الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
عن بقايا الحياة... في أرض سام
الساعة 19:48 (الرأي برس - عربي )

قصف وحرب وحصار وصراعات مسلّحة لطّخت وجه مدينة صنعاء بأكوام الخراب، ونقشت بالرصاص كثيراً من مبانيها، وفتحت جروحاً غائرة في نفوس ساكنيها، حتّى غدت أرض سام وعاصمة الروح المدينة المفتوحة للنزوح والسلاح والسيّارات المجهولة الهوية. صنعاء ماقبل العام 2011 ليست كما بعده، فشواهد الركود في كلّ شوارعها، وعلامات التعب والإنهاك يلحظها الزائر في وجوه قاطنيها. لا نشاط تجاريّاً سوى في أسواق القات، ولا مشاريع جديدة عدا طلاء قباب المساجد باللون الأخضر وشعارات "أنصار الله"، التي حلّت بدلاً من الإعلانات التجارية في مداخلها والجزر الوسطية للشوارع.


مشاهد الصراع 
في مدخلها الشمالي، تقابلك لوحة تعتلي بوابة الأزرقين، تحمل عبارات الثناء لـ"شهداء مسيرة أنصار الله". تشقّ طريقك إلى الداخل، ولا تمنحك الروائح المنبعثة من مقلب قمامة العاصمة متّسعاً لالتقاط أنفاسك، وتفحّص لوحة تضمّ صور العشرات من قتلى تفجير ميدان السبعين، الذي استهدف جنود الأمن المركزي في العام 2012. ومع اقترابك من حيّ الحصبة، تقابلك آثار الرصاص وقذائف الـ"RBG" وحطام صراع الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، وآل الأحمر في العام 2011، حيث لايزال مبنى وزارة الداخلية مهجوراً وشاهداً على ضراوة القتال. والمتاريس غادرها من بقي على قيد الحياة إلى جبهات صراع لا تزال مشتعلة في أكثر من محافظة، تاركين وراءهم أكياس الرمل التي اتّخذوها متاريس، وقناني المياه الفارغة، ومنازل في محيطها صارت اليوم خرائب. 


وعلى بعد أمتار، في حديقة الثورة للألعاب، يتحلّق جمع من العامّة نهاراً حول السيد محسن الحمزي، الذي عيّنه زعيم "أنصار الله" رئيساً لـ"ديوان الظالم"، يبتّ في النزاعات بالعرف القبلي المسنود بقوّات الأمن ومسلّحي "اللجان الشعبية".

وعلى مقربة منه، يقبع الشيخ حمير الأحمر في منزل والده، الذي أحرقته القذائف في العام 2011، وطمس دخانها صورة كبير الأسرة في واجهة منزله. وبجوار الشيخ حمير، يلوك شقيقه الأكبر الشيخ صادق الأحمر القات، وحيداً ملتزماً الصمت منذ سيطرة "أنصار الله" على العاصمة صنعاء، بعد أن مزّق جواز سفره، مفضّلاً البقاء وحيداً ورافضاً اللحاق بشقيقه حميد وبقية إخوانه، الذين يعيشون لاجئين في أكثر من عاصمة في الجوار. ولأكثر من عام، والشيخ صادق الأحمر لا يغادر منزله، ولا يرى في البلد سوى بقايا حطام، كمبنى طيران "اليمنية" الماثل أمام عينيه صباح مساء.


مطار صنعاء سياج لـ"الخردة" 
من جولة الساعة في حيّ الحصبة، تقودك رحلة التجوال شرقاً إلى حي الجراف. هناك، تقابلك عشرات المنازل المدمّرة كليّاً وجزئيّاً جرّاء غارات "التحالف العربي"، التي استهدفت المكتب السياسي لـ"أنصار الله"، وخلّفت العديد من الضحايا من سكّان الحي فيما نزح الكثير منهم. تواصل خطّ السير شرقاً حتّى الوصول إلى مطار صنعاء الدولي، الذي صارت الرحلات الواصلة والمغادرة منه خلال الفترة الأخيرة لا تتعدّى 10 رحلات في الأسبوع، وفق تأكيد مصدر ملاحي لـ"العربي"، أشار إلى عدم انضباط مواعيد الرحلات رغم انحسارها، مرجعاً السبب إلى إجراءات التفتيش المشدّدة في مطار بيشه السعودي، وتهالك أسطول "اليمنية" الجوّي.


لا شيء يوحي بأنّك في مطار دولي، فالديكورات تساقطت الكثير من مربّعاتها في صالاته بفعل الغارات، والخدمات شبه غائبة، ومسلّحو "أنصار الله" فرضوا لأنفسهم مهامّ بجوار ضبّاط وجنود أمن المطار. تصعد إلى أسطح الصالات، ومن هناك تشاهد حجم الدمار الذي خلّفته غارات التحالف. طائرة شحن من نوع "يوشن" محطّمة، وبجوارها طائرة لشركة "السعيدة" قصمتها غارة جوّية إلى نصفين. تجوب بناظريك في قاعدة الديلمي الجوّية، فلا تشاهد سوى الحطام للمباني والهناجر والمخازن، حتّى الأزهار صارت حطباً، والمساحات الخضراء تيبّست، واحترق الكثير منها، ليغدو سور مطار صنعاء وقاعدة الديلمي، رغم امتداده على مرمى البصر، سياجاً لـ"الخردة". يقبع الشيخ حمير الأحمر في منزل والده الذي أحرقته القذائف في العام 2011


منازل مهجورة
"الفلل" الفاخرة لرموز السلطة والمعارضة، سابقاً، في معظم الأحياء في صنعاء مهجورة. منزل الرئيس عبد ربه منصور هادي في شارع الستين موصدة بوّاباته، والستائر تتقاذفها الرياح في نوافذه المفتوحة. ومنزل نجل هادي، ناصر، القابع في الخلف لم يكتمل بناؤه. سائق سيّارة أجرة علّق ساخراً: "لم نستفد من هربة هادي إلّا تخفيف الزحام في الشارع، بعد إزالة الكتل الخرسانية التي نصبها في وسط الشارع لحماية منزله". وفي نهاية شارع الخمسين، أجبرت غارات التحالف الشيخ ضيف الله رسام على مغادرة منزل الجنرال علي محسن الأحمر، بعد أن كان اتّخذه مقرّاً لـ"مجلس التلاحم القبلي"، التابع لـ"أنصار الله"، وبجواره منزل الشيخ حميد الأحمر، الذي وصفه الإعلامي سامي كليب في مستهلّ "زيارة خاصة" بأنّه يضاهي القصور الرئاسية، صار مقصداً للصغار لتعلّم السباحة في أحواض المياه الراكدة، التي اكتست اللون الأخضر. وإلى جانب هذه الأحواض، حطام المنزل وأعمدة الرخام والمرمر التي بعثرتها قذائف قوّات الحرس الخاصّ في العام 2011 ، وغارات " التحالف " في مطلع العام الجاري، والتي أجبرت وزيراً سابقاً في حكومة باسندوة على المقيل في غرفة الحراسة بجوار بوّابة منزله. يقول هذا الوزير، لـ"العربي"، إنّه لا يأمن على حياته وأسرته من الغارات، التي استهدفت في أكثر من ليلة كلّية الدفاع في خطّ الستين، حيث يقبع منزله بجوارها.

 
مقرّ إقامة صالح
في منطقة النهدين، ينتصب دار الرئاسة المهجور إلّا من غارات التحالف طوال الـ14 شهراً الماضية، وزيارة يتيمة للرئيس هادي في العام 2012. إلى اليوم، لا يزال الدار محاطاً بسياج من الأسرار، لا يعرف مخادعه ودهاليزه سوى الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، وقلّة من المقرّبين منه، حيث لا يزال يشرف على إدخال شحنات من الحديد والإسمنت إليه، إلى ما قبل ثلاثة أسابيع. يوضح أحد السائقين، لـ"العربي"، أن الشاحنات تتوقّف عند البوّابة الشرقية لدار الرئاسة، وهناك يتكفّل جنود من القوّات الخاصة سابقاً بإدخال الشحنات، وإرجاع الشاحنات إلى سائقيها المنتظرين عودتها من الداخل في البوّابة. 


لا أحد يعرف مقرّ إقامة صالح منذ استهداف منزله من قبل طائرات التحالف في شارع صخر بحدّة، وكذا حصن عفاش في مسقط رأسه بسنحان، ولكن شخصية مقرّبة منه ذكرت، لـ"العربي"، أنّها تلقّت اتّصالاً من صالح للإنتظار قرب اللجنة الدائمة، وفور الوصول إلى هناك، توقفت إلى جانبها سيّارة مصفّحة بزجاج أسود عاكس، على متنها سائق وضابطان، طلبا من هذه الشخصية الصعود. ولمدّة نصف ساعة من السير، "لا أعلم إلى أين، ولا أشاهد شيئاً، ولا تتنامى إلى مسامعي أصوات الخارج، ويفصل بيني وبين السائق عازل حديدي يحجب الرؤية عن القابع في المقعد الخلفي، لتتوقف السيّارة في بدروم منزل، وهناك نزلت منها وصعدت للقاء صالح، وبعد ساعة تمّ إرجاعي وإنزالي بجوار اللجنة الدائمة، ولم أشاهد سوى صالح وعدد من أفراد حراسته".


البحث عن الجذور
أحدث الصراع الداخلي تمزّقات في النسيج الإجتماعي، وظهّر النزعة المناطقية التي شوهدت تبعاتها الكارثية في أكثر من محافظة، لكن البعض لا يزال يرى في العاصمة صنعاء مدينة مفتوحة لكلّ أبناء اليمن، فيما الكاتب وضّاح الجليل يعتبر أن "ثمّة كذبة كبيرة يردّدها حتّى من يعلمون كذبها، مفادها بأنّه في صنعاء لا تفكّر بتغيير لهجتك أو هويتك. في صنعاء أنت يمني فقط. ولا أحد يسألك من أين أنت"؟. ويردّ وضاح بالقول إن "أوّل سؤال أواجهه من أيّ شخص في صنعاء عادة هو: من أين أنت؟. وغالباً من يسألني هذا السؤال لا يسألني عن اسمي. أمّا عن لهجتي، فأنا أتذكّر أنّني حين عرفت صنعاء صغيراً، كنت أتدرّب على اللهجة الصنعانية لكي أتجنّب الإيذاء والسخرية في الشارع والأسواق وفوق الباصات".


في المقابل، يروي الباحث والكاتب محمد الظاهري "أنّني درست وتخرّجت في صنعاء، واشتغلت، ولا أحد عارف من فين أنا، ولا أنا عارف من فين معظم أصدقائي، إلّا الذي باين من لهجته إنّه من تعز". وتؤكّد الإعلامية آسيا ثابت رفعان، من جهتها، ما ذهب إليه الطاهري، متحدّثة عن "أنّني عشت في صنعاء ما يقارب 20 سنة، ولم ألحظ نزعة مناطقية. صنعاء قبلة الروح لاتحاولوش".


وفي جولة قصيرة في شوارع صنعاء، يلحظ الزائر تنوّع السحنات وتعدّد اللهجات. توقّفنا للحظات في ميدان التحرير وسط صنعاء، حيث كانت تُقام مباراة ودّية بين النازحين من تعز. هنا، يلتقي الكثير من النازحين بعدما وجدوا في المكان متنفّساً بديلاً عن مجالس تناول أعشاب القات، في ظلّ الظروف المعيشية الصعبة، وتعطّل الكثيرين منهم عن العمل بسبب الحرب التي أجبرتهم على ترك منازلهم وأعمالهم.


ثقافة بلون واحد 
منذ أكثر من عام، شهدت الساحة الثقافية شللاً شبه تامّ، وعلى وجه التحديد عقب سيطرة "أنصار الله" على العاصمة صنعاء. وفي هذا الشأن، يرى الكاتب هشام محمّد، لـ"العربي"، أن "الفعّاليّات الثقافية الرسمية أصبحت محصورة في عدد من الأنشطة الموالية لتوجّه الحوثيّين، غير أنّه برزت عدد من الفعّاليّات الثقافية لعدد من منظّمات المجتمع المدني كمؤسّسة بيسمنت، في برنامج أسبوعي منظّم إلى حدّ ما، ومؤسّسة إبحار للطفولة في الأنشطة الأسبوعية الخاصّة بالأطفال، وإصدار مسرحية "الشجرة تثمر بسكويتاً" للكاتبة مها صلاح، كما استطاع نادي القصّة المحافظة على فعّاليّاته الأسبوعية، بالرغم من قطع الدعم الشهري من وزارة الثقافة والمتمثّل في قيمة الإيجار".


واستطاعت الأمانة العامة لجائزة رئيس الجمهورية، في وقت سابق من العام الجاري 2016، تحييد نشاطها الثقافي، وسجّلت أسبوعاً ثقافيّاً بعنوان "الإنسان أبقى"، افتتح بمعرض فنّي ثم حفل توقيع لـ5 إصدارات أدبية، تلته ورشة فنّية للرسم الحرّ، واختيار أفضل 3 لوحات وتكريم أصحابها.


ويضيف هشام محمّد أنّه "في الآونة الأخيرة، نظّمت وزارة الثقافة عدداً من الفعّاليّات الثقافية، افتتحتها بمعرض للفنّان عبد الجبّار نعمان، وفعّاليّات منتظمة أسبوعيّاً، سواء التي تقيمها إدارة جاليري صنعاء في الوزارة، أو بالتعاون مع مؤسسّات مجتمع مدني موالية للحوثيّين كمؤسّسة شهرزاد... بالإضافة إلى الفعّاليّات المناسباتية غير المنتظمة على مسرح بيت الثقافة، إحداها لقطاع الفنون في ذكرى الفنّان محمد سعد عبد الله، وأخرى في اليوم العالمي للمتاحف، بالإضافة الى معرض فوتوغرافي وعدد من الفعّاليات الثقافية التي يرعاها الحوثيّون باسم وزارة الثقافة".
بدوره، يلفت الفنّان عصام الأخفش، لـ"العربي"، إلى أنّه "منذ العام 2014، لم يصدر ألبوم غنائي لأيّ فنان يمني"، مبدياً امتعاضه من "أنصار الله"، "الذين لا يمتلكون برنامجاً ثقافيّاً".


جماليّات تتلاشى
توقّفت العديد من الصحف الأهلية والحزبية التي كانت تصدر من صنعاء، وفي المقدّمة "الشارع" و"الأولى"، فيما عاودت "أخبار اليوم" الصدور من عدن. كما شهدت صحيفتا "الثورة" و"26 سبتمبر" تغيّراً جذريّاً في مضامينهما، مع سيطرة "أنصار الله" عليهما، لتتصدّر خطب السيد عبد الملك الحوثي صفحاتها الأولى، مع أنشطة وفعّاليات سلطة الأمر الواقع في صنعاء. وخلال العام الفائت، صدرت صحيفة "لا" الأسبوعية، المتّسقة في سياستها التحريرية مع توجّهات "أنصار الله". أمّا المواقع الإلكترونية المناهضة للجماعة، فقد حُجبت من قبل وزارة المواصلات. وتوقّفت العاصمة عن استضافة معارض للكتاب، في وقت ازدادت فيها مهرجانات "أنصار الله"، والتي تبرز خلالها مظاهر المسلّحين، خصوصاً في باب اليمن، حيث السلاح يفسد جمال المدينة القديمة، التي اعتادت على السيّاح الأجانب يعانقون الدهشة وعبق التاريخ في مدينة موغلة في القدم، لم يشفع لها انضمامها لقائمة التراث العالمي في تجنيبها غارات التحالف، التي دمّرت عدداً من منازلها التاريخية. الوزارات والمؤسّسات الحكومية انحصر عمل الكثير منها في تسيير الأعمال الملحّة في حدودها الدنيا


السوق السوداء
الأسواق والمحالّ التجارية تشهد ركوداً بفعل الحرب والحظر المفروض على اليمن من قبل التحالف، لتنحصر القدرة الشرائية للمواطنين في ضرورات العيش من غذاء وماء ودواء وقات، يعتبره الكثيرون ضرورة رغم شحّ الدخل. ومع استمرار أزمة المشتقّات النفطية، لا تزال السوق السوداء تتمدّد في شارع خولان وجولة عمران والكثير من الأحياء. عن هذه الظاهرة يتحدّث، إلى "العربي"، أبو طه، أحد مشرفي "أنصار الله" في العاصمة صنعاء. يلفت أبو طه إلى أن "الكمّيات من الديزل والبنزين التي يتمّ استيرادها في ظلّ الحصار لا تلبّي احتياجات السوق المحلّية، وكلّ ما يباع في السوق السوداء مصدره السعودية التي حوّلت اليمن إلى سوق خلفية"، متابعاً أنّه "إذا منعنا السوق السوداء للمشتقّات النفطية فإن الأزمة ستتفاقم، ويتحّمل تبعاتها المواطن". ويرى أن "السعودية مستفيدة من الحصار المفروض على اليمن، فأغلب شركات النقل والإستيراد في المملكة تحوّل نشاطها إلى اليمن في ظلّ الركود الإقتصادي الذي تعاني منه مع تهاوي أسعار النفط". وللتدليل على ذلك، يشير أبو طه إلى أن "المتابع لحركة السير في خط مأرب صنعاء، عبر الجوف وعمران، يلحظ أرتالاً من القاطرات القادمة من السعودية على مدار الساعة محمّلة بالمشتقّات النفطية والبضائع، وأصبح المواطن اليمني مستهلكاً لكلّ ما يأتي من السعودية وعبرها، وصار من مصلحتها استمرار الحصار على اليمن". 


وبفعل أزمة البنزين والديزل، تكدّست السيّارات في معارض العاصمة، حيث الركود في بيعها وشرائها، وصار عمل المعارض يتركّز في معظمه في السيّارات التي تعمل بالغاز، كونه متوفّراً في المحطّات التي انتشرت في العاصمة بكثرة، وصارت تقارب الـ1000 محطّة لبيع الغاز، بحسب تقديرات تجّار يشتغلون باستيرادها، بعدما ظلّ توزيع الغاز، لعقود في العاصمة وبقية المحافظات، حكراً على الوكيلين الحصريّين المفزر وتوفيق عبد الرحيم.


تركة النظام السابق
مقرّ الفرقة الأولى مدرّع، التي كان يقودها الجنرال علي محسن الأحمر، لم يتحوّل إلى حديقة بحسب وعد السيد عبد الملك الحوثي، عقب سيطرة أنصاره عليها في العام 2014، ومباني جامعة الإيمان، التابعة للشيخ عبد المجيد الزنداني، لا يزال مسلّحو "أنصار الله" في داخلها، وعلى مقربة منها مقرّ التلفزيون الرسمي "الفضائية اليمنية"، محاطاً بكتل الخرسانة وآثار الدمار التي لا تزال على حالها منذ العام 2014، تاريخ منذ سقوط المقرّ بأيدي "أنصار الله" مع معسكر اللواء الرابع، الذي اتّخذوه معسكراً تدريبيّاً للمجنّدين الجدد. 


وفي شارع الثلاثين المتفرّع من خطّ الستين، من أمام بوّابة جامعة الإيمان، تتجاور كثير من منازل قيادات حزب "الإصلاح"، والقادة العسكريين الموالين له، لكن الكثير منها مهجور، والبعض منها تعرّض للقصف، ويتناوب عشرات من مسلّحي "أنصار الله" على حراستها، بعدما غادر ملّاكها الى الرياض وأنقرة، وعدد منهم يقاتلون في صف "الشرعية" في مأرب ونهم والجوف، كاللواء عبد الرب الشدادي قائد المنطقة العسكرية الثالثة، واللواء أمين الوائلي قائد المنطقة العسكرية السادسة.


ركود وشلل
الوزارات والمؤسّسات الحكومية في العاصمة صنعاء انحصر عمل الكثير منها في تسيير الأعمال الملحّة في حدودها الدنيا، كإعداد كشوفات المرتّبات للموظفين مدنيّين وعسكريّين نهاية كل شهر. ففي مجمّع الدفاع في باب اليمن، تحوّلت أرصفة ودكاكين الشوارع المحيطة إلى مكاتب لتسيير عمل الوزارة، بعدما تعرّض المبنى لقصف طائرات التحالف، التي دمّرت العديد من مبانيه، مما سبّب صعوبة بالغة للكثير من العسكريين الباحثين عن مرتبّاتهم المتوقّفة، بسبب عدم التحاقهم بالمعسكرات المتحالفة مع "أنصار الله" في جبهات القتال. 


وفي وزارة الأشغال، أفاد مصدر "العربي" بأن مستحقّات المقاولين لم تصرف منذ العام 2011 وحتّى اليوم، مضيفاً أن قيادة الوزارة تسلّمت قبل أسبوعين 200 مليون ريال يمني، تمّ صرفها كمستحقّات متأخّرة لموظّفي الوزارة بتوجيهات من اللجنة الثورية التابعة لـ"أنصار الله"، فيما جرّافات ومعدّات البناء وشقّ الطرق أصابها الصدأ في معارض البيع وأحواش المقاولين، الذين أشهر الكثير منهم الإفلاس.


عزلة دبلوماسية 
السفارات والقنصليات موصدة أبوابها منذ الـ21 من سبتمبر 2014، عدا السفارة الروسية في صنعاء، فيما السفارة الإيرانية تعرّضت، عقب سيطرة "أنصار الله" على العاصمة، لهجوم انتحاري بسيارة مفخّخة، كما طالت مبانيها الأضرار بفعل غارات "التحالف". وقبل أسابيع، بدأ عمّال النظافة بإزالة شعارات مناهضة لـ"العدوان" من على جدران سور السفارة السعودية في حيّ الصافية، إلّا أن أعمالهم توقّفت فجأة، بالتوازي مع تعطّل أعمال الترميمات في السفارة الأمريكية في حيّ شيراتون، والتي كان مسلّحون مؤيّدون لـ"أنصار الله" قد اقتحموها في نهاية العام 2014، وتعرّضت محتوياتها للنهب، بعد مغادرة طاقمها تحت حماية فرقة من المارينز. 


عدد من السكّان في محيط السفارة أفصحوا لـ"العربي" عن عدم ترحيبهم بإعادة إفتتاح السفارة، التي قالوا إنّها سبّبت الكثير من المتاعب لهم، حيث لم تفتح الشوارع المغلقة في محيطها إلّا بعد مغادرة طاقمها، وبعد سنوات من إغلاق عشرات المحالّ التجارية، وتعرّضهم لإجراءات تفتيش صارمة.


شبح الموت
لاشارع ولا حيّ يقصده زائر صنعاء إلّا ويلحظ شواهد الصراع والحرب والقصف والحصار والخراب والدمار والنزوح من وإلى العاصمة. ولا تزال عبارة أمين عام حزب "الحق"، حسن زيد، "من معه بيت في القرية فعليه ترميمه" متداولة في الشارع الصنعاني، منذ انطلاق "عاصفة الحزم"، التي ولّدت لدى السكّان تأثيرات نفسية لا يمكن التخلّص منها بسهولة.


المدينة المحاصرة 
أقفلت الحرب المدخل الشرقي للعاصمة صنعاء، حيث المعارك لا تزال محتدمة في سلسلة جبال فرضة نهم بين "أنصار الله" والقوّات المتحالفة معها من جهة، وبين القوّات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي من جهة أخرى. الأخيرة تحاول، منذ شهور، التقدّم صوب صنعاء، ويستميت "الفسطاط " المواجه لها في الدفاع عن العاصمة، مسيّجاً الجبال المحيطة بها بالآف من المقاتلين، ومخزون كبير من الأسلحة والذخائر. يستذكر الكاتب والباحث، حسين الوادعي، أن "العاصمة صنعاء سبق أن تعرّضت 20 مرّة للحصار والإجتياح والنهب على امتداد تاريخها ،وفي بعض المرّات دمّرت وأصبحت منازلها أطلالاً". ويضيف، لـ"العربي"، أن "حادثة نهبها عام 1948 كانت أكثرها التصاقاً بالذاكرة، ولا زالت سمسرة محمّد بن الحسن شاهداً ذا دلالة على المدينة المحاصرة والمجد الغائب، كانت السمسرة بمثابة بنك صنعاء وأضخم مبانيها، وتمّ تدميرها آنذاك ولا زالت خراباً حتّى الآن. أمّا النهب الأخير في 21 سبتمبر 2014 فليس إلّا حلقة تاريخية في سلسلة طويلة قد لا تنتهي".
ويرى الوادعي أن "واحدة من اللحظات التاريخية النادرة التي قاومت فيها صنعاء الغزو كانت فترة حصار السبعين 1968، واصفاً ذلك بـ"البطولة التاريخية للناس والمكان وأحلام الثورة ضدّ غزو المرتزقة ورجعيّي العصور الوسطى، المموّلين بأموال النفط وأوهام المذهب".

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص