السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
فصائل "المقاومة"... الثقب الأسود في خارطة تعز
الساعة 19:15

باتت الخلافات بين فصائل "المقاومة الشعبية" في تعز العلامة الأبرز للمشهد الميداني في هذه المحافظة. مشهد يزداد تعقيداً في ظلّ تعمّق الإنقسامات داخل صفوف تلك الفصائل، وتزايد التراشق في ما بينها. في التحقيق التالي، يحاول "العربي" استقصاء واقع "المقاومة" في تعز، وطبيعة الخلافات القائمة في ما بينها.

 


بداية "المقاومة" 
إنطلقت المقاومة، في شقّها الشعبي، بمحافظة تعز، بدوافع فردية وقبلية، للتصّدي لدخول جماعة "أنصار الله" إلى المحافظة. وانضمّت إلى "المقاومة"، آنذاك، عناصر قبلية وسياسية ومدنية، خصوصاً من فئة الشباب، من المناطق كافّة، وانحاز إلى هذه التشكيلات الشعبية اللواء 35، الموالي للرئيس عبد ربه منصور هادي. 


وفي 30 أبريل 2015، أُعلن تشكيل مجلس عسكري لـ"المقاومة الشعبية" في تعز، بقيادة العميد صادق علي سرحان (قائد اللواء 22 حرس جمهوري)، ونيابة الشيخ حمود المخلافي، أحد المشائخ البارزين في المحافظة. 


فصائل "المقاومة" 
هي عبارة عن تشكيلات قتالية صغيرة، ذات قيادات مستقلّة،وتطلق على نفسها "ألوية" أو "كتائب"، لكنّها لا ترقى إلى قوام ألوية وكتائب الجيوش، تسليحاً وعتاداً، وتنسّق في ما بينها وبين "الجيش الوطني" أثناء خوض المعارك المشتركة، ومن أبرزها ما يلي: 


"لواء الصعاليك" 
يتألّف من مجموعة من الشباب المستقلّين سياسيّاً، بحسب ما هو معلن، ولكن في حقيقة الأمر هم هجين من "الإصلاح" و"السلفيّين"، وينتمي بعضهم إلى منطقة جبل صبر، المطلّ على مدينة تعز، والبعض الآخر إلى المدينة ذاتها، مع عدد محدود ممّن قَدِموا من مديريّات المحافظة ومن محافظات أخرى، ويتولّى قيادة هذه المجموعة الحسين بن علي، وتتلقّى دعمها من "التحالف العربي"، ومن السعودية بالتحديد. 


"كتائب أبي العباس" 
جماعة سلفية مسلّحة تشكّلت، أساساً، من مقاتلين سلفيّين من طلّاب دار الحديث المهجَّرين من بلدة دماج بصعدة، ويقود هذه الجماعة عادل عبده فارع، الملقّب بـ"أبو العباس"، أحد الطلّاب المهجّرين من صعدة، الذي ظلّ متواريًا عن وسائل الإعلام لفترة طويلة لأن المعتقد السلفي يحرّم التصوير، ثمّ ما لبث أن عرفه الناس بعد انتشار صوره، ومقابلته الأخيرة التي فتح فيها النار على بقية الفصائل التابعة لـ"الإصلاح" وبعض قيادات الألوية التابعة للهادي. 


وتُعدّ هذه الجماعة من الفصائل شديدة البأس، التي لعبت دورًا فاعلًا في المواجهات، وأعلنت تأييدها رسميًّا للرئيس هادي بوصفه وليًّا للأمر، وهي في حقيقة الأمر تُعتبر مقرّبة من "أنصار الشريعة"، وتتلقّى دعمها من "التحالف"، وبالأخصّ من دولة الإمارات.


"كتائب حسم" 
مجموعة من المقاتلين الذين قدموا إلى تعز من بعض المحافظات الجنوبية والشرقية، في أكتوبر 2015، بعد انسحاب اللجان الشعبية لجماعة "أنصار الله" والقوّات الموالية لها من تلك المحافظات، إضافة إلى مقاتلين آخرين من تعز ومحافظات أخرى، ويقودهم عدنان زريق، من أبناء محافظة شبوة، والمقيم في مدينة القاعدة بمحافظة إب. مراقبون: نحن أمام شبكة معقّدة من العصابات المسلّحة، التي وجدت في الحرب بقرة حلوب


تُعدّ "كتائب حسم" من أقوى فصائل "المقاومة"، وتتزايد قوّتها يومًا إثر يوم، ولها بصمات في معارك كثيرة ضدّ "أنصار الله" والقوات الموالية لها، كان آخرها أثناء "تحرير" منطقة الصراري، التي وصفها قائد هذه المجموعة بـ"أحواز تعز"، في إشارة إلى منطقة الأحواز العربية في إيران. وشكّلت بعض قرى الصراري مركز نشاط عسكري وأيديولوجي، يُدار بواسطة موالين لجماعة "أنصار الله"، ويُعتبر هذا الفصيل نتاج "تفريخ" من كتائب أبو العباس"، ويتلقّى دعمه من "التحالف"، وبالأخصّ من دولة السعودية.


"لواء الطلّاب" 
مجموعة من المقاتلين، أغلبهم من حملة شهادة البكالوريوس، لعبوا دورًا كبيرًا في معركة تعز في الأيّام الأولى للمواجهة مع "أنصار الله"، وذاع صيتهم من خلال نشاطهم البارز في الجبهة الغربية، مع "تحرير" مقرّ اللواء 35 مدرع، ويقود هذا اللواء عبده حمود الصغير، القيادي في "التجمع اليمني للإصلاح"، الذي يعمل مدرّسًا لمادّة الرياضيات في مدينة تعز، ويُعتبر "لواء الطلّاب" من الجناح المسلّح التابع لـ"الإصلاح"، ويتلقّى دعمه من "التحالف العربي"، ومن قطر بالتحديد. 


جماعات مسلّحة أخرى
مجاميع مسلّحة أخرى لعبت أدوارًا بارزة في المواجهات كافّة، غير أن وجودها، الآن، ظرفي ومحدود، مثال ذلك: 
جماعة الشيخ القبلي والقيادي في حزب "المؤتمر الشعبي"، عارف جامل، وجماعة الشيخ القبلي والقيادي في حزب "التجمّع اليمني للإصلاح"، حمود المخلافي، الذي تُعدّ جماعته من الجماعات الأولى لـ"المقاومة الشعبية" بتعز، إلّا أنّها لم يعد لها دور مستقلّ، نتيجة مغادرة الشيخ المخلافي إلى الرياض، في نهاية مارس 2016؛ حيث توزّع بعض منتسبيها على صفوف "الجيش الوطني" والفصائل الأخرى لـ"المقاومة". 


كما كان هنالك تشكيل يسمّى "كتائب الموت"، تكوّنت من الفارّين من السجن المركزي، وجماعة أخرى يطلق عليها "حماة العقيدة"، وجميعها تلاشى ظاهريًّا، لكن بعض رجالها ما زالوا فاعلين في جماعات أخرى. 


خلافات الفصائل 
يؤكّد الصحافي، رامز الشارحي، أن "هناك اختلاق صراعات داخلية بين الجبهة الواحدة، ناهيك عن الصراعات بين فصائل المقاومة التعزية، وهي الطامّة التي ستقصم المقاومة في حين ما زالت حشود أنصار الله ودبّاباتهم على أطراف كبيرة من المدينة". 


ويوضح الشارحي، في تصريحه لـ"العربي"، أن "الخلاف يدور حول اللواء الذي يقوده العميد الحمادي، على خلفية قرارات الجيش الأخيرة باعتماد لواء جديد في مكوّن المقاومة، بينما هناك تجاهل للقوّات التي يقودها الحمادي"، مشدّداً على ضرورة "حلّ هذه المسألة في إطار السياسة". ويلفت إلى أن "جبهات كثيرة فُتحت، وباتت المساحة تفوق قدرات قوّات الجيش، وكانت هناك مطالبات كثيرة بتسليح الجيش، وضمّ الشباب الذين تمّ تدريبهم مؤخّراً في صفوف اللواء، وإرسالهم إلى الجبهات". 


ويشير إلى أن "المشاكل الأخيرة التي حدثت في التربة سقط خلالها ضحايا، نتيجة خلافات مع قبائل الصبيحة، ممّا دفع قيادة المحور والمحافظة إلى إرسال قوّات من كتائب حسم، والقيام بحملة أمنية تكلّلت بإيداع أبرز القيادات الميدانية لقوّات الحمادي السجن، وما زالوا حتّى اللحظة". 


ويؤكّد "أن ما تمّ تسليمه للعميد الحمادي من قبل قيادة المحور مبلغ بسيط جدّاً، في حين تمّ تسليم مبالغ هائلة لبقية الفصائل، وهنا بدأت المشكلة".


إتّساع الفجوة 
يذهب آخرون إلى القول إن "المقاومة" انقسمت إلى فصائل متعدّدة، تتنافس في ما بينها على حجم الدعم الذي ستحصل عليه من قبل دول "التحالف". ويتّهم البعض حزب "الإصلاح" وقيادات عسكرية باختلاس مبالغ مالية ضخمة في الحرب، سُلّمت إليهم من "التحالف العربي"، كما صرّح بذلك القيادي السلفي، قائد الجبهة الشرقية بتعز، أبو العباس، في مقابلته مع صحيفة "المدينة الآن". 
ووصف أبو العباس بعض القيادات في جبهة تعز بأنّهم "قطّاع طرق"، في إشارة إلى قيادات حزب "الإصلاح"، قائلاً إن هؤلاء "استلموا عشرة مليون ريال سعودي، استلمها عبد الحافظ الفقيه عن طريق واحد اسمه المقرمي، وكان نصيبي منها مليون وثلاثمائة وخمسين ألف ريال سعودي، وأعطوني منها مائتي ألف سعودي فقط، طبعاً جابوا لي الكشف على أنّي أوزع واحتالوا هناك وأخذوها، فتكلّمت معهم وقالوا إنها لهم، فقلت لهم أنتم سرقتوني سرقة، وبعد ما عرف التحالف رجع يثق بي، وآخر مرة استلمت من السعودية وكانوا يريدون أن يتحايلوا منها، لكن لم يمكنهم الله".


وتابع أبو العباس "أمّا قائد اللواﺀ 35 فلم يستلم مني لأنّه كان في عدن، فأعطيت الشراجي مبلغ 3 مليون عشان يعطيه، وهو ما قصر أعطاه 5 مليون، لكن كيف؟ استلم 3 مليون سعودي وأعطاه 5 مليون يمني وهذا من الظلم، وقد كان الشراجي أنكر إنّه استلمها، وحين تمّت المواجهة، ولما علم أنّي في الوسط أقرّ بها، وكذلك الشراجي أعطيته مرّة ثلاثة مليون وخمسمائة ألف ريال سعودي، ومرة 2 مليون وخمسمائة ألف ريال سعودي، ومرة مليون وخمسمائة ألف ريال سعودي، ومرة مليون وثمانية وسبعين ألف ريال سعودي".


"الشرعية شاهد ماشافش حاجة" 
في المقابل، يعتقد البعض أن "مقاومة" تعز في مهبّ الريح، عازياً ذلك إلى أن دول "التحالف"، وبالأخصّ السعودية والإمارات، حاولت إنشاء كيانات موازية لها داخل صفوف "المقاومة" دون معرفة "الشرعية". الدكتورة أروى الخطابي ترى، في تصريحها لـ"العربي"، أن "السعودية ستخرج فواتيرها عاجلاً أم آجلاً، وتصبح فضائح السرق في صفوف المقاومة تجلجل في الأرجاء، على الرغم من أنّني أعرف أشياء كثيرة في تعز، ولكن لم أكن أتصوّر أن يصل حال بعض قيادات المقاومة إلى هذا المستوى من الإنحطاط".


وتؤكّد الخطابي أن "السعودية والإمارات أوجدوا لهم كيانات موازية تتواصل فيما بينها، بعيداً عن سلطة الشرعية التي يحاربون تحت رايتها، فهذا هاني بن بريك يتواصل مع أبو العباس، ويعقدون اتّفاقيات ومشاورات خارج الدولة، وبالمثل أبو العباس يقابل الأمير السعودي فهد بن تركي، الذي على حد تعبير أبو العباس يريد محاربة الرافضة في اليمن".


وتتابع أن "التخبّط بلغ حدّ بحث السعودية ودول التحالف عن أمين صندوق تسلّمه مبالغ كبيرة جدّاً، وتطلب منه توزيع الأموال على قادة الألوية العسكرية، الذين يتبعون الشرعية، وهذا التخبّط هو ما سوف يؤدّي إلى توالد الجماعات الميلشاوية في تعز، لكي تظلّ تفقس تعز بين الحين والآخر جماعة ميليشاوية جديدة، تستجدي الأموال من دول التحالف، والأخطر أن هذه الأموال تضيع بين الجماعات، ولا يعرف أحد كيف تصرف ولا لمن تعطى ولا كيف تستخدم، وبالتالي نكون أمام سرقات مهولة لا يعرف أحد عنها شيئاً".


وتزيد أنّها "ليست هذه المرّة الأولى التي يُتّهم فيها أناس بعينهم بالسرقة، فقد اتّهم خالد بحاح، رئيس الوزراء الأسبق، وقبله أحد رجال التحالف مقاومة تعز بأنّها استلمت 300 مليون دولار، وبالرغم من أن المبلغ يبدو ضخماً، ولكن لا يُستبعد أبداً أن يكون المبلغ الذي استملوه أكبر من هذا المبلغ".
وتعتبر الخطابي "أنّنا أمام شبكة معقّدة من العصابات المسلّحة، التي وجدت في الحرب بقرة حلوب، تدرّ أموالاً وأسلحة، وتضع يديها على ممتلكات الدولة، كالمدارس والجامعات والمتاحف والمنازل والممتلكات العامّة والخاصّة، وهذه العصابات حتّى لو افترضنا أنّها سوف تتمكّن من دحر الحوثي، فإنّها سوف تخوض حروباً مريرة في ما بينها، تشبه تلك الحروب التي حصلت في أفغانستان، والتي انتهت بتشكيل حكومة طالبان".


أمّا الإعلامي، جميل الحاج، فيلفت إلى أن "هناك شرخاً كبيراً بين الإصلاحيّين والسلفيّين من جهة، وبين الإصلاحيّين والناصريّين من جهة أخرى، وهناك محاولة من الناصريّين للتقرّب من السلفيّين، الذين هم قريبون من السعودية، وبالتالي يتقرّب الناصريّون من السعودية، خاصّة وكما يبدو أن أبو العباس حاول تقديمهم على أنّهم أقلّ جماعة حصلت على أموال عن طريق الحمادي الذي استلم مبالغ قليلة جدّاً". 


ويضيف أنّه "في اعتقادي الشخصي، أن أيّ تحالف من هذا النوع بين السلفيّين والناصريّين يسيء للناصريّين إساءة بالغة، ويضعهم في سلّة السلفيّين الذين لا يؤمنون بالحداثة ولا الديمقراطية ولا القومية ولا العدالة ولا المساواة".


في الخلاصة، تبدو "مقاومة" تعز أشبه بثقب أسود يلتهم كلّ شيء، الشباب والأموال والسلاح، والأخطر هو أن تعز باتت تلتهم الآمال والأحلام التي كانت معقودة عليها.
 
 
 
 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً