السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
شبام... "منهاتن" الشرق!
الساعة 20:04 (الرأي برس - عربي )

مدينة تقتات النور، وترتشف السكينة. ينام الحبّ في أزقّتها هانئاً، و يستلقي الصفو على رباها راضياً. بيوتها معجونة بالبهاء والبخور، تتنفّس الرضا، تغفو على تراتيل مساجدها. هدوؤها تأمّل، وصمتها تسبيح. تُلقّب بـ"الصحراء"، لكنّها أجمل وأقدم بكثير من ناطحات السحاب التي بناها الأمريكيّون؛ فعمرها يربو على 500 عام، وأبنيتها الشاهقة شُيّدت من الطين، من ملح الأرض. شجرة أبدعها العرب الحضارم في الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة العربية، أصلها ضارب في أعماق التاريخ، وفرعها للسماء.


المباني 
شُيّدت البيوت والمنازل من اللبن وجذوع النخيل، بطراز معماري فريد، حيث يترواح سمك جدران الدور الأرضي للمنزل الحضرمي في شبام، بين متر ونصف، إلى مترين. وترتفع طوابقها من 6 إلى 7 طوابق، بمسافة بينية من 4 إلى 6 أمتار، وتُزخرف الأبواب والنوافذ، المصنوعة من الخشب المحلّيّ (السدر)، بنقوش جمالية فريدة. يوجد في المدينة حوالي 500 ناطحة سحاب تتقارب في أطوالها ما بين 23-24 متراً، وتتراصّ بجانب بعضها البعض في تناسق مهيب فوق رمال صحراء اليمن، لتحكي قصة حضارة تركت بصمة مشرقة في التاريخ. 


ويصف أحد السيّاح العرب، لدى زيارته للمدينة قبل سنوات، شبام بأنّها تصاميم هندسية بديعة، و"تزداد دهشة الزائر واستغرابه، عندما يعلم أن بناء هذه العمارات العالية لم يدخله شيء من الحديد والإسمنت، وإنّما هي مبنية من طين مخلوط بالتبن، ومجفّف بأشعّة الشمس". ثم يسترسل في كلامه، في ذكره للبناء، قائلاً "لقد استطاعت هذه المواد البسيطة أن تتحدّى الأمطار والزوابع، فالمنازل المبنية بهذه المواد ما زالت تقف عالية متلاصقة بعضها ببعض، فتبدو كأنّها عمارة واحدة هائلة ذات هندسة متشابهة. هذه هي مدينة شبام التاريخية، مدينة السحر والجمال، مدينة الخيال، مهد العلم والتجارة، ومدينة الوادي، وكنز من كنوزه التي يفتخر بها كلّ يمني، ويعتزّ بما وصل إليه تفكير أجداده من إثراء في البناء المعماري في الوادي".


وادي بن راشد
تفيد الروايات التاريخية بأنّها سُميت بهذا الإسم نسبة إلى اسم ملكها، شبام بن حضرموت بن سبأ الأصغر. وتقع في وسط وادي حضرموت، على أطراف صحراء الربع الخالي الجنوبية، والمعروف بوادي ابن راشد، أو وادي حضرموت. ويبلغ عرض المدينة 13.5 درجة، وطولها من المشرق 116 درجة.


اعتُبرت شبام العاصمة السياسية والإقتصادية لوادي حضرموت، بل ولحضرموت كلّها، بحسب الروايات التاريخية، إذ تشير المصادر التاريخية إلى أنّها احتلّت مكانة كبيرة في القرن العاشر الهجري، عندما دخلها زياد بن لبيد الأنصاري، ليكون عاملاً للرسول الأكرم على حضرموت، فاتّخذها مقرّاً له لإقامته، متنقّلاً بينها وبين مدينة العلم المعروفة في حضرموت، وهي مدينة تريم.
مؤرّخون


وبحسب المؤرّخين، فإن مدينة شبام القديمة أكبر مما هي الآن. وذكر الهمداني عنها: "أمّا قبيلة حضرموت فمساكنهم الجهة الشرقية والوسط من وادي حضرموت، وأولى بلادهم شبام، وسكنها حضرموت، وبها 30 مسجداً (أي في عصره إذ إن فيها حاليّاً 6 مساجد)، ونصفها خرّبتها كندة أصبحت المدينة معروفة، بشكلها الحالي، في أوائل القرن الرابع الهجري(قبيلة حضرمية مشهورة)، وسكّانها بنو فهد بن حمير وبنو فهد بن سبأ بن حضرموت". ووصفها الهمداني، أيضاً، في كتابه المشهور، صفة جزيرة العرب، بأنّها "سوق الجميع، وقصبة حضرموت". 


ويقول المؤرّخون إن هذه المدينة كانت ممتدّة حتّى الجبال التي تشرف عليها، لكنّها تعرّضت للدمار مرّتين في تاريخها. الأولى في القرن الثاني عشر، والثانية في القرن الخامس عشر، لكنّها أخذت شكلها الذي نشاهدها عليه اليوم في القرن التاسع الهجري.


معالم
أبرز معالم المدينة، هو الجامع الكبير المسمّى جامع هارون الرشيد، الذي تمّ تشييده العام 166 هجرية، بالإضافة إلى مسجد الخوقة. وهناك، أيضاً، القصر الشمالي الذي بُني سنة 617 هجرية، وكان مقرّاً لحكم الدول المتعاقبة. اتّخذه ابن مهدي في العام نفسه مقرّاً له ،وفي 618 هجرية حفر خندقاً أحاط بالحصن، ممتدّاً إلى مسجد الخوقة، وحفر علي بن عمر الكثيري بئراً بجانبه سنة 836 هجرية، وهو مازال قائماً إلى الآن بعد أن أزيلت منه ثلاثة طوابق. 


القرن الرابع الهجري 
أصبحت المدينة معروفة، بشكلها الحالي، في أوائل القرن الرابع الهجري. فقد أنشئت على تلّ مرتفع عن الوادي المحيط بها، ليحول دون ارتفاع منسوب مياه السيول إليها، على رقعة مساحتها حوالي 960 ألف قدم تقريباً، تحيط بها المزارع الخاصّة بالأهالي، وبعض الآبار الجوفية، وتواجهها في سفح الجبل الموازي لها دويرات صغيرة وفي أطراف الوادي.


وأصبح الوادي الحالي ممرّاً للسيول منذ ذلك العهد، والمنفذ الرئيسي لحركة القوافل العابرة من شرق وغرب وادي حضرموت، مارّة بمدينة شبام، التي أصبحت مركزاً للتجارة، ومنها يتمّ تسيير القوافل شرقاً وغرباً، وإليها تُجلب البضائع من أنحاء حضرموت ومن اليمن وعمان.


وأصبحت، كذلك، مهداً للعلم والعلماء، فقد ذكر المؤرّخون أنّه تواجد فيها، في القرن الرابع الهجري، أكثر من ثلاثين مفتياً وقاضياً، كما كان فيها قاضيان شافعي وحنفي ومن أئمّة الفقهاء الأعلام في وادي حضرموت، ومعظمهم من الأسر العريقة الباقية جذورها إلى يومنا هذا، فمنهم آل باذيب وآل أبي ربيعة وآل باعبيد وآل باشراحيل وآل باصهي وآل باعباد وآل بلفقيه وغيرهم كثير. 


التصنيف العالمي
صُنّفت شبام من أقدم النماذج الطينية وأفضلها، من حيث التنظيم المدني الدقيق، المرتكز على مبدأ البناء العمودي لمبانيها البرجية الشاهقة. يبلغ تعداد سكانها 16094 نسمة حسب الإحصاء الذي جرى عام 2004. 


في 2 يوليو 1982، صنّفتها الـ"يونسكو" ضمن قائمة مواقع التراث العالمي المعرّضة للخطر. وفي العام 2005، اعتبرت الـ"يونسكو" مدينة شبام من ضمن قائمة مدن التراث الإنساني، ونفّذت فيها العديد من المشاريع للحفاظ عليها خوفاً من الإندثار، بخاصّة في ظلّ الهجمة الشرسة للبناء المسلّح، الذي بدأ يغيّر ملامح كثير من المدن اليمنية القديمة، ومنها شبام.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً