السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
المرأة اليمنية خلف ضجيج الحرب... رقعة العنف تتسع
الساعة 19:16 (الرأي برس - عربي )

هناء (22 عاماً)، تزوجت منذ ثلاث سنوات، ولها توأم، وكانت تعيش مع زوجها حياة طبيعية، لكنه بات يعتدي عليها بالضرب ويعاملها وطفليها بقسوة. منذ بدء الحرب التي يشهدها اليمن منذ أكثر من 19 شهراً، ومع استمرارها كل يوم إضافي، وما يرافقها من أزمة اقتصادية وإنسانية، تتسع رقعة العنف الذي يمثل أحد أخطر الملفات الإجتماعية السوداء، ممثلاً بالعنف الموجه ضد المرأة، بما هي المحور الأهم في الأسرة والمجتمع بشكل عام.


ومع بحث  في هذا الملف، بمناسبة اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة، يبدو الوضع كارثياً يفوق الوصف، من عنف الحرب الذي تتعرض له المرأة، إلى اتساع رقعة العنف الأسري والإجتماعي، الذي يزداد مع الفقر والوضع المأساوي الذي تعيشه عشرات إلى مئات الآلاف من الأسر، وينعكس على الوضع النفسي المباشر داخل الأسر. 


عنف حتى القتل!
وتوضح هناء، التي تعد أنموذجاً لحالات قد تتكرر بصورة مفزعة، أنه منذ بدء الحرب تغيرت نفسية زوجها الذي أصبح يعتدي عليها بالضرب بُعنف، وعلى طفليها التوأم أيضاً، ويبخل بتوفير مصاريف (نفقة) احتياجات المنزل، وتضيف أنها "ناقمة" على ما تسميه "العدوان" في إشارة إلى التحالف بقيادة السعودية لأنه غيّر تعامل زوجها إزائها، وتقول إنه مع "كل يوم يزيد الوضع سوءاً وتزداد حالته العصبية لدرجة يضرب معها التوأم اللذين عمرهما سنة فقط". 


ويعتبر العنف الجسدي والنفسي الذي يمارسه بعض المتزوجين ضد زوجاتهم، أكثر أنواع العنف الموجه ضد المرأة انتشاراً في اليمن، ويزيد في الأسر الفقيرة أو حيث محدودية التعليم وانتشار الجهل والفئات المهمشة، غير أن الحرب وسعت من هذه الرقعة.


وتتعدد أسباب العنف ضد الزوجة، ومنها ما يتعلق بغياب الثقة لدى بعض الأزواج الذين يعاني بعضهم حالات نفسية. نوال (23 عاماً)، على سبيل المثال، أم لطفل وحامل بالآخر، راودت زوجها الشكوك بأن الطفل الذي تحمله ليس طفله، فاعتدى عليها وأخرجها من المنزل، وبعد أن أعادها من أهلها بوساطة قبلية عاد ليعتدي عليها مجدداً، الأمر الذي جعلها "مريضة نفسياً" تأثراً بالعنف الموجه ضدها. 


ويصل العنف أحياناً إلى القتل، فحنان (20 عاماً) اكتشف أهلها بعد أيام من زواجها في صنعاء أنها أصبحت جثة هامدة في ثلاجة أحد المستشفيات، وقد تضاربت الروايات الأولية حول سبب مقتلها، من الحديث عن أن هناك حادثاً مرورياً تعرضت له مع زوجها، ثم في فترات لاحقة وبعد أخذ ورد وخروج تقرير الطب الشرعي عن سبب وفاتها، أشارت المعلومات إلى أن ما جرى "جريمة قتل" على يد زوجها، الذي حُكم عليه لاحقاً بالدية بدلاً عن القصاص، الذي كان يطالب به بعض أفراد عائلتها.


ويقول المحامي والناشط القانوني، أمين الربيعي، ، إنه "بالنسبة لموضوع العنف ضد المرأة من حيث القانون فلم يجرم استخدام العنف ضد المرأة إذا كان من الزوج بخصوص الضرب مثلاً، تاسيساً على النص الشرعي الذي ينص على اضربوهن واهجروهن، واعتبره (أي القانون اعتبر العنف) جريمة فيما عدا ذلك، وتكون عقوبته وفقاً للعنف المستخدم كسائر العقوبات على الجرائم التي ترتكب على الأشخاص، أياً كانوا رجالاً أم نساء". خبراء: ثمة حاجة ماسة لبرامج خاصة بحماية النساء والفتيات من العنف


ويضيف أن "مشكلتنا باليمن ليس عدم وجود نصوص قانونية، وإنما مشكلتنا عدم وجود مؤسسات شرطة ونيابة ومحاكم تنفذ هذه القوانين، حيث ينخر الفساد في هذه المؤسسات ويصبح تنفيذ القانون شبه مستحيل".


إتساع رقعة العنف 
وفي أحدث بياناته، أعلن صندوق الأمم المتحدة للسكان أن ما يقرب من ثلاثة ملايين من النساء في اليمن عرضة للخطر، موضحاً أنه "حتى من قبل اندلاع النزاع، العنف القائم على النوع الإجتماعي في اليمن منتشر على نطاق واسع. وفقاً للمسح الديمغرافي الصحي لعام 2013، 92% من النساء ذكرن أن العنف ضد النساء أمر شائع في المنزل".


وأشار البيان، الذي حصل "العربي" على نسخة منه، إلى أنه "منذ بداية هذه الأزمة والتي ترنو إلى أكثر من 20 شهراً، أدى النزاع الحالي إلى نزوح عدد كبير من السكان مع 52% معظمهم من النساء. هذه الأزمة وضعت ما يقرب من 3 ملايين من النساء والفتيات عرضة لخطر العنف القائم على النوع الإجتماعي في جميع أنحاء البلاد. هناك أكثر من 8013 حالة عنف قائم على النوع الإجتماعي سجلت فقط ما بين يناير وسبتمبر عام 2016، و تضمنت حالات زواج أطفال، واغتصابات، وعنف منزلي، مع 64 % من الحالات كانت سوء معاملة عاطفية أو نفسية أو اعتداءً جسدياً. لكن لا يزال المدى الحقيقي للعنف أكبر بكثير في ضوء المعايير الإجتماعية والتي لا تشجع التبليغ عن مثل هكذا حالات".


تأثيرات الحرب
وتلفت الناشطة المجتمعية والمدربة في الحكم الرشيد والنوع الإجتماعي، أسمهان الإرياني، إلى أن "اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة الذي يصادف يوم 25 نوفمبر من كل عام يأتي هذه المرة ونساء اليمن يتعرضن لشتى أنواع العنف القائم على النوع الإجتماعي، إضافة إلى النزاعات والصراعات المسلحة التي أودت بحياة المئات من النساء، كما أوضح تقرير منظمة الصحة العالمية في شهر أكتوبر 2016 أن عدد ضحايا هذه الحرب وصل إلى 41119 أغلبهم من الأطفال والنساء". 


وتتابع الإرياني أن "النساء والأطفال النازحين يعانون من إشكاليات كثيرة في المخيمات وأماكن النزوح، حيث لا تعتبر هذه الأماكن فعلياً أماكن آمنة لهم، وتعرضهم للقتل وأحياناً الإغتصاب، ولا زالت المنظمات الدولية والمحلية عاجزة عن الوصول إلى أماكن الصراعات وتقديم المساعدات للمتضررين من تلك النزاعات، كما تنقصها الخبرة في مراعاة المنظور الجنساني في الرعاية بهذه الفئات الأكثر ضعفاً وقت الحروب".


وتؤكد الإرياني أنه "إذا كانت الحروب تؤثر على الرجل بشكل مباشر، فإن الحرب تؤثر على النساء بشكل مباشر وغير مباشرن حيث أحجمت عدد كبير من الفتيات عن التعليم خلال العامين السابقين لانعدام الأمن وتدهور الحالة الإقتصادية، مما دفع بعض أهالي البنات إلى تزويجهن وبالتالي منعهن من إكمال تعليمهن، وأدى الوضع السياسي المشحون إلى تراجع أدوار النساء في المشاركة السياسية، واختفت النساء من طاولات المفاوضات، وهذا التراجع ينعكس بشكل مباشر على أوضاع التنمية في المجتمع". 


وتزيد أن "تدهور الوضع الإقتصادي ألقى بعبئه على كاهل المرأة، حيث أن المرأة في المجتمع اليمني مسؤولة عن استمرار الحياة اليومية وتأمين الوجبات الغذائية في دولة تعاني من انعدام الأمن الغذائي وارتفاع اسعار المواد الغذائية"، معربة عن أملها في أن "تعود هذه الذكرى في العام القادم وقد تحسنت أوضاع النساء في اليمن، وهذا يتطلب التكاتف بين المؤسسات الرسمية والمنظمات الدولية والمحلية". 


حاجة ماسة للحماية
من جانبها، تنبه بروفيسور علم النفس الإجتماعي، د. نجاة صائم خليل، لـ"العربي"، إلى أن "المجتمع اليمني لا يختلف عن أي مجتمع آخر في ممارسة العنف الموجه نحو النساء والفتيات. فالعنف يمارس تجاه النساء والفتيات اليمنيات وبكافة أشكاله الجسدي والنفسي والجنسي وفي كافة المناطق، ومع الأسف يزداد الأمر سوءاً عندما يغلف هذا العنف بغطاء ديني واجتماعي مما يعطيه قبولاً في المجتمع وحتى من النساء أنفسهن". 

 


وتلفت إلى أن "ما تعانيه اليمن من عدوان خارجي وحروب داخلية، ومنذ ما يقارب الخمس سنوات، لا شك أنه رفع من معدلات العنف الموجه نحو النساء والفتيات في المجتمع اليمني، ففي الحروب تكون النساء والفتيات هن الأكثر تعرضاً للعنف"، مضيفة أنه "في الوضع الحالي الذي يعيش فيه المجتمع اليمني لا يمكننا الحديث عن جدوى التوعية في مجال العنف الموجه ضد النساء باعتباره من وجهة نظر البعض لا يعد من الأولويات في مقابل الوضع الإنساني المتردي". 


وترى خليل، في ختام حديثها، أنه "بطبيعة الحال هناك حاجة ماسة لبرامج خاصة لحماية النساء والفتيات من العنف في مناطق الحرب ومساعدتهن على حماية أنفسهن وعدم تعرضهن للعنف في هذه الظروف الإستثنائية".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً