السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
ساكنو خطوط التماس في تعز... لا إجازة من الموت!
الساعة 18:14 (الرأي برس - عربي )

الساكنون في نقاط التماس في تعز هم حجر الزاوية في معاناة هذه المدينة. فالرعب والخوف والموت يطوف عليهم في كلّ لحظة، بل تحاصرهم القذائف والرصاصات من كلّ اتّجاه، والقنّاص يرصد كلّ شاردة وواردة، وعادة ما يختار فريسته دون تمييز. ناشط شبابي يسكن في خطوط التماس يروي قصّته، قائلاً: "يطوف علينا الموت في كلّ حين، وتحاصرنا القذائف والرصاص من كلّ اتّجاه.

لا يسعك أن تغادر منزلك لغرض جلب الطعام أو الماء لأسرتك، إلّا في أوقات محدّدة، متخفّياً من وراء جدر وبناءات، أو على حين غفلة من قنّاص". ويتابع الناشط أن "أحد جيراني أصيبت ابنته بمغص كلوي في إحدى الليالي، ولم يستطع إسعافها إلى المستشفى الذي لا يبعد عن منزله سوى كيلومترات، مخافة أن تغتالهم رصاصة طائشة، أو تصيبهم شظايا قذيفة، لتظلّ ابنته تبكي وتصرخ من شدّة الألم حتّى الصباح. حاولنا مراراً النزوح إلى القرى والأرياف المجاورة، فأُغلقت المعابر في وجوهنا، نظراً للحصار المطبق على المدينة. لا خيار لدينا سوى المكوث في منازلنا، وانتظار الموت في كلّ لحظة".
ترويع ساكني خطوط التماس لا يقتصر على الإشتباكات التي تحدث بين الفينة والأخرى، بل تعدّاها إلى مداهمة المنازل وترهيب ساكنيها من أطفال ونساء، من قبل الفصائل المقاتلة على تلك الخطوط، بحجّة أنّهم يقومون بإرسال إحداثيّات للطرف الآخر. فضل الميهري، يسكن مع عائلته في أحد الأحياء القريبة من معسكر اللواء 35 مدرّع، يسرد معاناته،  لافتاً إلى "أنّنا نعاني الأمرّين من الحصار الذي يقتلنا ببطء شديد، والسكن في منطقة نزاع أو تماس". ويتابع "أنّنا نعيش في ظلام دامس طوال الليل، رغم امتلاكنا مصدر ضوء، إلّا أنّنا لا نستطيع إضاءته، فبمجرّد أن تنير مصباح غرفتك حتّى يناديك أحد المسلّحين بإطفائه، إن لم يطلق رصاصاته صوب الشبّاك المنبعث منه الإضاءة، بحجّة أن الأضواء تكشف أماكن تواجدهم". يطوف الموت على ساكني خطوط التماس في كلّ لحظة.


ويشير إلى أن "الترويع والخوف لا يقتصر على الإشتباكات التي تحدث بين وقت وآخر، في الحيّ الذي يسكنه هو وعائلته، بل هناك ترويع آخر، وهو المداهمة المتكرّرة لبعض المنازل وتفتيشها من قبل مسلّحي أيّ فصيل، بحجّة أن أهل هذا المنزل يقومون بإرسال إحداثيّات ومعلومات للفصيل الآخر، أو أنّهم جواسيس، أو بحجّة وجود أسلحة مخزّنة تتبع هذا الفصيل أو ذاك. أغلب الساكنين في مناطق التماس نزحوا عنها، ولم يتبقّ فيها سوى أفراد يتولّون حراسة المنازل وحمايتها من النهب، أو السيطرة عليها من قبل طرف ما من أطراف النزاع، ما يهدّد بجعلها هدفاً للطرف الآخر. في هذا السياق، يتحدّث محمّد قاسم، لـ"العربي"، قائلاً: "أصبح العيش شبه مستحيل، أشاهد الموت يوميّاً، أكثر من مرّة أنجو منه بأعجوبة. هذا هو حالي وحال الكثيرين ممّن بقي في منزله من جيراني، وما تزال بيوتهم غير مدمّرة وهم قلائل"، مضيفاً أن "بيتي في منطقة السائلة الواقعة بين حيّ مستشفي الجمهوري والجحملية. منذ ما يقارب العام، وحارتنا منطقة تماس. نزحنا بأطفالنا وعوائلنا، وبقينا نحرس منازلنا خوفاً من النهب أو السيطرة عليها من أيّ طرف من الأطراف، وتصبح هدفاً للطرف الآخر.

لم يتبقّ لنا إلّا الدور الأرضي ـالبدروم
ـ هو المكان الشبه آمن للجلوس فيه. لا أعرف الضوء طول الليل. إن أردت الحركة أتحرّك بالظلام، وما إن يأت الصباح أضطرّ للخروج لجلب الماء والأكل، وهنا تكمن أشدّ المخاطر، إذ إن القنّاصة متمركزون في الجبهتين، فأضطرّ للمخاطرة والعبور بين البيوت، أتستّر بالمنازل من القنّاصة، وأتوخّى الحذر عند ملامسة قدميّ للأرض. فالمنطقة كلّها ملغّمة، وثمّة احتمال بسيط للنجاة أو العودة سالماً". ويزيد قاسم: "أنا وخمسة من جيراني، كلّ يوم واحد يخرج منّا ليوفّر احتياجاتنا ويعود، ونحن ما نملك إلّا أن ندعو له بالسلامة ليعود. جارنا محمّد علي عمره ما يقارب الستّين عاماً، خرج مرّة ولكنّه لم يعد، تمّ قنصه في السائلة، لم يراع القنّاص وقار بياض لحيته، ولا شيب رأسه. لم نستطع إسعافه إلّا بعد أكثر من ثلاث ساعات، ولكن بعد فوات الأوان. فقدنا محمّداً وقد لا يكون الأخير".


هي، إذاً، معاناة تزداد كلّ يوم إيلاماً لمتكبّديها. هؤلاء لا يُخلى سبيلهم ليعيشوا بسلام، ولا يُقضى عليهم ليموتوا. إنّها مقاساة التأرجح، يوميّاً، ما بين الموت والحياة

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص