السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
آنس... منبت المقاتلين
الساعة 14:32 (الرأي برس - عربي )

على مدى قرن كامل، اتّخذت أنظمة الحكم المتعاقبة على صنعاء، قبلية آنس خزّاناً بشريّاً لا ينضب، منه تضخّ الرجال، للسلم كما الحرب.


على الرغم من اختفاء اسم آنس أثناء التقسيم الإداري لأراضيها إلى أربع مديريات (ضوران، والمنار، وجبل الشرق، وجهران، يصل عدد سكّانها إلى حوالي نصف مليون مواطن)، بقيت حاضرةً كتجمّع قبلي قوي، يخرّج من أبنائه على الدوام حملة السلاح في صفوف مختلفة.


يقول ضابط متقاعد في قوّات الفرقة الأولى مدرّع - المنحلة،  إن عدد أبناء آنس في تشكيلات الجيش والأمن يتجاوز ثمانين ألفاً، بينهم عدد لا بأس به من الضبّاط، لافتاً إلى أن قوّات الفرقة التي كان يقودها علي محسن الأحمر تتجاوز 14 ألف جندي وضابط من أبناء آنس.


وإبّان الحرب الخامسة، يروي الضابط، الذي فضّل عدم كشف هويته، أن جنديّاً في قوّات الفرقة التي دفع بها لقتال الحوثيين في محافظة صعدة، قتل، ولدى عزاء أسرته، وصلها جثمان ابنها الآخر، الذي كان يقاتل في صفوف الحوثيين!


تلك هي آنس، القبلية التي تجرّ أبناءها إلى طقم الدولة، أو طقم الشيخ، أو أخيراً طقم السيد. يعود ذلك، بحسب رئيس مركز "أبجد" للدراسات والتنمية، فؤاد النهاري، إلى نظرة المجتمع السائدة هناك، على أن العسكرية أقصر الطرق لضمان المستقبل. يغذّي هذه الإعتقاد "قلّة مستوى الوعي، وعدم وجود المؤسّسات التعليمية في المنطقة بشكل كاف، وقبل ذلك الفقر". ويتابع النهاري "لذا لا تستغرب أن تجد خمسة، أو حتّى ثمانية، أفراد من أسرة واحدة، كلّهم جنود، وهذه ميزة تنفرد بها منطقة آنس عن غيرها".


وأشار إلى عامل آخر، لا يقلّ أهمّية عن العوامل الأخرى، وهو العامل الاجتماعي، "لدى عودة بعض الجنود من ثكناتهم إلى قراهم، هناك من المراهقين والشباب من يريد أن يكون مثلهم".


آنس في صف الملكيين
إستخدم النظام الملكي (المملكة المتوكّلية اليمنية) القبائل في رفد وحدات الجيش بالرجال. آنس التي كانت يد الملك أحمد حميد الدين في الحديدية لضرب القبائل الأخرى المتمرّدة في المناطق الوسطى، ومن قبله والده يحيى حميد الدين.


وأثناء ثورة 26 سبتمبر 1962م، انقسمت القبلية، بين مؤيّد للثورة وبين معارض لها. وعلى مدى السنوات التالية، تعرّضت مناطق آنس للقصف الجوّي من الطائرات المصرية المؤيّدة للثورة الوليدة، وبقيت معقلاً من معاقل الملكية، يقود ذلك التوجّه العامّ الضابط في القوّات الملكية، قاسم سُقل، الذي اعتبر لسنوات طويلة واحداً من أعمدة القوّة الملكية في المناطق الوسطى، ويحسب له أنه قاد الآلاف من رجال القبائل مع الشيخ ناجي علي الغادر، ليطبق الحصار على صنعاء من جهة الجنوب، قبل أن يعلن انضمامه إلى ركب الجمهوريين، إثر اتّفاقيات سياسية مطلع سبعينات القرن الماضي بين الملكيين والجمهوريين. وضعت الحرب أوزارها، لتبدأ قبلية آنس مرحلة جديدة في العسكرية.


قوّات العمالقة
كانت قوّات العمالقة (القوّة الضاربة لنظام الرئيس اليمني الراحل، إبراهيم الحمدي، تولّى قيادتها الراحل عبد الله الحمدي، تتّخذ من مدينة ذمار مقرّاً لها، وقد تمّ بعناية فائقة اختيار جنود هذه القوّات) ستّة آلاف جندي وصف وضابط، هم قوام العمالقة، الربع منهم تقريباً من آنس. هذه الشهادة قدّمها جندي سابق في تلك القوّات، هو جميل الفلاحي، لـ"العربي". وبعد اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي مع شقيقه عبد الله، انهارت تدريجياً تلك القوّات، وزاد من تفتّتها محاولتها الثأر من نظام الرئيس الجديد، أحمد الغشمي.


في حرب 1994م
علي محسن الحصني، قتل والده على مقربة من قاعدة العند الإستراتيجية، أثناء حرب صيف 1994م بين قوّات الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، وقوّات موالية للرئيس الأسبق، علي سالم البيض.

كان والده، واثنان من أعمامه، ضمن 12 جندياً قتلوا في تلك الحرب، من أبناء قريته. في حديثه، لـ"العربي"، يقول "أبي واثنان من أعمامي قتلوا في تلك الحرب، وأصيب 38 شخصاً، بعضهم عاد بدون إحدى أطرافه". علي محسن الحصني، قتل والده على مقربة من قاعدة العند الإستراتيجية، أثناء حرب صيف 1994م


قرية الحصني، يطلق عليها "القاهر". تبعد عن مدينة ذمار نحو 28 كم إلى الغرب. تتبع إدارياً مديرية المنار. عدد سكّانها زمن اندلاع الحرب لا يتجاوز 1200 نسمة. كان 47 شابّاً منخرطين في تشكيلات الجيش والأمن من أبنائها. وفق ما أكّد الحصني.


ثورة 11 فبراير
في تلك الانتفاضة الشعبية ضدّ نظام صالح، قدّمت قبلية آنس 10 من شبابها، قتلوا في أماكن مختلفة أثناء محاولات وحدات من الحرس الجمهوري الموالي لصالح، أو قوّات الأمن المركزي في صنعاء، فضّ اعتصام ساحة التغيير.


وما يثير الحزن حقّاً، أن جلّ أفراد وحدات الإقتحام في الحرس والأمن ينتمون إلى آنس، وفق الناشط السياسي، علي المسعدي، ويتابع المسعدي "في الوقت الذي كان هناك الآلاف من أبناء آنس في صفوف المعتصمين في صنعاء وذمار وبعض المدن اليمنية، كان هناك آخرون من أبناء آنس في الصفّ المقابل لهم".


ولدى مواجهة الحماس الثوري، قطع أبناء آنس طريق الحديدة ذمار، وهو خطّ الإمدادات العسكرية إلى صنعاء، ومنعوا مرور شاحنات الأسلحة والدبّابات، بعد قطع طريق مناخه من قبل أبناء منطقة الحيمة في صنعاء. ويحسب لآنس أن بين العشرين من المتّهمين بالوقوف وراء حادث النهدين (محاولة اغتيال صالح والصفّ الأول من نظامه في 2011م) منهم 8 من أبناء المنطقة.


آنس تقاتل آنس
في خارطة توازن القوّة، شكّلت قبلية آنس واحدة من علامات القوّة، وفي مرحلة الصراع بين أطراف الصراع اليمني الحالي (بين القوّات الموالية لهادي، والجماعات الإسلامية الموالية لـ"الإصلاح"، وبين جماعة "أنصار الله" والقوّات المحسوبة على صالح)، جيّشت القبلية ضدّ بعضها في داخل أرضها وخارجها. ويرى عضو المجلس الأعلى لـ"مقاومة ذمار"، محمد الواشعي، أن الصورة النمطية لآنس، بأنها جندي النظام، قد لا تتطابق مع الواقع حالياً. ويقول الواشعي، لـ"العربي"، "لأبناء آنس حضور فاعل، وقدّموا عشرات الشهداء والجرحى في كلّ الجبهات ضدّ المليشيات الإنقلابية، وهناك المئات من مختلف مديريات منطقة آنس ملتحقون بالمقاومة والجيش الوطني، بل ومن أوائل المبادرين إلى الإنضمام إلى صفوف الأحرار يوم أن كانت مأرب على وشك السقوط"، مشيراً إلى "تحرّكات حثيثة"، وتواصل مع عدد كبير من الشخصيات والمشايخ والوجهاء في آنس ومختلف المديريات، "للدفع بهم لرفض التواجد الحوثي في المنطقة".


ولفت الواشعي إلى أن جماعة "أنصار الله" استغلّت ظروف الحياة المعيشية الصعبة في كسب تأييد البعض، ولكنه تأييد محدود ووقتي و ليس ولاء عقائدياً كما يروّج له الإعلام.


ويضيف "قبائل آنس هي أوّل من خاض حرباً ومواجهة مع الحوثيين، الأولى في سمح ومدينة ضوران، والثانية في طلحامة بمديرية جهران، والثالثة في عزلة الجعافرة بمديرية المنار وفي جبل الشرق، عقب مهرجان تأييد الشرعية في مايو 2015م، ويبقى تقديم الدعم هو الحلقة المفقودة في جميع تلك المحطّات".


في المقابل، يقول عبد الفتاح علي البنوس،  أن عدد ضحايا آنس، ممن كانوا يقاتلون في صفوف "أنصار الله" والقوّات المتحالفة معها، وصل "إلى نحو 1500 شخص، يتوزّعون على مديرياتها الأربع، جهران وضوران والمنار وجبل الشرق، وهي المناطق التي لم تتأثّر كثيراً بالمدّ الوهابي السعودي".


ويتابع "عدد أبناء آنس في صفوف الجيش وأنصار الله يتجاوز عشرات الآلاف... لكثرة عددهم في وحدات الجيش والأمن يطلق عليهم لقب الصين الشعبية! حيث لا تخلو منهم جبهة، وكلما سقط شهيد من أي قرية أو منطقة منها، يقابله نفير واسع لأعداد كبيرة للإلتحاق بالجبهات، لأخذ الثأر للوطن ومواصلة المسيرة".


ولفت البنوس، وهو كاتب ومحلّل سياسي وأحد أبناء قبيلة آنس، إلى أن آنس "من قبائل اليمن المشهود لأبنائها بالبطولة والشجاعة والإقدام والثبات على المواقف"، مفسّراً هذا التواجد الكبير في صفوف القوّات المسلّحة والأمن بـ"ظروفهم الصعبة وعدم تمكّن الكثير منهم من الإلتحاق بالتعليم أو إكماله".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً