السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
"المفصعين"... بلطجة من وراء ستار
الساعة 18:51 (الرأي برس - عربي )

تعز، المدينة التي تدهشك بتنوع مثقفيها ومفكريها بمختلف انتماءاتهم ومشاربهم، مدينة السلام والتنوع اللافت وصانعة الإبتسامة والتغيير، تبدو اليوم مرتبكة. فالحرب ألقت بظلالها على كل شيء في المدينة الحالمة، التي باتت جراحها غائرة بفعل الطعنات المستمرة للصوص الليل. هكذا يذهب أهل تعز، بالجملة، ضحايا للمواجهات المسلحة في شوارعها، وعصابات السطو والنهب؛ فمن ينج من صواريخ الموت وقذائف الدمار لا يسلم من انتهاك حرمة منزله وسرقة مقتنياته، على أيدي لواء "المفصعين" الذين يمارسون حرباً مفتوحة بالسلب والتقطع، وباسم "المقاومة".


عمر الجنيد يفسر مصطلح "المفصعين" لدى المجتمع التعزي بالقول إن "المفصعين هم مجموعة من المحببين واللصوص، الذين انتسبوا للمقاومة لغرض البلطجة والإستعراض، يندرون في الجبهات ويتكاثرون فى الأسواق والأزقة، ويشكلون مصدر قلق لعامة الناس، ليس لهم هم ولا عمل سوى كيف يسخرون انتماءهم للمقاومة لمصالحهم الشخصية، ووجدوا في هذا العمل مهنة تدر عليهم وعلى قيادتهم المال"؛ فيما يؤكد الناشط الشبابي، أكرم المغبشي، من جهته، أن "لواء المفصعين يتبع بعض فصائل المقاومة"، لافتاً إلى أن "لواء تكسير الأقفال ونهب البيوت لم يترك لنا خياراً آخر، إلا أن نلعن أفراد المقاومة الذين تُسرق البيوت بتواطئهم، إذ إنهم يمهدون لتقاسم السرقات بحرفية مطلقة؛ إكسر القفل، إنهب، بيع، وأنا بدوري سأحميك، وأمهد لك الطريق، وتعال قاسمني". ويرى أن "الحوثيين والعفاشيين لم يسرقوا المنازل، وإن حصل ذلك منهم فنادراً ولم يسرقوا سوى الشيء البسيط، الذي يسهل حمله".

 


تعز المرهقة بالحرب والحصار لا تختلف عن غيرها من المدن، إن لم تكن أكثرها خطراً، جراء ممارسات لواء "المفصعين" الذين يقومون بسرقة ونهب منازل المواطنين والمحلات التجارية. ظاهرة تنامت مؤخراً بشكل كبير، فأصبحت تشكل قلقاً مؤرّقاً وكابوساً مرعباً، جعل سكّان تعز بين نارين نار الحرب ونار "المفصعين". عبد الرحمن العريفي، شاهد عيان على جريمة سرقة من جرائم لواء "المفصعين"، يروي، في شهادته لـ"العربي"، أنه "في الحي التجاري، وبقلب المدينة، وعلى بعد خمسين متراً من قسم شرطة الباب الكبير، الذي يقع تحت سيطرة كتائب أبو العباس، أكثر من عشرين مسلحاً وطقمان عسكريان قاموا بقطع الشارع من الجهتين، وأطلقوا النار على كل من يحاول التدخل، ونهبوا محلات الهماسي التجارية... تم الإتصال باللجنة الأمنية وإدارة الأمن ومقاومة أبو العباس ولم يتدخل أحد حيال ذلك".


ويتابع أنه "في تعز الحق هو حق الشعب، والجمهورية هي جمهورية الشعب، والدولة هي دولة الشعب، والأموال هي أموال الشعب... الحرية والكرامة والعزة كلها للشعب، وليس فوق شعبنا قوة إلا قوة الله، ومن حق الشعب أن يكسر أقفال الناس، وينهب أموالهم، فالشعب فوق الدولة، وليس فوقه أحد... هذا هو مفهوم الجمهورية والثورة عند مقاومة تعز". يرى مراقبون أن "المقاومة" أطلقت مصطلح "المفصعين" للتغطية على جرائمها


ويرى مراقبون أن بعض فصائل "المقاومة" هي التي أطلقت هذا المصطلح - أي "المفصعين" - من أجل التغطية على جرائمها، كونها المحرك الخفي لهؤلاء؛ إضافة إلى أن الحرب أنتجت علاقة غير شرعية بين لواء "المفصعين" وبين بعض فصائل "المقاومة"، فكان السلب والنهب وفرض الأتاوات أبرز نتائجها. في هذا السياق، يشير حمدي ردمان، في تصريح لـ"العربي"، إلى أن "مصطلح المفصعين يستخدم للتهرب من الإفصاح عن المتسبب الحقيقي بالأحداث التي تصدر من أفراد فصائل المقاومة التعزية، كي لا تضر بسمعتها. من سرق بيت أو محل أو قرح أقفال؟ قالوا المفصعين، لكن دون تحديد من هم خوفاً من بطشهم بمن يفضحهم. وعلى هذا المنوال، وكل ما نسأل أي شخص من أفراد المقاومة من هم المفصعين؟ يقول لك: مش عارف". 


ويتساءل الكاتب والصحافي، محمد سعيد الشرعبي، بدوره، "لماذا مجلس تنسيق المقاومة لم يصدر بيان ضد المفصعين الذين فجروا الآثار وأغلقوا معاهد اللغات والمدارس ومنعوا شرب الشاي في البوفيات؟ لماذا لم يتحدث مجلس المقاومة ولا مرة واحدة عن جرائم المفصعين وناهبي المنازل والمحلات وعصابات الإغتيال وشلل الإعدامات في السائلة؟ هذا ما يؤكد لنا بما لا يدع مجالاً للشك أن هناك علاقة وطيدة بين بعض فصائل المقاومة ولواء المفصعين".


في المقابل، يذهب آخرون إلى أن "المقاومة الشعبية غير مسؤولة عن جرائم السرقة والنهب والسطو المسلح التي تصدر من لواء المفصعين"، ويؤكدون أن "المسؤولية الكاملة ملقاة على عاتق المحافظ ومدير الأمن"، في حين يلفت يحيى فرحان إلى أن "قيادة المقاومة ليست مخولة بتأمين كل زغط وكل حي، إنما هناك محافظ ومدير أمن، أعتقد أنهم متواجدون في مكتب المحافظة، وتترتب عليهم المهام والواجبات تُجاه مدينة تعز". ويضيف أنه "يجب أن لا يحمل السلاح في المدينة نهائياً، فمن أراد أن يحمل السلاح فليذهب الجبهات، أو ببطاقة تعريفه، حتى نحاسب الجميع أياً كان". ويعتبر أن "المشكلة أن كل شلة أو كتيبة أو جماعة معاهم سلاح خفيف وثقيل إما غنموه في مواجهات أو حصلوا عليه من التحالف أو اشتروه ولا يأتمرون إلا بأوامر قائد الشلة، بينما إدارة الأمن والمحافظ لا يملكون حتى طقماً، وهذه مشكلة الشرعية والتحالف التي تركت تعز دون دعم للأجهزة الأمنية فيها".


من جانبها، تدعي الأجهزة الأمنية أنها "تروض فصائل المقاومة لسحب البساط المتماسك من تحتها وبأقل الخسائر". ويقول الرائد عاصم عقلان، مدير قسم شرطة الحصب، في تصريح لـ"العربي"، إن "إدارة الأمن لم تألو جهداً في متابعة مثل هؤلاء المفصعين، وقد تم ضبط الكثير منهم داخل المدينة والبعض متخف والبعض لم يبلغ عنهم إلى أجهزة الشرطة". ويزيد أن "فصائل المقاومة لديها كمية كبيرة ونوعية من السلاح، في مقابل ضعف الإمكانيات المتوفرة لدى أجهزة الشرطة".


وحول التداخلات الحاصلة بين فصائل "المقاومة" والأجهزة الأمنية يعترف أن "هناك تداخلات موجودة؛ مثلاً كل فصيل أو لواء معه محكمة خاصة به وسجن خاص به، ونحن نتحرك بحسب القدرة والإستطاعة ولا نحاول نصطدم مع أي فصيل، كون ذلك سيؤثر أولاً على العمل المشترك وهو مقاومة المنقلب، وثانياً قد يترتب على الإصطدام مواجهات وقتلى وجرحى مما يزيد الوضع الأمني تأزماً، لكننا نتواصل مع القيادة ومع مدير عام شرطة تعز وهو بدوره يتواصل مع قادة تلك الفصائل، وغالباً ما يتم الإستجابة لمدير عام شرطة تعز إلا في حالات نادرة يكون فيها الإعتراض بطريقة غير صريحة وغير مباشرة".


حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي والأجهزة الأمنية في المحافظة حاولت أن تعالج هذه الظاهرة بمقترح دمج "المقاومة" في "الجيش"، إلا أن هناك فصائل مسلحة في "المقاومة" رفضت المشاركة في عملية الدمج والتجنيد، وهو ما يضع حولها علامة استفهام. الصحافي فيصل الذبحاني، يرى، في حديث إلى "العربي"، أن "هادي حاول دمج المقاومة بالجيش الوطني لأن بعض أفرادها تورطوا بعملية السلب والنهب، وبهدف قطع الطريق على المشاريع المليشاوية مستقبلاً"، لافتاً إلى أن "أبو العباس قالها صراحة أنا مع بناء جيش وطني، وتسليم الأسلحة لهذا الجيش، وأما الأفراد الذين يقاتلون بصفه فهم مجاهدون لإخراج المليشيات من تعز، وأنهم سيسلمون أسلحتهم للدولة بعد التحرير وليس الآن". 


يظل الوضع في تعز إذاً على ما هو عليه. تستمر المواجهات المسلحة والإغتيالات بين الفصائل، ويتواصل النهب والسطو على المنازل والمحلات التجارية. ممارسات هي وسيلتهم في كسب المال والعيش على حساب تعز وساكنيها... وتحت عباءة "المفصعين".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً