السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
حوض ذمار المائي مهدّد بالقحط... والمسؤولية ضائعة
الساعة 20:10 (الرأي برس - عربي )

إختار الناشط الحقوقي، محمد اليفاعي، مقر المجلس المحلي لمدينة ذمار ليكون المكان الذي يعتصم فيه اعتصاماً مفتوحاً، بعدما استخدم كل الطرق التقليدية للضغط على مسؤولي السلطات المحلية وجماعة "أنصار الله" في المحافظة، لتحقيق مطلبه الوحيد: وقف الحفر في الحوض المائي للمدينة، بعد أن هتك عرضه ما يقارب 200 حفار بئر ارتوازي.


وأكد اليفاعي، أنه "معتصم ومستمر في الدفاع عن الحوض المائي، إما أن أنتصر في قضيتي التي هي قضية كل أبناء ذمار، أو أستمر في التصعيد واحتجاجي". وأشار إلى "تعرضه لسلسلة من الضغوطات التي تسعى لإثنائه وإفشال اعتصامه"، الذي يرى أنه "عرّى السلطات المحلية وأنصار الله، وكشف زيف وعودهم بوضع حد للحفر العشوائي في الحوض المائي".


ووصف الحوض المائي لمحافظة ذمار بـ"الفتاة التي يراد لها أن تكون عاهرة على الملأ".
يحمل الرجل الأربعيني ذو الجسد النحيل الكثير من المذكرات والأوراق، التي توضح مدى بؤس الواقع المائي وروتينية العمل الإداري في المحافظة، وصعوبة تحقيق شيء بمعزل عن تعاون الجميع بما فيهم "أنصار الله". قبل أيام من اعتصام اليفاعي، كانت مكتبة "البردوني العامة" تعج بالمشاركين في ندوة دعا إليها مجموعة من الحقوقيين والإعلاميين لبحث القضية، لتتلخص توصياتهم "بإلزام السلطات بوضع حد لاستنزاف المياه الجوفية ووقف عمل الحفارات"، لكن تلك التوصيات لم يعمل بها.


أكثر من خمسة آلاف بئر
وبحسب دراسة حديثة أعدها الباحث الدكتور أمين راجح، مدير عام "المركز الوطني للتدريب الزراعي"، التابع لهيئة "البحوث الزراعية" في ذمار، يوجد في محافظة ذمار 5179 بئر يدوي وارتوازي، تتوزع بشكل متفاوت على مناطق المحافظة، منها 800 بئر جفت تماماً.


وأشارت الدراسة إلى أن الحفر العشوائي "خفّض منسوب المياه بمعدل ثلاثة أمتار سنوياً، وهو ما يهدد الحوض المائي في مدينة ذمار بشكل مباشر"، ونبهت إلى أن ظهور مياه حارة أو مالحة "دليل على أن الحفر العشوائي وصل إلى طبقات مياه منخفضة، بعد أن تم استنزاف طبقات المياه العذبة".
القات هو السبب


يربط المهندس، هلال الجشاري، مدير عام مكتب وزارة الزراعة والري في المحافظة، بين استنزاف المياه وزراعة القات، مؤكداً أن تلك النبتة "تؤثر سلبياً على الأمن الغذائي، وتسهم في زيادة معدلات الفقر، وتمثل تهديداً لموارد المياه المحدودة في البلد"، حتى وإن كانت تساهم زراعة القات في 41 % من الناتج المحلي الإجمالي للزراعة.


وأوضح الجشاري، أن محافظة ذمار تتصدر اليمن بزراعة القات، وتحتل المرتبة الثالثة بعد محافظتي صنعاء وعمران، وتصل المساحة المزروعة بمحصول القات فيها إلى 15621 هكتار.


ولفت إلى تفاقم مشكلة استنزاف المياه الجوفية والتوسع في إنتاج القات، قائلاً إن "المتطلبات المائية لمحصول القات في محافظة ذمار تبلغ ما بين 1000 ـ 7000 مم3/ سنة، بمتوسط استهلاك بشكل عام يبلغ 6562 مم3/ هكتار"، مستنداً إلى أرقام بحثية أعدّها مكتبه.


وأضاف أنه "ترتبط عدم كفاءة الري لمنتجي القات بالإستخدام التقليدي للقنوات الأرضية في توزيع المياه، والممارسات السيئة في الري على مستوى الحقل". الحفر العشوائي خفّض منسوب المياه بمعدل ثلاثة أمتار سنوياً وهو ما يهدد الحوض المائي


تطبيق القانون هو الحل
مستشار المحافظة، شعلان الأبرط، يرى أن الحل يمكن في وجود "نية صادقة من الجهات المعنية لتطبيق القانون، وقتها لن يجرؤ أحد على الحفر في الحوض المائي". 


ويعتبر الأبرط أن السلطة المحلية دورها محوري في "منع دخول الحفارات وضبط المخالفين"، لكن "أصبح بعض المسؤولين لا يمتلك أي صلاحيات لوجود مشرفين من أنصار الله هم من بيدهم كل شيء"، مشيراً إلى "تهرب بعض الجهات الرسمية من مسؤولية الحفاظ على الحوض المائي".
الأبرط، وهو أيضاً أمين سر "التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري" في المحافظة، يؤكد أنه بفعل الضغوط المجتمعية "تحركت بعض الجهات وتم ضبط بعض الحفارات، لكن تم إطلاق سراحها في نفس الوقت ليعاودوا الحفر من جديد".


"أنصار الله" ترد
القيادي الميداني في "أنصار الله"، والمشرف الإجتماعي لمدينة ذمار، أحمد نجم الدين، قال إن الجماعة "جهة رقابية ويقفون دائماً في صف القانون، وإذا كانت هناك أي شكوى بسبب الحفارات يتم التعامل معها مع الجهات المختصة ونحن عون للدولة في تنفيذ القانون".


واعتبر نجم الدين، في تصريح لـ"العربي"، أن الحفر العشوائي في الحوض المائي لذمار خطر، مع ذلك لا يمكن منع أي حفر يكون بطرق رسمية"، مضيفاً أن "مهندسي الجهات المختصة هم من يحددون الضرر في الحوض المائي وتأثير الحفر عليه".


الشرطة تقوم بواجبها!
مدير أمن مدينة ذمار، العقيد أحمد الرزاقي، أفاد بأنه "تم ضبط 9 من أصحاب الآبار في الآونة الأخيرة".


وأشار الرزاقي، إلى أن "الجهات الأمنية تقوم بواجبها وتتابع بشكل مستمر وقف الحفر غير القانوني في الحوض المائي، وتتحرك لضبط المخالفين بعد تلقيها توجيهات من إدارة أمن المحافظة، أو مذكرة من هيئة الموارد المائية".


ولفت إلى تزايد الحفر في المحافظة، موضحاً أنه "في منطقة واحدة، شوكان، تم حفر أكثر من ثلاثين بئراً، بعد أن تواجدت نحو تسع حفارات في المنطقة في وقت واحد".


وشدد مدير أمن ذمار على أن المشكلة في الحفر تكمن في "المزارعين الذين يصرّون على الحفر في أراضيهم لسقي مزارعهم، التي تزرع في الغالب قات"، متابعاً أنه "في حال تواجدت الحفارات في المنطقة وبدأ المواطنون في الحفر، يصعب على الجبهات الأمنية الضبط، واحتمال تفاقم المشاكل بين الجهات الأمنية والمواطنين، ففي إحدى الحملات الأمنية في منطقة القعمة القريبة من مدينة ذمار، حدثت اشتباكات بين الحملة والمواطنين على خلفية منع الحفر في المنطقة".


الحفر قانوني والعشوائية المشكلة
من جانبه، دافع مدير مكتب الهيئة العامة للموارد المائية في محافظة ذمار، عبد الكريم السفياني، عن أداء مكتبه.  إنه "يعمل بقدر الإمكانيات المتاحة"، مشيراً إلى أن الهيئة ليست جهة ضبط قضائي، وما يناط بها هو "العمل الإشرافي على الموارد المائية، والحد من استنزافها، وضبط المختلفين بالتعاون مع الجهات الأمنية والسلطة المحلية وإحالتهم للنيابة العامة".


ولفت إلى أن "قضية الحفر العشوائي ليست وليدة اليوم، لكنها تفجرت بشكل متصاعد خلال الفترة الحالية بعد تدهور وضع الحوض المائي في المحافظة"، مضيفاً أن "لدينا في منطقة قاع جهران وحدها أكثر من 2000 بئر لو تم جمع ما يتم استخراجه منها لشكلت نهراً، لذا المخزون المائي الذي يتجاوز عمره قروناً يتم استنزافه في بضع سنوات".


وأوضح السفياني أن الحفر بحد ذاته قانوني، ويمر بثلاث مراحل "تصريح مزاولة المهنة للحفارات من المركز الرئيسي للهيئة، وتصريح بالعبور من النقاط الأمنية، وتصريح للمزارع بالحفر، لكن المشكلة في عملية الحفر بشكل عشوائي ومتقارب".


وبحسب أرقام الهيئة، فإن التغذية السنوية للحوض المائي بذمار لا تتجاوز نحو 68 مليون متر مكعب، بينما الإستنزاف يصل إلى 181 مليون متر مكعب، ليتجاوز العجز السنوي في الحوض 112 مليون متر مكعب.


ضعف الأداء
مجلس الوزراء اليمني كان قد أصدر قراراً حمل رقم (175) بتاريخ 2010، قضى بتحديد محارم حقول مياه الشرب لمدينة ذمار، كما منع الحفر في الحوض المائي للمدينة، للحد من استنزاف المياه الجوفية والأحواض المغذية لآبار مؤسسة المياه المحلية في ذمار.


لكن وجود مشاكل تشريعية وتداخل بين اختصاصات وزارة الزراعة والري، والهيئة العامة للموارد المائية، والبرنامج الوطني للري، ومؤسسة المياه، وبعض المؤسسات الحكومية الأخرى التي تعمل في قطاع المياه، يضعف دورها الرقابي.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً