- الأكثر قراءة
- الأكثر تعليقاً
- اعتبروه أحد أفضل الأطباء.. يمنيون يشيدون بالدكتور المصري هشام إبراهيم (تفاصيل)
- عقوبات أمريكية على شركة سورية تموّل الحوثيين من إيرادات بيع النفط الإيراني
- دورات طائفية باشراف إيران للوكلاء الحوثيون الجدد!
- محلات عبدالغني علي الحروي تعزز تواجدها في السوق العالمي بالتعاون مع شركة هاير
- الحوثيون في إب يسجلون في مدارسهم طفل الصحفي القادري المخفي لديهم بإسم غير إسم أبوه
- علي سالم الصيفي ودورة في تمويل داخلية الحوثيين و الاستحواذ على 200 مليار ريال سنوياً
- إتحاد الإعلاميين اليمنيين يدين توعد قيادي حوثي بتصفية الصحفي فتحي بن لزرق
- بيان ترحيب من منصة (p.t.o.c) بفرض عقوبات امريكية على قيادات حوثية متورطة في جرائم منظمة وتهريب الاسلحة
- منصة تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن (P.T.O.C) تصدر تقريرها الجديد «الكيانات المالية السرية للحوثيين»
- إسرائيل تدعو السفن التجارية المتجهة لميناء الحديدة بتحويل مسارها نحو ميناء عدن
سابق العمّ مبارك الريح مع طفليه للوصول إلى شاطئ بحر المشراف في مدينة المكلّا، لقضاء آخر ساعات نهاره الرمضاني في الحوض الرملي للبحر. يقطع المسافات من الديس إلى المكلّا، سيراَ على الأقدام، يبتسم وهو يلقي التحية على صديق أو زميل، يقابله في طريقه صدفة.
على صخرة عملاقة في الكبس جلس العمّ مبارك، تاركاً العنان لطفليه للهو أمامه بمحاذاة الشاطئ، وهو يراقبهما خوفاً من أن يصابا بأذى. يستمتع الجميع، هنا، برذاذ البحر الذي يلطّف الأجواء من حولهم، وينثر عبقاً يجدّد الروح والطاقة.
إنه متنزهي الوحيد، الذي أقصده بانتظام تقريباً، فإمكانيّاتي محدودة ولا أستطيع الذهاب خارج المكلّا، حيث الحدائق المتهالكة والشواطئ المفتوحة على مدّ النظر، يقول العم مبارك، وهو يقذف بأجحار صغيرة في قعر البحر. عمري تجاوز الـ60 عاماً، وما زلت محتفظاً بذكريات لا تنسى لهذا المكان العزيز على قلبي، قبل أن تطاله أيادي العابثين، ومشاريع التدمير الإستثمارية، وهذه السفينة الغارقة "التشامبيون وان" التي لوّثته بنفطها قبل عامين.
كما ترى بأمّ عينيك، المكان رغم ضيقه يكتظّ بالزوار، أغلبهم من الشباب والأطفال الصغار في السن، يلعبون ويمرحون نهاية كلّ أسبوع وأوقات الإجازة. تصوّر! هذا الهلال الرملي أمامك بمثابة "منتجع" لذوي الدخل المحدود، طوال شهر رمضان المبارك، وقبل لحظات من موعد الإفطار!
يلتفت العمّ مبارك إلى الوراء، يلوّح بيديه صوب مبنى القصر السلطاني خلفه. أُنظر هذه التحفة المعمارية، المهجورة، المهدّدة بالفناء نتيجة الإهمال المتعمّد. كان هذا القصر، الذي سمّي بقصر "المعين" وهذا اللسان البحري صنوين، كالروح والجسد، كلاهما امتداد للآخر. إذا دخلت القصر ستشعر بأنّك في خرابة، على الرغم من قيمة القطع الأثرية الموجودة بداخله، هذا إذا لم تكن سرقت طبعاً، وإذا جلست مثلي أمام شاطئه ستدرك حجم الفوضى التي نعيشها، والإستهداف المنظم الذي يطال تاريخاً يراد له أن يُصهر أو يُزال أو يُبدّد. حكّام هذا الزمان يستحوذون على الأراضي ويبنون فيها قصورهم ويعزلون أنفسهم عن العامّة
كان الشاطئ أشبه بجزء من قصر السلطان القعيطي، مشكّلاً سياجاً من الكثبان الرملية بين أمواج البحر وبين مقرّ السلطان. على الرغم من ذلك، لم يكن الشاطئ مغلقاً أمام العامّة، كما يفعل حكّام هذا الزمان الذين يستحوذون على أراض بمئات الكيلومترات، ويبنون فيها قصورهم، ويعزلون أنفسهم عن العامّة. نحن هنا كنّا نلجأ إلى بحر المشراف بكلّ أفراد عائلاتنا، كان يوجد مكان مخصّص للنساء ليجلسن فيه بمحاذاة البحر، دون أيّ قلق أو إزعاج، "محد كان يتصلص على حد ولا يتجسّس، لأنه كان في حشمه لكلمة عيب". الشعور السائد بالأمان الذي كنّا نتمتّع به ذهب أيضاً مع الماضي الجميل، أصبح ذكرى كذلك، فكلّ شيء تغير، لأن البشر تغيّروا، هذه "سنّة الحياة".
يصمت العم مبارك، وهو يدقّق النظر في ساعة يده، وضحك، قائلاً: طبعاً أنا هربت من المنزل إلى هذا المكان، لأن الكهرباء مقطوعة، ولا نعرف متى تعود، البيوت أصبحت كالأفران، من شدّة الحرارة هذه السنة، لم نعد نذوق طعم الراحة ولا النوم، لا شيء أصبح مضموناً في قاموسنا اليومي، كل الحلول المتبّعة "ترقيعية" للأسف، وما في "فكه طول".
بالنسبة لرمضان، إختلفت التحضيرات اختلافاً جذريّاً عن السنوات الماضية. دعك من رمضان الفائت الذي عشناه تحت رحمة تنظيم "القاعدة"، حيث الرعب والخوف كان يكتسي النظرات والوجوه، ويضيّق الخناق على الأنفس، في رمضان هذه السنة مازال التوجّس يخيّم على الكلّ تقريباً، لن أبيعك الوهم، الكلّ يشكي من مواطن خلل، لكن لا أحد يبادر لإصلاح شيء. كانت تحضيراتنا لرمضان فيما مضى لها طقوس وعادات مميّزة، من شراء حاجيات ومقتضيات الشهر الفضيل، إلى تنفيذ حملات تنظيف للمنازل والأحياء المحيطة، كان رمضان عنواناً للتكافل الإجتماعي، في ظلّ أوضاع طبيعية. الغريب أنّه في هذه الظروف الكارثية التي نعيشها، حتّى خيوط التكافل تمزّقت، واهترأت، ربّما لأن أعداد من هم بحاجة للمساعدة تضاعفت، عن ذي قبل، و"للأمانة فإن الدعم الذي تقدّمه فرق الإغاثة من دولة الإمارات كان لها دور في التخفيف من معاناة الناس في استقبال شهر رمضان المبارك، ولو أن هناك من انتقد هذه الحملة، لأنّنا لسنا شعباً فقيراً أو منكوباً حتّى يتمّ التعامل معنا بهذه الطريقة"، لكن عموماً، "ما قصروا اخواننا عيال زايد".
بدأ الشفق الأحمر يتشكّل في سماء مدينة المكلّا، نهض العمّ مبارك من مكانه، وقبل أن يغادر، ألقى نظرة هادئة صوب البحر، وتنفّس بعمق، وقال: "بغيت الصدق، ماشي افتهم لك، ولا شيء افتهم لي، كلنا أصبحنا برّع السدة".
لمزيد من الأخبار يرجى الإعجاب بصفحتنا على الفيس بوك : إضغط هنا
لمتابعة أخبار الرأي برس عبر التليجرام إضغط هنا
- نصوص
- اخبار أدبية
- آراء وأفكار
- اليوم
- الأسبوع
- الشهر