السبت 21 سبتمبر 2024 آخر تحديث: السبت 14 سبتمبر 2024
"الموت الأسود" يعود... والمشاورات في إجازة
الساعة 23:25 (الرأي برس - CNBC)

حالة من الصدمة والذهول تعيشها مدينة المكلّا، عاصمة محافظة حضرموت، على إثر التفجيرات التي استهدفت مواقع عسكرية تابعة لقوّات الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، وأودت بحياة ما لا يقلّ عن 41 شخصاً، فيما أصابت عشرات آخرين بجروح. يكاد أبناء المدينة لا يصدّقون أن الحاضرة، التي أُعلن، قبل حوالي شهرين، "تحريرها" من العناصر الإرهابية، تعود لتكتوي بنيران الجماعات المتشدّدة، التي بعثت، أمس، برسالة دموية شديدة لخصومها. رسالة يبدو أنّها تفتح الباب على مرحلة عنفية جديدة، تدخل المحافظة الشرقية في دوّامة إضافية من اللاإستقرار، وتضع أهلها على خطّ نيران التنظيمات المتطرّفة، التي يظهر أنّها تعدّ العدّة لإعادة إسقاط المحافظة الأكبر على مستوى اليمن بأيديها.


خلال الأسابيع القليلة الماضية، بعثت الجماعات المتشدّدة بأكثر من إشارة إلى نيّتها ضرب حضرموت، والإثخان فيها. في 6 يونيو الجاري، إغتيل الضابط في "الجيش الوطني" وقوّات "النخبة الحضرمية"، عبد الله بفلح. وبعد ذلك بـ4 أيّام فقط، إغتيل ضابط عسكري في المنطقة العسكرية الأولى في وادي حضرموت، يُدعى فتحي الوصابي. وتلى عملية الإغتيال الأخيرة استهداف مندوب "مركز الملك سلمان للإغاثة" في وادي حضرموت، عبد الله سعيد بن ضبعان، بإطلاق نار، ما أدّى إلى مقتله. حوادث متتالية عزّزت المخاوف من أن تعود التنظيمات المتطرّفة إلى نشاطها في حضرموت، خصوصاً أنّ وادي سر كان ما يزال قاعدة ثابتة لها، قائمة بعدّتها وعديدها، بعيداً عن استهداف الطائرات أو نيران الدبّابات والرشّاشات. حوادث متتالية عزّزت المخاوف من أن تعود التنظيمات المتطرّفة إلى نشاطها
لم تطل المدّة حتّى ثبتت صحّة تلك المخاوف. تنظيم "الدولة الإسلامية" أطلّ بـ"سيفه"، مجدّداً، من حضرموت، مرسلاً ثمانية انتحاريّين، أربعة منهم هم "جرّاح العدني"، و"قسورة العدني"، و"عمّار الأنصاري"، و"محسن اليماني"، ليُعلموا "المرتدّين، ومن خلفهم الصليبيّين، بأن سيوفنا لم ترتو من دمائهم بعد، والقادم أدهى وأمرّ". كون "الدولة الإسلامية" هو الذي نفّذ هذه العملية، لا "القاعدة"، لا يبدّل شيئاً في معادلة "الموت المرتقب"، بالنظر إلى أن تحالفاً مرحليّاً بين التنظيمين لا يبدو مستبعداً بعد خروج عناصرهما من المكلّا، وبالنظر، كذلك، إلى أن الدواعش إنّما ولدوا من رحم "القاعدة"، لا من أيّ رحم آخر. الجديد، هذه المرّة، هو الأسلوب الذي استُخدم في التفجير، والذي يطرح الكثير من علامات الشبهة حول الجمعيّات العاملة في المكلّا، والتابعة بمعظمها لحزب "التجمّع اليمني للإصلاح".
بحسب بيان لقيادة المنطقة العسكرية الثانية، قدم شخص، يقود "باصاً" صغيراً، إلى نقطة باشريف في منطقة حيّ الشهيد في المكلّا، وبعد ترجّله من الباص قدّم لجنود النقطة "كرتوناً" على أنّه وجبة إفطار مجّانية، إستلم الجنود الكرتون، وما هي إلّا دقائق حتّى انفجر بهم، بعد فتحه، ليستحيلوا جثثاً هامدة (قتل في هذه النقطة 8 جنود وأصيب 7 آخرون بجروح). وفي نقطة الجسر الصيني، قدم شخص باتّجاه مجموعة من الجنود، وطلب الإفطار معهم، وعند اقترابه منهم، قام بتفجير نفسه، ما أسفر عن مقتل 3 جنود و3 مدنيّين بينهم طفلة وإصابة 11 جنديّاً. أمّا في منطقة فوّة فكانت المجزرة الأكبر، حيث هاجم خمسة انتحاريّين مقرّ الإستخبارات العسكرية ودفعوا بسيّارة مفخّخة إلى البوّابة فتمّ تدميرها، ثم دخل انتحاري مبنى المقرّ وفجّر نفسه وسط تجمّع للجنود، فيما فجّر قرينه نفسه في مكتب الشؤون الإدارية، ونجم عن تفجيرات فوّة، جميعها، مقتل 34 جنديّاً وضابطاً، بينهم عقيدان، وجرح عشرين آخرين.
ما يلاحظ في تفجيرات، الأمس، استخدامها خدعة الإفطار، التي كانت التحذيرات منها قد تعالت منذ بداية شهر رمضان. تحذيرات تمحورت جميعها حول قيام الجمعيّات التابعة لـ"الإصلاح"، خصوصاً منها جمعيّتا "الحكمة" و"الإحسان" باختراق صفوف الجنود تحت يافطة "الإفطارات المجّانية". هكذا، تمّ، على ما يبدو، تجميع المعلومات الإستخبارية اللازمة للعمليّات، بالتوازي مع بثّ روح تطمينية في صفوف الوحدات الأمنية والعسكرية، تجعلهم يأمنون جانب المتبرّعين لهم بالواجبات. يُضاف إلى ذلك، أن مقرّ الإستخبارات العسكرية في منطقة فوّة لم يتمّ تحصينه بالقدر الكافي للحيلولة دون وقوع عمليّات من هذا النوع، فإلى جانب كونه مبنيّاً، في الأصل، كمجمّع سكني، لا كمقرّ صالح، موقعاً وبناءً، لأغراض عسكرية، شرّعت أبواب المقرّ أمام جميع "المتبرّعين" بالإفطارات، حتّى غدا مشهد حاملي الوجبات الداخلين إلى "الإستخبارات العسكرية" مألوفاً يوميّاً، وهو ما قد يشوبه الكثير من فعال التجسّس.


بالتوازي مع "مذبحة" حضرموت، كانت عدن على موعد مع حلقة جديدة من مسلسل الإغتيالات. مسلّحون مجهولون، كانوا يستقلّون سيّارة من نوع "سنتافي"، أطلقوا النار على القيادي في "المقاومة الجنوبية"، حريز الحالمي، مساء أمس، في شارع مسجد الرضا، وأردوه قتيلاً على الفور، قبل أن يلوذوا بالفرار. بعضهم حاول أن يقرأ في الحادثة تراجعاً وضعفاً في عمل المجموعات الإرهابية، "كونه من السهل قتل شخص معاق طاعن في السنّ، لا يستطيع الحركة"، إلّا أن هوية المستهدف وطريقة الإستهداف تشي بدلالات مغايرة لما تقدّم. فالعميد حريز الحالمي هو من القيادات البارزة في الحراك الجنوبي، وهو الذي قاد جبهة كالتكس في المنصورة في مواجهة "أنصار الله" والقوّات المتحالفة معها. كما أنّه تعرّض، خلال الفترة الماضية، لأكثر من محاولة اغتيال، كان آخرها قبل شهرين، عندما انفجرت عبوة ناسفة بسيّارته في مدينة الشعب، ما أدّى إلى إصابته بجروح خطيرة. إصابة كان الرجل يعتزم السفر إلى الخارج لتلقّي العلاج منها، إلّا أن الأجل سبق عزمه. وتفيد معلومات "العربي" بأن مغتاليه أطلقوا عليه 19 رصاصة مزّقت جسده. كلّها وقائع تشي بإصرار الجماعات المتشدّدة على ملاحقة أهدافها، وتصفية خصومها، ولو بعد حين.


ميدانياً، لا تظهر الأوضاع متّجهة نحو تثبيت الهدنة أو تدعيمها. على العكس من ذلك، جميع المؤشّرات تفيد بأن التصعيد بات سيّد الموقف، وكأن الأزمة عادت إلى المربّع صفر، إلى ما قبل بدء المشاورات اليمنية في أبريل الماضي. آخر المعلومات تشير إلى تصعيد كبير في محافظات تعز ولحج ومأرب وصنعاء. في تعز، قُتل ما لا يقلّ عن 19 مدنيّاً، بينهم أربع نساء، إضافة إلى 15 عنصراً من "أنصار الله" والقوّات المتحالفة معها، في قصف للطائرات التابعة لـ"التحالف العربي" على مفترق حيفان الراهدة. وفي تعز أيضاً، قُتل 11 مدنيّاً آخر، وجنديّ من القوّات الحكومية، في قصف لـ"أنصار الله"، على المناطق التي تسيطر عليها تلك القوّات. وفي محافظة أبين (جنوب)، قُتل ثلاثة مدنيّين، على الأقلّ، في غارة على منزل يعود لعائلة الشعب في مديرية المحفد، التي يسيطر عليها تنظيم "القاعدة". أمّا في محافظة لحج (جنوب)، فقد واصلت قوّات "التحالف العربي" وقوّات الرئيس عبد ربه منصور هادي الدفع بتعزيزات عسكرية إلى جبهة القبيطة، بعدما تمكّنت "أنصار الله" والقوّات المتحالفة معها من السيطرة على منطقة الكعبين، وإسقاط مدرسَتي النصر ومغنية، إثر سيطرتها، كذلك، على جبل جالس، لتصبح أكثر قرباً من قاعدة العند الإستراتيجية.


وفي وسط البلاد، تواصلت المعارك في جبل هيلان والشجح في مأرب، التي شهدت، خلال الأيّام الماضية، تعزيزات عسكرية تزامنت مع وصول نائب قائد القوّات البرّية السعودية، فهد بن تركي بن عبد العزيز، إلى المحافظة، حيث اطّلع على تركيب منظومة صواريخ أرض-أرض في صحن الجنّ.لا تظهر الأوضاع متّجهة نحو تثبيت الهدنة أو تدعيمها وفي جبهة نهم، شمال شرق صنعاء، تجدّدت المواجهات بين طرَفي النزاع، موقعة مزيداً من القتلى، بعدما كانت وصلت، قبل أيّام، إلى الجبهة، تعزيزات لـ"أنصار الله" عبارة عن حاضنات صواريخ الطائرات الحربية، التي تمّ تركيب قواعد ثلاثية لكلّ منها، مع بطّاريات ونظام إطلاق. وقال القيادي في اللجان الشعبية، أبو طارق، لـ"العربي"، إن مسلّحيهم استكملوا السيطرة التامّة على تلال جبلية في مديرية نهم، إثر إشتباكات مع قوّات هادي. وأضاف أنّهم تمكّنوا من إفشال محاولة تقدّم لقوّات هادي باتّجاه منطقة المجاوحة في نهم، متحدّثاً عن "أسر عشرات المقاتلين من قوّات هادي، وتكبيدهم خسائر في العتاد والأرواح".
هذا التصعيد الميداني، الذي ينذر بتطوّرات خطيرة، خلال الأيّام المقبلة، لا يوازيه إلّا انسداد على المستوى السياسي. زيارة الأمين العام للأمم المتّحدة، بان كي مون، إلى الكويت، لم تفلح، على ما يبدو، في الدفع بمشاورات السلام قدماً. معظم المعطيات تفيد بأن بان فشل في إقناع طرفي النزاع بقبول الخارطة التي اقترحها مبعوثه، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، لحلّ النزاع. فشل يعزّز أنباءه إعلان تعليق المشاورات إلى ما بعد عيد الفطر. وعليه، فلم يعد أمام أمين المنظّمة الدولية إلّا تكرار الكلام المعاد حول ضرورة وقف النزاع، والعودة إلى مسار الإنتقال السياسي، والعمل على تنفيذ مخرجات الحوار الوطني. وفي ظلّ المراوحة السياسية، التي تبدّد ما ساد اليومين الماضيين من أجواء إيجابية أشاعتها تصريحات الناطق باسم "أنصار الله"، محمّد عبد السلام، ووزير الخارجية اليمني، عبد الملك المخلافي، حول اقتراب الحلّ والإصرار على صنع السلام، يعود الميدان ليتصدّر الواجهة من جديد، فاتحاً الساحة اليمنية على احتمالات قاتمة، ليس اندلاق العنف بصورته الأولى، كرّة أخرى، مستبعداً منها.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص
اختيارات القراء
  • اليوم
  • الأسبوع
  • الشهر
  • الأكثر قراءة
  • الأكثر تعليقاً