السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
وادي حضرموت: جارٍ البحث عن "عدالة"!
الساعة 19:15 (الرأي برس - عربي )

تعطّلت الكثير من مصالح المواطنين وجُمّدت العديد من الملفّات القضائية جرّاء تعطّل المؤسّسات القضائية في وادي حضرموت


غابت الدولة، فغاب القضاء، لتنفث الجريمة سمومها على نطاق واسع، وتُغتال العدالة التي أضحت سراباً، جارٍ البحث عنه في ظلّ سيادة منطق القوّة، وثقافة القبيلة، والأعراف الإجتماعية. ومع استمرار تعطيل عمل المؤسّسات القضائية في وادي حضرموت، تعطّلت، أيضاً، الكثير من مصالح المواطنين، وجُمّدت العديد من الملفّات القضائية. جرائم تُقيّد ضدّ مجهول، ومحكومون تجاوزوا فترات الأحكام الصادرة بحقّهم، لتكتظّ بهم السجون، فيما لا يزال آخرون في انتظار أحكام البراءة أو الإدانة. 


القضاء والمواطن 
يعتقد القاضي، خالد لرضي، أن صورة القضاء تشوّهت، إلى درجة أن الثقة فيه أصبحت شبة معدومة، "وهذا لم يأت من فراغ، بل جاء كنتيجة حتمية لواقع مؤلم، يعايشه المواطن المغلوب على أمره، فقد حتّمت الظروف على البعض الدخول في معمعة واقع القضاء الحالي، ليدلفوا إلى دهاليزه، وليحترقوا بناره، والسبب في ذلك، هم ضعاف النفوس، من قضاة وكتّاب وسماسرة ومقاولين، وبالتأكيد هم قلّة، ولكن الشرّ يعمّ، وإن حاول الأخيار بذل جهود للإصلاح. لذا، ينبغي أن تستمرّ الجهود نحو إصلاح القضاء، لتقلب ظهر المجن، كي نبدأ صفحة جديدة من أوّل السطر، ونكتب بسم الله الرحمن الرحيم (وإن حكمتم بين الناس فأحكموا بالعدل)، وإلا فلتبق الأبواب مقفلة أفضل" . 


أزمة ثقة
يؤكّد المواطن، فريد مهري بن مرعي، وجود أزمة ثقة، لدى المواطنين، تجاه نزاهة وشفافية القضاء، "وحتّى في حالة وجود مؤسّسة قضائية متكاملة، كيف يمكن أن نقنع المواطن البسيط بقدرة هذه المؤسّسة على تنفيذ مخرجاتها، فالمواطن متشبّع بفكرة سابقة، زُرعت وتعزّزت على مدى سنوات، مفادها بأن القضاء فاسد، فحكم المحكمة الإبتدائية ينقضه الإستئناف، ما حدا بالمواطن إلى العزوف عن طرق أبواب تلك المحاكم، بسبب طول فترة المحاكمة، وهذا ما يفسّر لجوء البعض إلى الأعراف القبلية، للفصل بين المتخاصمين". وللتغلّب على هذه الإشكالية، يقترح بن مرعي "تفعيل الدور الإعلامي في هذا الجانب، بما يحسّن صورة القضاء في ذهنية المجتمع، وترسيخ مبدأ احترام القانون في كافّة مجالات الحياة".


مسؤولية
ويرى المواطن، صالح بانافع، من جهته، أنّه كان "لتفعيل أجهزة حماية الشرعية، وخاصّة المحاكم، أهمّية كبيرة، في وقت سابق، في الحفاظ على الإستقرار الأمني والإجتماعي، وإحلال السلم المجتمعي والسكينة العامّة في المجتمع"، مستدركاً بأن "الواقع اختلف، اليوم، في ظلّ غياب الدولة وتوقّف أجهزتها التنفيذية، والتي لا توجد مبرّرات لتعطيلها طوال هذه الفترة، نظراً للوضع شبه المستقرّ بوادي حضرموت وبقية المناطق المحرّرة". وعليه، يعتبر بانافع توقّف عمل هذه المحاكم "تخاذلاً وتقصيراً من السلطتين المحلّية والقضائية بالوادي، التي يجب أن تتّخذ الإجراءات العاجلة لتفعيل واستمرار عمل أجهزة الدولة كافّة، والقيام بمهامها ووظائفها حسب الإمكانيّات المتاحة". انسحبت تداعيات تعطيل الجهاز القضائي على أوضاع السجون في وادي حضرموت


المؤسّسات القضائية
يعزو القاضي، خالد لرضي، تعطيل عمل المؤسّسات والمرافق القضائية إلى "الظروف الإستثناىية التي تمرّ بها البلد، والتي ألقت بظلالها على إيقاع الحياة اليومية على كلّ المستويات، لا سيّما القضاء، فضلاً عن غياب دور الأجهزة الأمنية وتراخيها خلال الفترة الأخيرة، والتي تعدّ ركنا محوريّاً بالنسبة للجهاز القضائي، لا يمكن الإستغناء عنه، الأمر الذي انعكس سلباً على الأجهزة القضائية، وأدّى إلى توقّف نشاط مجلس القضاء الأعلى والمحكمة العليا".


ويشدّد القاضي، حلمي بن دهري، من جانبه، على ضرورة "تفعيل كامل الهيكل الإداري للجهاز القضائي الذي يعمل بشكل تكاملي، وحلقات مترابطة، لا يمكن فصل بعضها عن البعض الآخر"، لافتاً إلى أن "المحاكم لدينا في وادي حضرموت لا تعمل، عدا محكمة سيئون الإبتدائية، التي تُناط بها، حاليّاً، قضايا بسيطة، وذلك بسبب عدم توافر الحماية الأمنية، وحتّى لو حكم القاضي في قضية ما، فسنكون أمام معضلة أخرى، وهي استئناف الأحكام التي تُحال لمحاكم الإستئناف المعطّلة، أيضاً، في الوقت الراهن".


شعب الإستئناف 
وتعود بدايات أزمة تعطيل الجهاز القضائي في حضرموت إلى العام 2011، إثر اندلاع ثورات الربيع العربي، والإطاحة بحكم الرئيس اليمني السابق، علي عبدالله صالح، قبل خمس سنوات، لتزداد سوءاً إبّان "الهبّة الشعبية" التي تزعّمها "حلف قبائل حضرموت"، في ديسمبر العام 2013، إذ اعترى السلطات القضائية شلل كامل، نتيجة تداعيات الأحداث التي مرّت بها البلاد، ومن بينها محاكم الإستئناف، التي لم تُغلق بسبب تعقيدات المشهد السياسي والأمني، فحسب، بل أيضاً بسبب صعوبة ضبط حركة تنقّلات القضاة، ناهيك عن وجود بعض تلك المحاكم في المراكز، وفي العاصمة، التي كانت تشهد اضطراباً كبيراً جرّاء التظاهرات اليومية.


وينبّه المحامي، صبري مسعود، إلى أنّه "ما لم تستطع شعب الإستئناف العمل، فمن الصعب البتّ في العديد من القضايا العالقة، وخاصّة الجنائية منها، لذا يجب توفير البيئة المناسبة لعمل الجهاز، على أن تكون الأولوية في تعيين رؤساء المحاكم، لأبناء المناطق ذاتها، لا من خارجها. فقبل تحريك الكثير من القضايا، لا بدّ من موافقة النائب العام، أمّا قضايا الطعن، فلا بدّ من أن تذهب إلى صنعاء، وقرارات التعيين مرتبطة بصنعاء".


السجون 
وانسحبت تداعيات تعطيل الجهاز القضائي على أوضاع السجون في وادي حضرموت، حيث بات الجهاز الأمني غير قادر على تشغيل مرافقه كافّة، ومنها مصلحة السجون. في هذا السياق، يصف القاضي، حلمي بن دهري، أوضاع السجون بـ"المزرية"، مشيراً إلى أن "السجن المركزي يعاني من كثرة المساجين، الذين صدّرتهم إليه المحاكم، خلال الفترات الماضية، في ظلّ أوضاع مزرية تعاني منها إدارات السجون، التي تطالب بالتسريع في البتّ في مصير المساجين، اللذين تزدحم بهم".


حضرموت بيتنا
على خطّ مواز، دعت مجموعة "حضرموت بيتنا" (مهتمّة بقضايا حضرموت المجتمعيّة) إلى تفعيل دور المحاكم والنيابات العامّة في مديريّات وادي حضرموت والصحراء، مطالبة قيادة السلطة المحلّية في المحافظة بـ"سرعة ترتيب أوضاع الأمن العام في مديريّات الوادي والصحراء، وإلزام أفراده بالدوام وتنفيذ مهامّهم، بما فيها حماية المحاكم والنيابات والقيادات القضائية، لتتمكّن من استئناف أعمالها المختلفة".


وناشدت المجموعة السلطات "زيادة عدد الكادر القضائي في المحاكم والنيابات العامّة، على أن تكون الأولوية لأبناء المنطقة، والعمل على إيجاد معهد عال للقضاء، وشرطة قضائية، ومختبر جنائي، وطبّ شرعيّ، إضافة إلى السعي لاستحداث سجن للنساء، ومحكمة للأحداث، في المحافظة، من أجل الإرتقاء إلى مستوى أداء القضاء".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص