الحرب حين تلقي بثقلها لا تبقي ولا تذر، خصوصاً عندما تكون أطراف الحرب لا تتمتع بالحد الأدنى من المعايير الأخلاقية وشرف الخصومة.

التنكيل بكل المعارضين من أعلى منصب إلى أصغر وظيفة، واحد من فصول المعاناة في هذه الحرب التي لم يقتصر حضورها على الميدان فقط، بل امتد إلى المؤسسات الحكومية والقطاعات بمختلف أشكالها.

القطاع الأكاديمي، وفي واجهته جامعة صنعاء، لم يسلم من أزمة الفصل الوظيفي، وتسريح عدد كبير من الأكاديميين، أساتذة ودكاترة، إذ أصدرت جامعة صنعاء، قبل أسابيع، قراراً بفصل 67 أكاديمياً، في خطوة هي الأولى من نوعها.

وبحسب الوثائق التي حصل " على نسخة منها، فقد برّرت جامعة صنعاء قرارها، بسبب تجاوز من تم فصلهم الفترة القانونية التي منحت لهم للإجازة، وانقطاعهم عن العمل.

وتقول جامعة صنعاء إن قرارها بالفصل جاء استناداً لقوانين الجامعات اليمنية وجامعة صنعاء.
"العربي" تحدّث إلى أول اسم في قائمة الفصل، وهو الدكتور وديع العزعزي، فقال "قرار فصل الأكاديميين الـ 66 الذي صدر عن رئاسة جامعة صنعاء، والذي يحمل رقم 242 لعام 2016، هو قرار باطل وغير قانوني، لعدة اعتبارات، وهي: أولاً، كونه صدر عن جهة غير شرعية معينة من جهة غير شرعية استولت على مؤسسات الدولة، وبالتالي فما صدر عن جهة غير شرعية يعد غير شرعي. وثانياً، إنه قرار يخالف قوانين وزارة التعليم العالي التي تعطي الحق لأعضاء هيئة التدريس بأخذ إجازة بدون راتب، ونحن لدينا قرارات بذلك صادرة عن مجالس الجامعة، ومن تجاوز فترته القانونية فذلك مبرر بسبب صعوبة عودته إلى البلاد لظروف الحرب والأوضاع الأمنية والعسكرية، كون أن الكثير من أعضاء هيئة التدريس المشمولين بالقرار معارضين للمليشيات، وبالتالي فهناك تخوف على حياتهم مما قد تمارسه تلك الجماعة. ثالثاً، القانون يقول إنه قبل فصل أو إنهاء أي عضو تدريس ينبغي أن يوجه له خطاب رسمي من الجامعة ومهلة بالعودة خلال فترة معينة، والملاحظ أنه لم يتم ذلك، مما يوحي بنية مبيتة من قبل رئاسة الجامعة بالفصل لأجل إحلال عناصر موالية لهم، ذات بعد طائفي وسياسي". جامعة ذمار اتخذت رئاسة الجامعة قرار فصل بحق 17 أكاديمياً كدفعة أولى

وتابع العزعزي "يأتي هذا القرار في إطار انتهاكات المليشيات المستمرة على الجامعات والتعليم، من اقتحام مستمر للحرم الجامعي واعتداءات على أعضاء هيئة التدريس واختطافهم، وهو ما قد يؤثر على سمعة جامعة صنعاء الأكاديمية على المستوى الإقليمي والدولي".

من جهتها، تقول المعيدة في كلّية الاعلام بجامعة صنعاء، شذى الحرازي، والتي شملها القرار،": "لقد تفاجأت بقرار الفصل تماماً، و لم أعتبره قراراً سليماً، حيث أن الدولة بأكملها مسلوبة، وأي تعينات أو فصل من الخدمة العامة في هذا الوضع الاستثنائي هي قرارات غير سوية. بكل تأكيد السلك الأكاديمي لا يحتمل التعاطي معه بهذه الطريقة، لم يتم التواصل معي من قبل الجامعة، بإنذار الفصل أو بقرار الفصل، على العكس كانت هناك مشاكل تتعلّق بفساد الادارة سابقة، وقد تقدمت بشكوى ورفضت الاستمرار في العمل حتى إصلاح الإدارة، وهو ما لم يتم، على العكس صدمت لاحقاً بقرار فصلي دون الرجوع لحيثيات الانقطاع، فساد إداري حالي متراكم على فساد سابق، نتيجة منظومة غير سوية، إلا أن ما نشهده الآن من تجيير الوظيفة العامة لصالح فئة اجتماعية وسياسية معينة هو أمر غير مسبوق".

هذه الإجراءات لم تقتصر على جامعة صنعاء فقط، بل امتدت لتشمل جامعات أخرى، في محافظات أخرى، ففي جامعة ذمار اتخذت رئاسة الجامعة قرار فصل بحق 17 أكاديمياً كدفعة أولى، وتحت المبرر القانوني نفسه الذي أوردته جامعة صنعاء، وهو تغيب من تم فصلهم عن العمل، يلي ذلك فصل 5 أكاديميين آخرين كدفعة ثانية.

وقال مصدر في جامعة ذمار إن هذه الإجراءات تحمل أبعاداً سياسية، ومن تم فصلهم "هم ممن يعارضون سياسة جماعة الحوثي، وممن يعارضون مشروعهم". 

بدوره، عضو "اللجنة الثورية العليا"، صادق أبو شوارب، ردّ على ما تقدّم، في حديث إلى "العربي"، بالقول "الحاجة التي كانت ملفتة هو ما حدث في جامعة صنعاء، وهو على أساس الغياب، ونحن نعرف أنه هناك دكاترة رفضوا السير للدوام، وما فيش بيننا وبينهم أي خلاف سياسي، ولكن أي دكتور أو مقايضة أغراض تحت هذا البند لدكاترة مخالفين لنا في الموقف السياسي أو هم مع العدوان وتم فصلهم نحن نرفض ذلك جملة وتفصيلاً، فلنسأل كم نسبة المفصولين لنا مخالفين لنا سياسياً، وبعدين هو دكتور جامعة، وعليك أن تلاحظ الدكتور محمد الظاهري، يداوم في الجامعة، ويسنتف الناس سنتاف حبسوه يوم وضجينا الدنيا وخرجناه، فالدكاترة الذين يقولون أنه تم فصلهم تعالوا داوموا واستلموا رواتبكم، لكن هؤلاء راقدين بالبيت ومعظمهم يدرسون بجامعات خليجية".
هذا وحاول "العربي" التواصل مع آخرين مشمولين بقرارات الفصل، إلا أنهم أكدوا تواجدهم خارج البلاد، ولكن مع إجازات حصلوا عليها، تسمح لهم بالتغيب.