السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
الطريق إلى الضالع: من هنا مرّت الحرب قبل عامين
الساعة 14:26 (الرأي برس - عربي )

تقع مدينة الضالع على الشمال من عدن. تبعد عنها 130 كلم تقريباً. للوصول إليها لن تجد كثير عناء. الطريق الرابط بين المدينتين يزدحم بالمركبات على مختلف أنواعها، غير أن سوء حالة الإسفلت ورداءته وكم الحفر على طول الطريق تشكّل عائقاً حقيقياً وخطيراً على المسافرين، تبدأ من الخطّ الواصل بين مدينتي الحوطة ودار سعد، الذي لم تمرّ على إعادة تأهيله سوى 4 سنوات فقط.


وتستمرّ معاناتك كلّما اقتربت من وجهتك، لتكتشف أن كثرة التعرّجات على الطريق والمنحنيات والصعود والنزول كان يمكن تلافيها بقليل من الجهد والإخلاص عند تنفيذ المشروع ابتداء. وأنت تلج المدينة، لا تستطيع أخذ انطباع مختلف أو تحديد شعور معين غير صور وأحاديث وروايات سابقة عن أهل الضالع، تتمحور أغلبها وتتّفق على أن الرجل منهم نسيج وحده بضاعته الصدق والمواجهة، وكم هائل من الحدّة والطيبة والإباء، مجتمعات بشخصه.


"المدرسة الصفراء"
شهدت مدينة الضالع بداية الحرب الحالية مواجهات شرسة وحرباً ضروساً بين مسلّحي "الحراك الجنوبي" ووحدات الجيش اليمني، مسنودة بمسلّحي جماعة "أنصار الله"، حيث كان الجيش اليمني يصرّ، وبقوّة، على الزحف إلى عدن، مروراً بالضالع، وهو الأمر الذي رفضته قيادات قوى "الحراك الجنوبي"، وقاتلت دون حدوثه. يحدّثك المواطنون عن معارك والتحامات واشتباكات بين الجانبين، وصلت في أحايين كثيرة حدّ الاشتباك بالسلاح الأبيض. هي إذاً مروية "الصمود والحرب"، حرب آثارها تلاقيك حيثما تجوّلت، قبل أحاديث الناس بمبان مدمّرة وجبال تتراصّ فيها عشرات الخنادق والمتارس، بادية وشاهدة. "المدرسة الصفراء" وحدها تحدّثك جدرانها الممزّقة بعشرات الآلاف من طلقات الرصاص والدوشكا، اخترقت كلّ شبر فيها، ساحتها المطلولة بدماء فرقاء تواجهوا وسطها طعناً بالنصال، بعد أن نفدت ذخيرتهم، لم تُدرس بعد.


أسابيع وأيام ظلّ المتحاربون فيها يتّخذون صفوف "المدرسة الصفراء" متارس وسبورات، عليها بقايا شعارات "الحراك الجنوبي"، استخدمها المقاتلون سواتر في مواجهات النصال والرصاص. المعركة هنا استثنائية بكلّ المقاييس، مقاطع الفيديو التي صوّرها الأهالي لمحاربين تفصل بينهم أمتار معدودات ومواجهات، هي باختصار لقاءات الندّ للندّ، وجهاً لوجه. هنا حيّد المقاتلون السلاح الثقيل الذي لم يكن بإمكانه التفريق بين الأصدقاء والأعداء.


يستشهد البعض هنا بكلام علي البخيتي، عضو المجلس السياسي السابق لـ"أنصار الله"، أنه "في الضالع أسود تقاتل، وبمعركتها يعتزّ أنصارالله بأن هزيمتهم الأولى كانت بأيدي رجال لا تهاب الموت، حملت بسالة شعب الجنوب وطهر قضيته العادلة". ومن هذه المدينة، وبين سهولها وجبالها السوداء، انكسرت "أسطورة" "أنصار الله"، كما يحلو للبعض الآخر أن يقول.


"دار الحيد" 
أوّل مبنى يقابل ناظريك وأنت تلج مدينة الصمود، متربّعاً أعلى قمّة تتناثر على سفحها بيوت مدينة الضالع القديمة، وأسفلها سوقها الوحيد، وفي الدار وعلى محيطه دارت أشرس المعارك والمواجهات، بين مسلّحي "الحراك الجنوبي" وقوّات الجيش اليمني، منذ بداية العام 2010 تقريباً، نظراً لموقعه الاستراتيجي، ورمزيته لدى أبناء الضالع، وكون السيطرة عليه تعني التحكّم بكثير من المرتفعات والهضاب المنتشرة حول المدينة والقرى القريبة منها، ولا يوازيه أهمّية من الناحية العسكرية إلا جبل المضلوم، المطلّ على معسكرات أسّستها بريطانيا التي كانت تتّخذ من المدينة قاعدة أنشأت فيها معسكراً، بنت وسطه كنيسة للصلاة، لا تزال قائمة حتّى اليوم. لم يبق من دار الحيد إلا هيكل جداريه الأيمن والأيسر، فيما تكفّلت قذائف المدفعية والدبّابات بتهديم بقية أجزائة قبل الحرب وأثنائها. 


بين "الرئيس" و"القائد"
يقف بك الباص وسط السوق، حيث تنتصب خلفك صورة كبيرة للرئيس علي سالم البيض، وأمامك مباشرة صورة بذات الحجم للقائد البارز في الحراك الجنوبي، محمد فضل الجباري، واحد من أهمّ قيادات "الحراك الجنوبي"، اغتالته، بحسب تحقيقات، عناصر من "القاعدة"، مطلع العام 2013، وشكّل مقتله ضربة قوية لقوى "الحراك الجنوبي" آنذاك. حرب آثارها تلاقيك حيثما تجوّلت
الضالع والسياسة... الرابط الأبدي


لم تك الضالع يوماً في منأى عن الوضع السياسي في الجنوب، منذ الخمسينات، إذ أقامت فيها بريطانيا عدداً من المعسكرات والمدارس، والتي ما زالت شاهدة على ازدهار تلك الحقبة، ما حدى بكثير من المناضلين وكبار السنّ يحدّثونك بحنين وإعجاب وحسرة! وأنه كيف كانت طائرة الهيلوكبتر تأتي من عدن لنقل امرأة تعسّرت في ولادتها، أو طفل صغير حبس عنه البول، ويقيمون المقارنات بالوضع الحالي، حيث المستشفى المركزي الوحيد في المدينة كان من مخلّفات المستعمر. وظلّت الضالع، ولا تزال، رقماً صعباً في المعادلة السياسية في حقبة ما بعد الاستقلال وما تلاها، وحتّى اليوم، فهي المدينة الأولى التي سقطت بأيدي "الثوّار" في الجنوب بعد الاستقلالين الأوّل والثاني.


صورة مغايرة
الدمار ومياه المجاري وغياب الخدمات الأساسية، من كهرباء وماء وبنى تحتية منهارة تماماً، عوامل مشتركة لهذه المدينة، القليلة السكّان، الكبيرة برمزيتها. تسأل أحدهم عن سرّ سكوت الناس على كثير من الخدمات الأساسية غابت عن هذه المدينة "الصامدة"، يجيبك مبتسماً "نحن نبحث عن وطن بعودته تعود إلينا الحياة بمباهجها". لك الخيار آنئذ بتحديد الوجهة: أمامك مباشرة "لواء عبود"، كما يطلق عليه سكّان المدينة، وإلى يسارك "موقع العرشي"، وهو موقع يحدّثك أبناء الضالع عن مواجهات وملاحم أسطورية دارت فيه بين مسلّحي "الحراك الجنوبي" وقوّات الجيش اليمني، في حرب 2014، وصلت، بحسب الأهالي ومقاطع فيديو صوّروها، حدّ الإلتحام المباشر في محاولات السيطرة عليه.


ويمين المدينة، من الجهة الشرقية، موقع الخزان الذي شكّل سقوطه بيد "مقاومة الضالع"، بقيادة عيدروس الزبيدي، نقطة مفصلية غيّرت مسار المعركة لصالح "المقاومة"، وتهاوت بعد سقوطه قوّات الجيش المسنودة بمسلّحي "أنصار الله"، وتمكّنت "المقاومة" من بسط سيطرتها على "لواء 35 مدرّع"، وإبعاد الجيش إلى منطقة مريس.


بعد "التحرير"
عامان على "تحرير" الضالع، ولا تزال المدينة تعيش بلا كهرباء أو ماء، وسلطتها المحلّية والأمنية تواصل جهودها لتسيير الحياة بالحدّ الأدنى، ودون ميزانية تشغيلية. صورة مغايرة تماماً يحويها الجانب الشرقي لمدينة الضالع، وهي بحيرة مجارٍ مكشوفة، استعصى مشروع ردمها على كثير من قيادات السلطة المحلّية السابقة، على الرغم من وجود المخصّص المالي المقدّم من إحدى المنظّمات الدولية. تقع بالقرب من بحيرة مجاري الصرف الصحّي مدرستان، ثانوية للبنات وأخرى ابتدائية ملاصقة، وبينهما روضة أطفال، وعلى مرمى حجر منها تنتشر عشرات المرافق الصحّية، عامّة وخاصّة، تتوزّع بين مخازن أدوية ومختبرات ومستوصفات، ومركز للأمومة والطفولة. أمّا مخزن أدوية المستشفى المركزي، فقد استقلّ بـ"بالوعة" خاصّة به، مرّ على وجودها شهور، بحسب عمّال النظافة في المستشفى.


ولا غرابة إذاً أن ترى تنامياً لقطاع الأدوية وعشرات الصيدليات، تتراصّ بجانب بعضها، مدرّة على أصحابها مبالغ طائلة، بفضل انتشار الأوبئة والأسقام والأدواء. والحقيقة أن المدينة، على طول صبر أهلها، ظلّت لعقود مغيبة تماماً من المشاريع التنموية والبيئية، ولم تستطع السلطة المحلّية التي كانت قائمة قبل الحرب الأخيرة، حتّى بعد اعتماد الضالع كمحافظة، الحفاظ على البنية التحتية التي كانت على بساطتها قائمة في المدينة حتّى حرب صيف 94، حيث سطا متنفّذون على المساحة والمتنفّس الوحيد فيها (الحديقة)، وباعوها، لتقام عليها هياكل عشوائية، سمّيت مجازاً دكاكين، وباقي المساحة حوّلت إلى سوق للقات، تتنافر بوسطه كنتونات حديدية، يؤجّرها متنفّذون، كبقالات ومحلات لخدمة الجوّال. هذه الصورة أضرّت كثيراً بمدينة الضالع اجتماعياً وبيئياً وحضرياً، فقد شكّل سوق القات عائقاً كبيراً لخطّ سير المرور، ومرتعاً خصباً لانتشار الأمراض والقاذورات، ومنظراً متخلّفاً، مقارنة بحاله في سنوات سابقة، حين كان السوق المركزي بوسط المدينة يحوي مساحة معقولة لبائعي القات والخضروات واللحوم وتجّار التجزئة والمتجوّلين. كما سطا المتنفّذون على "دار الضيافة" بجانب الحديقة، وحوّلوا المساحة الغناء حوله إلى أرض جدباء، بيعت وأقيمت فيها بغير تخطيط غرف لحلاقة الشعر، و"لو كندات" أشبه بالغرز.

 

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً