السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
"مطاوعة" تعز... تضييق وسلب وقطع أرزاق!
الساعة 20:42 (الرأي برس - كوره)

مرّت الحرب على المدن اليمنية، وأنهكت اليمنيّين بطرق مختلفة، لكن في مدينة تعز، استقرّت الحرب، منتجة أشكالاً عدّة من الصراع والمأساة، إذ دفعت المدينة، وما زالت تدفع، ثمناً باهظاً، كبقعة باتت اختزالاً مكثّفاً لإرادات متصادمة. تعز، الوجه المدني لليمن، ورمز الثقافة والإنفتاح، يسعى المتطرّفون، اليوم، لإنتاج شتّى أشكال التطرّف فيها، وفي مقدّمتها التطرّف الديني. فهذه الحركات و الجماعات صارت تصول وتجول آمرة ناهية، تمارس نشاطها بكلّ حرّية، بل هي الحاكم الفعلي لبعض الأماكن والأحياء، وتشرعن القوانين، وتفرض العقوبات الصارمة على من يخالف تشريعاتها، ولا يجرؤ أحد على مخالفتها. 


شهادات
عبد السلام القدسي (سائق باص) يقول، في تصريح ، إنّه "حدث لي في أحد أيّام شهر شوّال، وأنا في وسط المدينة، وكعادتي أقوم بتوصيل ركّابي، أن أتى مسلّحون وقاموا بإنزال الركّاب الذكور من الباص، وقالوا لي بصريح العبارة ممنوع أن تقوم بتوصيل نساء ورجال في نفس الوقت، قلت لهم إذاً كيف أسترزق الله، كان ردّهم بأن لديك خيارين لا ثالث لهما، إمّا تقلّ في باصك ذكوراً فقط، أو نساء فقط، الإختلاط حرام".


أمّا م.ع. (أحد مالكي المطاعم في وسط المدينة) فيروي قصّته، ، قائلاً إن "مجموعة مسلّحين (يظهر عليهم التشدّد) أتوا إلي، وأمروني بإغلاق القسم الخاصّ بالعوائل، إمّا أن تغلق قسم العوائل أو تغلق المطعم، قلت لهم ما المشكلة، قالوا هذه الأماكن مشبوهة، وهناك من يستغلّ هذه الأماكن بغرض الخلوة وارتكاب المعصية التي حرّمها الله، حاولت أن أبرّر لهم بأنّي إن فعلت ما تأمروني به سأخسر مصدر رزقي الوحيد، لكن لم يستجيبوا لي توسّلاتي لهم فاضطررت لإغلاق المطعم".


قاسم عبد الله (صاحب محلّ تصوير) يسرد، هو الآخر، قصّته،  متحدّثاً عن "شابّين في منتصف العمر، أتيا إليّ وقالا لي: اللوحة الخاصّة بمحلّك يظهر عليها صورة فاضحة، وتليا عليّ بعض النصوص الدينية التي تحرّم مثل هذه الصور، وأمراني بإزالة اللوحة كونها فتنة، ما لم فسيتمّ إحراقها، وبعد أخذ وردّ توصّلنا إلى حلّ وسط وأقلّ ضرراً بالنسبة لي، وهو تغطية الجزء الذي تظهر فيه الصورة فقط، فأصبح منظرها مشوّهاً ولكن حسبي الله ونعم الوكيل".


موقف السلطات "الشرعية"
منذ قرابة عام، اتّسعت رقعة الحرب في تعز، وتنامت الجماعات الإسلامية المتشدّدة، وظهرت مُسمّيات لجماعات مسلّحة، تقول إنّها تساند أبناء تعز في تحرير مدينتهم، فيما ترفض السلطات "الشرعية" التعليق أو الردّ على ممارسات تلك الجماعات المتشدّدة.


مراقبون يرون أن الحرب هي التي أنتجت ظاهرة التطرّف، واصفين الآخرين بأنّها دخيلة على تعز. من هؤلاء المفكّر الإسلامي، جلال محرم، الذي يقول، في تصريح لـ"العربي"، إن "تعز مدينة العلم والثقافة والعلماء، ولا يحقّ لشخص جاهل أن يشرّع أو ينكر بدون علم، تعز فيها العلماء الذين لهم سنين، هم أعلم بما ينكر، وما لا ينكر. وما يحصل اليوم هو عبارة عن نتاج هذه الحرب التي غيّرت القيم، والأخلاق، واستغلّت غياب الدولة". ويدعو محرم "قادة المقاومة إلى أن يتّقوا الله، فهم مسئولون عن كلّ ما يحصل في المناطق التي تحت أيديهم"، معتبراً، في الوقت نفسه، أنّه "ربّما يكون هناك من يستغلّ هذا الأمر من أجل تفكيك المقاومة، أو إثارة المواطنين ضدّ المقاومة، والتخويف مما سيحلّ بتعز مستقبلاً، علماً أن هذا الأمر لم يحصل في عدن، وحضرموت، وأبين، رغم تواجد هذه الجماعات في الجنوب، ذلك ما أظنّه، إنّها دسيسة قذرة لتشويه المقاومة، مجموعة مسلّحة كبيرة من تنظيم "القاعدة" منضوية تحت لواء "المقاومة" في تعزوهي ظاهرة دخيلة على تعز".


"تنمية الإرهاب"
في المقابل، يذهب آخرون إلى أن الجماعات المتشدّدة موجودة أصلاً، ولكنّها كانت ضامرة. في هذا السياق، يعتقد الكاتب والصحافي، فتحي أبو النصر، في تصريح  أن "التطرّف موجود في كلّ زمان ومكان، ولكن عندما تغيب الدولة، يتصدّر المتطرّفون المشهد، ومشكلة تعز أن الذين يتصارعون رغم خلافهم، يتّفقون على تنمية الإرهاب في تعز". 


وتتكاثر الجماعات المتطرّفة في تعز بسرعة مرعبة، تخطّت التطرّف الشخصي إلى قوالب منظّمة، وصارت تشكّل قلقاً يؤرّق الجميع، ويهدّد السلم الإجتماعي، بل يصيبه في مقتل.


يقول محمّد الحميري "لم أتصوّر في يوم من الأيّام أن يهدّد هذا السرطان الخطير (التطرّف) تعز، كم تألّمت حينما قام هؤلاء المتطرّفون بهدم قبّة عبد الهادي (الأثرية) بدعاوى ممارسة معتقدات شركية"، متسائلاً "ما هذا الفكر المريض؟ من أين أتى لنا هؤلاء العاهات الفكرية؟".


تحوّلات
تحوّل غريب ومريب يضع الكثير من علامات الإستفهام حول هؤلاء الأشخاص، الذين ينتمون إلى الجماعات المتطرّفة. محمّد فرحان يرى أن "هناك قطّاع طرق، وصعاليك، وتجّار سلاح، انضمّوا لهذه الجماعات المتطرّفة، كانوا قبل الحرب تجّار حشيش ومخدّرات، تحوّلوا بلمحة بصر إلى متديّنين متشدّدين، ويحملون شعارات تعبّر عن تطرّفهم، والأدهى من ذلك، أنّهم يقاتلون باسم المقاومة والدفاع عن تعز".


أنس الحدناني يلفت، من جهته، إلى أن :هناك أمراً ما يحدث ولا أستطيع استيعابه، أنا مع من يطبّق شرع الله في الأرض، لكن أن يأتي أحد هؤلاء الذين يزعمون أنّهم يطبقون أحكاماً لله وشرعه، بالأمس القريب كانوا مطلوبين أمنيّاً بقضايا أخلاقية، وجرائم سرقة وتقطّع ونهب، فهذا تحوّل غريب وسريع. يمسي سكراناً ويصبح مرشداً ووكيل الله في أرضه وعلى عباده وبقوّة السلاح".


ويُلاحَظ أن أشخاصاً ممّن تمّ الإفراج عنهم من معتقل جونتنامو قبل سنوات عدّة، ولم تُسمع عنهم أو تُشاهد لهم أيّ نشاطات أو تحرّكات في الفترة السابقة، شوهدوا في جبهات القتال ما إن طرقت الحرب أبواب تعز، فأيّ دور يلعبه هؤلاء؟


يجيب إبراهيم غالب عن هذا التساؤل، مشيراً إلى أن "هناك مجموعة مسلّحة كبيرة من تنظيم القاعدة منطوية داخل المقاومة الشعبية، بعضهم تمّ الإفراج عنهم من جونتنامو، والبعض الآخر ممّن عادوا من أفغانستان، وهم معروفون في تعز القديمة، وشارع 26، والباب الكبير"، متابعاً أن "الجماعات المتطرّفة تحاول جاهدة تغيير ملامح الحياة في تعز، وبشكل متسارع، فصحيفة الجمهورية في تعز تحوّلت بفعل هذه الجماعات إلى صحيفة تصدر منشورات باسم جماعات متشدّدة، بعد أن تمّ نهب كافّة أجهزتها".


ويروي "أبو محمّد"، أنّه "وجد أحد هؤلاء المتشدّدين وهو يقوم بنقل طابعة كبيرة في سيّارته، ويعرضها للبيع، قلت له: لا يحقّ لك نهبها وبيعها، هي ملك للمال العام، فردّ قائلاً: ليست نهباً كما تسمّيها أنت، بل هي غنيمة، وهذه الصحيفة حاربت الله والدين، ونشرت الأفكار الهدّامة والمضلّلة، في أوساط المجتمع".
تأييد!
في المقابل، ثمّة من يؤيّد مثل هذه الأعمال، ويرى أن الوقوف ضدّها يندرج تحت الغزو الفكري للمجتمع التعزي.


صالح سفيان يعتبر أن "هؤلاء أشخاص حملوا همّ الدين، لقد انتشر الفساد وعمّت الرذيلة في مجتمعنا، ونحن بحاجة إلى من يطبّق شرع الله على أرضه وعباده"، متسائلاً: "هل من يطبّق أحكام شرع الله ودينه متطرّفون ومتشدّدون، أنا أؤيّد ما يقومون به، رغم أنّهم جاءوا متأخّرين لكن خيراً من ألّا يأتوا".


ويعتقد بسيم سلام، بدوره، أن "الإصلاح والسلفيّين هم من زرع بذرة التطرّف في تعز، والآن يحاولون التنصّل منها، كما فعلوا مع عبد الله أحمد علي، الذي كفّر شوقي القاضي، ومروان الغفوري، بل وقامت مجموعة من أتباعه بجمع تبرّعات بغرض محاكمتهم، متجاهلين في ذات الوقت أنّهم سيكونون أوّل من يكتوي بنار هذه الجماعات المتطرّفة".


"تعز لا تقبل الخبث"
لا يختلف اثنان على وجود هذه الجماعات المتطرفّة في تعز، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستكون تعز بيئة حاضنة لها؟
الإعلامية زينب العريقي تجيب هذا التساؤل بأن "تعز لها أيديولوجية مختلفة عن أيّ محافظة، تحوي ثقافات متنوّعة، تتّسع لكلّ الأطياف والآراء، التي تحمل روح المدنية والسلام، ولا يمكن في أيّ حال أن تقبل مثل هذه الجماعات المتطرّفة، ستنبذها، فهي لا تقبل الخبث".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص