السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
السلفية التقليدية في اليمن... إلى الجهادية دُر؟
الساعة 19:40 (الرأي برس - عربي )

لتمييزه عن تيارات سلفية أخرى، يطلق على تنظيم "القاعدة" مصطلح "السلفية الجهادية". وتختلف تلك التيارات مع التنظيم حول تفاصيل متعلقة بـ"الجهاد"، وفي الموقف من النظام الحاكم، وتلتقي معه عند أصول عقدية ومنهجية كثيرة. وكثيراً ما يتبادل الطرفان تهمتي "الغلو" والاقتراب من فكر "الإرجاء" دون أن يحكم طرف على آخر، في الغالب، بالخروج عن الإطار العام لعقيدة أهل السنة والجماعة، وإن حدث ذلك فلحسابات أخرى لا تصمد عند محاكمتها بمبادئ الطرفين.


فـ"القاعدة"، من وجهة نظر "السلفية التقليدية"، هم من "الغلاة"، لموقفهم المتشدد من "ولي الأمر" ومن كل الأفراد والجهات المرتبطة به، كما إن السلفية التقليدية، من وجهة نظر "القاعدة"، قريبة من عقيدة الإرجاء. ويتطور الأمر أحياناً إلى اتهام السلفية لـ"القاعدة" باعتناق، أو الاقتراب من عقيدة "الخوارج" الذين يوجبون الخروج على الحاكم الظالم أو الحاكم الذي يرونه مرتداً.


غير أن موقف "القاعدة" من عقيدة "الخوارج" لا يختلف، عند التحقيق، عن موقف السلفية غير الجهادية منها، بل لا يختلف موقف الطرفين من قضية الخروج على الحاكم الظالم، حيث يتفقان على تحريمه، لكنهما يختلفان في تحديد الحاكم الشرعي أو "ولي الأمر"، حسب المصطلح الفقهي المتداول. 


وفيما لا تَعدُّ "القاعدة" رؤساء الدول العربية والإسلامية "ولاة أمر"، وترى أنهم محكومون لا حكاماً، تؤكد السلفية التقليدية أنها لم ترَ منهم "كفراً بواحاً لها فيه من الله برهان"، كما تنص على ذلك بعض النصوص التي ربطت الخروج عليهم بتحقق هذا الشرط. ويتضح مما تقدم أن الخلاف بين السلفيتين، الجهادية والتقليدية، لا يتمحور حول الموقف من الحكم ومن الحاكم، كما يظهر، وإنما حول تحديد "الحاكم الشرعي" من غيره، وخلاف كهذا لا بد وأن يكون محكوماً بظروف ومتغيرات ومخاوف وليس بمبادئ ثابتة تحافظ على استمراره، وما جرى ويجري في اليمن خلال الأعوام الأخيرة خير دليل على ذلك.


إلى "القاعدة"
خلال الأعوام الأخيرة وجدَ كثيرٌ من المحسوبين على تيار السلفية التقليدية أن مواقفهم من "ولي الأمر" بُنيت على عدم معرفة بواقعه، وعلى مخاوف مبالغ فيها من تبعات أية أعمال مناهضة له، خصوصاً بعد أن أصبح، من وجهة نظرهم، جزءاً من سياسة إقليمية ودولية تستهدف وجودهم.
ورأوا في حصار جماعة "أنصار الله" لمركز "دار الحديث" في وادي دماج بمحافظة صعدة، شمالي اليمن، ما يؤكد هذا الأمر، وذلك بعد أن تركهم نظام صنعاء، خلال فترة حكم عبد ربه منصور هادي، لخصومهم دون أن يضطلع بمسؤوليته كـ"ولي أمر".


وقد عبروا عن ذلك صراحةً، من خلال اتهامهم لوزير الدفاع في حكومة هادي، محمد ناصر أحمد، بالتواطؤ مع الجهة الفارضة للحصار، وهو أمر لا ينسجم مع مواقفهم السابقة من كل ما يتعلق بالحكام، حيث كانوا يعتبرون أي نقد علني للحاكم عبارة عن "إيغار لصدور العامة على ولي الأمر"، بل واعتبره بعضهم نوعاً من الخروج عليه.


وإلى جانب أن موقفهم الجديد من الحاكم قرَّب الكثير منهم من منهج تنظيم "القاعدة"، أو أدخلهم في سياق هذا المنهج بشكل تلقائي، لعبت المخاوف الطائفية دوراً في ذلك أيضاً، خصوصاً بعد سيطرة "أنصار الله" على مؤسسات الدولة في العاصمة صنعاء أواخر العام قبل الماضي.


من هنا فقد شهد العامان الأخيران انضمام كثير من المحسوبين على السلفية التقليدية إلى صفوف تنظيم "القاعدة"، وهو أمرٌ أشعر المملكة العربية السعودية بخطورة هذا المنافس الذي حرص، عملياً، على تقديم نفسه كحامٍ للمذهب. على أن انضمام أشخاص من التيار السلفي إلى "القاعدة" لم يقتصر على عامل التأثر بظروف وأحداث اليمن خلال الأعوام الأخيرة، فقد حدث ذلك أكثر من مرة نتيجة لمراجعات فكرية لكثير من المحسوبين على هذا التيار.


وفي هذا السياق ألَّـف محمد عمير الكلوي، القيادي السلفي الذي انضم إلى تنظيم "القاعدة" في منتصف العقد الماضي، كُتيباً بعنوان "لماذا اخترت القاعدة؟" ساق فيه أكثر من 30 سبباً دفعته إلى ترك السلفية التقليدية والالتحاق بـ"القاعدة". وكان الكلوي قد تلقى تعليمه الشرعي في مركز رجل الدين السلفي المعروف أبو الحسن المصري، في محافظة مأرب، شرق العاصمة صنعاء، قبل أن ينضم إلى "القاعدة"، ويقتل مع عشرين آخرين من أعضاء وقيادات التنظيم بغارات أمريكية على وادي رفض في محافظة شبوة، جنوب شرقي اليمن، أواخر العام 2009م.


في مقابل ذلك لم يُسجَّل، ولو لمرة واحدة، أن ترك أيٌ من أعضاء أو قادة تنظيم "القاعدة" العمل المسلح والتحقوا بالسلفية.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص