- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- مجلس الأمن يرفع العقوبات عن الرئيس السوري ووزير الداخلية
- الحوثيون يحولون البيئة اليمنية إلى ضحية بالألغام والاستنزاف المائي
- الجبايات الحوثية تدفع 20 فندقاً للإغلاق في مدينة الحديدة اليمنية
- «حكومة الوحدة» الليبية تعلن إطلاق هانيبال القذافي
- مجلس حقوق الإنسان يعتزم عقد جلسة طارئة بشأن السودان
- الجيش الأميركي يعتزم تأسيس وجود عسكري في قاعدة جوية بدمشق
- عون: الهجمات الإسرائيلية على جنوب لبنان «جريمة مكتملة الأركان»
- صمت غامض من كريم عبدالعزيز ودينا الشربيني حول شائعات عودة علاقتهما
- الحوثيون يهاجمون «الصحة العالمية» و«اليونيسف» بعد تعليق أنشطتهما في اليمن
- الإعلامية الكويتية فجر السعيد تخضع لعملية جراحية عاجلة في ألمانيا
سبع سنواتٍ مرّت منذ أن أوقف المجتمع الدولي معركة الحديدة في اللحظة التي كانت فيها أقرب ما تكون إلى الحسم.
سبع سنوات كفيلة بأن تبرهن أن الخطأ الذي ارتُكب في نوفمبر 2018 لم يكن سياسيًا ولا عسكريًا فحسب، بل كان خطيئة استراتيجية دفعت ثمنها اليمن والمنطقة والعالم، ما جرى في الحديدة لم يكن وقفًا للقتال، بل وقفًا للنصر، لم تكن “مبادرة أممية”، بل مبادرة إنقاذ لحركة دينية مسلحة كانت تنهار عسكريًا، فاستُعيدت إلى الحياة بجرعة سياسية اسمها “ستوكهولم”.
اليوم، في 2025، تعود الحديدة لتتصدر المشهد الإقليمي والدولي، ليست باعتبارها مدينة يمنية محاصرة، بل باعتبارها القلب الذي تضخ منه إيران نفوذها عبر جماعة الحوثي، وعبرها تُهدد الملاحة الدولية، وتبتز العالم بقوارب مفخخة ومسيرات انتحارية، بعد أن وُضع الميناء – بقرار دولي – خارج معادلة التحرير، وتُرك ليصبح أخطر ثقب في أمن البحر الأحمر.
مظلة إيرانية
عندما وافقت الأمم المتحدة على نشر فريق مراقبين في الحديدة، كان الحديث يدور عن “ضمان عدم دخول السلاح”، لكن ما حدث هو العكس تمامًا، فبدلًا من أن تمنع المنظمة الدولية تهريب السلاح، أصبحت تغطيه بالصمت.
ومع الوقت، تحول الميناء إلى محطة استقبال لشحنات دقيقة، بعضها مرّ عبر سفن تجارية تحمل بضائع إنسانية، وبعضها عبر قوارب صغيرة يقودها خبراء إيرانيون، هذا ليس تحليلًا أو تكنهات أو اتهامات، بل حقائق رسّختها الوقائع.
صواريخ الحوثيين الباليستية الجديدة مصدرها البحر الأحمر، والطائرات المسيّرة التي استهدفت سفنًا دولية دخلت قطعها عبر موانئ مغلقة تحت “رقابة أممية”.
الأنفاق والمنشآت التي بُنيت جنوب وغرب الميناء اكتملت بين 2019 و2023، بينما كان الفريق الأممي يعلن أنه “لم يلحظ أي تحركات عسكرية”.
هكذا خرجت الحديدة من السيادة اليمنية، لا إلى حكومة منتخبة، بل إلى يد الجماعة الأكثر التصاقًا بإيران في المنطقة.
عندما توقفت معركة الحديدة، كان الحوثي يعيش أسوأ أيامه، في صعدة كان يتراجع، وفي دمت يسقط، وفي الحديدة كان محاصرًا من ثلاث جهات، كان الوقت مناسبًا لانتزاع أنفاسه الأخيرة كقوة عسكرية.
لكن ما بين 2019 و2025 تغيرت المعادلة بالكامل، تسلم الحوثيين الميناء الأهم اقتصاديًا، وهو
شريانًا ماليًا بلا رقابة، تحت غطاءً دوليًا اسمه “وقف إطلاق النار”، وحصل على فسحة زمن كافية لإعادة بناء قوتهم.
خلال هذه السنوات، تضاعفت قدراتهم الصاروخية 8 مرات.. امتلكوا مسيرات طويلة المدى وصلت إلى المتوسط.. تحولت معسكرات الحديدة إلى قواعد بحرية إيرانية مصغّرة.
صعد جناح علي حسين بدر الدين الحوثي، بدعم من طهران، على حساب أجنحة تاريخية أخرى، كل هذا لم يكن ليحدث لو استكملت معركة الحديدة طريقها في 2018.
لماذا تحركت الأمم المتحدة عندما شارف النصر؟
سؤال يبدو بسيطًا لكنه سياسي وعميق، لماذا لم تتحرك الأمم المتحدة طوال سنوات الحرب، ثم ظهرت فجأة عند أول فرصة حقيقية لإنهاء الوجود العسكري للحوثيين في الساحل الغربي؟
الإجابة، ليس لأن الأمم المتحدة أرادت السلام، بل لأنها أرادت منع الهزيمة، وليس لأن الحوثيين طرف سياسي طبيعي، بل لأن سقوطهم في الحديدة كان سيُنهي مشروعًا إيرانيًا يمتد من صنعاء حتى باب المندب.
لذلك جاءت مبادرات مارتن غريفيث كمن يمد جسدًا يحتضر بأنبوب أوكسجين، كان الرجل يعرف أن بضع ساعات أخرى من التقدم كفيلة بتحرير الميناء، ولذلك أطلق تحذيره الشهير للحكومة اليمنية باستخدام القوة إن لم تتوقف.
أي مفارقة أكبر من أن تهدد الأمم المتحدة الحكومة التي تطبّق قراراتها، وتُكافئ الجماعة التي خالفت كل قراراتها منذ 2014؟
العالم يدفع ثمن ستوكهولم اليوم
ما يجري في البحر الأحمر ليس وليد 2024 و2025، بل ثمرة قرار واحد اتُخذ في ديسمبر 2018، فاليوم دول كبرى تحرك أساطيلها في باب المندب، شركات ملاحة عالمية تغير مساراتها، اقتصاديات ترتجف بسبب قارب حوثي يتحرك من زوارق الحديدة، هجمات غير مسبوقة تطال سفنًا تجارية لدول لم تتدخل يومًا في اليمن.
كل هذا كان يمكن تفاديه لو لم تُمنح الحديدة لطرف تابع لطهران، يعرف العالم اليوم – لا الأمس – أنه لا يتفاوض إلا عندما يكون بحاجة للوقت.
ما يجب أن يحدث
المعركة التي أُوقفت في 2018 يجب أن تعود إلى الطاولة، لا كمعركة عسكرية بالضرورة، بل كملف سيادي، فاليمن لا يمكن أن يستعيد استقراره دون استعادة موانئه، والبحر الأحمر لن يهدأ ما دام الميناء الأهم فيه خارج الدولة، ومعه سواحل تتحول تدريجيًا إلى سلطة إيرانية بنكهة يمنية.
في 2018 قلتُ بوضوح إن بقاء الحوثي في الحديدة سيحول الجماعة إلى “حزب الله جديد” على حدود السعودية وفي قلب البحر الأحمر..واليوم لم يعد هذا التحذير توقعًا، بل واقعًا مُسلّحًا ومجربًا ومثبتًا في كل هجوم حوثي.
التاريخ لا يرحم، لكنه يكرر نفسه عندما لا نتعلم منه.. الحديدة ليست مدينة، بل مفتاح، وستظل اليمن والمنطقة والعالم يدورون في دائرة مغلقة ما دام هذا المفتاح في يد جماعة تتنفس من رئة إيران، وتعيش على الفوضى، وتدير صراعها بمنطق “لا دولة إلا إذا كانت لنا”.
إن معركة الحديدة التي أوقفتها الأمم المتحدة قبل أن تنتهي، هي نفسها المعركة التي سيكون على العالم أن يعود إليها… ولكن بعد أن دفع ثمن تأجيلها سبع سنوات من الأزمات البحرية والسياسية والعسكرية.
وما زالت الحديدة… العقدة التي تُكتب منها بداية الحل، أو بداية الفوضى الأكبر.
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر