الاربعاء 27 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
أبناء "المقاومة" يهجرونها... "جوّعونا وخذلونا"
الساعة 19:58 (الرأي برس - عربي )

قبل عام ونصف تقريباً، وجدت اليمن نفسها أمام واقع مختلف عن الذي كانت تمرّ به وتسلكه، بإشراف دولي وإقليمي. فبدلاً من الإستمرار في استكمال الإتّفاق السياسي، وبنود المرحلة الإنتقالية، سلكت البلاد طريق الحرب، الحرب التي ما تزال مستمرّة، حتّى يومنا هذا، وبفعلها، صار المشهد اليمني محلّ تجاذب دولي وإقليمي واسع النطاق، فيما يجد العالم نفسه عاجزاً عن ابتداع الحلّ.


بدأت الحرب من عمران، ووصلت إلى صنعاء، وأخذت تتمدّد باتّجاهات عدة، فوصلت إلى إب، وتعز، وعدن، ومأرب، والجوف، ومحافظات أخرى كثيرة. دخلت الحرب هذه المحافظات وخرجت من بعضها، لكنّها أصرّت على الإستمرار في تعز، ما حوّل الحرب، هناك، إلى لغز، وجعل الناس يتساءلون: لماذا تعز؟ ولماذا هذا العبث والتطويل؟ وما الهدف؟ كثيرة هي جوانب الحرب في تعز التي تستدعي التساؤل والإهتمام، لكن أكثرها إثارة، هذه الأيّام، هو ظاهرة "تسرّب" المقاتلين من صفوف "المقاومة الشعبية" الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي.


"ما افتهملنا"
مروان قائد، الملقّب "بدهشل"، واحد من مئات الشباب الذين تركوا قريتهم، بني شعب، في شرعب السلام، وحملوا سلاحهم، واتّجهوا صوب تعز المدينة، للإنخراط في المعركة ضدّ "أنصار الله" والقوّات المتحالفة معها.


بـ"روح عالية، وهمّة كبيرة، وعن قناعة"، جاءت مبادرة "دهشل" كما يقول، والبداية كانت من مقرّ اللواء 35 مدرّع، الذي كان يقوده العميد صادق علي سرحان، والذي استمرّت المعارك، فترة، في محيطه إلى أن سقط بيد "أنصار الله". يسرد "دهشل"، لـ"العربي"، تفاصيل تجربته: "كنّا نقاوم ونقاتل، ونحن واثقون بأن الجميع حريص على النصر، ولكن في غمضة عين حصلت أشياء وتصرّفات عسكرية جعلتنا عاجزين عن تفسيرها وفهمها؛ حوصرنا وحوصر اللواء وبداخله أكثر من 40 دبّابة، 5 دبّابات منها هي التي كانت تستخدم في المعارك، فيما البقية كانت واقفة، وبعد أيّام قليلة من الحصار، سقط اللواء".


المثير للدهشة والمحفوف بالغموض، بحسب "دهشل"، هو أن "جماعة كانت في طريقها نحو فكّ الحصار عن اللواء، ولكن فجأة، قرّرت الرجوع وهي في منتصف الطريق، إضافة إلى أن واحدة من الدبّابات كان قد تمّ إخراجها إلى موقع وادي القاضي، وفجأة عادت إلى داخل المعسكر في الفترة التي كان فيها اللواء محاصراً".


بعد سقوط اللواء، انتقل "دهشل"، هو ورفقاؤه، نحو جبهات أخرى في كلّ من عصيفرة، والزنوج، وغيرها من الجبهات، التي كانت تحت قيادة وإشراف العميد صادق علي سرحان. هناك، خاضوا معارك شرسة ضدّ "أنصار الله" والقوّات المتحالفة معها، وخلال أشهر من المشاركة في القتال حصلت مواقف، وتغيّرت مسارات، وتبدّلت ظروف، وساءت أحوال. 


يلفت "دهشل" إلى أنّه "خلال ستّة أشهر، اكتشفنا أنّنا نقاتل في إطار قيادة بدون قائد، فلم يتوفّر بجانبنا أيّ قائد عسكري يوجّهنا ويأمرنا بالتقدّم أو التراجع أو الهجوم أو ما شابه ذلك. فقط، كان يتمّ الزجّ بنا إلى المتاريس للقتال... كنّا نقاتل، وعندما نستكمل الذخيرة، لا نجد أيّ تعزيز يذكر سواء بالذخيرة أو السلاح، وعندما كان يتعرّض أحدنا للإصابة لا نجد الإهتمام بإسعافه، ومن يقتل لا يتمّ إخراج جثّته إلّا اليوم التالي، وهكذا". 


ويضيف أنّه "في البداية، صبرنا وتحمّلنا، وكنّا نقول علّ القيادة تبحث عن دعم، وعلّها تصحّح من أخطائها العسكرية، ولكن دون فائدة"، متابعاً "أنّنا كنّا نموت من الجوع والعطش، ولا أحد يهتمّ بنا في مواقعنا، لدرجة أنّنا كنّا نلجأ إلى القيام ببيع ذخيرة مقابل الحصول على الأكل، وأحياناً، كنّا نتنقل من جبهة إلى أخرى، ونترك مواقعنا عشان نحصل على الأكل والماء". هجران أبناء "المقاومة" لها قد يكون واحداً من الأسباب التي جعلت النصر في تعز مستحيلاً


ويستذكر "دهشان"، بنبرة ألم، أنّه "ذات مرّة، ذهبنا إلى منزل القائد سرحان لطلب ذخيرة وصرفه، فخرج لنا أحد أفراد أسرته، ورفض أيّ تعامل معنا والإستجابة لنا، ووصل الأمر إلى الصياح وإطلاق النار علينا".


هذا الواقع دفع مروان قائد وكثيراً من رفاقه إلى ترك "المقاومة" ومغادرة المدينة، ليس لتلك الأسباب فقط، بل "بعد أن رأينا الإهمال لكثير من رفاقنا الذين قتلوا ولأسرهم، حيث أن أيّ فرد يُقتل لا يعطى لأسرته سوى خمسين ألف ريال يمني حقّ الدفن"، طبقاً لدهشل.


وما أقنع دهشل ورفاقه صدّام وواصل وأكرم وكثيرين آخرين، أيضاً، بترك "المقاومة"، هو "عدم إبداء قادة المقاومة أيّ اهتمام بتجنيدهم واعتمادهم كجنود لديهم، منحوهم الإستمارات ولكن لا شيء تمّ تنفيذه". تجربة تدفع هؤلاء إلى الإيمان، حقّاً، بأن "تلاعب المقاومة وإهمالها للمقاتلين جعل أمر النصر يتحوّل إلى هزيمة، والتقدّم الى تراجع، والقادة إلى تجّار وسماسرة".


"جوّعونا"
صدّام خالد، يروي، هو الآخر، لـ"العربي"، تفاصيل تجربته مع "المقاومة"، ويتحدّث عن رؤيته للحرب اليوم. يقول صدّام: "دخلنا إلى الجبهات للدفاع عن كرامة تعز، وتركنا أسرنا خلفنا تعاني، وتكابد الحياة، والخوف والقلق على مدار الساعة، قاتلنا وواجهنا الرصاص بكلّ شجاعة، ولكن القيادة لم تعرنا أيّ اهتمام ولم تقدّر جهودنا".


ظلّ صدام سبعة أشهر في ميدان المعارك، وكان من ضمن المقاتلين في جبهات الزنوج، وجبل الوعش، والمركزي، والبعرارة، والحوجلة، والستين، وجبل جرة. خلال تلك الفترة، يلفت صدّام إلى أنّهم "خضعوا للجوع من جهة، والخذلان من جهة ثانية، ومقدار ما كانوا يتقاضونه، كمصروف يومي، كان ألفي ريال، وتراجع إلى ألف، ووصل إلى 300 ريال يمني، إلى أن توقّف تماماً".


"حرمان" حمل صدّام وعشرات بل ومئات آخرين إلى ترك "المقاومة"، والعودة إلى منطقتهم في شرعب. يؤكّد صدّام أنّه "قبيل تركي المقاومة بأيّام، لم يتبقّ من المجموعة التي كنت عضواً فيها سوى ثلاثين فرداً، من أصل مائة".


هجران أبناء "المقاومة" لها قد يكون واحداً من الأسباب الرئيسة، التي جعلت النصر في تعز أمراً مستحيلاً، وجعلت الجبهات ساحات مفتوحة لحرب غير محسومة. مراوحة يعزوها كثيرون إلى "ضعف القيادة، وضعف وانقطاع الدعم، سواء من قبل القادة في الميدان، أو من قبل أولئك المعنيّين بحسم المعركة في تعز، والبلاد برمّتها".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص