السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
هادي و"اليمن الإتّحادي": فدرالية بلا دولة!
الساعة 19:11 (الرأي برس - عربي )

يسرف الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومته في الحديث عن "يمن اتّحادي" بأقاليم تتعايش جنباً إلى جنب. كما تجلب خطب السيّد عبد الملك الحوثي عن السيادة الملل والكآبة. ولا شيء في الجنوب يدلّل على قناعة الرئيس علي عبد الله صالح بأن الوحدة باقية. ما يعتمل على الأرض يؤكّد أن اليمن تعيش زمن المليشيات والطوائف المتناحرة.


إندحر الحوثيّون عن الجنوب في يوليو 2015، بعد أن تسبّبوا في شرخ مناطقي خطير، يجعل من أيّ وحدة حقيقية بين الشمال والجنوب أمراً في غاية الصعوبة. كما أشعلوا بحروبهم التي لا تزال تدور رحاها في تعز نزعات مناطقية وثارات قرون من المظلومية. وعاد إلى الأذهان ما عُرف تاريخيّاً بـ"اليمن الأعلى" و"اليمن الأسفل"، وتمثّل المقاتل الحوثي لأبناء تعز في صورة "عكفي" قادم من شمال الشمال لممارسة التسلّط بالقوّة. واستحضر أبناء البيضاء مرويّات صراع الأيديولوجيّات الميّتة وحكايات الآباء عن جحافل "الجيش البرّاني"، القادم من جبال الجغرافيا الزيدية.


إقطاعية حزب "الإصلاح" 
وفي الوقت الذي لا يزال فيه مشروع الأقاليم الـ6، التي يتمسّك بها هادي وحكومته، حبراً على ورق، يختطّ الرصاص أقاليم تتداخل فيها المناطقية مع الحزبية مع الطائفية. 


ففي محافظة مأرب، تُورّد إيرادات النفط والغاز ومصفاة صافر، التي وصلت إلى 183 مليار ريال، إلى فرع البنك المركزي في المحافظة منذ عام. إذ يرفض محافظ المحافظة، سلطان العرادة، توريدها إلى بنك "الشرعية" في عدن، ولا يعترف بسلطات صنعاء وبنكها المركزي، وصار يرى في نفسه رئيساً لإقليم سبأ، حيث استقبل في مكتبه، الأسبوع الفائت، محافظ الجوف، أمين العكيمي، ومحافظ البيضاء، نايف القيسي، وتشابكت أيادي القياديّين الثلاثة في حزب "الإصلاح"، مؤكّدين المضيّ في "تحرير إقليم سبأ".


الدكتور فؤاد الصلاحي، أستاذ علم الإجتماع في جامعة صنعاء، يقول، لـ"العربي"، إن "الدولة نفسها غائبة، والمجتمع منقسم، ويعاني من أزمات ومشكلات متعدّدة، والموارد المالية منهوبة، والمنح الأجنبية لا تصل إلى المواطن"، مضيفاً أنّه "يبدو أن المتصارعين فهموا الفيدرالية غلط، فما يعتمل على الأرض يعكس الرغبة في المحاصصة والغنيمة وليس بناء دولة ولا إنقاذ وطن".


"آزال" إقليم "كوارث" اليمن
لا تعترف "أنصار الله" وحلفاؤها بمشروع الفيدرالية من 6 أقاليم. ويؤكّد القيادي في الجماعة، صادق أبو شوارب، لـ"العربي"، أن "اليمن لن يعيش إلّا موحّداً"، وأن "الفيدرالية مقدّمة لانفصال الجنوب وتفتيت اليمن"، متابعاً أن "الشعب هو من سيقرّر مستقبل نظام الحكم في اليمن وشكل الدولة، وليس مسؤولي الفنادق في الرياض".


لكن الكاتب والصحافي، محمّد الظاهري، يشير إلى "أنّني كنت معترضاً زمان على مشروع الأقاليم، لأن التقسيم لم يتمّ على أساس اقتصادي أو ديمغرافي، لكن خلال فترة الحرب والفراغ الذي أوجدته في حياتنا بات واضحاً بالنسبة لي أن التقسيم سياسي بالدرجة الأولى والثانية".


ويوضح الظاهري "أنّني كنت معترضاً على أن إقليم آزال تمّ خنقه، لكن ومن خلال مراجعة للتاريخ يتأكّد لنا أنّه إقليم كوارث اليمن، ومصدر شقائنا، على الأقلّ خلال الألف سنة الماضية"، زائداً أنّه "كان دوماً مصدر البلاء والمشاريع الغريبة، وفي أفضل وأزهى فترات الإستتقرار في حياة اليمنيّين، والتي غالباً صنعتها دول غير يمنية، كان هذا الإقليم الجزء الوحيد الذي جالس يتقنفز، ويستمرّ في ذلك حتّى تسقط الدولة ويعود اليمنيّون للإقتتال، مستنزفين كلّ سنوات رخائهم". ويدعو الظاهري إلى "عدم تصديق قصّة الإستقرار في ظلّ حكم الأئمة الطويل، لسبب بسيط أن مائتين أو مائة سنة أو حتّى خمسين سنة استقرار تترك أثراً واضحاً. الإستقرار يتحدّث عن نفسه متسائلاً: ماذا خلّفت وتركت سنوات الأئمّة غير قصص الحروب والدمار والجوع المروّعة". ويرى أن "المشكلة في إقليم آزال هي من يقطف الغلّة دوماً كلّما عانى اليمنيّون بسببه، وهي من يقتسم غنيمة الحرب التي يوقدها ويخسرها، الدمار يمني وطرفا الحرب والنار من هذا الإقليم"، معتبراً أنّه "لو ضُمّت صعدة إلى إقليم سبأ لالتهمته وسيطرت عليه، استناداً إلى غلبة السكان ودون اعتبار لبقّية المكونات؛ ولو كانت عمران أو صنعاء أو أيّ جزء من حاشد ضمن إقليم آخر مثل إقليم تهامة أو سبأ لفعلوا الأمر نفسه، والتهموا الإقليم بما فيه"، لذا، يضيف الظاهري، "بات يعجبني التقسيم الحالي، وأجد له من تاريخنا الذي كان معظمه وأعظمه فدراليّاً الكثير من المبرّرات، لكنّني أخشى أن تكون فدرالية يمنية مثل الديمقراطية اليمنية والسياسيّين اليمنيّين والأحزاب اليمنية، مجرّد اسم لائق يخفي كذبة وسخة". يختطّ الرصاص أقاليم تتداخل فيها المناطقية مع الحزبية مع الطائفية


أقلمة لدولة في الهواء
يتوالى تحديد الأقاليم ورقيّاً من قبل القيادات الموالية لهادي. ففي أطراف ميدي شمال غرب محافظة حجّة، حيث معسكر "الشرعية"، ولأكثر من عام، محاصر في مربّع لا يتجاوز بضعة كيلومترات، تُرفع يافطة إشهار "إقليم تهامة" في إحدى خيام المعسكر. ويُعقد مؤتمر صحافي لمحافظي حجّة، عبد الكريم السنيني، وريمة، الشيخ محمّد الحوري، والوزير السابق، صالح سميع، ممثّلاً محافظة المحويت، ويعلن الثلاثة تنصيب محافظ الحديدة، عبد الله أبو الغيث، حاكماً لـ"إقليم تهامة"، الذي لا يزال خاضعاً لسيطرة "الحوثيّين" وحلفائهم. 


الكاتب مصطفى راجح يعلّق على ذلك بقوله إن "عبد ربه ضيّع الدولة في المرحلة الإنتقالية، وهو مشغول بالحوار لتحديد شكلها. والآن يشتي يستكمل تحديد شكلها ودستورها قبل أن يستعيدها!"، مضيفاً، في حديث إلى "العربي"، أن "الدولة في الهواء والشعب ممزّق في جحيم الحرب وبلا مرتّبات، اللي ما معوش عمل... يدوّر له جمل".


تقسيم طائفي ومناطقي 
من جانبه، يرى الكاتب والباحث، عادل دشيلة، أن "مشروع الفيدرالية الذي طرح في مؤتمر الحوار في عام 2014، لم يُبنَ على أسس علمية وبحثية سليمة، وإنّما طُرحت خطّة الفيدرالية في فندق الموفنبيك بصنعاء على عجل، وبطريقة ارتجالية، من أجل إسكات صوت الجنوبيّين المطالبين بالإنفصال. وبعد انتهاء مؤتمر الحوار تمّ وضع التقسيم الفيدرالي الجديد، والذي هدف إلى تقسيم اليمن إداريّاً إلى 6 أقاليم آزال، عدن، تهامة، سبأ، الجند، وحضرموت، ولكن اجتياح الحوثيّين لصنعاء وصولاً إلى عدن حال دون استكمال المشروع". ويزيد دشيلة، في تصريح لـ"العربي"، أن "التقسيم الجغرافي بُني على أسس طائفية وقبلية ومناطقية من حيث المبدأ. فعلى سبيل المثال، إقليم آزال والذي يضمّ محافظات عمران وصعدة وصنعاء وذمار، كان محسوماً أنّه ذو خلفية زيدية وقبلية تقليدية، ولذلك سيتخلّص صنّاع القرار من أبناء هذه المناطق من خلال إذكاء الصراع بين الطبقة التقليدية أي القبائل والهاشميّين، ممّا أثار حنق الحوثيّين وصالح وجعلهم ينقلبون على مخرجات الحوار الوطني؛ وكان إقليم سبأ محسوماً لقبائل المناطق الشرقية ذات الثروة النفطية؛ بينما، إقليم عدن كان محسوماً لقبائل يافع وأبين ولحج والضالع". ويحذّر دشيلة من أن "الأقاليم الأخرى ستكون ضحية لإقليم عدن وإقليم آزال، ومن يقول غير ذلك فهو ينكر الحقائق. فإقليما تهامة والجند سيكونان لقمة سائغة لأقليم آزال، وإقليم حضرموت سيكون فريسة لقبائل لحج والضالع وأبين أي أصحاب إقليم عدن. وهكذا سنظلّ في صراع ولن نخرج من دوّامة العنف لأن التقسيم لم يُبنَ على أسس صحيحة".


الوطن يتفكّك
ومثلما لا يزال مشروع الأقلمة ملتبساً وبلارؤية، فإن "الشرعية" لا تزال تعيش حالة التخبّط والتوهان. يحتفي بن دغر بذكرى ثورة سبتمبر في عدن على استحياء، فيُشهر في وجهه كرت الرحيل. يحزم حقيبته إلى المكلّا، فتحلّ ذكرى ثورة 14 أكتوبر، ويتسبّب حديثه عن "النضال من أجل يمن موحّد" بإثارة موجة غضب أجبرته على الطيران نحو سقطرى. وهناك، الأرخبيل الذي يطالب السلطان عبد الله بن عفرار باستقلاله مع المهرة عن حضرموت، ويقود حراكاً ناعماً من أجل "إقليم المهرة وسقطرى المستقلّ على حدود سلطنة آل عفرار لعام 1967".


يلخّص المشهد الكاتب والباحث، حسين الوادعي، بقوله إن "الوطن يتفكّك إلى المناطق الثلاث الطائفية التاريخية؛ شمال زيدي ووسط شافعي وجنوب ذو هوية هشّة". ويلفت إلى أن "الجنوب المحرّر مقسّم بين فصائل الحراك وتشكيلات القاعدة وداعش، بعد أن صار منطقة محرّمة على كلّ شمالي وعلى كلّ جنوبي من أصول شمالية؛ والوسط مسحوق تحت نار الحرب الأهلية المفتوحة التي أشعلها تحالف الحوثي صالح؛ أمّا الشمال فهو ساحة مفتوحة لحرب الثأر الخليجية ضدّ إيران في اليمن. وبين الوسط وشمال الشمال أسّست الحرب الفاشية شرخاً اجتماعيّاً ومناطقيّاً واسعاً".


الدولة قبل الأقلمة 
وإذا كانت آفة اليمن هي المركزية، فإن الكاتب فتحي أبو النصر يعتبر أن "الأقلمة النزقة وغير المدروسة والإستخفافية ستبقى أشدّ خطراً". ويتساءل "ما الذي سيجعل الرؤية الأقاليمية تنتقل من خانة التنظير والأمنيات إلى واقع متحقّق وملموس، في ظلّ تهرّب الجميع من الإستحقاقات الجادّة، وفي مقدّمتها أهمّية وجود دولة حقيقية قوية". 


ويشير إلى أن "مشروع المركزية الذي يتزعّمه صالح مرفوض وتعيس ولا يُبرّر، كما أن مشروع فيدرالية هادي عشوائي ومخبول وغير آمن، خصوصاً حين يُراد فرضه في ظلّ الحرب وعلى أساس لا دستوري، وبمقابل مشروع الحوثي الذي لا يستسيغه إلّا الذين اطمأنّوا لتهويماتهم الإصطفائية. وهناك مشروع الإنفصال غير الراشد في وقت كواهل الشعب تبدو فيه أكثر من مثقلة وعلى نحو صارخ، وإذا لم يتمّ استيعاب الأولويات سنجد أنفسنا جميعاً كيمنيّين بلا عصفور في اليد ولا عشرة على الشجرة".


لكن هادي، وبحسب الكاتب بشير السيّد، يتصرّف كرئيس لـ"اليمن الإتّحادي"، لا رئيس للجمهورية اليمنية، ويضيف السيّد أن "هادي أغرق اليمن في الصراع وأدخلها في متاهات الفوضى التي لا ملامح لها، ثم بدأ يتصرّف كحاكم لليمن الإتّحادي الإفتراضي الذي ما يزال حبراً على ورق". ويختم متسائلاً بتهكّم "متى تأسّس اليمن الإتّحادي؟ وهل اعترفت به الأمم المتّحدة؟ وفي أيّ قارّة يقع؟".

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً