السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
حكم "أنصار الله"... عودة إلى "زمن الرهينة"؟
الساعة 19:42 (الرأي برس - عربي )

الجامعات في صنعاء وعمران وذمار لم تعد تشهد قاعاتها ندوات ومؤتمرات علمية وفعاليات ثقافية
الكثير من مشاهد الحياة اليومية في المناطق الخاضعة لسيطرة "أنصار الله" تبعث على الكآبة والإحساس بالعزلة والعودة إلى الحياة البدائية، هذا ما يقوله البعض، ممن ينبه إلى أن "مشرف السيد" في كل مديرية بات يؤدي اليوم دور "عامل الإمام" في ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962م؛ يجمع الزكاة من المزارعين، يبت في قضايا الرعية، يجوب العزل والقرى لحشد المقاتلين إلى جبهات الصراع في أطراف "الإقطاعية"، كما يصفونها، والتي ترتسم حدودها اليوم فيما عرف قديماً، ولقرون طويلة، بـ"الجغرافيا الزيدية".


عقب قرار الرئيس عبد ربه منصور هادي بنقل البنك المركزي إلى عدن، سألت قيادياً في "أنصار الله" عن البدائل، فكان ردّه: "الله منّ علينا بالمطر، والمخازن مليئة بالحبوب"!. لقد كان رده أشبه برد الإمام يحي حميد الدين عند اختلافه مع مدير الشركة الصينية التي نفذت الطريق الإسلفتي الرابط بين صنعاء والحديدة، حيث قال: "لا تشغلوناش، عطفوا الفريقة حقكم"؛ إرفعوا البساط الأسود فالناس هنا قد تعايشوا مع التواصل بالحمير والجمال! وفي كل خطاب يحثنا السيد الحوثي على الصبر ودعم البنك المركزي ورفد جبهات القتال. 


هل هو الميلاد الثاني لـ"الرهينة"؟ فالجميع هنا محتجز في "إقطاعية أنصار الله"، بحسب هؤلاء المنتقدين، الذين يرون أن واقع الحال اليوم يتشابه كثيراً مع الصورة التي قدمها الكاتب زيد مطيع دماج، عبر السرد الروائي للحالة التي كانت تعيشها اليمن تحت حكم نظام الإمامة الذي عزل البلاد عن محيطها.


تحت ظلال البنادق
تحكم "أنصار الله" قبضتها على "الجغرافيا الزيدية" بقوة السلاح، وتجرف مسيرتها تنوع المجتمع وثقافته وتعليمه ومؤسساته وكل ما يتصل بالتعايش وينتمي لروح العصر، يقول منتقدو الجماعة، ويضيفون: الجامعات في صنعاء وعمران وذمار لم تعد تشهد قاعاتها ندوات ومؤتمرات علمية وفعاليات ثقافية، ولكنها تحتضن اليوم احتفالات "أنصار الله" بذكرى قدوم الإمام الهادي إلى اليمن، و"أسبوع الشهيد"، ويوم عاشوراء، وكل ما يعزز حضورها الفكري. 


عشرات المواقع الإخبارية لا تزال محجوبة منذ أشهر، ومع تشكيل حكومة "الإنقاذ" أسندت وزارة المواصلات لوزير من "حزب المؤتمر" الذي باشر مهامه برفع الحجب عن "التليجرام" والمواقع الإخبارية، لكن تلك الإنفراجة لم تستمر سوى بضع ساعات، حتى عاد حجبها مشفوعاً بتصريح لمصدر مسؤول في مؤسسة الاتصالات بأن ما حدث كان خللاً فنياً وأن الحجب ضرورة حفاظاً على "أمن المجتمع" و"ثقافته من الأفكار الدخيلة". 


حجبت المواقع وتوقفت العديد من الصحف، وبعدها فتح سوق لبيع الأسلحة الخفيفة بحي شميلة جنوب العاصمة، وآخر في شمالها بجولة الساعة في حي الحصبة... توصد نوافذ الحياة وتفتح أبواب الموت، ليغدو العيش "تحت ظلال البنادق" كليل لا صبح له.


"أشبه بالكابوس"
ورث الإمام يحي حميد الدين عدداً من المباني الإدارية والعسكرية ومنازل الباشوات التي شيدت في زمن الإحتلال التركي لليمن. فاتخذ منها مخازن لزكاة المزارعين ومقرات لحكمه وسكناً لعائلته والمقربين منه. ومع سيطرة "أنصار الله" على العاصمة صنعاء في نهاية العام 2014م صارت "اللجان الشعبية" هي من تتولى مهام الأمن وحراسة الوزارات والمنشآت الحكومية، وفرضت نقاط تفتيش في الطرقات والشوارع والأحياء، كذلك استباح مسلحوها معسكرات الجيش والأمن وأطقم ومركبات الحرس الجمهوري والنجدة والشرطة العسكرية.


حتى صحيفة الجيش "26 سبتمبر" تتصدر صفحتها الأولى صور السيد الحوثي وخطاباته، واكتست اللون الأخضر الذي يرمز إلى الجماعة. الكاتب والباحث مصطفى راجح، يرسم جانباً من المشهد في صنعاء بقوله "المكتبة التي كنت آخذ منها مساء الخميس ثماني-تسع صحف متنوعة حولت وجهتها بطاطس وشيبس"، ويضيف بحسرة "مع الحوثيين دخلت اليمن برزخاً... لا هي قادرة على الخروج منه ولا هي قادرة على العيش فيه". شيئاً فشيئاً تخفت مظاهر الحياة، ويغدوا العيش هنا أشبه بالكابوس.


المساجد والمدارس
جميع المساجد في محافظة صعدة ومديريتي حرف سفيان وحوث يردد فيها شعار "الصرخة": "الموت لأمريكا..."، ويلتف المصلون في حلقات بين المغرب والعشاء لتدارس ملازم المؤسس حسين بدر الدين الحوثي. وعقب كل صلاة يلهج المصلون بالدعاء لآل البيت. في وقت تتواصل فيه جهود مشرفي "أنصار الله" لإحلال الخطباء في بقية مساجد "الجغرافيا الزيدية"، متسببين بانقسامات مجتمعية وصدامات في صروح المساجد واعتقالات لخطباء يناهضون فرض "أنصار الله" "مذهبهم" بالقوة، ودائماً بحسب خصوم الجماعة.


صباح كل يوم، يتوجه مشرفو "أنصار الله" إلى المدارس للإستماع إلى الإذاعات المدرسية في طابور الصباح، والتي يتردد صداها في الأرياف بـ"الصرخة"، ليختتم كل مشرف برنامج التلاميذ الصباحي بكلمة عن "الصمود في وجه العدوان ومقاومة قوى الإستكبار العالمي"، كل ذلك وسط صمت من قبل المعلمين وامتعاض البعض عقب خروج المشرفين من المدارس التي صارت تشهد تململاً من التعليم بسبب غياب الكثير من المعلمين الذين لم يتسلموا سوى نصف مرتب خلال خمسة أشهر. يعود التلاميذ إلى منازلهم في الساعات الأولى من كل يوم، ويكتفي المعلمون بإلقاء حصة إلى ثلاث حصص مدرسية، والتوقيع على الحضور والانصراف. علامات الإحباط تكسو وجوههم، ولا شيء يوحي بالقدرة لديهم على منح التلاميذ زاداً للمستقبل. لقد فترت الهمم وصارت الوظيفة أشبه بإسقاط واجب للحصول على مرتب إعاشة طال انتظاره.


وظائف شاغرة
يتردد الموظفون، عسكريين ومدنيين، على مراكز البريد للسؤال عن مرتباتهم بدون جدوى. يصرخ محمد حزام، العقاري الموظف في مكتب الأشغال بعمران، أمام مركز البريد: "دمروا البلاد... الله لا وفقهم"، يرد عليه علي الغيلي، أحد مسلحي "اللجان الشعبية": "هذا سلمان محاصر لنا سنتين، من يريد المعاش يسير الجبهة". جبهات القتال تمثل اليوم ملاذاً ملائماً للكثير من العاطلين في جغرافيا الشمال، هرباً من شبح الجوع، وإن كان في ذلك ملاقاة للموت. لا توجد وظائف شاغرة سوى القتال في جبهات "أنصار الله" أو في نقاط التفتيش التابعة لها في جغرافيا مجدبة لا تنبت فيها الأزهار إلا في المقابر التي تتوسع، خصوصاً في الأرياف، حيث يستوطن الفقر والجهل والمرض.


النكف القبلي
كثافة سكانية في المناطق الخاضعة لسيطرة "أنصارالله"، يقابلها شح في الموارد. لقد التهم القات الكثير من الأراضي الزارعية، وصار يتمدد في القيعان متسبباً في استنزاف جائر للمياه ونضوب للعديد من الأحواض. مع ذلك لا بدائل لدى سلطة الأمر الواقع بصنعاء. ففي إحدى المناسبات الخاصة بـ"أنصار الله" قبل أشهر، أطل السيد عبد الملك الحوثي موجهاً مسؤولي بقايا حطام الدولة ابتكار الحلول للتخفيف من معاناة الشعب، وقال: "مثلما نجحنا في تطوير منظومة الصواريخ بكوادر يمنية، عليكم بذل الجهود لابتكار حلول إقتصادية". لكن ما هي البدائل في جغرافيا قاحلة ومزدحمة بالسكان عدا استثمار العقول وتنمية الإنسان؟ يسأل المعارضون.


لا مهرجانات للعودة إلى المدارس، ولا مؤتمرات علمية أو اقتصادية، ولكن "نكف قبلي"، ومن يحمل السلاح لرفد جبهات القتال. قات وسلاح ورصاص وزوامل حربية، يتصدرها زامل الشاعر عبد الحسن النمري، الذي اقترن بتأسيس جماعة الحوثي (أنصار الله)، ولا يزال يتردد في كل "نكف" للقتال منذ العام 2002 وحتى اليوم، والذي تلخص كلماته مأساة الإنسان هنا، والوظيفة الشاغرة له لدى "أنصارالله":


"ﻭﻳﺶ ﻫﻲ ﺫﺍ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﺣﻨﺎ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺿﻴﻮﻑ
ﻭﺍﻟﻀﻴﺎﻓﺔ ﺛﻼﺙ ﺃﻳﺎﻡ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺑﻘﺎ
ﻣﺎ ﺧﻠﻘﻨﺎ ﻟﻐﻴﺮ ﺍﻟﺮﻣﺢ ﻭﺇﻻ ﺍﻟﺴﻴﻮﻑ
ﻭﺍﻟﻔﺮﺱ ﻭﺍﻟﻤﻬﻨﺪ ﻟﻲ ﺧﻴﺎﺭ ﺃﺻﺪﻗﺎ
ﺑﻨﺪﻗﻲ ﻓﻲ ﻳﻤﻴﻨﻲ ﻭﺍﻟﺠﻌﺐ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺘﻮﻑ
ﻭﺍﻟﻜﻔﻦ ﻓﻮﻕ ﺭﺍﺳـﻲ ﻣﻮﺕ ﻭﺇﻻ ﻧﻘﺎ".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً