السبت 23 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
منار آخر ضحاياه... الرصاص الطائش "يغزو" وادي حضرموت
الساعة 19:32 (الرأي برس - عربي )

قبل أيّام قليلة، تُوفّيت الطفلة منار ياسر باضاوي، متأثّرة بجروح أُصيبت بها، جرّاء تلقّيها رصاصة طائشة أُطلقت في أحد الأعراس، في منطقة فوّة، بمدينة المكلّا. حادثة تشكّل فصلاً جديداً من فصول الظاهرة المأساوية، التي أضحت عبئاً حقيقيّاً على أهالي وادي حضرموت.

إنّها ظاهرة إطلاق النار في المناسبات، والتي تفشّت في مديريّات الوادي جرّاء الإنفلات الأمني وغياب الدولة. أصوات الرصاص المدوّية تزهق أرواح أبرياء، تروّع النساء والأطفال، وتشكّل مصدر إزعاج رئيساً للمرضى والطلاب. إزعاج تتعمّده ثلّة من المدعوّين لحفلات الأعراس، ممّن لا يرون غضاضة ولا حرجاً في ذلك، حتّى وإن استمرّ لآخر الليل. يطلقون النار باتّجاه عنان السماء في حالة من النشوة، اعتقاداً منهم بأنّهم عندما يمارسون هذه الأعمال، غير المسؤولة، يثبتون رجولتهم، ويدخلون البهجة والفرح والسرور إلى نفوس أهل العريس.


إنتشار السلاح
يعزو المحامي صبري مسعود تفاقم هذه الظاهرة السلبية إلى "انتشار السلاح في المدن والأرياف، وسهولة الحصول عليه ليكون في متناول يد الصغير قبل الكبير". ويدعو مسعود الجهات الأمنية والسلطات إلى "تحمّل مسؤوليّتها تجاه هذه الظاهرة، وتفعيل الضوابط الكفيلة بالحدّ منها، إضافة إلى الحدّ من تجارة السلاح في اليمن عامّة وحضرموت خاصّة، والتوعية بخطورة ومآسي هذه الآفة الدخيلة على المجتمع الحضرمي".


من البادية إلى الحضر
ويصف الأستاذ محمّد باتيس الظاهرة بأنّها "كانت، سابقاً، مقتصرة على البادية فقط، إلّا أنّها غزت المدن في السنوات الأخيرة، في حين كانت المدن خالية تماماً من هذه الظاهرة، إلى وقت قريب، لكن انعكس الوضع تماماً، اليوم، وأصبح إطلاق النار في الزواجات في البادية شبه معدوم، وإذا وجدت، فهي بشكل محدود، حسب أعراف وعادات معينة. فيما أصبحت المدن المتحضّرة وأهلها يعانون بشكل كبير من فوضى إطلاق النار، التي تتمّ دون ضوابط، بل وصل الأمر بالبعض إلى التباهي بهذه الفوضى، بإطلاق الأعيرة النارية بشكل عشوائي، في أوقات متأخّرة من الليل". 


ويتابع باتيس متسائلاً: "كيف انساق المجتمع الحضري وسكّان المدن إلى ممارسة هذه العادة السيئة؟! أرى أنّها ثقافة مغلوطة وسلوك غير سويّ، تأثّر به الكثير من الشباب والأسر، لذا يجب التوعية المكثّفة عبر الوسائل المختلفة، والعمل على توجيه المجتمع بمخاطر وتداعيات هذه الظاهرة". مطالبات باستصدار قرار واضح يمنع إطلاق الرصاص في المناسبات


إحصاءات 
وتسود مديريّات الوادي حالة من الإستياء، خاصّة مع تسبّب هذه الظاهرة في حوادث مؤلمة، ذهب ضحيّتها العشرات من الأبرياء في أكثر من مناسبة. فبحسب إحصائية رسمية، صادرة عن إدارة البحث الجنائي في وادي حضرموت، بلغت حوادث القتل بالخطأ، أثناء عقد مراسيم الزواجات، أكثر من 15 حالة خلال الأعوام الممتّدة من 2013 إلى 2015، غالبيّتهم من النساء والأطفال، الأمر الذي دعا بعض الشخصيات الإجتماعية ورجال الدين وعقّال الحارات إلى الدعوة لاتّخاذ موقف حازم، تجاه هذه الظاهرة الخطيرة". 


قصص مأساوية
وبهذا الصدد، يروي الداعية الإسلامي المعروف، عبدالرحمن باعباد، جانباً من القصص المأساوية لضحايا حوادث إطلاق النار في الأفراح قائلاً: "جاءني بعض أبناء مدينة الغرفة برصاصة سقطت بجانب رأس والده، الذي كان مسترخياً على سطح البيت جرّاء انقطاع الكهرباء لساعات طويلة. وأخبرني شخص آخر بسقوط رصاصة بجانب طفله، وأيضاً، علمت بوجود أحد الأطفال المصابين في مستشفى سيئون، نتيجة إصابته برصاصة بالرأس. وهناك الكثير ممّن قضى نحبه بسبب الرصاصات الطائشة في الأيّام القريبة الماضية، فإلى متى يبقى هذا الحال المزري والمستهتر بأرواح الأبرياء؟".
ويطالب باعباد بـ"استصدار قرار واضح يقضي بمنع إطلاق الرصاص في الزواجات والمناسبات المختلفة، واتّخاذ الإجراءات تجاه المخالفين"، مقترحاً أن "يسند القرار من كافّة الوجهاء والأعيان والخطباء والدعاة والنخب المجتمعية، وإلّا فليتناد أهل كلّ منطقة لتوقيع ميثاق شرف بذلك، ليتّخذ الناس بموجبه موقفاً حازماً تجاه المخالفين".


مبادرات مجتمعية
ولقيت النداءات الخاصّة بمنع إطلاق النار في الزواجات بوادي حضرموت تجاوباً ملحوظاً من قبل المواطنين. وقدّمت منطقة تاربة في مديرية سيئون أنموذجاً مثاليّاً في هذا المجال، إذ امتنع الأهالي عن إطلاق الأعيرة النارية في مناسباتهم الخاصّة، وقاموا بترجمة قرار المنع في الدعوات الخاصّة بالأعراس، بكتابة ملحوظة للمدعوّين: "يُمنع إطلاق النار".


وعلى خطّ مواز، أُطلقت في مديرية شبام حملة بعنوان "لا تقتلني بفرحك"، ووجّهت الحملة نداءات ومنشورات توعوية للأهالي بتجنّب هذه الظاهرة، نتيجة تسبّبها بإزهاق أرواح كثيرين، ممّن يعتلون أسطح المنازل، هرباً من درجات حرارة الصيف المرتفعة، في ظلّ الإنقطاع المستمرّ للتيّار.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص