السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
لا يزال هناك متّسع للفرح
الساعة 09:55 (الرأي برس - عربي )

حرب وفقر وحصار، لكن لا يزال هناك متّسع للفرح. هنا، في شمال الشمال، يمثّل عيد الأضحى مناسبة لإقامة حفلات الزواج ومهرجان سنوي لإحياء الموروث الشعبي في بيئة قبلية تتمسّك بتقاليدها، رغم مغريات العصر. أفراح تحت القصف، وأعراس جماعية في ظلّ تحليق مكثّف للطيران. مواكب زفاف لصغار السن، ومواكب تشييع لضحايا الحرب، ويحضر السلاح والرصاص في الأفراح والأتراح، ويتنقّل السكّان من مجلس إلى آخر لتقديم التهاني والتعازي، ولتخفيف أحزان من فقدوا أقارب لهم تحضر عبارة "الحي أبقى من الميت".


تمايز طبقي
يحضر السلاح في الأعراس بوفرة، ويطلق الرصاص في الهواء بكثافة، وتتكشّف للزائر التراتبية الطبقية في المجتمعات القبلية: سادة، مشائخ، قبائل، مزاينة، دواشين... فالسيد يتمسّك بارتداء الأبيض من الثياب بتصميم يميّزه عن غيره، كما يتكلّف الوقار والمشي بتثاقل. والشيخ يتوسّط المجالس ويهيء له متّكأ يجسّد مكانته بجانب السيّد في قمّة الهرم القبلي. والمزين يقرع "الطاسة والطبل" ويمتهن حلاقة الشعر، ويطوف على المجالس ليقف أمام مرتاديها فرداً فرداً، فارداً رداءه للحصول على ما تجود به أيديهم من أعشاب القات، يشاركه "الدوشان" في تسوّل أغصان القات، والذي يكيل المديح شعراً ونثراً، ويمنح أفراد الطبقات التي تمارس التهميش بحقّه محامد وألقاباً قد لايستحقّونها، ويصنع مع "المزين" الأفراح في مجتمع متعالٍ.


مفارقات
لقد عادت آلة "المزمار" في الكثير من المناسبات الفرائحية في شمال الشمال، بعد عقود من تحريمها في المناطق التي امتدّ إليها فكر السلفية و"الإخوان المسلمين". وفي الوقت الذي يزدري فيه "الحوثيون" العازف على آلة العود، فإنهم يرون في المزمار جزءاً من الموروث الشعبي، تجب المحافظة عليه. ومع إخضاع المحافظات الواقعة شمال صنعاء لسيطرتهم، عادت الموشّحات الدينية لتحلّ بدلاً من الأناشيد التي ازدهرت في ظلّ "المعاهد العلمية" التي كانت تابعة لـ"حزب الإصلاح"، لتزدحم مفردات الموشّحات التي اجتاحت المناسبات اليوم بمديح آل الرسول محمد وفضائل الإمام علي بن أبي طالب ومناقب الحسن والحسين وفاطمة "البتول الزهراء". واللافت هنا أن المجتمعات القبلية لم تعد تستسيغ سماع "النشيد الإسلامي"، لكن الأعراس فيها اليوم مرتبطة بحضور فرق العزف على "الأورج"، ومع حلول وقت "الزفة" في الأعراس يحلّ الطرب ورقص الشباب على غنائيات الحارثي والآنسي وفيصل علوي والسمة والسنيدار، ويستعذب الضيوف "ياورد يا كاذي" و"يا صبابين القهوة زيدوها هيل". يرى "الحوثيون" في المزمار جزءاً من الموروث الشعبي، تجب المحافظة عليه


أفراح وأتراح
قصف طيران "التحالف"، الذي تقوده السعودية، فجر يوم عيد الأضحى، مصلّى العيد في مدينة عمران، وأصيب خمسة مدنيين بجروح متفاوتة. أسعف السكّان الجرحى إلى مستشفى السلام، وعاد الكثير إلى صلاة العيد وتبادل التهاني في نفس المكان الذي تعرّض للقصف. وفي حين استقبل السكّان في قرية يشيع بمديرية خمر بعمران جثامين محمد وثاب وعبد العزيز مرشد ومحمد شايف، أقاموا عرساً جماعيا لعبد الخالق مرشد وحيدر مجاهد وعبد الهادي مرشد وطارق غيثان. 


وكما تفوح الرياحين والنباتات العطرية في المنازل العامرة بالأفراح، فإن مقابر ضحايا الحرب تكتظّ بالزوار الذين يصطحبون معهم الأزهار والرياحين لوضعها على أضرحة موتاهم.


إصطناع الفرح
وبرغم مشاهد البؤس والحرمان التي ترتسم في وجوه السكّان بسبب الحرب والحصار وغلاء المعيشة، إلا أن العادات القبلية لا تزال ملزمة للفقراء باصطناع الفرح والتفاخر، حتّى مع اقتراض المال. لذا فإن كلّ الأسر في أرياف شمال الشمال ترى في أضحية العيد ضرورة وسنة يجب اتّباعها، ويحفظ الصغار والكبار أن "الكبش يضحّي اذا تجاوز عمره ستّة أشهر، والتيس عام، والثور عامان، ويتشارك فيه سبع أسر، ومخالفة ذلك لا تجوز شرعاً". الجميع هنا "يضحّي"، عدا "المزين"، في كلّ قرية، فتتكدّس في منزله رؤوس الأبقار التي يذبحها في العيد، فالرأس هو كل ما منحه العرف القبلي له من الأضاحي.


مواكب فرح مسلّحة 
ترافق المواكب المسلّحة وزخّات الرصاص كافّة طقوس الأعراس في الأرياف، ومع مخزون الذخيرة الوفير الذي جلبته الحرب فإن السكّان لم يعودوا يكتفون بإطلاق الرصاص من الأسلحة الخفيفة، فالرشّاشات "12.7" ترحّب بكلّ ضيف قادم إلى العرس. والعريس يخرج على جموع المهنّئين على دوي الرصاص. والعروس تصاحبها النيران من بيت أهلها إلى منزل زوجها. وتتواصل الأفراح طوال أيام العيد، ويتواصل قصف الطيران في أكثر من مكان، ويحلّق بكثافة في سماء المنطقة.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً