السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
واشنطن عشية 14 أكتوبر: ها قد عدنا
الساعة 15:43 (الرأي برس - عربي )

يوماً بعد آخر يغرق اليمن في الحرب أكثر فأكثر. المشهد كما لو أن المعركة بلا أفق. كلّ المؤشّرات لا تتّجه صوب فرص للحلول السياسية أو حتّى العسكرية تعمل على وقف النزيف والعبث بوطن يمزّق ويدمّر بلامبالاة بالنهايات والنتائج على كلّ المستويات.


دلالات هذا الواقع كثيرة، ولعلّ التطوّرات الأخيرة في مضيق باب المندب إحدى هذه المؤشّرات، الحدث الذي أخذت الحرب من خلاله أبعاداً إقليمية ودولية. فبعد حادثة الاستهداف للسفينة العسكرية الإماراتية قرب باب المندب، ممرّ الملاحة الدولية والعالمية الأسبوع الماضي، تكرّر الإستهداف لبارجتين أمريكيتين، لكن الاستهداف للمرّة الثانية للبارجة الأمريكية، الأربعاء الماضي، كان تطوّراً خطيراً. إذ أنه وللمرّة الأولى تقوم بارجة في المياه الدولية بفتح النار والردّ على هجوم تعرّضت لها.
مسؤولون أمريكيون قالوا، في تصريحات صحافية، إن مدمّرة تابعة للبحرية الأمريكية استهدفت، يوم الأربعاء، في هجوم صاروخي فاشل من أراض في اليمن يسيطر عليها "المتمرّدون الحوثيون" المتحالفون مع إيران في ثاني حادث من نوعه خلال الأيام الأربعة الماضية. وأضاف المسؤولون الذين طلبوا عدم نشر أسمائهم أن المدمّرة "يو إس إس- ماسون" أطلقت وابلاً من أسلحتها الدفاعية ردّاً على الصواريخ التي لم تصب أي منها المدمّرة أو تلحق بها ضرراً، بينما كانت تعمل شمالي مضيق باب المندب. وفي هذا السياق، قال البنتاجون "سنردّ على محاولة استهداف المدمّرة الأمريكية شمال مضيق باب المندب في الوقت وبالأسلوب المناسبين".


وصباح الخميس، أعلن البنتاجون أن الجيش الأمريكي دمّر ثلاثة مواقع رادار في اليمن، وأعلنت وزارة الدفاع الأمريكية أن الجيش الأمريكي شنّ ضربات على مواقع رادار في اليمن، ردّاً على هجمات فاشلة على مدمّرة للبحرية الأميركية. وبحسب البنتاجون، فإن التقديرات الأوّلية تشير إلى تدمير ثلاثة مواقع رادار في اليمن، والضربات كانت محدودة وهي "للدفاع عن النفس"، بهدف حماية أفراد الجيش الأمريكي والسفن وحرّية الملاحة. وشدّد البنتاجون على أن واشنطن ستردّ "على أي تهديد آخر لسفننا وحركة السفن التجارية". الصراع الأكثر أهمّية وخطورة في المنطقة يتمحور حول أمن البحر الأحمر


في المقابل، تقول جماعة "أنصار الله" إن ما تقوم به أمريكا تدخّل مخطّط له، والهدف من ورائه سعي الولايات المتّحدة نحو السيطرة على مضيق باب المندب وممرّ الملاحة الدولي. ونفت مصادر سياسية في جماعة "أنصار الله"، لـ"العربي"، قيام الجماعة باستهداف المدمّرة الأمريكية، مؤكّدة أنهم لا يمتلكون تلك الصواريخ التي تقول واشنطن إنها استهدفت مدمّرتها، وما حصل هو "مجرّد لعبة ومخطط أمريكي للتدخّل مباشرة وفرض السيطرة على الممرّات البحرية والدولية، خصوصاً وأن أمريكا عجزت عن تحقيق أهدافها وطموحاتها من خلال دعمها للتحالف العربي ولمن يعملون معهم في المنطقة".


وعلی ضوء تصريحات وزارة الدفاع الأمريكية عقب محاولة استهداف البوارج الأمريكية في البحر الأحمر، يعتقد متابعون أن لذلك علاقة بترتيبات استباقية ترتبط بنقل الصراع في المنطقة إلی بعد جديد، في إطار الصراع بين الدول الكبرى علی الممرّات والمنافذ الدولية، وكذلك تطويق المنطقة عسكرياً. وبالتالي تسعى الولايات المتّحدة للسيطرة على باب المندب، تحت ذريعة حماية الملاحة الدولية من الأخطار التي "تفتعلها قوّات الحوثي وصالح"، تحت أجندات ومشاريع استراتيجية، للسيطرة على البحرالأحمر ومضيق باب المندب، على ضوء التواجد الروسي عبر قواعده في سوريا في شواطئ البحر المتوسّط، وهو ما قد ينعكس سلباً علی الدول العربية، لا سيما الحليفة لأمريكا، وفي مقدّمتها المملكة العربية السعودية، ومصر، خصوصاً في ظلّ النفوذ الإيراني المتحكّم في مضيق هرمز. ويربط مراقبون ما يجري بفكرة وجود "لعبة" أمريكية، لن تصبّ في الضرورة في صالح الدول العربية المحسوبة على المحور الأمريكي، ويؤكّد هؤلاء أن "الأيام القادمة ستكشف حقيقة لعبة استهداف البوارج الأمريكية هذه، وعلاقتها بإعادة تقسيم المنطقة وفقاً للخطط الأمريكية".
خبراء إستراتيجيون، يحذّرون أن ما يحدث في باب المندب أمر بالغ الخطورة، يؤشّر إلى أن اليمن أصبحت عرضة للتجزئة والتقسيم. والعالم الذي وقف متأمّلاً بلا أدنى مسؤولية تجاه ما يحدث في هذا البلد، تحرّك فوراً لحماية ممرّات الملاحة العالمية، وهو ما يشير إلى احتمالية أن الحرب اليمنية تتّجه لأن تتحوّل إلى حرب منسية. القوى الكبرى تهتمّ فقط بتأمين مصالحها وحماية السواحل والمياه الإقليمية، فيما يترك الداخل اليمني لخوض صراعاته حتّى النهاية، ويكتفي اللاعبون الكبار إقليمياً ودولياً بإدارة هذا الصراع واستخدامه لابتزاز بعضهم البعض.


والأمر الذي يبدو أكثر خطورة أن يكون هذا الحدث مقدّمة لتدخّلات أخرى في اليمن، إذ إن التدخّلات الجديدة هذه ستفرض واقعاً آخر وتتغير بموجبها الكثير من المعادلات والتوازنات، بل إنها قد تؤدّي إلى تعميق الصراع والشرخ الإجتماعي والتوجّه إلى تقسيم البلد وفقاً لمصالح وتوجّهات القوى الدولية التي ستفرض وجودها المباشر في اليمن.


الحقيقة التاريخية، وفقاً للمتابعين، هي أن الصراع الأكثر أهمّية وخطورة في المنطقة يتمحور حول أمن البحر الأحمر منذ فجر التاريخ، وصراع القوى العظمى عليه لم يتوقّف، بل استمرّ يتكرّر بأشكال مختلفة حتّى العصر الحديث. إنه حلقة وصل آسيا وأفريقيا وأوروبا. تطلّ عليه اليمن، والسعودية، وجيبوتي، وإرتريا، والسودان، والأردن، ومصر، والكيان الإسرائيلي. هناك وجود عسكري مكثّف في هذا الممرّ الاستراتيجي الذي يخزّن ثروات مختلفة، كما ينطوي على مخاطر محتملة، كالتهريب، والإرهاب والقرصنة.


اليوم، السعودية ومصر وإسرائيل، هي أقوى الدول، من الناحية العسكرية، المطلّة على البحر الأحمر. وطبعاً فمن مصلحة إسرائيل أن يكون لها نفوذ متصاعد في البحر الأحمر، وهذا ما تفعله منذ عقود. أمّا البحريات الأمريكية والفرنسية والبريطانية فهي متواجدة بقوّة أيضاً. وللبحر الأحمر معادلاته الحاسمة في الأمن الإقليمي والدولي كما في التجارة الدولية تحديداً. وبالتالي فإن تدويل أمن منطقة البحر الأحمر حقيقة ماثلة بين مضيق باب المندب وقناة السويس، ولو لم يتمّ الإعلان الصريح عنها. 


من جانب آخر، هناك مخاوف تسري في أوصال دول عربية عدّة مطلّة على البحر الأحمر، لا سيما في حالة تضارب المصالح مع الأطراف الدولية أو تغيّر مراكز القوى. وفي خضمّ ذلك كلّه وبعيداً عن الصراع السياسي وتشعّباته، وعشية احتفال اليمنيين بذكرى 14 أكتوبر، ثمّة في البيت الأبيض من يحاول تذكيرهم أن الإستعمار الغربي لا يزال هنا، ولو بنسخته الجديدة، وهو مستعدّ أن يغيّر وجوده الناعم سريعاً، في حال تمّ المساس بخطوط مصالحه الحمراء.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً