الثلاثاء 24 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
مزاد للقتل العلني - أحمد مصلح الأسعدي
الساعة 11:57 (الرأي برس - أدب وثقافة)

 


( إهداء إلى روح الشهيد صالح عباد وكل شباب اليمن الذين التهمتهم الحرب بكل شره ) .
تعرفت عليه في باحة المدرسة ، كان نحيلا و شاحبا بشعر فحمي و عينين واسعتين ، في أول حصة - وكانت حينها حصة قرآن كريم - صدحت حنجرته بتلاوة عذبة ، اذهلت الجميع ، شعرت بالغيرة منه ، ان يسرق الاضواء مني ، كوني تصدرت العام الماضي ، قبيل مجيئ هذا الوافد ، لاحقا لم يسلبني الاضواء فقط بل كان هو المتصدر ايضا ، لا اخفي كم لعنت اليوم الذي قرر فيه المجيئ لمدرستنا ، ولكن برعم صداقة اشرئب في حقل الغيرة ذلك و احاله الى بستان . 
اتذكر انه قطع مسافة 4 كم مشيا لكي يصل الي في ظهيرة الوداع تلك ، عندما وصل كانت قطرات العرق تبلل قميصه المهترئ ، وكانت فرحتي بقدومه توزاي الجبال المحيطة بقريتنا الصغيرة ، اتي ليزورني بعد ان قرر والدي استكمال دراستي الثانوية في صنعاء ، تلك المدينة التي لم اعرفها الا بعد الثامنة عشرة ، جلسنا تحت شجرة على مقربة من بيتنا ، لا يوجد مكان في بيتنا استضيف فيه احد . ودعني بعد لحظات ليعود الى السيل ، عليه ان يستكمل سقي مصادر رزق عائلته ، عندما احتضنني لم اكن اعلم انها المره الاخيرة التي سوف نلتقي فيها والى الابد ، كان الموت يحضر وجبته على نار هادئة . 
في جامعة صنعاء علمت انه التحق بالكلية الحربية و صار بامكانه توفير معاش ضئيل لعائلته ، سعدت له، و لم تتجاوز سبل تواصلنا سوى بضع رسائل على " فيس بوك " . 
بعد ان اندلعت الحرب ، كان هو من القلائل الذين خطروا ببالي وانا اصعد الباخرة هربا من هذا الضيف الذي استنزف الامس واليوم ، استطعت التواصل معه مجددا ، تمنيت ان يعود الى اسرته ، كان يسكتني في كل مرة بالحديث عن الله و الوطن . 
كم هي المسافات شاسعة ، و الوجع غزيز ، ذهب صالح وقد اهداه الوطن كفنا ، اطالع صوره بعد ان غدا ذكرى ، عاجز عن رد الجميل ، اتمنى لو استطيع ان اضمه للمرة الاخيرة ، ذهب بعيدا يشيعه نواح امه واخواته ، بينما انصرف أمراء الحرب بحثا عن وقود جديدة لحفلتهم النتنه . 
صالح ، الوطن لم يعد سوى جثة تنهشها الذئاب المتقاتلة ، كما ان الله لم يكن يوما راعيا لمزادات القتل العلني .

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً