السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
حرب اليمن تظهر تناقضات السياسة الأمريكية
الساعة 20:40

قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن التحفّظات بشأن الانخراط العسكري الأمريكي في الحملة الجوّية السعودية في اليمن تتزايد في إدارة الرئيس أوباما، لا سيما وأن بعض أعضاء الكونغرس ومنظّمات حقوق الإنسان يكيلون الاتّهامات للولايات المتّحدة بالوقوف خلف ما يجري على ساحة الصراع هناك، وذلك على ضوء قيامها بأكثر من 1000 طلعة جوّية لتزويد الطائرات السعودية بالوقود، بـ"ملايين الجنيهات"، فضلاً عما قدّمته لـ"التحالف السعودي" من خدمات دعم فنّي واستشاري على أكثر من صعيد في تلك الحرب.


واستندت الصحيفة إلى إحصاءات الأمم المتّحدة في تتبّع ورصد أرقام الضحايا منذ بدء الصراع في اليمن في مارس العام 2015، إذ تجاوز عدد الضحايا المدنيين جرّاءه الـ 4000، وهي حصيلة يتحمّل طرفا الحرب المسؤولية عنها، وفق "واشنطن بوست".


ورأى التقرير، الذي حمل عنوان "(أرقام) الضحايا المدنيين في اليمن تثير اتّهامات بتحمّل الولايات المتّحدة المسؤولية عن التصرّفات السعودية"، أن "إدارة أوباما تواجه ضغوطاً متزايدة في الوقت الحالي من أجل إعادة النظر في دعمها العسكري" للحملة الجوّية التي تقودها الرياض، "التي كان يفترض بها أن تكون عملية (عسكرية) قصيرة، تتركّز حول الدفاع عن الحدود السعودية"، وليس "حرباً مفتوحة، وهجومية الطابع"، كما هي عليه اليوم. كذلك، أورد التقرير أسباب السعودية وتبريراتها لتلك الحرب، والمتمثّلة بشكل أساسي، بـ"كبح ودحر تقدّم الغريم الإقليمي إيران، وحلفائها الشيعة" على حدودها الجنوبية، كما تطرّق التقرير إلى تبريرات الرياض لسقوط ضحايا مدنيين في اليمن، حيث "نفعل كلّ ما هو ضروري لتجنّب الوقوع في أخطاء"، وإن كان "من الممكن أن تقع" مثل تلك الأخطاء في أي حرب، كما جاء على لسان مسؤول عسكري سعودي خلال مؤتمر صحافي في برلين.


وقد نقلت الصحيفة الأمريكية عن مسؤول رفيع في وزارة الخارجية قوله إن الجهد الحربي "الهجومي" و"العدواني" للقوّات السعودية في اليمن "من شأنه أن يثير الكثير من التساؤلات في أذهان صنّاع القرار السياسي"، متسائلاً عمّا إذا كان التحالف بين بلدين يعني أن يقوم أحد هؤلاء بمنح الآخر "شيكاً على بياض للقيام بكلّ شيء في حرب ما"، في إشارة إلى الغارات السعودية على اليمن. وبحسب تقرير "واشنطن بوست"، فإن المسؤولين الأمريكيين، "وعلى الرغم من الضربات المتكرّرة على المدارس والمستشفيات"، لا يرون مفرّاً من "استمرار دعم (الحليف السعودي)، نظراً للرغبة الشديدة في تعزيز العلاقات الثنائية التي اهتزّت بفعل صفقة الرئيس أوباما النووية مع إيران، والقانون الجديد" المرتبط بمحاسبة المتورطين في أحداث سبتمبر 2001.


وتابع التقرير، الذي أعدّته الصحفية ميسي رايان، أن الحرب في اليمن "تظهر التصادم والتعارض غير المريح بين المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط والعواقب (الوخيمة) المترتّبة عن ذلك". كما اعتبر التقرير، ونقلاً عن مسؤولين أمريكيين، أن تلك الحرب، التي تعدّ مثالاً صارخاً على "لامبالاة" واشنطن حيال سقوط ضحايا مدنيين، تمثّل "سابقة مقلقة"، تقوم فيها الولايات المتّحدة بتقديم الدعم العسكري لـ"عملية تنمّ عن رؤية محدودة الأفق، وقدرة أقلّ على السيطرة". كما عبّر مسؤولون آخرون للصحيفة بقولهم إن سقوط ضحايا مدنيين يضع بلادهم في "موقف حرج"، لا سيما وأن الرياض "حليف وثيق" لواشنطن التي يحظى دعمها العسكري لحلفائها السعوديين بـ"قيمة رمزية"، و"عمليّة"، وفق تعبير سكوت بول، المستشار السياسي لدى منظّمة "أوكسفام أمريكا". وفي السياق عينه، أوضح بول أن "الدعم الدولي للتحالف (السعودي)، لعب دوراً كبيراً في دعم المجهود الحربي، وكذلك، في تشتيت الانتقادات، وفي منح الشرعية للمتحاربين، الذين يمكن لهم تسوية هذه الحرب سلميّاً، إذا ما أرادوا ذلك".


على ضوء ذلك، ذكّرت رايان بوجود نحو 20 مليون يمني، يفتقرون إلى الغذاء، والأدوية، وسواها من المواد الأساسية، كما عرّجت على الاتهامات الموجهة لكل من "الحوثيين"، و"التحالف السعودي" باستهداف المدنيين، ومنشآت مدنية مختلفة، مشيرة إلى أن "أحد أسباب الخسائر الكبيرة في أرواح المدنيين، والدمار اللاحق في البنية التحتية، يعود إلى أن القتال يتركّز في مناطق التواجد السكاني الكثيف، حيث يتعذّر التمييز بين الأهداف"، وفق ما تقوله منظّمات حقوقية عدّة. لا تقوم به الجهات الأمريكية المعنية بـ"مراجعة الأهداف السعودية بشكل مسبق"


كذلك، لفتت رايان إلى ما عبّر عنه عضو الكونغرس عن ولاية كاليفورنيا، والعقيد في احتياط سلاح الجوّ الأمريكي، تيد ليو، حين قال إن "هناك أدلّة قويّة" على ارتكاب التحالف السعودي "جرائم حرب في اليمن"، مشدّداً على أن "الولايات المتّحدة لا يجب أن تدعم وتحرّض على قتل المدنيين".

على هذا الأساس، لم يفت الكاتبة الإشارة إلى ما وصفته بـ"الخطوات غير المسبوقة" من جانب عدد من أعضاء الكونغرس لتحدّي المملكة العربية السعودية، خلال الأشهر الأخيرة، على غرار خطوة التصويت "غير الموفّقة" على وقف صفقة أسلحة إلى الرياض، ونجاح المؤسّسة التشريعية في تجاوز "فيتو" الرئيس أوباما على قانون يتيح لأهالي ضحايا هجمات سبتمبر مقاضاة السعودية، الأمر الذي يعدّ "تحوّلاً في مواقف الكونغرس تجاه حليف أساسي في الشرق الأوسط"، وفق رايان.


وفيما يتعلّق بجهود التحقيق في مجريات الحرب في اليمن، أشارت رايان إلى لجنة التحقيق (الوطنية) اليمنية التي شكّلتها السعودية، والتي حظي عملها بانتقادات لاذعة من قبل الجمعيات الحقوقية الدولية، لجهة "المصداقية"، فضلاً عمّا لاقاه من "خيبة أمل" داخل إدارة أوباما، لجهة "الاستنتاجات الأوّلية" لفريق التحقيق المذكور.


وأشارت رايان إلى تصريحات المسؤولين الأمريكيين بشأن "محدودية" دعم بلادهم للتحالف السعودي خلافاً لما يعتقد حول حجم هذا الدعم. كما لفتت الكاتبة إلى قيام واشنطن بتزويد حلفائها الخليجيين بلائحة من الأهداف التي لا يجدر بهم ضربها، بما فيها "الأهداف المدنية المعروفة"، ومنشآت "البنى التحتية"، في وقت لا تقوم به الجهات الأمريكية المعنية بـ"مراجعة الأهداف السعودية بشكل مسبق"، إلى جانب "لإحجام عن استخدام الصور الجوّية للطائرات بدون طيّار"، في العمل على تحديد بنك أهداف "التحالف"، فضلاً عن عدم اضطلاع أطقم المستشارين الأمريكيين بأي أدوار، لجهة تحديد ذخائر الغارات، كمّاً ونوعاً. إلى ذلك، لفتت "واشنطن بوست" إلى ما أفادت به مصادر رسمية حول أن "تكرار الغارات السعودية على المناطق المدنية"، إنما يعود لـ"غياب القدرة أو الكفاءة"، ولا يتعلّق بعملية "تحايل" أو "دهاء ما"، لا سيما وأن بعض المستشارين القانونيين، والمحامين العسكريين الأمريكيين (الذين يعملون ضمن فرق الجيش الأمريكي التي تختار الاستراتيجيات والأهداف، بل حتّى الأسلحة المستخدمة) سبق وأن صرّحوا بأن الإجراءات السعودية في اليمن "لم تشكّل أي انتهاك للقوانين"، وأن سقوط الضحايا المدنيين جرّاءها، يعدّ خطأ "غير مقصود"، منوّهين بدعم واشنطن الذي جعل حملة "التحالف" السعودي في اليمن، أكثر سلاسة، وبأخطاء أقلّ.


وبعد الإشارة إلى هيمنة الرياض على قرار الحملة الجوّية على اليمن، نقلت رايان عن مسؤول عسكري رفيع قوله إن بلاده تريد من السعوديين "أن يقوموا بحملتهم بشكل يتوافق مع قوانين النزاعات المسلّحة، وبشكل يحدّ من الخسائر البشرية" في ذلك البلد، مشدّداً على أنه للولايات المتّحدة حربها، وحملتها الجوّية، الخاصّة بها (بعيداً عن النزاع اليمني)، وهي تلك المرتبطة بمكافحة تنظيم "الدولة الإسلامية".


ومع ذلك، أوضحت "واشنطن بوست" حقيقة ما "يعترف به" مسؤولون عسكريون أمريكيون بشأن مدّ الرياض بأنواع مختلفة من الأسلحة والدعم العسكري، رغم أن هؤلاء "حاولوا منذ البداية، توجيه دعمهم لمساعدة السعودية على حماية حدودها، بدلاً من تمكين العمليات الهجومية داخل العمق اليمني". وأضافت الصحيفة بالقول إنه "بالنسبة للبنتاغون، الذي يقف قبالة سلالات الحروب الممتدّة من العراق، إلى سوريا، فأفغانستان، وليبيا، فإن دوراً ثانوياً للولايات المتّحدة لهو نتيجة طبيعية لجهد يعود لأعوام خلت، في بناء القدرات العسكرية السعودية". وعلى حدّ ما عبّرت عنه جهات رسمية للصحيفة، إذا كان "في مقدور الحلفاء العمل (بشكل منفرد) على (تحصين) أمنهم، فإن ذلك سوف يقلّل من الحاجة لتمركز قوّات أمريكية على امتداد المنطقة".


وفي حين يستبعد مسؤولون عسكريون أمريكيون أن يؤدّي إيقاف بلادهم للدعم العسكري للرياض، وتعليق مبيعاتها من الأسلحة إلى المملكة، إلى "نتائج أفضل للشعب اليمني"، عادت الصحيفة إلى تصريحات عضو الكونغرس الأمريكي، تيد ليو، حين تساءل "لم نقوم بتزويد طائرة تحمل قنابل، بالوقود، إذا لم نكن على علم بالأهداف التي ستقوم بضربها؟"، قبل أن يشدّد على أن ملء خزّانات طائرة حربية، أغارت على مستشفى، بالوقود، "يعدّ مشكلة".


بحسب الصحيفة الأمريكية، "فإن العديد من المسؤولين يرون أن الحلّ التفاوضي للنزاع (اليمني)، رغم أنه بعيد الاحتمال، يعدّ السبيل الوحيد للخروج من مأزق عدم وجود نهاية واضحة في الأفق". ومن منظور أحد المسؤولين، فقد شكّل "تقديم الدعم لحليف رئيسي، أمراً مفروغاً منه، عندما بدأت العملية"، وذلك في إشارة إلى العملية العسكرية التي تتزعّمها الرياض في اليمن. كذلك، أدلى المسؤول المذكور للصحيفة بقوله "كان هناك شعور عارم بأن ذلك هو عين الصواب"، قبل أن يعاود القول بأنه "مع مرور الوقت، تغيّرت المواقف، حيث برهن الحوثيون عن مرونة عالية"، مشيداً بنفسهم الطويل على هذا الصعيد.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص