الأحد 24 نوفمبر 2024 آخر تحديث: الخميس 21 نوفمبر 2024
أسواق السلاح تزدهر: تعدّدت الغايات و"العزّ" واحد
الساعة 22:33

هنا في شمال الشمال من اليمن تاريخ مشبع بالصراعات والحروب، التي أجبرت السكّان على اقتناء السلاح، بحيث بات لا يخلو منه منزل، ويتمسّك به أصحابه رغم أن الكثيرين منهم يعيشون تحت وطأة الفقر والحرمان.

فـ"العزّ في أفواه البنادق"، مثلٌ رسّخته في الأذهان بيئة محاربة تخوض القتال خلف رايات عدّة، ويعود من قدّر له العيش بعد انقشاع غبار المعركة، ببندقية تلازمه في حلّه وترحاله، يتغزّل بها بعبارات على غرار "يابندقي لاهنت سامرني الليلة". ومع كل حرب أو جولة صراع تنتعش أسواق السلاح بجديد مصانع "الموت".


الطريق إلى مأرب
إشتعلت الحرب في أكثر من محافظة، وانطلقت "عاصفة الحزم" لتفتح مخازن السلاح السعودي، وتعبر به الشاحنات من منفذ الوديعة إلى محافظة مأرب. وفي مقابل الشلل شبه التامّ للأعمال والوظائف في القطاعين العامّ والخاصّ، ظهرت وفرة مال وسلاح سعودي، وجّهت الكثير من العاطلين عن العمل في شمال الشمال صوب تداوين وصافر وماس، حيث المعسكرات التي أنشئت لمواجهة "أنصار الله" والقوّات المتحالفة معها. شباب في مقتبل العمر، لبّى بعضهم نداء الحزب والجماعة، فيما تراءت البندقية للبقية رزمة من النقود للتغلّب على شبح الجوع ومكابدة الفقر. غادورا مقاعد التعليم، ولم تعهدهم مقرّات الأحزاب، ولكنّهم على علاقة وطيدة بحراجات عمّال البناء، إلى ما قبل عاصفة الحرب، التي عصفت بقطاع الإنشاءات كما بقية القطاعات، لتبدأ رحلات البحث عن بندقية في مأرب.


شبكة مندوبين لاستقدام المقاتلين
مندوب عن كلّ مديرية في محافظات شمال الشمال (صنعاء، عمران، صعدة، حجّة، المحويت)، يتواجدون في مدينة مأرب، وتربطهم شبكة تواصل مع المناهضين لـ"أنصار الله" في مناطقهم، والذين يدفعون بالمتطوّعين إلى جبهات القتال، ويسلّمونهم مبالغ من المال توصلهم إلى مأرب، مع تزويد كلّ منهم بعنوان التواصل مع مندوب مديريّته، فور وصوله عاصمة المحافظة. 


رحلة السفر صوب مأرب يسرد جانباً منها، ياسر النجّار الذي رافق شقيقه العائد للإغتراب في السعودية إلى منفذ الوديعة، بعدها توجّه إلى مؤخّرة معسكر اللواء الذي يقوده هاشم الأحمر، وهناك التقى مندوب مديرية خارف في عمران التي قدم منها ياسر ليلتحق بالمعسكر، ويتلقّى تدريباً لمدّة شهرين مع 180 متطوّعاً للقتال في صفّ "الشرعية"، جميعهم من محافظة عمران. وفي إحدى الليالي، وبعد إستلامه 2800 ريال سعودي، قال إنّها مستحقّات الشهرين، تمّ إبلاغهم بالإستعداد للتوجّه في الصباح للقتال في جهة صرواح. وما هي إلّا ساعات حتّى حضر ضابط التسليح في اللواء، ليتسلّم كلّ واحد منهم بندقية "G.3" تحمل شعار "السيفان والنخلة"، و60 طلقة رصاص. 


في الصباح الباكر، وبحسب النجّار، حضرت عربات النقل إلى المعسكر، ولكن 20 مجنّداً هم من تبقّى من الـ180 الذين تمّ تسليحهم، والبقية تسلّقوا الأسوار ليلًا فرادى وجماعات، كلّ يبحث عن سيّارة أجرة أو شاحنة أو مخبأ له ولبندقيّته التي يتفحّصها بين لحظة وأخرى بعينين جاحظتين، وهي مرتفعة فوق جسد أرهقه شظف العيش، فيما الذهن يرتّب أولويات الضرورات الملحّة، يتصدّرها دين مالي مؤجّل حالت ظروف الحرب دون سداده. حوّلت "عاصفة الحزم" اليمن إلى سوق مفتوح للسلاح تعداد قطعه أضعاف تعداد سكّان البلاد


وسائل التهريب
المئات من شمال الشمال قصدوا مأرب للتسلّح بالبنادق السعودية والعودة. الكثير منهم، وخلال الشهور الفائتة، مثّلت لهم الحرب موسماً لاغتنام السلاح من مأرب، رغم المخاطر ونقاط التفتيش التابعة للقوّات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي، ومسلّحي "أنصار الله"، على طول الطرق من وإلى مأرب، لكن سليم القاعدي يقول، لـ "العربي" إن "قاطرات الغاز والديزل والبضائع التي تعمل في خطّ صافر صنعاء، والوديعة صنعاء، هي الوسائل الأنسب لإخفاء قطع السلاح في بواطنها، وضمان عدم مصادرته وسجن صاحبه في نقاط التفتيش"، ويضيف القاعدي أن "معظم سائقي الشاحنات يطلبون مبلغ 30-40 ألف ريال يمني، مقابل إيصال كلّ قطعة سلاح إلى صنعاء، ومن لا يملك المبلغ فيذهب مع السائق لبيع قطعة السلاح في العاصمة أو في محيطها، ويسلّم المبلغ المتّفق عليه للسائق".


أسواق السلاح
أعادت الحرب الأخيرة أسواق السلاح في كلّ مدن شمال الشمال، بعد سنوات من إغلاق معظمها في نهاية حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بما فيها سوق الطلح في صعدة، وسوق ريدة في عمران، وسوق جحانة في محافظة صنعاء. اليوم، تكتظّ هذه الأسواق بجميع أنواع السلاح، وفي المقدّمة ما جلبته الحرب الأخيرة من الداخل السعودي. تاجر السلاح في سوق ريدة، عبد الله الوقيص، يشير، لـ"العربي"، إلى أنّه "مع كلّ عملية تسليح لحلفاء السعودية في مأرب، تهوي أسعار السلاح، فالكلاشينكوف الـG.3 السعودي كان قبل أشهر ب 700 ألف ريال يمني، الآن لا يتجاوز سعره 300 ألف ريال يمني، والمسدّس الـglook الأمريكي كان يباع قبل الحرب الأخيرة ب 600 ألف ريال، والآن الأسواق مليئة بمسدّسات مقلّدة له صناعة تركية وإماراتية، جميعها لا تتعدّى أسعارها 170 ألف ريال يمني".


وتابع الوقيص أن "البنادق القديمة الروسية والألمانية الصنع لا تزال محافظة على أسعارها، والسبب كما يقول أنّها لا تتأثّر بالصدمات ولا بالغبار والأتربة وهطول الأمطار عليها، إلى جانب أن أنصار الله لا يقاتلون بالسلاح السعودي رغم اغتنام الكثير منه، لكنّهم يبيعونه في الأسواق لتوفير نفقات الحرب".
ماركات مع كلّ حرب 
القتال ضدّ الأتراك في شمال الشمال جلب معه بنادق عرفت بـ"الصابة" و"الموزر" و"السك"، والصراع بين "الملكية" و "الجمهورية" كانت آلته الحربية الأبرز بنادق ألمانية الصنع، حملت تسميات "الجرمل" و"الزاكي" و"المضلع" و"أبو شمس"، ومشاركة المقاتلين في حرب "المناطق الوسطى" في اليمن بين الجبهة الإسلامية والجبهة الوطنية أوصلت إلى شمال الشمال آلاف البنادق، التي لا تزال تسمّى إلى اليوم بـ"الليبي" نسبة للعقيد معمّر القذافي، الذي رفد "الجبهة الإسلامية" بشحنات الأسلحة والألغام، ومع حرب "تعميد الوحدة بالدم" في صيف 1994، انتشرت في الأسواق بنادق أطلق عليها "المؤتمر" و"الجفري"، واليوم، جلبت الحرب و"عاصفة الحزم" بنادق تسمّى بـ"النيمس" و"شتاير". جميعها حوّلت اليمن إلى سوق مفتوح للسلاح، تعداد قطعه أضعاف تعداد سكّان البلاد.

لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا

لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا

شارك برأيك
المشاركات والتعليقات المنشورة لاتمثل الرأي برس وانما تعبر عن رأي أصحابها
إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص