- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- اعتبروه أحد أفضل الأطباء.. يمنيون يشيدون بالدكتور المصري هشام إبراهيم (تفاصيل)
- عقوبات أمريكية على شركة سورية تموّل الحوثيين من إيرادات بيع النفط الإيراني
- دورات طائفية باشراف إيران للوكلاء الحوثيون الجدد!
- محلات عبدالغني علي الحروي تعزز تواجدها في السوق العالمي بالتعاون مع شركة هاير
- الحوثيون في إب يسجلون في مدارسهم طفل الصحفي القادري المخفي لديهم بإسم غير إسم أبوه
- علي سالم الصيفي ودورة في تمويل داخلية الحوثيين و الاستحواذ على 200 مليار ريال سنوياً
- إتحاد الإعلاميين اليمنيين يدين توعد قيادي حوثي بتصفية الصحفي فتحي بن لزرق
- بيان ترحيب من منصة (p.t.o.c) بفرض عقوبات امريكية على قيادات حوثية متورطة في جرائم منظمة وتهريب الاسلحة
- منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C) تصدر تقريرها الجديد «الكيانات المالية السرية للحوثيين»
- إسرائيل تدعو السفن التجارية المتجهة لميناء الحديدة بتحويل مسارها نحو ميناء عدن
يخيّم الحزن على مدينة المكلّا، والبشاشة تكاد تكون غائبة عن وجوه سكّانها، الذين ما زالوا متأثّرين بتداعيات التفجيرات، التي أزهقت أرواح 48 جنديّاً، وأدّت إلى سقوط عشرات الجرحى.
لا يوجد هنا شيء محدّد يشعرك بأن المدينة على أعتاب استقبال عيد الفطر المبارك، وكأن عجلة التاريخ تعطّلت، والزمن توقّف. في هذه الأثناء، يقف الحاج صادق بامعس على باب دكّانه الصغير، مهموماً، يخرج المنديل من جيبه ليمسح العرق المتصبّب من جبينه، يطالعنا بنظرات هادئة، ثم يبتسم ابتسامة لا تخلو من مسحة كآبة، ويقول: "السوق راكد والحال واقف، رعى الله أيّام زمان، كان هذا الشارع في قلب ديس المكلّا في أواخر رمضان عامراً بالنشاط والحركة، الكلّ يشتري ويتبضّع، أمّا اليوم، زيما انتي شايفة، لا أحد يحرّك ساكن".
تتوغّل في أحياء الديس لتلمح صاحب دكّان حلاقة بجانب مسجد الشهداء، هو الآخر يبدو بلا عمل، محلّه خاو، بدون زبائن، تقترب منه، وتطرح عليه سؤالاً واحداً، ليخرج كلّ ما في قلبه، لكن بعد إطلاق تنهيدة طويلة: "يا أختي، زيما انتي شايفة، الناس ما زالت مصدومة من الذي جرى، وتنظر للمستقبل بتوجّس، الخوف يعتري الجميع، وهذا طبيعي، لكن ربنا يعين، ما علينا إلّا الدعاء، الحركة معدومة عند الكلّ، باقي للعيد أيّام، ما كان حالنا هكذا في السنوات الماضية، أحياناً كنّا ما نلحق على الشغل من كثرة الزحمة، الله يجازي اللي كان السبب".
على متن باص أجرة صغير، انتقلت من الديس إلى الشرج. كان من الصعب عليّ أن ألمح وجهاً يطلق ابتسامة مشرقة، أو ضحكة مجلجلة. أصبحت المدينة كأنّها تعيش أجواء مأتم مفتوح. نزلت من الباص ودخلت الشارع الثاني. لا يختلف المشهد كثيراً عن الديس. أسواق يكثر فيها الباعة ويقلّ المشترون، من الصعوبة بمكان أن تعثر على شخص يبادرك الحديث، أو يقبل بأن تحاوره على عجل. اقتحمت معرضاً للملابس، ابتسم صاحب المعرض وهمّ باستعراض بضاعته، قاطعته بسؤال عن سبب ركود السوق، بعد أن عرّفته بنفسي، ردّ قائلاً: "نحن نعيش في حيرة من أمرنا، ونبحث عن من يمنحنا الجواب الشافي إلى متى سنظلّ نعاني، الناس بلا مصادر دخل أو رزق، الرواتب لم تصرف حتّى الآن، وهناك من يشيع بأنّها لن تصرف، يعني ما فيش عيد، لم نعد نقوى على احتمال الخسائر يوميّاً، حياتنا أصبحت كلّها بالدين، عمرك سمعتي عن معرض للملابس يبيع كسوة بالدين، الله المستعان".
غادرت المعرض، والإحباط يعتريني، وأمواج اليأس تستهلك ما تبقّى من قواي الذهنية والبدنية، وقفت أنظر إلى السماء بعيون مرهقة، أحاول التقاط بعض أنفاسي، قبل أن أواصل طريقي إلى المكلّا. لم يعد هناك متّسع من الوقت قبل آذان المغرب. قطعت الطريق بجانب مكتبة الوعي، حيث يتجمّع عدد من الشبّان والرجال لتصفّح الجرائد والبحث عن حقيقة ما يجري في المكلّا والبلاد عموماً، قال لي أحدهم: "لم نعد نثق في كلّ الأخبار، لا مواقع، ولا فيسبوك، كلّه كذب وشائعات، وحرب نفسية تمارس علينا، من زمان ما سمعنا خبر مفرح، من بعد تحرير المكلّا من القاعدة، عيالنا يقتلون ممّن يدّعون الدفاع عن الإسلام، وهو منهم براء". لا يوجد ما يشعرك بأن مدينة المكلّا على أعتاب استقبال عيد الفطر المبارك
أسرعت الخطى بعيداً عن الشرج، كان وجهتي حيّ السلام وحي الشهيد خالد في المكلّا. كان لا بدّ قبلها أن أمضي في رحلتي مشياً على الأقدام بمحاذاة البحر، استمتعت بصوت أمواجه الهادرة، ورذاذه المنعش كلّما اقتربت من صخور الكبس، التي تشكّلت كسياج منيع حوله. الغريب أنّه حتّى الشوارع باتت خالية من المركبات، الزحمة لم تكن كتلك التي كنّا نشكو منها في سنوات طوال سابقة، ونكتب عنها في كلّ مكان. وصلت سريعاً إلى محطّتي الأخيرة، تحدّثت مع مواطن كان يتجوّل مثلي في المنطقة نفسها، قال: "مازلنا نحاول لملمة جراحنا، ونسمو فوق أوجاعنا، المصاب جلل، لكن ذلك لا يعني أنّنا سنقبل بالهزيمة والإستسلام، عدم الفرح في العيد يوحي لأعدائنا بأنّنا انكسرنا، نحن شعب حيّ، لذلك، سنحتفي بالعيد، والأهمّ، من وجهة نظري، رعاية أهالي الشهداء وجرحى العمليّات الإرهابية، وإحاطتهم بكلّ الإهتمام والتقدير، ودعمهم بما نستطيع".
وتحدّثت، كذلك، مع صادق إسماعيل (موظّف قطاع حكومي). أباح لي ببعض ما يشغل تفكيره: "لحدّ الآن رواتبنا في علم الغيب، ومع عودة طبول الحرب لتقرع من جديد، نخشى أن لا تصرف، نحن لا نفكر بالعيد أمانة، نفكر أصبحنا كيف نؤمّن قوت عيالنا، خلاص تعبنا، والله حرام".
إذا كان من الصعب استنطاق الرجال أحياناً في مثل هذه الظروف، فإن النساء هنّ الأخريات لا يتجاوبن بسهولة مع كلّ ما يطرح، لكن أمّ بدر كانت حالة فريدة من نوعها، هي وصديقتها أسماء: "أيّ عيد بابنتي تتكلّمي عليه، وأسر تبكي في بيوت على عيالها، العيد صار شيء من الماضي، إحنا بنحاول نواسي الناس اللي فقدت أولادها، اللي كانوا يحمونا ويسهروا على أمننا، كنّا أيّام أوّل، ننظّف البيت ونعيد طلاء جدرانه، ونفرشها بالفرش الزين، ما ذالحين ما عدشي نفس لشيء طول، لا حد يضحك عليكي، ويقولك بنعيد".
من ضمن الأشياء الكثيرة التي لفتت انتباهي، في الأسواق المنتشرة في المكلّا هذه الأيّام، وجود أطفال يلهون ويلعبون بأسلحة افتراضية، من بينها مسدّسات وبنادق وقنابل وما شابه، كانوا يركضون في الأزقة، ويتموضعون خلف ستار لإطلاق الرصاص من أسلحتهم الصغيرة، التي نجمت عنها إصابات. ذهبت مباشرة باتّجاه محلّ لبيع هذه الألعاب، سألت عن أسعارها فبدت رخيصة، والأطفال يقبلون على شرائها، وكأن رياح الحرب أحدثت أثرها السلبي على نفوسهم، وأدّت إلى رواج هذا النوع من الألعاب، الذي يغذّي فيهم سلوك العنف.
عندما كنت أقلّب أسلحة بلاستيكية في يديّ، دخل رجل طاعن في السنّ يشكو صاحب المحلّ، وينصحه بعدم بيع هذه الألعاب الخطيرة، الممنوعة في بعض البلدان، وقال: "بالأمس، أصيب طفل في عينه وفقد نظره بسبب رصاصة صغيرة، أصغر من حبّة البازلاء، من بندقية صديقة. وأصيب أطفال، كذلك، بمسدّسات تطلق رصاصاً على شكل الخرز. وفي العام الماضي، أصيب طفل بطماشة، قرب عينه"، لذا والحديث للرجل عينه: "ينبغي تحذير الآباء والأمّهات، فالأبناء أمانة، ومثل هذه الألعاب المضرّة لا ينبغي بيعها، ولا شراؤها".
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر