السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
المولد النبوي: من الطقوس الصوفية إلى الرايات الخضراء
الساعة 22:42 (الرأي برس - عربي )

إلى ما قبل سنوات، كان إحياء المولد النبوي في أذهان الكثير من اليمنيين مرتبطاً بالطقوس الصوفية التي كانت منتشرة على نطاق واسع، وتراجعت كثيراً مع انتشار السلفية أو ما يصفها البعض بـ"الوهابية"، لكن الأمر عاد بوتيرة مختلفة من خلال فعاليات ومظاهر احتفاء "خضراء" بأبعاد سياسية مع توسع جماعة "أنصار الله"، وسيطرتها في صنعاء خلال العامين الأخيرين. 


تنتشر اللوحات واللافتات الإعلانية الموشحة باللون الأخضر في شوارع مختلفة من العاصمة، وعليها عبارات تمتدح النبي محمد، ومنها آيات قرآنية، وأخرى لا تخلو من الرسائل السياسية، من "أنصار الله"، ومنها على سبيل المثال لافتات كتُب عليها "مستعدون للمواجهة إلى يوم القيامة جيلاً بعد جيل". 


ومنذ العام الماضي، أصبحت ذكرى المولد النبوي التي تصادف الـ 12 من ربيع الأول (هجري)، عطلة رسمية للمرة الأولى. منحت المناسبة أبعاداً سياسية بسبب احتفال "أنصار الله"، بها، وكأنها مناسبة خاصة ومتجددة كل عام، بعد أن تسبب انتشار السلفية وعوامل أخرى في العقود الأخيرة، بتقليص انتشار الصوفية، التي كانت تحيي المناسبة سنوياً بطقوس ومظاهر احتفاء مختلفة يغلب عليها الطابع الديني التصوفي.

 
موالد الصوفية

عرفت أغلب الأرياف اليمنية طقوس وعادات إحياء المولد النبوي لدى الصوفية، حيث كانت إلى فترة قريبة تحيى فنياً عبر ما يسمى "الموالد"، وهي عبارة عن تجمعات في مجالس (القات في بعض المناطق) يحييها مؤدون أو منشدون من رموز الصوفية في منطقة ما، بترديد أبيات وموشحات مأثورة تتضمن مدائح للنبي وتتطرق لمناقبه وصفاته وتؤدى بألحان إبداعية، على وقع الدف المستخدم والذي يُسمى في بعض المناطق بـ"الطار".

 

ويعتبر الإنشاد الصوفي في الموالد، أحد أسباب بروز أصوات فنية، وتتضمن فعالية إحياء المولد طقوساً، إذ يتحدث ما يسمى "الفقي"، أو الشيخ الصوفي الذي يحيي المناسبة عن تفاصيل في سيرة النبي محمد، ويكرر الحضور بعده بين عبارات وأخرى "اللهم صلي على... وسلم على... محمد وآله"، وفي لحظة ما من المولد، يقوم الحضور، وفي بعض الموالد يضرب الحضور بيمناهم على الصدور أثناء ترديد لفظ الجلالة (الله).

 

ويقول الكاتب والأديب، فتحي أبو النصر، لـ"العربي"، متحدثاً عن أيام "الموالد" والعادات القديمة لإحيائها "كانت الأيام حلوة وغير ملوثة بالحماقات الطائفية التي ظهرت مؤخراً، كان للمولد طقسه التلقائي الحميم لدى الناس في قريتنا المعلقة بأعلى جبال حيفان (تعز)، وظهرت دعوات وهابية لمنع الموالد بصفتها تبديعية ولكنها لم تؤثر في الناس كثيراً".


ويضيف أنه "بالمقابل صار الاحتفاء الحوثي بالمناسبة يثير النفور لأنه ينطوي على تحشيد سلالي عصبوي أكثر منه شيء آخر. المهم كانت الموالد روحانية حقيقية، وكنا أطفالاً نبتهج من القلب لأن السمر الليلي يمتد، كانت قصائد عبد الهادي السودي وأحمد بن علوان هي التي يتهوزج بها السمار على إيقاع الدف. اليوم صارت جماعة التطييف تفرض شعارات الخاصة بالمناسبة على المجتمع وهذا أمر خطير. من حقها الاحتفال طبعاً، ولكن ليس من حقها اعتبار نفسها الوصية على المجتمع".


من يفرس إلى تريم
تنتشر الصوفية في مناطق مختلفة، غير أن هناك مناطق توصف بأنها من معاقل الصوفيين، ومنها منطقة يفرس في محافظة تعز، حيث كان أشهر مراجع الصوفية في البلاد، وهو أحمد بن علوان، فيما تعد مدينة تريم في حضرموت حالياً أهم معقل للصوفية في اليمن، والتي تنتشر فيها المدراس والمساجد الصوفية. 

 

ويشرح عبد الله بن شهاب عن طقوس الاحتفال بالمولد النبوي في مدينته (تريم) لـ"العربي"، أنه "يقام في ليلة الثاني عشر من ربيع الاول بعد صلاة العشاء قراءة السيرة النبوية بمسجد باعلوي، وكذلك نفس اليوم يقام مولد بعد صلاة العشاء، مولد بجامع ثبي، وصباح اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول تتم قراءة السيرة النبوية بمسجد الإمام المحضار، ويتم فيه أغلب الحضارم هذا اليوم، ويسمى بيوم العيد وأغلب البيوت بعد صلاة الظهر يقومون بقراءة المولد النبوى الشريف". 


ويضيف أنه "في آخر أسبوع من شهر ربيع الأول كما جرت العادة من السلف والأجداد قراءة موالد مثل مولد في مسجد الفتح بالحاوي الفجر، ومسجد الحبيب عبد الله بن شيخ العيدروس بحارة السحيل العصر، وفي رباط تريم كذلك الفجر وفي آخر جمعة من الشهر في مسجد الإمام السقاف بالسوق، وفي آخر سبت في معلامة (مدرسة) أبي مريم لتحفيظ القرآن الكريم، وفي آخر اثنين الصباح في قبة الإمام العيدروس بالتربة، وبعد الظهر نفس اليوم في مصلى أهل الكساء بدار المصطفى، ونفس اليوم بعد صلاة العشاء الزف السنوي بالساحة الشرقية بدار المصطفى حيث يشارك شباب من كل حارات تريم فتأتي كل حارة بزف معين تعبيراً عن فرحتهم بالمولد النبوي الشريف". 


طقوس في صنعاء أيضاً
وتسرد حبيبة المهدي (80 عاماً) لـ"العربي" طقوس وعادات أحياء المولد النبوي في صنعاء، بالقول إن "عاداتنا في يوم مولد الحبيب المصطفى في صنعاء القديمة تبدأ من بعد صلاة المغرب، حيث يجتمع الجيران وأهل الحارة في الجامع الذي يقع فيها، وعندنا في الجامع الكبير، يقوم في الاحتفال خطيب الجامع بالصلاة على الرسول وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ويحكي سيرة الرسول مولده ونشأته وحياته وأخلاقه وصفاته والمجتمعون في الجامع يصلون على النبي والنساء في البيوت يسمعن ما في الجامع من خلال صوت المكرفون وبعض النساء يجتمعن في جامع النساء ويقمن بعمل مولد نبوي". 


وتتابع حديثها أنه "بعدما يحكي الخطيب في الجامع سيرة الرسول يقوم أحد المنشدين بالإنشاد وأحد الحاضرين يقوم برش ماء الورد على الحاضرين وهم يرددون الصلوات ويتم تبخير الجامع بالعودة ويظل الاحتفال من ساعتين إلى ثلاث ساعات". وتضيف أن "هذا الاحتفال كان يتم في فترات سابقة اختفت لاحقاً بعض هذه الطقوس، لكن من وقت دخول أنصار الله لصنعاء عادت هذه الطقوس وظهرت طقوس جديدة مثل الأعلام الخضراء وتزيين الشوارع وبعض الشباب يقوم بعمل شيء جديد وهو كتابة الصلاة على الرسول في أوراق وتدبيس فيها تمرة أو شوكولاتة أو أي شيء لترغيب الناس بأخذ الورقه وفتحها والصلاة على طه وعلى آله وأصحابه". 


ويقول عبده حسين أحمد، وهو عضو هيئة التدريس بجامعة صنعاء ، إن الاحتفال بالمولد النبوي في اليمن هو بمثابة تعبير عن ما يفيض به شعور ووجدان اليمانيين من تعظيم وحب لشخص رسولنا الأعظم وتقديس لكرامته واتباعاً لسنته، وكان المبتهجون بمولد أعظم قائد في التاريخ، يرددون أناشيد وموشحات كثيرة في المساجد والطرقات والمنازل، يحضرني منها "طلع البدر علينا" و"ولد الهدى فالكائنات ضياء"، إلى جانب حلقات الذكر وقراءة القرآن ومراجعة سيرته العطرة كي يستلهموا منها الدروس والعبر التي تساعد على تغيير الواقع المعاصر واستشراف المستقبل الجماعي/الفردي المنشود".


ويتابع حديثه: "إن اليمانيين لم يكونوا يحتفلون بميلاد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لمجرد الاحتفال فقط، بل كان احتفالهم منبعاً ومعيناً لاتباع سنته والسير على نهجه، واستلهام منهجه القويم وما تحلى به طيلة حياته من سجايا عظيمة وأخلاق عالية، في كافة سلوكياتهم على مدار العام وليس في أيام ومواعيد وأماكن محددة". 


معارضة سلفية
عارضت التيارات السلفية فكرة إحياء المولد النبوي، سواء من حيث المبدأ كمناسبة اعتبرتها "بدعة" بدأت في عصر الدولة الفاطمية، أو لأسباب مرتبطة ببعض العبارات والطقوس الخاصة بـ"الصوفية" لإحياء المولد، منها عبارات تصفها بـ"شركيات" أو "قبوريات"، فيما يقول معارضو النسخة الجديدة من الاحتفالات الخاصة بـ"أنصار الله" بربطها بعوامل سياسية وبسعي للاحتفاء بالرسول من منطلق الانتساب إليه. 


فعاليات جديدة
ويقول الباحث والمفكر الإسلامي، محمد عزان،  إن "الاحتفال بمولد النبي محمد صلوات الله عليه مجرد فعالية استحدثها الناس بشكل تلقائي ولم يأتِ في النصوص الشرعية ما يدل على الأمر بها أو الحَثّ عليها، ولم يرد ما يدل أن الأجيال الأولى من الصحابة والتابعين وتابعيهم أقاموا فعالية خاصة بالمولد النبوي، وهذا يفيد أنها فعالية استحدثها الناس بعد قرون من وفاة النبي، ولقيت قبولاً لكونها ترتبط بنبي الجميع الذي لا خلاف حوله، خصوصاً أنها لم تكن تجاوزاً كونها تعبيراً عن تعظيم رسول الله محمد واستذكار فضله على هذه الأمة باعتباره أرسل رحمة لها". 


ويضيف "بيد أن الاحتفال بالمولد أخذ مع الزمن طابعاً خاصاً بـتوقيته وبعض مَظَاهره، وقام عليه أشخاص معروفون بأنهم من رجال الدين، واستغل بعضهم نفوذه لدى حكام الدولة الإسلامية في مرحلة معينة كعصر الفاطميين ليجعل من الاحتفال مناسبة ذات حضور مميز وطابع خاص، وفي ضوء ذلك أخذت المناسبة تكتسب طابع الطقس الديني حتى صارت وكأنها جزء من العبادة المرتبط بها التكليف اللازم". 


ويتابع "عند ذلك التحول ظهر الجدل حول شرعيتها، فرأى فريق من علماء الدين أنه يتعين عليهم أن يُبيّنوا للناس أنها بدعة غير مشروعة كطقس ديني، حتى لا يُلصق بالدين ما ليس منه، ولكن بعضهم بالغ في المنع حتى اعتبر إقامة المولد خطيئة دينية بصرف النظر عن خلفية ودوافع من يقيمها... هل يقيمها على أساس أنها جزء من الشريعة؟ أم أنها مجرد ذكرى لا يتعلق بها حكم شرعي سوى أنها مباحة؟ وفي مقابل ذلك استنفر الفريق الذي يستحسن إقامة المولد للرد على منتقديه ولم يتوقف عند المستوى الطبيعي، بل تجاوز - هو الآخر - ليجعل إقامة المولد أمراً مستحباً؛ بل واجباً أحياناً، واستدل بمجرد الاستحسان وبعض العموميات التي لا ترتقِ إلى كونها دليل شرعي يجعل المناسبة واجبة أو حتى سنة نبوية. وهكذا كانت المسألة كغيرها من مئات المسائل الخلافية التي أنتجها صراع الفرقاء، وكلٌ استنفر طاقاته للتدليل على سلامة وصحة ما ذهب إليه".


ويختم عزان "إن المناسبة ليس لها طابع مذهبي خاص، خصوصاً على مستوى الشيعة والسنة، فالمناسبة منذ عرفناها، صوفية سنية، ولم يكن الشيعة منذ دولة بني بويه في القرن الرابع الهجري يحتفلون بها بقدر احتفالهم بيوم الغدير أو يوم عاشوراء. وفي اليمن كما في سائر الدول العربية والإسلامية كانت وزارة الأوقاف اليمنية تقيم احتفالية المولد كل عام، وكان له زخم خاص في مناطق الشافعية بينما لم تَظهر في أوساط الزيدية ومناطقهم بالشكل الذي يفعله الحوثيون إلا بعد ظهور الحوثيين، فما يفعلونه أمر خاص بهم، ولا يتحمل غيرهم من الزيدية أو غيرهم سلوكهم، خصوصاً وأن له أبعاداً سياسية أكثر منها دينية".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً