السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
مجزرة صنعاء تنسف جهود التهدئة: الحديث للميدان
الساعة 20:09 (الرأي برس - عربي )

من تشييع أمين العاصمة صنعاء، اليوم، عبد القادر هلال، الذي قضى في مجزرة القاعة الكبرى.
يبدو أن حادثة القاعة الكبرى في العاصمة صنعاء، التي راح ضحيتها أكثر من 800 مدني بين قتيل وجريح، ستقلب موازيين المعادلتين العسكرية والسياسية في البلاد. كذلك سيتعيّن لها أثر بالغ على مسار التسوية السياسية المرتقبة، التي تحظى بجهود أممية وإقليمية.


أن يجري التحضير لحوار قادم والدعوة لهدنة زمنها 72 ساعة من قبل الأمم المتّحدة، يفترض مواكبة أطراف الحرب، بما فيهم "التحالف العربي" الذي تقوده المملكة العربية السعودية، والشروع بالتمهيد للهدنة والترتيب لجولة قادمة من الحوار. لكن حصل كان عكس ذلك تماماً؛ "التحالف العربي"، وفي خطوة غير مسبوقة وغير متوقّعة، نفّذ أعنف هجمة له على مجموعة من المدنيين في صنعاء، وتسبّب بقتل المئات وجرح مئات آخرين.


العملية، كما يقرأها معنيون، ستضيّع فرص المشاورات بالنجاح، بل تعقّدها وتجعل احتمال فشلها متصدّراً. لقد كانت عملية القاعة الكبرى بمثابة الزلزال، عملية مؤلمة بكلّ المقاييس، أوجدت ردود فعل كبيرة وإدانات إقليمية ودولية واسعة. وفي الوقت الذي دانت فيه أطراف إقليمية ودولية ما حصل، أوضحت تلك الأطراف أنها ستعيد مراجعة حساباتها في المواقف، ضمن خارطة التحالفات.
لن تقف جماعة "أنصار الله" وحلفائها مكتوفة الأيدي، ولن تصمت إزاء ما حدث، فسيكون لها مواقفها سياسياً وعسكرياً، وهذا أمر طبيعي. فالأطراف أعلنت عن مواقفها وأعلنت النفير العام، في سياق استعدادها للردّ والقتال. ودعا زعيم جماعة "أنصار الله"، عبد الملك الحوثي، إلى النفير العام. ومثل هذه الدعوة وجّهها زعيم "المؤتمر الشعبي العام"، علي عبد الله صالح، في إشارة إلى تصعيد جبهات الحدود مع المملكة العربية السعودية، وجعلها جبهات مفتوحة على احتمالات عدّة.

 


من هنا، يغدو الحديث حديث الميدان، وترقّب تطوّرات التصعيد العسكري من صنعاء عقب تصعيد "التحالف العربي"، ليأخذ مكان حديث هدنات الأمم المتّحدة والدول الراعية للسلام، والذي بات في خبر كان.


وفي حديث إلى "العربي"، قال عضو "اللجنة الثورية العليا"، منسّق "طلائع اليمن الثورية"، صادق أبو شوارب، وبلهجة حادّة وغاضبة، إن "الردّ المناسب على كلّ جرائم العدوان السعودي وجريمة استهداف الصالة الكبرى هو الزحف المقدس، نحو وكر داعش في عاصمتها الرياض، والشعب اليمني مع الجيش، واللجان الشعبية أهل لذلك وجاهزين ومستعدّين من قبل جريمة الصالة الكبرى، ولكن من غير المناسب و من غير المعقول أن يزحف الشعب على داعش وأذنابهم والوفد الوطني المعتقل في مسقط يحاورهم"، مشيراً إلى أن الردّ على المستوى السياسي النخبوي "الطير مانات والمتطيرمين" على جريمة الصالة الكبرى وغيرها "لم يرتق إلى مستوى تضحيات الشعب اليمني وصبره وصموده وتضحياته في مختلف المجالات". حوّلت المجزرة موقف شريحة محايدة أو أقلّ حماسة للمعركة باتّجاه تأييد التصعيد


وتوجّه أبو شوارب بمناشدة عبد الملك الحوثي إيقاف المفاوضات، وتشكيل الحكومة، وترك الشعب "يزحف نحو الرياض"، مخاطباً إياه "إنه الأمل الوحيد بالنسبة لنا ولكلّ الأحرار من الشعب اليمني بإيقاف بيع دماء اليمنيين وتضحياتهم لأكثر من عام ونصف من قبل المجلس السياسي، أنصار الله، المؤتمر الشعبي العام، والوفد المفاوض".


ترجمة هذه المواقف الراديكالية قد بدأت تطفو على السطح ربما، بعد إعلان جماعة "أنصار الله" إطلاق صاروخين بالستيين باتّجاه السعودية، الأوّل سقط في الطائف، والآخر سقط في منطقة خميس مشيط. وفي سياق هذه الترجمة أيضاً تحرّكت الورقة العسكرية على مستوى جبهات كلّ من مأرب وتعز وجبهات الحدود، بينها جبهات منفذ حرض، حيث شهدت بعض هذه المناطق قصفاً عنيفاً، وقتالاً مستمرّاً.


واعتبر مراقبون سياسيون أن هذا التحرّك الواسع لجماعة "أنصار الله" والقوّات المتحالفة لها، يأتي كردّة فعل على مجزرة القاعة الكبرى، في حين تمنّى سياسيون أن لا يكون الإنتقام في الداخل من تعز والمناطق الأخرى، وإنما يكون من "التحالف" ومن السعودية التي تقوده، حيث وأن الوعود بالردّ على مجزرة القاعة الكبرى، ظهرت منحصرة في السعودية وفتح الجبهات الحدودية معها.
يبدو أن عملية "التحالف العربي" أوجدت جراحاً وآلاماً كبيرة على المستوى الشعبي والاجتماعي، زادت من حدّة المواقف في ظلّ انقسامات الحرب، وحوّلت موقف شريحة محايدة أو أقلّ حماسة للمعركة باتّجاه تأييد التصعيد وطلب الثأر والانتقام. هذا الخطأ في الحسابات الداخلية، تجلّى أيضاً خارجياً، مع استدرار "التحالف" إدانات دولية كان بالغنى عنها. الأطراف الدولية والإقليمية كان لها مواقفها وإداناتها الواسعة لمجزرة القاعة الكبرى في صنعاء. أطراف أوربية واسعة دانت ما حصل، واعتبرت استمرار الاستهداف للمدنيين أمراً سيخضع التحالفات مع المملكة العربية السعودية إلى إعادة النظر، الأمر الذي سيكون له نتائجه وأبعاده في المستقبل القريب على مستوى اليمن وعلى مستوى المنطقة.


وصرّحت واشنطن بأن التعاون الأمني بينها وبين السعودية "ليس شيكاً على بياض"، في أوّل ردّة فعل تجاه مذبحة صالة العزاء. ووفق مصادر سياسية مناوئة للرئيس هادي، فثمّة "شيكات أخرى على بياض لا تزال مفتوحة" في إشارة إلى استدعاء هادي لـ"التحالف"، وهو ما قالت هذه المصادر أنه لا بد أن يقفل.


وفي هذا السياق، تحمّل هذه المصادر وزارة حقوق الإنسان واللجنة الوطنية، مسؤولية موازية لجهة القبول بالتحقيق مع التزام مفتوح بأن "جرائم السعودية" لن يتمّ التحقيق فيها أو محاكمة مرتكبيها، وهو ما لا بدّ من أن يتوقّف، ويتمّ القبول بتشكيل لجنة تحقيق دولية، بحسب هذه المصادر. أهمّية هذه الإشارات السياسية أنها لا تأتي في سياق المواقف المتضادّة على مدى عامين من الصراع السياسي، إنما عقب تحوّل ميداني كبير، سيرخي بظلاله على احتمالات التسوية السلمية وشكلها، وما كان مقبولاً بالأمس، قد لا يكون قابلاً للتفاوض بعد اليوم.


إذاً، المطلوب داخلياً، كمنحى نحو استعادة الموقف وتصويب مساره، أن يبادر تحالف الرئيس هادي إلى خلق فرص إيجابية تفكّك تعقيد المشهد الإنساني والسياسي والعسكري، وهي مبادرة إن لم تستطع أن تحلّ الأزمة، فقد تنجح في إعادة تشكيل الصراع ضمن أطره الأكثر عقلانية، بعيداً عن الارتهان للحسابات الخارجية.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً