السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
مأرب... "بونت لاند" اليمن
الساعة 19:32 (الرأي برس - عربي )

في وقت يسود فيه الخراب والفوضى المشهد اليمني بسبب استمرار الحرب التي أفضت إلى أزمة اقتصادية وإنسانية وشلل شبه تام في معظم المؤسسات والهيئات والمكاتب العامة، تعيش محافظة مأرب وضعاً مغايراً ويمارس السكان حياة كما لو أنها طبيعية. 


الشوارع في مدينة مأرب تكتظ بالزحام، والكهرباء لا تنطفىء ليل نهار. تعاملات تجارية نشطة، ورجال مرور ينظمون حركة السير، وأطقم شرطة تمكنت من حفظ الأمن في المدينة التي لا تنام. 
إستقلال عن المركز 


لم يتسلم موظفو القطاع العام في عموم اليمن مرتباتهم لأكثر من 3 أشهر، لكن عبد الله مفتاح، الموظف في مكتب التربية بمأرب، يقول "نتسلم رواتبنا الشهرية بانتظام مع جميع الموظفين في المكاتب المدنية في المحافظة، عدا منتسبي الجيش والأمن والذين يتسلمون مرتباتهم كل 3 أشهر من السعودية". 


يشير مفتاح إلى أن إيرادات النفط والغاز في مأرب تورد إلى فرع البنك المركزي في المحافظة، والذي انفصل عن المركز منذ أكثر من عام. 


ما يقارب من 90 قاطرة محملة بالغاز والديزل والبنزين والمازوت تغادر يومياً مصفاة صافر بعد تسديد ثمن حمولاتها إلى البنك المركزي في مأرب. لقد تراكمت ثروة مالية كبيرة. موظفون في البنك المركزي كشفوا لـ"العربي" أن إيرادات النفط والغاز تجاوزت 250 مليار ريال حتى نهاية أكتوبر الماضي، لافتين إلى أن توقيع المحافظ، سلطان العرادة، في التصرف بها هو المعتمد فقط.


لولا الباتريوت!
تنحصر المواجهات بين "المقاومة الشعبية" والقوات الموالية للرئيس هادي من جهة، ومقاتلي "أنصار الله" وحلفائها من الجهة الثانية، في أطراف المحافظة من جهة الغرب، في مديرية صرواح المتاخمة لمديريتي نهم وخولان الطيال بمحافظة صنعاء، فيما 13 مديرية لا تصلها القذائف ولم تتمكن "أنصار الله" من اجتياحها في الشهور الأولى من الحرب.


لا يفسد سكون مأرب عدا انفجار الصواريخ التي تطلقها "أنصار الله" لحظة ارتطامها بدفاعات "الباتريوت" في سماء المدينة. صالح العقيبي يقول : "لولا الباتريوت لتدمرت مدينة مأرب منذ شهور، ففي بعض الليالي يطلق الحوثيون من 4 إلى 8 صواريخ كان يتم اعتراضها بعيداً، لكنها في الأسابيع المنصرمة تنفجر فوق المدينة وتسبب لنا الفزع من شدة الانفجارات وارتعاش نوافذ وأبواب المنازل". يكشف العقيبي عن مشاهدة حطام لصواريخ أطلقت على مدينة مأرب مغلفة بجلود الحيوانات، يقول إن "الحوثيين يستخدمونها كحيلة للتمويه على الباتريوت" التي لم تعد تعترضها إلا على مسافات قصيرة فوق المدينة ومحيطها.


إيرادات مأرب... لمأرب 
يؤيد المحافظ سلطان العرادة مشروع الأقاليم الستة، وتوافق قبل أسابيع مع محافظي الجوف والبيضاء على المضي في تثبيت "إقليم سبأ" على حدود المحافظات الثلاث، وعاصمته مأرب. لكن معظم مديريات البيضاء لا تزال تحت سيطرة "أنصار الله"، فيما لا تزال الحرب في تخوم الحزم، مركز الجوف. والمحافظتان تفتقران حالياً للموارد المالية، وإيرادات النفط والغاز في مأرب لمأرب. 


إذاعة مأرب، وجامعة مأرب، وترتيبات لإطلاق قناة "سبأ" التلفزيونية من مأرب. عبد الله القاضي، أحد أبناء المحافظة، يقول لـ"العربي": "مأرب تعرضت للتهميش خلال العقود الماضية وحان لها أن تستعيد دورها الحضاري". إستقلال مالي وإداري واستقرار نسبي في محيط مضطرب ليبدو الحال كما إقليم "بونت لاند" أرض الصومال، الذي استقل عن المركز في العام 1988م، ليشهد أمناً واستقراراً بعد سنوات من الاضطرابات الأمنية والسياسية.


700 ألف نازح 
15 فندقاً جميع أجنحتها وغرفها محجوزة ليل نهار. بسام العامري، من محافظة تعز ويعمل في مأرب، يقول لـ"العربي": "المحافظة تحتضن أكثر من 700 ألف نازح معظمهم من المحافظات الخاضعة لسيطرة أنصار الله". لقد توسع البناء العمراني في كل اتجاهات المدينة خلال الـ 19 شهراً الماضية بنسبة 300%. ووصل سعر اللبنة العقارية 15 متراً طولاً و10 أمتار بالعرض إلى مليون ريال يمني. 


العامري ينقل شكوى النازحين من ارتفاع إيجار المساكن: "لن تجد شقة سكنية في مدينة مأرب بأقل من 80 ألف ريال في الشهر". 


في الأسبوع الماضي أعيد افتتاح فندق "بلقيس" (5 نجوم) التابع لرجل الأعمال علوان الشيباني، بعد أن ظل لسنوات يعاني الاهمال بسبب ركود السياحة مع الاضطرابات الأمنية. واليوم، لا يشاهد الزائر سائحاً أجنبياً في مأرب، لكن لا توجد فيه غرفة شاغرة، فالنازحون يرتادونه وبأسعار سياحية بسبب وفرة المال المتدفق من مملكة النفط.


بدائل لتصدير النفط 
لا تنطفئ الكهرباء في مدينة مأرب، مع أن محطة مأرب الغازية متوقفة منذ العام 2014، والتي كانت تغطي أكثر من نصف محافظات اليمن بالكهرباء. لكن محافظة مأرب محرومة منها حتى اللحظة. فمصدر الطاقة مولدات كهربائية بقدرة توليدية 40 ميجاوات. وخلال الأيام الفائتة وصلت 7 مولدات كهربائية من دولة الإمارات لـ 7 مديريات في مأرب، كل مولد يعمل بطاقة 20 ميجاوات. مصدر مسؤول في السلطة المحلية في مأرب - فضل عدم الكشف عن اسمه - قال : "إن الإمارات تعهدت بتمويل مشروع جامعة مأرب وانشاء مطار في المحافظة بمواصفات دولية". كما كشف المصدر عن توجيه نائب الرئيس، علي محسن الأحمر، بنقل النفط الخام من مأرب بواسطة أسطول من القاطرات يتم تجهيزه، إلى خزانات لتصدير النفط في ساحل حضرموت، وذلك بعد ما يقارب العامين من تعذر تصديره بواسطة الأنبوب الممتد من مأرب إلى خزانات رأس عيسى في الحديدة، الخاضعة لسيطرة "أنصار الله".


صرواح... وكفى
في مأرب معسكر قيادة "التحالف" الذي تقوده السعودية، ومقر مؤقت لوزارة الدفاع، ومركز توجيه العمليات الجوية، وقيادة المنطقة العسكرية السابعة، التي يقودها اللواءان، سمير الزحزوح، وهاشم الأحمر، وخارطة مهامها محافظات: صنعاء، البيضاء، ذمار، إب. تقاتل من أجل الانتقال بجنودها وعتادها إلى نهم في أطراف محافظة صنعاء. وفي سبيل ذلك، قتل منهم ومن "المقاومة الشعبية" التي غادرت المحافظات الخاضعة لسيطرة "أنصار الله" لتتخذ من مأرب منطلقاً لهجماتها في نهم، ما يقارب خمسة آلاف قتيل، تضم جثامينهم "مقبرة الشهداء" في مدينة مأرب. لكن الكثير من أبناء المحافظة تنصب هجماتهم على مواقع "أنصار الله" في صرواح، فهي المديرية التي يقاتلون من أجل إكمال "تحريرها"، والتفرغ لبناء محافظتهم التي صارت تتمتع بحكم شبه ذاتي.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً