السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
العمال اليمنيون بالسعودية... "يا هارب من الموت يا ملاقي له"
الساعة 19:24 (الرأي برس - عربي )

وهب الله سالم العدني ملكات ومهارات وذكاء وقدرات قلما تجتمع في رجل واحد؛ فبجانب إجادته للغة الإنجليزية وإلمامه التام بعلوم الحاسوب وقدرة لا تضاهى في تعليم برامج "الفوتوشوب" والتصميم كمحترف لا يبارى، يستطيع سالم أيضاً إذهالك حال أمسكت يمناه فرشاة الرسم كأبرع فنان بالخط العربي والرسم. وليست كل تلك الفنون والملكات فقط هي ما يجيدها سالم العدني، فهو المحترف والمعلم الذي يعزف كل الآلات الموسيقية بمختلف أنواعها، ابتداء من آلتي "القانون" و"الأورج"، وصولاً إلى أكثر الآلات الموسيقية تعقيداً.


حظ عاثر
عمل سالم بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة كسائق سيارة أجرة في الخطوط الداخلية بمحافظة عدن، غير أن حظه العاثر أدى إلى احتراق السيارة المملوكة أصلاً لشقيقه وتحمله تبعات ذلك. حاول على إثرها سالم تغيير مهنته والإستفادة من المواهب التي حباه الله بها دون سواه، فعمل في محل صديق له بـ"مقهى إنترنت"، غير أن الراتب الذي كان يتقاضاه مقابل الساعات الطويلة التي يستغرقها في عمله حالت دون استمراره في المقهى. بعدها، لم يجد سالم كثير عناء في مهنته الجديدة كمصمم للوحات إعلانية في مكتب للدعاية والإعلان في مدينة الشيخ عثمان، التي سرعان ما غادرها إلى السعودية تلبية لعرض كفيل سعودي بتحويل حياة سالم إلى مصاف رجال المال والأعمال، باستثمار موهبته بتصميم لوحات الدعاية والإعلان.


غربة المذلة 
شهران فقط كانا كفيلين بتثبيت مفردة آمن بها سالم بالتجربة، مفادها أن الحظ العاثر والنحس صفتان ملازمتان له في حله وترحاله، حيث مارس كفيله هوايته في إذلال سالم وإرهاقه بدوام يصل حتى 13 ساعة في اليوم، براتب ضئيل قُدّر بـ1700 ريال سعودي فقط، ولم يكتف الكفيل بذلك فكان يسلب عمال مكتبه أي مبلغ يحصلون عليه كمكافأة من أي عميل، خشية أن يتمردوا عليه حال أصبح حالهم أفضل.


ثلاث سنوات قضاها سالم في السعودية تباعاً يجاهد في كفاية نفسه وزوجته التي تركها بعد شهر من زواجه، وطفلتها التي لم ير محياها إلا من خلال صور تُرسل إليه عبر الجوال. وحين هم بالعودة في زيارة هي الأولى لمدينة عدن بعد غياب دام سنوات ثلاث، وجد أن كل ما جمعه من غربته أقل من ألف وخمس مائة دولار. حينها، قرر سالم ترك كفيله "الجشع" وتجريب العمل مع كفيل جديد قدم له عرضاً أفضل ربما لا يرضي طموحه ومكانته، على الرغم من أنّه "دائم الشكر لرب العالمين، ولساني لا يفتأ يردد: إرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس"، لكن عقبة تغيير الكفيل ليست بالأمر السهل مع وجود رجل يدير مكتباً للرقّ تحت مسمى كفيل العمال. مارس الكفيل السعودي هوايته في الإذلال بدوام يصل حتى 13 ساعة في اليوم


الهروب الطويل 
على الرغم من أن سالم يملك إقامة في السعودية، لكنه اضطر بعد مشكلته مع الكفيل إلى دخول المملكة عن طريق التهريب. ولندعه يروي بلسانه تفاصيل رحلته من عدن إلى السعودية براً عبر أحراش ومرتفعات جبال الدخان الحدودية الواقعة بين صعدة ونجران.


يقول سالم "إنني اتفقت مع أحد المهربين وأربع مائة شخص آخرين على إيصالنا إلى المملكة مقابل 2000 ريال سعودي عن كل شخص، تُدفع عند الوصول، على أن يتم اللقاء في نقطة معينة".

ويضيف "ساعات طوال وتوقف متكرّر في طريق متشعّب ونقاط تفتيش تتبع قبليين أخّرت وصولنا إلى جبال الدخان، المعروفة في محافظة صعدة اليمنية. وحين طُلِب منا الترجّل من السيارة استغرقت أكثر من ربع ساعة عاجزاً عن الوقوف نتيجة عدم إحساسي بقدمي، وأيقنت حينها بأنني سأكون عبئاً وسبباً في تعثر رحلة العبور إلى السعودية عبر سلسلة هذه الجبال الشاهقة التي قطعناها صعوداً وهبوطاً مرات عديدة، وكنت بطبيعة الحال وكما توقعت آخر الطابور في المجموعات الثلاث، التي وُزّعت بطلب من المهربين، بعد أن خلفتني جميعها، وقد انتصف الليل وأننا ما زلت وحيداً وصراخي المتكرر وسط هذه الشعاب لم يزدني إلا جوعاً وظمأً". 


ويزيد أن "فكرة العودة إلى مكان الإنطلاق أسوأ قرار يمكن اللجوء إليه في ساعتي تلك، فقررت التوكل على الله والذهاب إلى الأمام علّي أجد دورية سعودية فأحكي لهم قصة ضياعي في جبال قطعتها بصحبة آخرين لمدة تجاوزت الـ30 ساعة. خيار ارتأيته حينها أفضل من الموت تيهاً هنا". ويتابع "أسرعت الخُطى بقدمين متقرّحتين صعوداً إلى المجهول ونصب عيني شاشة هاتفي الخالي من الشحن والتغطية وسط هذا الليل البهيم. وبينما كانت الساعة لا أدري سمعت من بعيد صوت آذان الفجر، وردّدت بصوت عال الله أكبر... الله أكبر... مهرولاً صوب ضوء خافت بدأ يلوح من بعيد، غير مصدق أنني أصبحت الآن وسط باحة مسجد، أدركت من لهجة مرتاديه - على الرغم من أن وجهي كان كله تحت الماء - بأنهم سعوديون". يستطرد العدني "استجمعت بعض قواي عقب ملامسة جسدي للماء، وكان ضوء الفجر قد انبلج حينها، تقدم نحوي رجل من المصلين وسألني ما خطبك؟ فرويت له ما حدث، فدلّني بأن طريق الإسفلت على مرمى حجر من المسجد أعلى الربوة. حينها اكتفيت بقليل من الماء وهرولت مسرعاً نحو الطريق المعبّد. خطوات قليلة مشيتها على ذلك الطريق إلا وسمعت صوتاً يعرفه المهربون هنا جيّداً يناديني: لاوين طريقك؟".


الربان حاضراً
يواصل سالم روايته، لافتاً إلى "أنني أدركت جيداً دون عناء النظر إلى الخلف بأن سيارة دورية الحدود تتجه نحوي مباشرة، فعزمت في قرارة نفسي على تنفيذ وصية عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بقول الصدق ولو على قطع رأسك، فقلته لرجلي الشرطة بعد أن أمسكا بي، حاكياً تفاصيل رحلتي المضنية، حتى وصلنا إلى أقرب مخفر شرطة. حينها، طالبني جنود الدورية بالبقاء في السيارة حتى عودتهم، وبعد دقائق خمس جاءني رجل لن أنسى فضله ما حييت وسألني أنت من وين؟ فأجبته من عدن، فعلّق متسائلاً: والنعم برجال عدن، تعرف الربان عبود خواجه؟ قلت نعم، ومن لا يعرف الفنان المناضل عبود زين خواجه؟ فقال: والله ما دامك من ربع عبود لن يأتيك من قبلنا سوء، ولن ترى منا شراً أبداً، وأمرني بالذهاب وركن سيارته التي انطلق بها بقوة الصاروخ إلى جهة ليست معلومة لدي، استغرقتها في الدعاء لعبود بأن يوفقه الله ويغفر له ولسان حالي لله درك يا الربان، أنت كالغيث حيثما وقعت نفعت. وبعد أكثر من ثلاث ساعات تقريباً، توقفت بنا السيارة والشرطي على ربوة نزل فيها منقذي نصير الربان عبود خواجه جزاه الله عني ألف خير، وأشار أسفل التل وقال: مع سلامة الله، ما تراه هناك هي قرية يمنية، عليك بها مصحوباً بسلامة الله وحفظه".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً