضوع، وكان الشعراء يمشون في موكبه الشعري، مما جعله مدرسة ومنهجاً مميزاً وتجربة فريدة ينبغي أن تدرس للأجيال القادمة وفق رؤى علمية وأكاديمية، من اجل الحفاظ على هذا الموروث الفني من ناحية، ونشره بين الناس من ناحية اخرى. فلا غرو أن يهتم الباحثون بهذا الفن المحضاري واكتشاف أسراره اللغوية والأسلوبية في دراسات أكاديمية عليا، وقد أنجز الزميل ماهر بن دهري أطروحة دكتوراه عن شعر المحضار، وهناك العشرات من البحوث والرسائل الأكاديمية المتناولة لشعر المحضار يجب أن تطبع وتنشر، كي يتسنى للمهتمين بالشأن الثقافي والشعري في العالم أجمع معرفة نتاج هذا العملاق الذي شغل الناس بشعره ولا يزال". 


نشيد المحضار
من جانبه، يرى صالح الفردي، مدير دائرة الإعلام والعلاقات العامة في مركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر، أن "المحضار كان شاعراً استثنائياً في زمن استثنائي أيضاً. زمن كانت فيه الثقافة والفنون والإبداع بشكل عام أحد مكونات المجتمع ومحل اهتمام الدولة، ومجالاً خصباً يتبارى فيه المبدعون وتتلاقح فيه الأفكار وتتوالد منه الرؤى وتتناثر منه الأحلام. ففي هذا الزمن كان المحضار الإستثناء من بين مبدعي عصره، شكلنا برقيق القول وعذب اللحن، واستطاع أن يهيمن على ذواتنا ويلاطفها تارة، ويوخزها تارات أخرى، فنستطيع أن نجزم أن الخمسين السنة الماضية كان نشيدها المحضار"، معتبراً أنه "يعاد الإعتبار للمحضار عندما نعيد الإعتبار لذواتنا المنكسرة، وتستعيد النخب الثقافية والإبداعية دورها وتدرك رسالتها، أما المحضار فهو التحدي المستمر لفشل هذه المنظومة النخبوية البائسة اليوم". ويختتم الفردي حديثه بالقول: "أما بالنسبة لعدم إفساح المجال أمام الدراسات الاكاديمية لشعره بجامعة حضرموت، فلسبب بسيط... أعطني الجامعة أولاً لكي نقف بعدها أمام هذا التساؤل!".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص