الأحد 22 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
ن .........والقلم
ذات وجه للقمر .. - عبد الرحمن بجاش
الساعة 14:02 (الرأي برس (خاص) - أدب وثقافة)



اتخيلها امامي , تلك النحيله , جدتي نعمه , والدة ابي , التي انا معجون بها , مفتون بوجهها, بعرقوصها , بالخطوط التي ارتسمت على جبهتها مبكرا , اظل كلما التقيها اتشمم مقرمتها , مشاقرها على خدها , وحتى الزيت الذي كانت به تدهن شعرها اظل اتنهكه الى نهايات حدود حاسة الشم , واظل اتملى في خطوط قميصها الذي تعتني به فهو عنوانها , وربطة المَصَر , ولفة المقرمه وخاتم فضه يعمر اصبعها احتفظت به حتى غادرتني , ويديها اللتين افتقدتهما كنت اظل اتأمل الى الحنا يعمِر الكفين ويمنحهما جمالا , اما الهرد الاصفر فلطالما قلت : ادهني وجهي به , فتضحك : يا إبني شِقُولو عيب !! , واعود اقول الان: ايش من عيب ,ايش من رجوله في زمن فقدنا فيه رجولتنا , ليتك دهنتي خدي بهردك , ربما اصبحنا رجالا بحق وحقيق .
 

ذكراها تملأ اعماقي , وتسكن انفاسي , جدتي التي لم ار في حياتي كائنا بشريا , بطيبتها , وحنوها , وامومتها وخوفها , وكلما داهمها الاحساس بخوف ما فتضع يدها على خدها , فافهم انا الوحيد من بين الجميع انها غير راضيه عن شيئ ما , لكن حبها لكل ما حولها يكفي كوكب باكمله , تحب الشجرة حتى الثماله وقد ارسلت لها من تعز شتلة لشجرة البلس , وبعد سنوات اذ عدت في العطلة الصيفية نادتني ضاحكة : تعال شوف اختك كيف كبرت , فاستغربت اذ لم يكن يومها لي اخوات , فذهبت وراءها , حتى اذا كنا بجانب شجرة العلب الاثيره , اشارت : شوف اختك , كانت البلسة قد كبرت !!! , وتحنو على الزُرًاع كانه وليدها , وتحرص على الا تسقط حبة الذره او الدخن الى الارض كما تحنو على اولادها برغم قسوة بعضهم وانا حفيدها , تحب بقرتها حد الوله , واذا افتقدتها فاجدها عندها , فاسالها : لم ؟ تقول بطيبة تربة الارض : احبها يا ابني , كانت مولهه بكباشها , واغنامها , وبيديها الصغيرتين وهما انظف يدين , ظلت تملس بهما احمرار الثور ذهب , فاذا ما غار حمار الشيخ في الجهة المقابلة ذهبت اليه , وبمجرد ان تقترب منه نراه وقد تحول الى كتلة من الهدوء .
 

جدتي هي الارض التي زرع في جوفها , كل اخضرار قريتي , وصفاء سماواتها , وبياض نتف سحبها الشارده , هي كائن ظل يخاف من كل شيئ , لان اعماقها كانت سلسبيل من ماء زلال ياتي من النبع , فيروي عطش المحبين للحياه .
 

كانت كلما داهما الخوف , غابت , وانا ادري الى اين تلجأ ؟؟ الى عند صفيه في القرية المجاورة تذهب , وصفيه لو سالت عنها الاوديه وآبار المياه , والسواقي , وتليم الارض , وايام جز الحشيش وصباحات الهثيم , لقال الجميع وتؤيدهم طيور السماء : نعم صفيه سميت هكذا لصفاء سماواتها , واذا كبر الوجع , فتذهب الى اختها , وهي سلام كاسمها سلام , انعكاس لكل قيم نعمه .
 

ذات ليله وكنت معها , قررت ان تعود الى دارنا , فجريت وراءها كالكبش الصغير , وعلى ضفة سائلة قرية ابيها , شاهدت وجها للقمر بين الاشجار , دائرة ضخمه من الضياء , ضللت اتفرج اليها , الآن تمنيت لو انني التقطت ذلك الوجه للقمر بكاميرا لم توجد . ظل وجه القمرذات ليلة دافئه في ذهني حتى الآن , وسيظل هو ووجه جدتي وجدتي وصفيه وعمر شرد حتى يعود نهارنا .
لله الامر من قبل ومن بعد .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً